تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل ينضم المغرب إلى مسلسل الانتفاضة الإفريقية ضد فرنسا ؟

سقوط عاصمة الأنوار نحو العالم الثالث

خلف الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك مقولة خالدة، عندما قال بأن “فرنسا دون إفريقيا ستنزلق إلى مرتبة العالم الثالث”، وها هي الدول الإفريقية تنتفض اليوم الواحدة تلو الأخرى ضد التواجد الفرنسي في القارة الإفريقية.. فقد ((علقت السلطات الانتقالية التي تحكم دولة بوركينا فاسو، العمل باتفاق عسكري موقع مع فرنسا منذ سنة 2018، وطلبت من باريس سحب 400 من قواتها الخاصة يتمركزون في هذا البلد الإفريقي بحجة محاربة الإرهاب، وهي خطوة كانت متوقعة بسبب توتر العلاقات بين فرنسا ومستعمرتها السابقة التي تعاني من هجمات إرهابية متصاعدة منذ سنة 2015، ويأتي قرار السلطات العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو، ليعقّد من وضعية الفرنسيين في غرب إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، إذ ألغت سلطات مالي، المجاورة لبوركينا فاسو، اتفاقها العسكري مع فرنسا، مما أرغم الفرنسيين العام الماضي، على سحب قواتهم نحو النيجر المجاورة.. ونقلت وكالة “فرانس بريس” عن مصدر قريب من الحكومة في بوركينا فاسو، أن هذه الأخيرة طلبت مغادرة الجنود الفرنسيين في أسرع وقت ممكن، وأضاف المصدر نفسه، أن الأمر لا يتعلق بقطع العلاقات مع فرنسا، وإنما الإخطار يتعلق فقط باتفاقات التعاون العسكري)) (المصدر: الشرق الأوسط/ 23 يناير 2023).

 

الرباط. الأسبوع

    حتى وقت قريب، لم يكن بالإمكان قراءة مثل هذه المقالات التي تدين فرنسا بشكل علني، لأن “ماما فرنسا” اعتادت أن تتحرك بكل أريحية فوق التراب الإفريقي، ولكن اليوم، بدأ نفوذها في الانحسار، حيث أكدت وكالة الأنباء الفرنسية، أن ((الخيار الذي تفضله فرنسا هو إعادة نشر قواتها الخاصة في جنوب النيجر المجاور، حيث ينتشر زهاء ألفي جندي فرنسي، وسبق أن استقبلت النيجر آلاف الجنود الفرنسيين المنسحبين من دولة مالي، بالإضافة إلى جنود متمركزين في النيجر منذ عدة سنوات، بموجب اتفاق عسكري ثنائي بين البلدين)) (نفس المصدر).

قبل بوركينا فاسو، اضطرت فرنسا للانسحاب من مالي، وفي ظل هذه الصحوة الإفريقية، عاد الحديث بقوة عن الجرائم الوحشية التي ارتكبتها فرنسا فوق التراب الإفريقي، ومنها (المصدر: عن الكاتب بهاء الدين الزهري/ موقع البيان):

(( 1) سنة 1966م، كان موريس ياميوغو، أول رئيس منتخب في جمهورية فولتا العليا التي تسمى اليوم بوركينا فاسو، ضحية انقلاب قاده عبد القادر سنغولي لاميزانا، وهو أيضا ملازم سابق في الفيلق الفرنسي، إذ قاتل هذا الملازم مع القوات الفرنسية في أندونيسيا والجزائر ضد استقلال تلك البلدان.

2) من أشهر المجازر الجماعية، والإبادات البشرية التي قامت بها فرنسا، تلك التي ارتكبت سنة 1994م، عندما لعبت دورا كبيرا في الإبادة الجماعية في حق إثنية “التوتسي” في رواندا، وهي من أكبر عمليات الإبادة في التاريخ البشري، إذ سقط أكثر من 800 ألف قتيل.

3) ورغم تمتع دول إفريقية بالاستقلال منذ أكثر من 50 عاما، لا زالت فرنسا تفرض إتاوات على 14 دولة إفريقية تحت اسم ضريبة “فوائد الاستعمار”، وتجبرهم على وضع 85 في المائة من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي بباريس.

وإلى جانب ذلك الشرط، تنص الاتفاقية التي تتضمن 11 بندا، على وجوب دفع تلك الدول ضريبة مقابل البنية التحتية التي بنتها فرنسا أثناء الاحتلال، ولفرنسا الأولوية في شراء الموارد الطبيعية الموجودة في أراضي تلك الشعوب، كما تنص على وجوب عرض العقود الحكومية على الشركات الفرنسية.

4) تعتبر المستعمرات الفرنسية في إفريقيا هي أكثر المستعمرات معاناة وحروبا، حيث الإرهاب والقتل والدمار، حيث تعمل فرنسا بكل وحشية على استنزاف تلك الدول وليس نصيب المعارض منها إلا القتل أو الانقلاب.

5) ليس من عجب أن يكون المحرك لهذ التوحش منذ القرن التاسع عشر، هو اعتبار سكان العالم الجديد لا يمتلكون أرواحا في أبدانهم، وأن البشر السود لحقت بهم اللعنة التي أطلقها نوح ضد ابنه حام.

6) في سنة 1685م، تم إصدار “القانون الأسود” أو “قانون السود”، الذي “ينظم الإبادة الجماعية النفعية، الأكثر عدائية للحداثة”، والدولة هي التي تسن قانون العبيد الذي أخضع له الإنسان الأسود، ضحية الاستعباد والعبودية، وهذا “القانون الأسود” هو الأصل الشرعي لتحويل العبد إلى وحش ونشأة نزعة العِرقيّة العنصرية.

الملك محمد السادس محاط بحب المواطنين الأفارقة حيث يتم استقباله شعبيا

7) فرضت قوانين عقابية وأطلقت عليها مسمى “القوانين الخاصة” التي تتيح لها ارتكاب جرائمها تحت غطاء قانوني، وأجازت ما أسمته مبدأ “القتل لكل مقاوم”.

8) منذ عام 1830م، فاق عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي في الجزائر فقط، الـملايين.، كما مارست فرنسا إبادة ثقافية في حق المجتمع الجزائري، وعملت على القضاء على الهوية الجزائرية والآثار العثمانية..

9) وكذلك في المغرب، قامت القوات الفرنسية الغازية بمحاولة فصل المجتمع المغربي عن هويته وتغييب ذاكرته الوطنية والثقافية، وأصدرت فرنسا عام 1930 ما عرف بـ”الظهير البربري”، وهو قانون يمنع الأمازيغ في المغرب من التحاكم في قضاياهم المختلفة إلى الشريعة الإسلامية، أو إلى العرف البربري. كما منعت فرنسا المغاربة الأمازيغ من تعلم الإسلام واللغة العربية، بغية محو الهوية الإسلامية للمجتمع الأمازيغي والقضاء على كل ما هو عربي في هذا المجتمع التقليدي والمحافظ.

10) أجرت القوات الفرنسية سلسلة تجارب نووية في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، لدراسة مدى أثرها على البشر، من بينها 17 تجربة نووية – على الأقل حسب مسؤولين فرنسيين – وتسببت تلك التجارب في مقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستديمة للملايين، بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.

11) وخلال الفترة الاستعمارية، تم توثيق الكثير من الجرائم الفرنسية في تونس والمغرب وسائر البلدان الإفريقية، منذ بداية الاحتلال وحتى ما بعد خروجه، وتنوعت الجرائم بين القتل والإعدامات والتصفيات والاعتقالات والملاحقات، واغتصاب النساء وقتلهن، والاعتداء على الممتلكات ومصادرتها، وإحراق المزارع، والمحاصيل الزراعية، وهدم المنازل بالجرافات في عدة مناطق على الأراضي التونسية، وأسر أفراد القبائل، ونفي قبائل تونس وتهجيرهم، حيث بلغ الشهداء عشرات الآلاف.

12) في سنة 1911، اكتملت السيطرة الفرنسية على تشاد، ومارست أنواعا كثيرة من التعذيب، وألغت القوانين الإسلامية ومنعت استخدام اللغة العربية، ودمرت الآثار الإسلامية التي خلفتها الإمارات والسلطنات والممالك الإسلامية في المنطقة، وأحرقت المساجد والجوامع والمدارس القرآنية أيضا، وعملت على نشر النصرانية لتحقيق أهدافها في الاستعمار والاستقرار والاستغلال في هذه الدولة الحديثة.

13) سنة 1917، ارتكبت مجزرة “كبكب”، حيث جمعت القوات الفرنسية خيرة علماء الدين الإسلامي في تشاد والمنطقة، ما يقارب 400 عالم دين وزعيم محلي في مدينة أبشة بإقليم واداي، وكان اللقاء مبرمجا ظاهريا للحديث عن إدارة البلاد تحت الحكم الفرنسي وكيفية تصريف شؤونها، إلا أن المستعمر الفرنسي كان يبطن الشر، حيث تم القضاء عليهم، عبر ذبحهم بدم بارد مرة واحدة، ودفن هؤلاء العلماء في مقبرة جماعية بمنطقة أم كامل، وهو وادي داخل أبشة والمقبرة موجودة حتى الآن.

14) بعد تأسيس حركات التحرر الوطني ودعوتها إلى الاستقلال، مارست القوات الفرنسية انتهاكات جسمية ومروعة في حق أعضائها، وزادت من مستوى القمع والتنكيل، حيث قامت بقتل وإعدام واعتقالات بالجملة، وقصف عشوائي، واغتصاب النساء وإحراق المزارع.. تلك كانت الإجابة التي تقيمها القوات الفرنسية ردا عن سؤال التحرر والاستقلال، في محاولة منها لقمع أي حركة للمقاومة، وقتل في حركات التحرر الإفريقية بضعة ملايين مواطن إفريقي.

15) استخدمت فرنسا دولا إفريقية، مثل السنغال وساحل العاج والبينين، كمراكز لتجارة العبيد، وقامت ببيع وشراء الأفارقة السود كسلعة خلال مدة تصل إلى 300 سنة، اشترت فيها ملايين من البشر كالعبيد من القارة السمراء)) (المصدر: جرد هذه الجرائم بتصرف عن بهاء الدين الزهري/ البيان).

حكايات جرائم فرنسا بهذه الوحشية لا تنتهي.. ومن هنا يمكن توقع خطورة ترتيب زيارة ملكية للملك محمد السادس إلى أدغال إفريقيا، سنة 2014، ويمكن كذلك تصور العمل الذي قام به فريق متخصص لترتيب الزيارة الملكية إلى الكوت ديفوار، والغابون، وغينيا بيساو، والسنغال، وتشاد… يمكن كذلك تصور إحساس المسؤولين الفرنسيين وهم يسمعون خطابا مختلفا للملك محمد السادس، حيث قال في أبيدجان: ((إفريقيا قارة كبيرة بقواها الحية وبمواردها وإمكاناتها، وعليها أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية، ذلك أنها لم تعد قارة مستعمرة، لذا، فإفريقيا مطالبة اليوم بأن تضع ثقتها في إفريقيا..

“قارتنا ليست في حاجة للمساعدات بقدر ما تحتاج لشراكات ذات نفع متبادل، كما أنها تحتاج لمشاريع التنمية البشرية والاجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية”، داعيا إفريقيا إلى اتخاذ لملمة شملها كي لا تظل رهينة لماضيها ولمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية، بل عليها أن تتطلع لمستقبلها بكل عزم وتفاؤل، وأن تستثمر في سبيل ذلك كل طاقاتها)) (هكذا تحدث الملك محمد السادس في أبيدجان).

ورغم أن المغرب يعد نموذجا إفريقيا متميزا، والمفروض أنه بلد مستقل عن فرنسا، إلا أنه يخضع مثل غيره من الدول لضغط متواصل من لدن اللوبي الفرنسي الناشط في بلادنا بقوة: فـ((رغم أن الاستعمار قد طرد، إلا أنه خلف وراءه أفرادا يخدمون غاياته، المتمثلة في فرض الاحتلال وقوانينه وقيمه وهيمنته الاقتصادية والثقافية والسياسية، باعتبار أن الفرنكفونية تحولت وصارت قضية سياسية، تستعمل اللغة الفرنسية كأداة تسخرها لخدمة مصالحها، لكونها تعد في واقع الحال، وسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم، بوصفها أداة سياسية تكتسي طابعا استعماريا قال عنه المهدي المنجرة، إنه لا يقبل واقع تطور الأشياء ويريد التعلق بشيء نبيل مثل اللغة الفرنسية من أجل استعمالها كوسيلة للتفاوض من أجل إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، ومنع التغيير في بعض البلدان، بل أكثر من ذلك، استعمالها كوسيلة لمحاربة اللغات الوطنية واللغات الأم)) (المصدر: جريدة المساء/ عن تحقيق سابق لجريدة الأسبوع الصحفي).

مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.. وقد باتت فرنسا أقرب إلى خصوم الوحدة الترابية بدل أن تكون قريبة من المغرب، حيث يتواصل نهبها لإمكانياته المادية دون فائدة.. فهل يكون المغرب جزء من الصحوة الإفريقية، ويبادر إلى إبعاد المكون الفرنسي عن مراكز النفوذ في السياسة والمال والأعمال، لا سيما بعد التوجه الملكي نحو المطالبة بوضوح المواقف إزاء الصحراء المغربية، تلك النظارات التي بات ينظر بها إلى العالم(..) ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى