ملف الأسبوع

ملف الأسبوع | هل يمهد خروج المغرب من اللائحة الرمادية لإغراق البلاد في الديون ؟

يغطي النقاش حول القضايا الاقتصادية خلال الشهرين الأولين من هذه السنة، على باقي مشاكل الوضع الداخلي ببلادنا. فرغم التساقطات المطرية والثلجية المهمة التي تشهدها المملكة، والتي تبشر بوفرة المياه خلال فصل الصيف القادم، وبالتالي، موسما فلاحيا مهما، وبالموازاة مع ذلك، ظهرت على الأقل قضيتان شغلتا الرأي العام الوطني، وهما أولا: لهيب أسعار الخضر والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، أما الثانية، فتتعلق بعودة النقاش بقوة بين المعارضة والحكومة، حول من يتحمل مسؤولية ارتفاع أسعار المحروقات على الصعيد الوطني، حيث تتهم حكومة عزيز أخنوش حكومة عبد الإله بن كيران بتحرير أسعار المحروقات، بينما يتهم هذا الأخير، الذي عاد إلى المعارضة خلال الحكومة الحالية، شركات المحروقات ومن بينها شركات في ملكية رئيس الحكومة الحالي، بتحقيق أرباح خيالية في تحايل واضح على القانون.

أعد الملف: سعد الحمري

    في خضم النقاش الدائر حول الغلاء، وبالأخص ارتفاع أسعار المحروقات، ظهر معطى اقتصادي جديد، وهو خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، وبخصوص هذه الأخيرة، فالملاحظ أن قنوات الإعلام العمومي غطت هذا الحدث بقوة، وخصصت له حيزا كبيرا ضمن الأخبار الرئيسية لتعديد مزايا هذا الإنجاز، فما هي أهم مزاياه؟ وأي منفعة سيقدمها للبلاد والعباد؟ وهل له سلبيات؟

سيطرة أزمة الأسعار وطريقة معالجتها على النقاش العمومي

تتمة المقال بعد الإعلان

    لا حديث هذه الأيام إلا عن أزمة الغلاء، والجديد في هذه الأزمة التي تفجرت على خلفية ارتفاع الأسعار، هو أنها ضربت اليوم الخضر والفواكه واللحوم والدواجن، أي أنها مست مخرجات “المخطط الأخضر” الذي كان رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، يشرف عليه شخصيا حين كان يشغل مهمة وزير الفلاحة في الحكومات السابقة، وبالتالي، بدأت الأصوات تتعالى وسط المعارضة، التي تقر بفشل مخطط “المغرب الأخضر”، وضرورة البحث ونهج مخطط فلاحي جديد يراعي الحاجيات الداخلية.

لم تكن الحكومة بعيدة عن نبض الشارع، فبعد أكثر من شهر من التذمر المجتمعي، تحركت حكومة عزير أخنوش من أجل احتواء هذا الغليان الداخلي، حيث تحركت على واجهتين: أولا، على مستوى الخطاب.. فقد تمسكت الحكومة بأربعة حجج أساسية، وهي ارتفاع أسعار المواد الأولية ومنها البذور والأسمدة في مناخ دولي مضطرب، وارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، وما ينتج عنها من ارتفاع أسعار البذور والآليات الزراعية التي يحتاجها الفلاح (ارتفاع كلفة الاستثمار)، وحالة الطقس (البرد الشديد) الذي قلل الإنتاج، خاصة في شهر يناير وفبراير، ثم جشع الوسطاء الذين يستغلون قلة الإنتاج للقيام بمضاربات واحتكار يضخم الأسعار، وثانيا: من جهة الإجراءات.. فقد توجهت الحكومة إلى تحريك الجهاز الإداري (الولاة والعمال) لمراقبة الأسعار والتصدي لبعض المضاربات، وقام القطاع الوصي بحوار مع مختلف المهنيين المعنيين للبحث عن توافقات يتم من خلالها الرفع من معاناة المواطنين بخفض الأسعار في هذه المواد، حثت المهنيين على وقف التصدير لبعض المنتوجات إلى إفريقيا.

وبعد مرور مدة من اتخاذ الحكومة لهذه الإجراءات، كانت النتيجة استمرار ارتفاع الأسعار في الأسواق، وانخفاضها في خطاب الإعلام العمومي فقط، ما دفع الكاتب المغربي الطاهر الطويل، ليعلق على الموضوع بالتالي: ((اليوم، صار في إمكان المغاربة أن يتركوا الأسواق ومتاجر الخضار والفواكه واللحوم، ويتّجهوا نحو التلفزيون إذا هم أرادوا اقتناء بضائعهم، وسبب ذلك، أن القنوات المحلية صارت المكان الوحيد الذي انخفضت فيه الأثمان، والعهدة على نشرات الأخبار والمسؤولين والمواطنين الذين يدلون بتصريحات للميكرفونات، أما في الواقع، فما زالت نيران الأثمان مستعرة، لا تطفئها حتى أصوات الغضب التي انتشرت في مجموعة من المدن المغربية))، وتابع نفس المتحدث كلامه قائلا: ((… والمثير حقا، أن مسؤولا استضافته إحدى النشرات الإخبارية، نعت كل الذين يتحدثون عن استمرار غلاء أسعار المواد الاستهلاكية بـ”العَدميين”، دون أن تطلب منه مذيعة الأخبار سحب هذه الكلمة أو الاعتذار عنها، إذ لا يجوز بأي حال لمسؤول في إدارة حكومية أن يستغل مروره في قناة تلفزيونية عمومية لكي يمرر عبارات قدحية في حق المواطنين الذين لهم وجهة نظر مغايرة وتقييم مختلف للمعطيات الراهنة.. التلفزيون يقول إن الأثمان بدأت في الانخفاض تدريجيا، وحجته في ذلك ما ردده الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة منذ بضعة أيام، على مرأى ومسمع من الإعلاميين والناس أجمعين.. لكن العادي والبادي يعرف أن المؤتمر الصحافي الأسبوعي للوزير المعني، هو فقط مناسبة “شكلية” لترديد ما يُملى عليه أو ما يُطلب منه أن يقوله، وليس بالضرورة هو الحقيقة)) (المصدر: القدس العربي، 23 فبراير 2023).

تتمة المقال بعد الإعلان

ظهور “إنجاز” الخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية

    في خضم هذا الوضع الاقتصادي الذي تسيطر عليه الأزمة، ظهر خبر جديد نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن معظمنا على اطلاع بمزاياه، غير أن وسائل الإعلام الوطنية تناولته وكأنه إنجاز عظيم حققه المغرب، وهو خروج المملكة من اللائحة الرمادية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد اتخاذه لمجموعة من الإجراءات التي تستجيب لتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف).

يذكر أن المغرب تم وضعه في اللائحة الرمادية منذ شهر فبراير من العام الماضي، وفي سعيه للخروج من اللائحة الرمادية، اتخذت السلطات العديد من التدابير والإجراءات القانونية ذات الصلة، حيث شُكلت لجنة وطنية لتطبيق العقوبات المالية المقررة من قبل الأمم المتحدة ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالموازاة مع إدخال تعديلات على قانون غسل الأموال الذي تمت المصادقة عليه في 20 أبريل 2021، وهي التعديلات التي شملت المادة الثانية (المادتان 17 و19) والمادة الثالثة (المادة 13.3) والمادة الرابعة (المواد 5، 13.1، 15 و32)، والمادة الخامسة من القانون رقم 12.18 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، ثم جاء يوم الامتحان الأول، خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث اجتمعت مجموعة العمل المالي الدولية بباريس، وفي تقييمها، أقرت بأن ((المغرب قام بإصلاحات جوهرية، من بينها تحسين مراقبة المخاطر واتخاذ الإجراءات التصحيحية الفعالة والمناسبة والرادعة لعدم الامتثال، وتقوية مراقبة مدى احترام المؤسسات المالية والفاعلين المعنيين بالالتزامات القانونية الجاري بها العمل، كما قام بمشاركة نتائج تقييم المخاطر للأشخاص الاعتباريين مع القطاع الخاص والسلطات المختصة، وتنويع أشكال التصريح بالمعاملات المشبوهة، واعتماد إجراءات الحجز والمصادرة)).

ورغم ذلك، أبقت اللجنة على المغرب في اللائحة الرمادية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ذلك أنها أكدت أن المغرب فعلا انتهى من تنفيذ مخطط العمل للخروج من اللائحة الرمادية، غير أن كل ذلك لم يكن كافيا بالنسبة لها لإخراج المملكة المغربية من لائحتها الرمادية، حيث تقتضي منهجية عملها التحقق ميدانيا من تطبيق تلك الإصلاحات والتدابير على أرض الواقع، ومدى أجرأتها فعليا في المنظومة المالية للبلاد، وهو ما أكدت أنه سيتم الوقوف عليه خلال الزيارة القادمة لها.

وفي مقابل ذلك، وضع المغرب مخطط عمل يهدف إلى الخروج من اللائحة الرمادية، وشكل لجنة يعود لها تطبيق عقوبات مالية ذات صلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووسع دائرة الجرائم الأصلية لغسل الأموال، حيث أضيفت جرائم الأسواق المالية والبيع وتقديم الخدمات، ثم عادت اللجنة إلى المغرب، وقامت بزيارة ميدانية في الفترة ما بين 16 و18 يناير 2023، وخلال اجتماعها الأخير، في الأسبوع الماضي، قررت المجموعة إخراج المغرب من اللائحة الرمادية.

أما عن مزايا خروج المغرب من اللائحة الرمادية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد أكد عدد من الخبراء الذين استضافهم التلفزيون العمومي، أن ذلك يشكل إجراء مهما لتعزيز مكانة المملكة لدى المؤسسات المالية الدولية، والمساعدة في الحصول على تمويلات للمشاريع والاستثمارات مع تحسين مناخ الأعمال، وقد اعتبرت الحكومة المغربية أن ((خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، سيؤثر بشكل إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات البنوك المحلية، كما سيعزز صورة المملكة وموقعها التفاوضي أمام المؤسسات المالية الدولية، وثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الوطني، وكذا المساهمة في تسهيل عملية استفادة المغرب من القروض البنكية الدولية بشروط تفضيلية، كما يمكن الاقتراض من البنك الدولي دون شروط أو إملاءات)).

وإلى جانب ذلك، تمت مقاربة هذا الإنجاز من زاوية أخرى، وهي أن مقر مجموعة العمل المالي الدولية يقع في العاصمة الفرنسية، التي تشن حملة على المغرب مؤخرا خوفا من تحوله إلى تركيا جديدة في شمال إفريقيا، وأن هذا الإنجاز الذي اتخذ في باريس يعتبر بمثابة الانتصار الدبلوماسي للمغرب من قلب فرنسا، الساعية إلى تشويه صورة المغرب لدى المؤسسات الأوروبية والدولية.

ومن جهة أخرى، ارتفعت أسهم كل الأبناك الوطنية المدرجة في بورصة الدار البيضاء، بشكل كبير يوم الجمعة الماضية، وهو اليوم الذي تزامن مع إعلان الخروج من اللائحة الرمادية، كما ارتفع مؤشر مازي بمعدل 1.5 في المائة، وهو ما يعتبر قفزة كبيرة لمؤشر في عالم البورصة خلال يوم واحد فقط.

بنسودة

طلب الديون لبلد مثقل بالديون هو العنوان الأبرز

    يمكن استخلاص أن أهم ميزة لخروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، هو ذهاب المملكة إلى السوق الدولية من أجل الاقتراض بفوائد تفضيلية، ودون شروط من المؤسسات المالية الدولية، وبإلقاء نظرة سريعة على مديونية البلاد، نجد أن البنك الدولي أصبح يدق ناقوس الخطر منذ مدة ليست بالقصيرة، من مشكلة تضخم الدين العام لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن ضمنها المغرب، من إجمالي ناتجها المحلي، وذلك بسبب اضطرارها إلى الاقتراض بشكل كبير لتمويل تكاليف الرعاية الأساسية، وإجراءات الحماية الاجتماعية.

ففي تقرير أصدره البنك الدولي في شهر أبريل 2021، أكد من خلاله أن الديون الخارجية للقارة الإفريقية إلى حدود سنة صدور التقرير، وصلت إلى نحو تريليون دولار، تتصدر جنوب إفريقيا القائمة بنسبة 15 في المائة من إجمالي الدين الخارجي للقارة، تليها مصر بنسبة 13 في المائة، ثم نيجيريا بنسبة 7 في المائة، إضافة إلى أنغولا بـ 7 في المائة، بينما حل المغرب خامسا بنسبة 6 في المائة.

وقد استمر تقييم المغرب من طرف مؤسسة البنك الدولي على أنه من الدول المثقلة بالديون على الصعيد الإفريقي، حيث صنفت المملكة في المرتبة الخامسة. ووفق تقرير البنك الدولي الصادر في سنة 2022، فإن ديون المغرب تتخطى 65.41 مليار دولار، في حين كانت قيمة الدين الخارجي تناهز 65.72 مليار دولار سنة 2020، كما جاءت في حدود 54.37 مليار دولار سنة 2019، وفي ذات السياق، كشفت وزارة الاقتصاد والمالية، في تقرير إحصائي نشرته مؤخرا، أن إجمالي الدين الخارجي العمومي للمغرب مع نهاية شهر شتنبر الماضي، ارتفع بنسبة 13.3 في المائة مقارنة مع سنة 2021، كما تطور الدين العام الذي يشمل الدين الداخلي والخارجي منذ سنة 2019، حيث انتقل من 64.8 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي إلى 75.4 في المائة، وهي نسبة يرتقب أن تبلغ 77.8 في المائة مع نهاية سنة 2022.

وبالنسبة لقانون المالية لسنة 2023، فقد جاء فيه أن الحكومة ستقترض خلال هذه السنة المالية ما لا يقل عن 129 مليار درهم لسد حاجياتها التمويلية المقدرة بحوالي 193 مليار درهم، وهو ما معناه أن حجم القروض التي ستلجأ إليها الحكومة خلال هذا العام، ستزيد بـ 21 مليار درهم.

وينص القانون المالي لسنة 2023، الذي صادق عليه البرلمان، على اقتراض 60 مليار درهم بالعملة الصعبة من الأسواق المالية الخارجية، أي حوالي 6 ملايير دولار.

وقررت الحكومة، ضمن مشروع القانون المالي لسنة 2023، أن تخصص 109 ملايير درهم لنفقات القروض برسم السنة القادمة، حيث ستبتلع فوائد وعمولات الدين العمومي حوالي 31 مليار درهم، فيما ستصل استهلاكات الدين العمومي المتوسط وطويل الأمد الى أزيد من 78 مليار درهم.

يستخلص من هذا أن المغرب مثقل بالديون، وبدأ ناقوس الخطر يدق بقوة خلال السنوات الأخيرة، فقد كتب الموقع الإلكتروني “العربي الجديد”، بتاريخ 4 أبريل 2022، أنه ((لم يكف مسؤولون مغاربة عن الدعوة إلى التحلي باليقظة والتحوط من مخاطر الإمعان في الاستدانة، حيث يستحضرون ما حدث في الثمانينات من القرن الماضي، عندما قفزت الديون الخارجية من 12.9 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي سنة 1974 إلى 43.8 في المائة عام 1982، ووجد المغرب في الثمانينات نفسه في وضعية عجز عن السداد جراء مديونيته المرتفعة جدا في تلك الفترة، كما اتسع عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري بشكل غير مسبوق، ما اضطر البلد إلى إعادة جدولة الديون الخارجية)).

وأضاف نفس المصدر، أن ((نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، صرح بأن الديون التي يحين سدادها، تستدعي غالبا الاستدانة مرة أخرى، وإن أعباء الدين تمثل حيزا كبيرا على مستوى موازنة الدولة، حيث مثلت أعباء الديون نحو 49.2 في المائة من الإيرادات الجبائية الصافية للدولة خلال العام الماضي))، ولفت إلى أن ((نسبة مديونية الخزانة من إجمالي الناتج الداخلي، كان يمكن أن تكون أكبر من 75.4 في المائة لو لم تعمد الدولة إلى تعبئة موارد عبر الهبات ومساهمات الشركات والموظفين والمواطنين من أجل ضخ إيرادات في صندوق مكافحة جائحة كورونا)).

جدير بالذكر، أنه أمامنا عدة تجارب من الجوار، ومنها التجربة المصرية، التي أصبحت على حافة الإفلاس، وصارت رهينة إملاءات البنك الدولي بعد عجزها عن سداد الديون.. فهل يكون الخروج من اللائحة الرمادية محفزا للاقتصاد الوطني من أجل أخذ قروض تساهم في مضاعفة الناتج المحلي الخام، أم نتجه إلى سيناريو الثمانينات ؟

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى