تحليل إخباري

تحليل إخباري | مؤامرة استهداف رجال المخابرات المغربية في أوروبا

بين ياسين المنصوري وعبد اللطيف الحموشي

بتاريخ 19 ماي 2015، نشرت القناة الفرنسية قصاصة تحت عنوان:”الرجل الأول في المخابرات المغربية مطلوب قضائيا في فرنسا”، وفي التفاصيل قالت: ((في ختام تحقيق تمهيدي استغرق 14 شهرا، قررت نيابة باريس ملاحقة مدير جهاز المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي))، وأضافت وقتها: ((أبلغت نيابة باريس رسميا القضاء المغربي، بتطورات القضية وبملاحقة الحموشي بعد أزمة دبلوماسية غير مسبوقة وقعت بين البلدين بخصوصها، وقررت الرباط على إثرها تعليق تعاونها القضائي مع باريس واستدعاء السفير الفرنسي عندها للتشاور، بعدما رفعت دعوى مضادة عندها..)).

نفس القناة، ومن نفس المحبرة، وفي غياب “خط تحريري واضح”، نشرت قصاصة أخرى، في ظرف وجيز، تحت عنوان: ((باريس تشيد بجهود الاستخبارات المغربية في مكافحة الإرهاب وتعتزم تقليد مديرها وساما))، ونقلت القناة المعروفة عن وزير الداخلية الفرنسي قوله: ((أريد الإشادة خصوصا بجهود المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الديسطي)، التي يعد دورها حاسما في تعاوننا في مجال مكافحة الإرهاب))، وأضافت القناة نفسها بأن ((الوزير الفرنسي خص بالشكر عبد اللطيف الحموشي، موضحا أنه “سبق لفرنسا بالفعل أن كرمت السيد الحموشي خلال سنة 2011 وقلدته وساما من درجة فارس”، مؤكدا أن فرنسا “ستقلده مجددا وساما كشهادة جديدة على التقدير الذي يحظى به”)).

إعداد: سعيد الريحاني

    التخبط المشار إليه أعلاه، في علاقة مع المخابرات المغربية، لم يكن مصدره بلدامن بلدان العالم الثالث، بل هذهدولة الأنوار(..)، تكذب نفسها بنفسها، ولا تجد أدنى حرج في التناقض بين مواقفها المعلنة، حيث انتقلت في ظرف وجيز من الهجوم على عبد اللطيف الحموشي إلى توشيحه بأعلى وسام في فرنسا.

تتمة المقال بعد الإعلان

ولم يكن الحموشي في حاجة لشهادة كفاءة من السلطات الفرنسية، فأكبر ضربة تلقتها المخابرات الفرنسية من نظيرتها المغربية، كانت في عقر دارها، حيث علمت الأجهزة المغربية بنوايا الأجهزة الفرنسية قبل الإعلان رسميا عنها، الأمر الذي تفسره التدابير الاحترازية التي تم اتخاذها في هذا الصدد، ورد الفعل المغربي الصارم بعد ذلك(..).

كل الأحداث المشار إليها سالفا، تتعلق بعبد اللطيف الحموشي، وفي فترة سابقة، غير أن الجديد هذه المرة، هو استهداف قائد المخابرات الخارجية، مدير مديرية الدراسات والمستندات (لادجيد)، ياسين المنصوري، وعدة مسؤولين مغاربة، وبما أن “اللعبة” اليوم أصبحت تلعب باسم البرلمان الأوروبي الذي يستهدف المغرب، فقد تكلف القضاء البلجيكي بإصدار مذكرة قضائية موجهة للقضاء الفرنسي، (أولاد عبد الواحد واحد)، يطلب فيها اعتقال مسؤولين مغاربة.

مثل هذا “الحطب الإخباري” يصب بطبيعة الحال في مصلحة خصوم الوحدة الترابية، لذلك لا غرابة أن تكتب “الشروق” الجزائرية نقلا عن “لوفيغارو” الفرنسية ما يلي: ((وجهت العدالة البلجيكية أوامر بالقبض إلى العدالة الفرنسية، من أجل توقيف المسؤولين المغاربة))..

وحسب الصحيفة الفرنسية التي نشرت صورة لمدير المخابرات المغربية ياسين المنصوري، باعتباره المتصدر لقائمة المطلوبين، فقد سلم القضاء البلجيكي لنظيره الفرنسي قائمة المطلوبين المغاربة من أجل القبض عليهم، مشيرة إلى أن دبلوماسيا فرنسيا علق على القضية بأن هؤلاء المسؤولين المغاربة لديهم أطفال يعيشون في فرنسا، وهذه الأخيرة وجدت نفسها في حرج، لأن الأمر سيزيد من تأزم علاقتها مع المغرب، لذلك، فهي لا تريد اعتقالهم عند نزولهم من الطائرة خلال مجيئهم لرؤية أطفالهم بفرنسا، بحكم أنهم أشخاص ولا نريد أن يتم إيذاؤهم، حسب قوله.

تتمة المقال بعد الإعلان

الطريقة التي تكتب بها هذه الأخبار، لا علاقة لها بالصحافة، خاصة وأنها تحمل تهديدا ليس فقط للمسؤولين المغاربة، بل لأبنائهم(..)، لا سيما مسؤولي المخابرات، والقطاعات الحساسة..

عندما استنجدت بلجيكا بالمخابرات المغربية عقب تفجيرات باريس

تبا للأخبار الترهيبية التي باتت تنتشر في وسائل الإعلام الأوروبية، مما سيتعين معه على كل مسؤول مغربي يعمل بالخارج، أن يحسب ألف حساب لتحركاته، لأن التهم جاهزة(..)، وعلينا أن نصدق أن البرلمان الأوروبي والقضاء الذي يسير في توجهه(..)، يريد مصلحتنا، ويريدنا أن نصبح بلدا متقدما، وفضلا عن هذا كله، علينا العيش بدون مخابرات.. إنها الحيلة التي تنطلي على البسطاء فقط، أما قضية رشوة البرلمان الأوروبي، فماهي إلا مؤامرة، ذلك أن هذا البرلمان رهين للوبيات، وطريقة عمل اللوبيات معروفة(..).

في بلجيكا، باتوا يستهدفون ياسين المنصوري شخصيا، مدير “لادجيد”، ونسوا أن ملكهم سبق له الاستنجاد بالمخابرات المغربية لمواجهة الإرهاب(..) عبر اتصال هاتفي بالملك محمد السادس، وقالت وكالات الأنباء وقتها أن ((بلجيكا طلبت تعاونا استخباريا من المغرب، في وقت تواصل فيه السلطات البلجيكية ملاحقة أشخاص يشبته في ضلوعهم في هجمات باريس التي أودت بحياة نحو 130 شخصا.. وكانت معلومات استخباراتية مغربية قد ساعدت المحققين الفرنسيين في اقتفاء أثر البلجيكي من أصل مغربي، عبد الحميد أباعود، المتهم بالتخطيط لهجمات باريس، والذي قُتل في هجوم للشرطة على شقة بمنطقة سان دوني شمال باريس.. وفي وقت سابق، وجّه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الشكر للملك المغربي على المساعدة الفعالة التي قدمها المغرب بعد هجمات باريس)) (المصدر: وكالات).

بلجيكا التي استنجدت وشكرت المخابرات المغربية على مجهوداتها، هي نفسها التي تستهدف ياسين المنصورياليوم، والأكيد أن الخلل الحاصل في بعض البلدان الأوروبية، لا سيما فرنسا وبلجيكا، يؤكد فقدان السيطرة على الأمور، وما كل شيء يقال(..).

في البرلمان الأوروبي، أصبح كل من يدافع عن المغرب متهما حتى إشعار آخر(..)، بل إن القضاء البلجيكي الذي يحاول إعطاء الشرعية لتحركات البرلمان الأوروبي، حقق سابقة تاريخية بعمله على “التنسيق” مع المتهم الإيطالي مقابل تخفيف العقوبة عنه(..)، وهو ما يعني “التواطؤ” بين القضاء والمتهم، وبصيغة أخرى،”اعطنا التصريحات التي نريد ونعطيك العقوبة المناسبة لك”.. هكذا يتحدث القضاء البلجيكي عمليا(..).

المخابرات المغربية هي التي كشفت رحلة «ابن بطوش» للاستشفاء في إسبانيا

ولا حاجة للتذكير أيضا بأن ياسين المنصوري، على غرار عبد اللطيف الحموشي، كان دائما محل إشادة من طرف وسائل إعلام دولية، فـ((ياسين المنصوري نشأ في بيت فقه وعلم، ودرس في المدرسة المولوية مع الأمير محمد بن الحسن -الملك محمد السادس لاحقا- وتقلد مناصب رفيعة، ويحظى بسمعة طيبة وسط المثقفين والناشطين والسياسيين..التحق محمد المنصوري بديوان وزير الداخلية السابق إدريس البصري، الذي كان يعتبر الرقم 2 في الحكم بعد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان يطلق على وزارته في ذلك الوقت اسم أم الوزارات.. وساهم المنصوري في الإشراف على الانتخابات التشريعية في عهد الملك الحسن الثاني، ثم عيّن عام 1999 مديرا لوكالة المغرب العربي للأنباء، وفي سنة 2003، تولى مهام والي مدير عام للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية..عاما بعد ذلك، وبالضبط في مارس 2004، شهد المسار المهني للمنصوري نقلة نوعيه بتوليه أحد أهم المناصب الحساسة في البلاد،حيث أصبح مديرا عاما لمديرية الدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية)، وهو أول رجل مدني يتولى هذا المنصب الحساس بعدما نال ثقة الملك محمد السادس، وجاء تولي المنصوري لهذا المنصب بعد عام على تفجيرات 16 مايو 2003 التي ضربت الدار البيضاء وقتل فيها نحو 45 شخصا، ودفعت المغرب إلى إعادة صياغة سياسته الأمنية.

ويحظى محمد ياسين المنصوري بسمعة طيبة وسط السياسيين ورجال الإعلام في المغرب بالنظر إلى الخصال التي يتمتع بها، وعدم وجود مناطق احتكاك بينه وبين التنظيمات السياسية، ومن الأشياء التي لفتت الانتباه عام 2017، وجود ياسين المنصوري ضمن الفريق الذي عبد طريق عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بعد غياب بدأ عام 1981)) (المصدر: قناة الجزيرة الدولية).

إن استهداف رجال المخابرات المغربية، لا سيما من طرف دول أوروبية، واستهداف أبنائهم في الخارج، ليس استهدافا لأشخاص في حد ذاتهم، ولكنها محاولة مكشوفة للنيل من النظام المغربي، لا سيما وأن المخابرات المغربية (الداخلية والخارجية) أصبحت تعطي الدروس للدول الأوروبية.. أليست المخابرات المغربية هي التي كشفت دخول “ابن بطوش” بهوية مزورة إلى التراب الإسباني لتلقي العلاج؟ أليس هذا الدرس هو الذي ساهم في تعزيز العلاقات المغربية الإسبانية اليوم؟ ألم يكن التعاون الأمني هو عصب الحركة بين المملكتين الإسبانية والمغربية بعد توقف التعاون السياسي بين البلدين بسبب “ابن بطوش”(..) ؟

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى