تحليل إخباري

تحليل إخباري | باحثة تشهر سلاح “الوثائق الملكية” في وجه خصوم المغرب

مهمة استراتيجية جديدة

((علموا أبناءكم تاريخ البلاد، لأن من يعرف بلاده لن يتنكر لها أبدا)).. هذه الجملة التي كان يرددها الملك العظيم الراحل الحسن الثاني، هي نفسها التي استعملتها يوم الثلاثاء الماضي، الأستاذة الباحثة الكبيرة، بهيجة سيمو، وهي تتحدث أمام ممثلي عدة وسائل إعلام، داخل مقر وكالة المغرب العربي للأنباء، حيث كان الحاضرون مدعوون على غير العادة، للسفر عبر الزمن، ولمس مفاتيح لفتح أبواب مشاكل الحاضر انطلاقا من الماضي، باستعمال “الوثائق التاريخية”.

بهيجة سيمو واحدة من أعمدة المملكة فيما يتعلق بالأرشيف الوطني، حيث تختلط الحسابات الأمنية والسياسية، داخليا وخارجيا، ما يتطلب منها الإلمام بأدق التفاصيل، خرجت إلى العلن يوم الثلاثاء لتشهر في وجه خصوم المملكة المغربية سلاح “الوثائق الملكية”، وهي تقول: ((من لا وثيقة له لا تاريخ له، ولا حضور له، وكأنه مصاب بمرض النسيان)).

ولا مجال للمزايدة عندما يتعلق الأمر بالوثائق التاريخية، فـ”القول بأن ليوطي يقف وراء اختراع العلم الوطني المغربي” قول خاطئ تماما، بل إن وجود العلم السلطاني أقدم بكثير من وجود ليوطي، هذا ما أكدته مديرة الوثائق الملكية، التي دعت من خلال لقائها مع الصحافة الوطنية، إلى إعطاء عناية أكبر لـ”الوثيقة التاريخية”، قائلة: ((أرجو أن نهتم بالوثيقة بشكل أكبر، وأن يخضع الاهتمام بها لميكانيزمات الحفظ، وشروط الحفظ، لأنه لا يمكن لأي كان أن يحفظ الأرشيف)).. هكذا تحدثت الأستاذة المحاضرة التي قدمت عرضا تحت عنوان: “مديرية الوثائق الملكية في خدمة التاريخ”، وتقدم “الأسبوع” مقتطفات منه ضمن هذا العدد.

إعداد: سعيد الريحاني

تتمة المقال بعد الإعلان

 

    لمن لا يعرف قيمة الوثائق التاريخية، عليه أن يسمع على لسان بهيجة سيمو، مديرة مديرية الوثائق الملكية، التي أصبحت مؤسسة استراتيجية(..)، ما يلي: ((ارتبط واقع الوثائق والمستندات المغربية بكينونة الدولة، ذلك أن تدبير أمورها يستلزم جهازا مكتبيا لتبليغ التعليمات السلطانية لمختلف دواليب الحكم، مدنية كانت أم عسكرية، فالوثيقة شهادة ثابتة للتعرف على أساليب تدبير الحكم، وهي من منتوجه أيضا، إذ تعتبر نصا شرعيا، وميثاقا بين الملك والشعب، وذلك من خلال نصوص البيعات، وقوانين لتدبير الحكم، من خلال الظهائر الشريفة والمراسلات السلطانية، وهي في نفس الوقت سلاح حاسم معتد به في عدة قضايا كما هو الشأن في رسم الحدود، وفي ضبط الأنساب وتحديد العلاقات بين الأمم، وهي بصفة عامة، مادة أساسية لكتابة التاريخ باعتبارها المصدر الأكثر غنى ومصداقية.. ولا ينحصر مفهوم الوثيقة عند الموروث المكتوب، بل يتسع المعنى ليشمل كل وعاء حامل لمعلومات تاريخية كيفما كان شكله، من وثائق مخطوطة، مثل الظهائر والبيعات السلطانية والكنانيش والعقود والاتفاقيات والتقارير، وأخرى إيكنوغرافية تدخل ضمنها الصور الفوتوغرافية والرسوم واللوحات الزيتية، وقد يتسع هذا المعنى ليشمل الأختام والطوابع البريدية والمسكوكات النقدية، وكلها عناصر ترمز إلى السيادة، وهو الإطار العام لإنتاج الوثيقة الملكية)).

ولم يكن اللقاء المذكور ليمر دون الحديث عن أقوى مؤسسة وطنية في الترافع عن القضايا الوطنية، وهي مديرية الوثائق الملكية.. فقد ((جاء تأسيس مديرية الوثائق الملكية سنة 1975، استجابة لمتطلبات وطنية كانت تقتضي تجميع الوثائق الخاصة بأقاليمنا الصحراوية، وذلك في وقت كان فيه المغرب يستعد للمسيرة الخضراء المظفرة.. وتحقيقا لهذا الهدف، تم تفريغ جل الوثائق المخزونة بالقصور الملكية بهذه المديرية كما هو معروف لدى الباحثين…)).

هكذا بدأت قصة الوثائق الملكية مع الملك الراحل الحسن الثاني، لكن القصة لم تنته بعد أن جعل الملك محمد السادس الوثيقة في صلب اهتماماته، ووفر للمديرية جميع الإمكانيات التقنية والمادية لتنتقل المؤسسة من مجرد مستودع للوثائق إلى دار من دور الأرشيف الحديثة تتعامل وتتفاعل مع قضايا البلاد.

تتمة المقال بعد الإعلان

وفي هذا الصدد، فقد سبق لمديرية الوثائق الملكية أن أصدرت عدة مؤلفات، كلها تقدم أجوبة لقضايا الحاضر، فالبيعة – مثلا – هي إحدى أرقى الوسائل الديمقراطية، وليست شيئا سلبيا كما يروج البعض لذلك، وقد ضربت الباحثة بهيجة سيمو مثالا عن ذلك، خلال اللقاء المذكور، ببيعة السلطان مولاي إسماعيل ذي الشأن العظيم، والذي تمت بيعته “بيعة مشروطة”، حيث قال له عبيد البخاري: ((نبايعك شريطة أن لا تحرك بنا في المصيف))، وهي قمة الديمقراطية.

وكل التفاصيل عن موضوع البيعة، توجد في كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، الذي صدر سنة 2011 (السنة لها رمزيتها)، وتقول بهيجة سيمو: ((إن من بين مظاهر أصالة هذا المؤلف، أنه يجمع لأول مرة نصوص البيعات بعد أن كانت في أماكن مختلفة، حيث يتأكد من خلال دراسة هذه النصوص، أن البيعة بالمغرب تقوم على أسس شرعية وتربط نصوصها المُلك بالاستقرار، وتبين أن البيعة مؤسسة تقوم على التعاقد بين الملك والشعب، فالبيعة هي أخذ وعطاء وشروط وواجبات، وهي صيغة تقليدية شرعية في الحكم، لا علاقة لها بالمصطلح الذي ترجمت إليه باللغة الفرنسية (allégeance)، والذي يفرغها من دلالتها الأصلية.. فكان كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” فرصة لتأكيد خصوصية نظام الحكم بالمغرب القائم على البيعة، وشهادة أخرى لتأكيد مغربية الصحراء، من خلال ما يتضمنه المؤلف من نصوص بيعات القبائل الصحراوية للسلاطين والملوك العلويين)) (المصدر: مداخلة الأستاذة بهيجة سيمو).

بهيجة سيمو خلال حضورها بملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء

ولا يمكن الحديث عن المؤلف السابق دون الحديث عن المؤلف القوي: “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية” الذي صدر سنة 2012، ويشتمل المؤلف على ثلاثة أجزاء تتضمن بشكل عام وشامل دراسة تاريخية للصحراء المغربية، مؤكدة بحجج لا لُبْس فيها، أن تاريخ المغرب ضارب الجذور في عمق أقاليمه الصحراوية، وأن الامتداد المغربي جغرافيا ومؤسساتيا يسير بكيفية موازية للامتداد الثقافي والفكري والمذهبي، والجميع يشكل إطار هذه الوحدة الراسخة، ويبرز الكتاب ممارسة سيادة المغرب في أقاليمه الصحراوية عبر العصور من خلال (فيما يلي جواب عن كل المشككين):

1) استمرارية بيعات القبائل الصحراوية للسلاطين والملوك العلويين؛

2) تعيين بموجب ظهائر شريفة، العمال والقواد والقضاة في مختلف الأقاليم الصحراوية؛

3) إدماج العناصر الصحراوية في الجند وفي الركب السلطاني ومشاركتها في تنظيم الحركات؛

4) وضع جهاز خاص للتواصل بين الحكم المركزي وجهة الصحراء عن طريق نظام الرقاصة والبريد؛

5) تنظيم التجارة بالأقاليم الصحراوية من خلال إصدار ظهائر شريفة؛

6) جبي الجبايات والمكوس؛

7) مشاركة القبائل الصحراوية في الحركات ورفع التقارير حولها؛

8) حركة العمران العلوي في الصحراء المغربية من خلال تشييد القصبات والأبراج وترميم المراسي؛

9) تدخل السلاطين والملوك لفض النزاعات والخلافات بين القبائل؛

10) إقرار التوقير والاحترام المنعم به على الشرفاء بالصحراء من خلال ظهائر التوقير؛

11) التواصل الفكري والثقافي والروحي بين مختلف جهات المغرب والصحراء المغربية؛

12) تلاقح القبائل فيما بينها؛

13) التنافس الاستعماري على الأقاليم الصحراوية المغربية وتدخل السلاطين والملوك للدفاع عن الوحدة الترابية؛

14) حراسة السواحل وإقامة “العسات” بالمراسي.

(المصدر: جزء كامل من محاضرة الأستاذة بهيجة سيمو، كما دونته الكاتبة الباحثة حرفيا).

تصوروا أن كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، والذي جاء في زيارة للصحراء وجد في استقباله والي جلالة الملك بيكرات، الذي قدم له نسخة من الكتاب المذكور شأنه شأن عدة دبلوماسيين(..).

وكانت مشاركة بهيجة سيمو في ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، قد لقيت رواجا كبيرا في الصحافة الوطنية، بداية من المؤسسة المستضيفة وكالة المغرب العربي للأنباء والتي قالت: ((إن بهيجة سيمو استعرضت أبرز المهام التي تضطلع بها مديرية الوثائق الملكية، بما في ذلك تجميع الأرصدة الوثائقية، وترتيب الوثائق وفق نظام تصنيف يسهل الحصول عليها، والتعريف بها لتقريب المعرفة التاريخية من المواطن، وذلك عبر قنوات مختلفة كنشر مجلة الوثائق الملكية التي بلغت أعدادها هذه السنة 23 مجموعة… كما أبرزت أدوار مديرية الوثائق الملكية في تأليف الكتب وتوسيع المعرفة التاريخية من خلال مشاركتها في مشاريع ثقافية كإنتاج أفلام وثائقية تاريخية، وتنظيم عدة معارض على المستوى الوطني والدولي، من قبيل معرض “روائع الكتابة بالمغرب: مخطوطات نادرة” بمعهد العالم العربي بباريس (2017)، ومعرض “المغرب الوسيط، إمبراطورية بين إفريقيا وإسبانيا”، بمتحف اللوفر بباريس (2014)، ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط (2015)، ومعرض “المغرب عبر العصور” سنة 2016، بتعاون مع مؤسسة “وسام التحرير” بالأنفليد بباريس، والذي يغطي مرحلة زمنية ممتدة على ثمانية قرون، ويبرز المنجزات الهامة على عهد جلالة الملك محمد السادس.. وتتولى بهيجة سيمو، مديرة الوثائق الملكية، منذ سنة 2008، عضوية عدد من اللجان والمؤسسات، على غرار اللجنة العلمية للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع، واللجنة المغربية للتاريخ العسكري، والجمعية المغربية للبحث التاريخي، وللسيدة سيمو، وهي أستاذة جامعية للتاريخ الحديث، مجموعة من الإصدارات باللغتين العربية والفرنسية، فضلا عن مساهمات في سلسلة من الأنشطة العلمية والمشاركات في ملتقيات دولية)).

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى