تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | محاولة استهداف إمارة المؤمنين بالإساءة لسمعة المنتخب المغربي

الهجوم على اللاعب أبوخلال بعد الهجوم على قطر

سبق للملك محمد السادس، أمير المؤمنين، أن هنأ أعضاء المنتخب المغربي بمناسبة بلوغهم نصف نهاية المونديال الذي احتضنته دولة قطر، بل إن الأسود خصص لهم استقبال رسمي وعشاء ملكي واستقبال شعبي احتفاء بهذا الإنجاز الغير مسبوق لأي دولة عربية وإفريقية، غير أن الظروف وتعرض اللاعب زكرياء أبو خلال لهجمة إعلامية تنهل من محبرة الغرب(..)، فرضت إعادة نشر مقتطفات من التهنئة الملكية التي خصصت لهذا اللاعب، حيث تشيد التهنئة المذكورة بـ((ما يتحلى به من التزام وانضباط وتشبث واعتزاز بالانتماء للمغرب، وحرصه على تمثيله في المنافسات الدولية))، كما جاء في نفس الرسالة الموقعة بتاريخ 21 دجنبر، إشادة بمساهمة أبو خلال المتميزة في تحقيق الإنجاز الرياضي الكبير))، كما عبر جلالته عن ((سابغ عطفه وموصول رضاه داعيا الله عز وجل أن يلهم اللاعب المغربي الشاب موصول التوفيق في مساره الرياضي)).

إعداد: سعيد الريحاني

    كان زكرياء أبو خلال واحدا من اللاعبين الذين تم توشيحهم بالوسام في استقبال ملكي كبير، فكيف لم يخطر على بال من كتبوا عن “اختراق” لصفوف المنتخب الوطني، أن الأمر يمتد إلى “الإساءة” لنشاط ملكي؟ هل تعقل مثل هذه الأخطاء؟ وكيف يمكن الحديث عن اختراق ديني في هذه الحالة(..)؟

وقد تعرض اللاعب أبو خلال لهجوم إعلامي، نظرا لسلوكه الملتزم، حيث اتهمته بعض الأقلام بالانتماء إلى “تيار ديني متشدد”، وبينما سكت أبو خلال عن هذه الهجمة، تكلفت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالرد عبر بلاغ جاء فيه: ((على إثر نشر أحد المواقع الإلكترونية مقالا يمس شخص وسلوك اللاعب الدولي المغربي زكرياء أبو خلال أثناء مشاركته صحبة النخبة الوطنية في نهائيات كأس العالم قطر 2022، تنفي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نفيا قاطعا الاتهامات الباطلة التي طالته في هذا المقال، حيث أبان اللاعب عن سلوك مثالي إلى جانب زملائه من أجل تحقيق نتائج مشرفة للنخبة الوطنية في هذا المحفل العالمي))، كما جاء في نفس البلاغ: ((وإذ تعبر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن إدانتها الشديدة لتعاطي هذا الموقع الإلكتروني مع شخص وسلوك اللاعب زكرياء أبو خلال، ومن خلاله لصورة المنتخب الوطني بكل فعالياته، تؤكد أنها ستلجأ إلى المساطر القانونية لحماية أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم ودحض كل ادعاءات باطلة تمس سلوكهم أو حياتهم الشخصية أثناء ممارسة مهامهم الوطنية)) (المصدر: بلاغ الجامعة المغربية لكرة القدم).

وكانت قضية أبو خلال قد كبرت مثل كرة الثلج، لأن المتتبعين يعرفون خطورة إقحام السياسة والدين في إنجاز رياضي(..)، لذلك استعجل المجلس الوطني للصحافة في نشر بلاغ يشرح من خلاله بعض الحيثيات، حيث قال: ((نشرت صحيفة رقمية(..) اتهامات ضد لاعب المنتخب المغربي، زكرياء أبو خلال، بخصوص ادعاءات حول سلوكه أثناء مشاركته في نهائيات كأس العالم بقطر، وهو الأمر الذي لا يمكن اعتباره عملا صحافيا بأي شكل من الأشكال، لأنه لا علاقة له بتغطية حدث رياضي حظي بمتابعة واسعة من طرف الجمهور المغربي والعالمي.. إن المجلس الوطني للصحافة يسجل هنا أن التركيز من طرف الصحافة على أي شخص بسبب انتمائه العرقي أو الديني، يعتبر وصما غير مقبول، ترفضه كل مواثيق أخلاقيات الصحافة، ومنها ميثاق أخلاقيات المهنة المعتمد وطنيا كما أعده المجلس، والمنشور في الجريدة الرسمية كما ينص على ذلك القانون، إذ تؤكد المادة الثانية في باب المسؤولية إزاء المجتمع، أنه “لا يجوز التمييز بين الناس بسبب جنسهم أو لونهم أو عرقهم أو إعاقتهم أو انتمائهم الديني أو الاجتماعي، أو من خلال كافة أشكال التمييز الأخرى، ولا التكفير والدعوة للكراهية والوصم واللاتسامح، كما يلتزم الصحافي بعدم نشر وبث مواد تمجد العنف والجريمة والإرهاب..”، والمجلس إذ يستنكر هذا السلوك من طرف الصحيفة المذكورة، ينبه إلى خطورة الانسياق وراء الإثارة المجانية، لاسيما وأن بعض وسائل الإعلام الأجنبية حاولت الإساءة للمنتخب المغربي من خلال تحريف سلوك لاعبيه انطلاقا من تعبيراتهم العفوية عن تشبثهم بقيمهم الأصيلة، الثقافية والعائلية)) (المصدر: بلاغ المجلس الوطني للصحافة، الذي قال إنه سيعرض هذا الملف – طبقا لميثاقه والقانون الذي يؤطر عمله – على لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية).

الملك محمد السادس يوشح صدر اللاعب أبو خلال

وليس أبو خلال وحده.. بل إن ارتباط مشاركة المغرب في مونديال قطر ببعض القيم التي تضرب في الصميم القيم الغربية، مثل التشبث بالأسرة، ورضى الوالدين، ونبذ المثلية، وعدم تعارض الالتزام الديني مع الرياضة العالمية.. خلق مشكلة كبيرة لوسائل الإعلام الغربية، التي كانت مشحونة أصلا ضد تنظيم كأس العالم لكرة القدم في دولة عربية مثل قطر، ولكن العرب نجحوا عكس الصورة المرسومة مسبقا(..)، بل إن صورة المنتخب المغربي وهو يسجد للخالق تعالى سجود الشكر، جالت العالم كله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبينما فهم العالم كله أن اللاعبين يشكرون الله، فضل عضو في حزب العدالة والتنمية مناقشة، هل يجوز هذا السجود بدون طهارة، وتلك معضلة بعض المحسوبين على التيارات الدينية لولا أن المغرب تحكمه مقتضيات “إمارة المؤمنين”.

وكان الهجوم الإعلامي على اللاعب أبو خلال، هو الذي وفر الحطب لجهات إعلامية معادية للمغرب، بالحديث عن اختراق مزعوم للأفكار “الداعشية” للمغرب، علما أن وسائل إعلام غربية سبق أن اختلطت عليها الأمور، بين “الإسلام المغربي” وحركات التنظيمات المتطرفة، فعلى سبيل المثال: “بثت قناة “فيلت” (Welt) الألمانية، تقريرا يربط بين لاعبي المنتخب المغربي لكرة القدم وتنظيم الدولة (داعش)، بسبب رفعهم أصبع السبابة احتفالا بفوزهم على البرتغال في ربع نهائي كأس العالم قطر 2022، مما أثار حالة من الغضب على شبكات التواصل الاجتماعي.. ووصف المذيع الألماني تلك الصورة بأنها “مثيرة للغضب والاستفزاز”، مبررا ذلك بأن رفع السبابة هي الإشارة ذاتها التي يستخدمها “متشددو تنظيم الدولة الإسلامية بعد فتوحاتهم”، على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه غير متأكد مما إذا كان لاعبو أسود الأطلس يقصدون دعم أي “تنظيم إرهابي” باستخدامهم “إشارة التوحيد”)) (المصدر: عدة وكالات).

والحقيقة، أن نموذج الإسلام المغربي، الذي يجد سنده في إمارة المؤمنين، هو الذي أزعج عدة جهات، ومن لا يستبعد دخول المعطيات السياسية في قضية أبو خلال، طالما أن خصوم إمارة المؤمنين وجدوا نفسهم أمام إحراج كبير في مونديال قطر.. أليس لاعبو المنتخب المغربي هم رسل إمارة المؤمنين، ورسل المغرب ورسل الإسلام المغربي؟ أليست هذه أقوى صورة مشرفة للإسلام في مونديال فرضت فيه الدولة المستضيفة احترام تعاليم الدين الذي تدين به(..)؟

وبخلاف الصورة السابقة، التي حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية إلصاقها بمنتخب يمثل دولة يوجد على رأسها أمير المؤمنين، انتبهت بعض وسائل الإعلام الغربية لهذا الخطأ، وكتبت مواضيع إيجابية عن الحالة المغربية، حيث قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية على سبيل المثال: ((“إن ممارسة المغاربة لطقوس دينية أثناء مباريات كأس العالم قطر 2022، وفخرهم بالإسلام، يجب أن يلهمنا جميعا..”.

أبو خلال // الصبيري // شاعر

وذكرت الصحيفة في تقرير مطول، مساء الأربعاء، أنه “قبيل ركلات الترجيح في دور الستة عشر بين المغرب وإسبانيا، تلا اللاعبون المغاربة سورة الفاتحة، وبعد تأمينهم العبور إلى دور ربع النهائي، ركض الفريق نحو الجمهور وقاموا بالسجود”.. وأشارت إلى أن “المغاربة من خلال هذه الممارسات، لم يعلنوا للعالم فخرهم بكونهم مغاربة فقط، بل فخرهم بالإسلام أيضا، الذي ألهم احتفالات بنشوة النصر في جميع أنحاء العالم الإسلامي”، وأوضحت “الغارديان” أن “رؤية اللاعبين المغاربة على تلفزيون عالمي وهم يطبقون تعاليم الله بتكريم أمهاتهم اللواتي كن يرتدين الحجاب، لم يكن جميلا ومؤثرا وراقيا فحسب، بل كان مهما ومبلورا لجوهر المنافسة الدولية”.. واعتبرت أن “مونديال كرة القدم يعد فرصة للتعرف على الثقافات المختلفة والاحتفال بالتنوع لجعل العالم مكانا أفضل”)) (المصدر: تقارير عدة وكالات).

((إن تنظيم كأس العالم في قطر، وبشهادة العديد من المحللين والمتتبعين، كان مختلفا عن العادة في تنظيم هذا الحدث الرياضي العالمي، بدء بالتحضير للمونديال بإقامة الملاعب الرياضية وما صاحبه من تقليل من قدرة دولة قطر على النجاح في هذا التنظيم، ثم ما رافقه قبل موعد انطلاق المباريات من قوانين تنظيمية وما صاحبها بالتقليل من قيمتها من لدن بعض الدول الغربية، ليُصاب العالم بعد ذلك بالذهول وهو يتابع الحدث بمواصفات تقنية وعلمية مبتكرة وجديدة تضاهي أكثر الدول تقدما في العالم، ثم يصاب العالم مرة ثانية بالذهول وهو يتابع حجم منسوب القيم الأخلاقية الذي يتدفق في جنبات الملاعب وأرضيتها، عندما شاهد الملايين عبر القنوات الفضائية سلوك اللاعبين المغاربة بعد فوزهم الساحق على أكبر الفرق الرياضية العالمية.. ومنها مظاهر السجود تعبيرا عن الفرح، حتى وُصف المنتخب المغربي بمنتخب الساجدين الحامدين، ومنها مظاهر البر بالوالدين، وخاصة الأم، التي نزلت إلى أرضية الملعب في لوحة إنسانية نادرة لم يعتد جمهور الكرة على مشاهدة لاعب يفرح مع والدته في داخل الملعب بعد نهاية المقابلة، ومشهد الطفل الصغير يلعب مع والده حارس مرمى المنتخب المغربي.. وغير ذلك من المشاهد التي ستظل راسخة في أذهان الكثيرين، وخاصة الأمم التي تعاني من هشاشة نظام الأسرة ونقص حاد في القيم الإنسانية السامية، على الرغم من أنها أمم تبدو مدافعة عن تلك القيم.. ويبقى المشهد الأكثر تأثيرا، وفي الوقت نفسه هو ما أقلق الكثير من المجتمعات الغربية، ذلك الالتحام والوحدة التي ظهر بها العالم الإسلامي، ورفع العلم الفلسطيني والدعاء والصلاة والسجود والتضامن والتعاون، حيث ظهرت الأمة الإسلامية جسدا واحدا، وهذه المظاهر تمثل نصرا جديدا، لأنه تشخيص لحالة العرب اليوم، خاصة وأن بعض اللاعبين في المنتخب المغربي ولدوا وترعرعوا في الدول الغربية، ومع ذلك لهم ولاء لبلدهم المغرب ولقيمهم الإسلامية، الشيء الذي يعني أن الأمل في المستقبل وفي الشباب قائم وله مشروعية في أن يحلم العرب بنهضة جديدة تتأسس على الهوية الأصيلة، وعلى التسامح وقبول الاختلاف)) (المصدر: تعليق خالد التوزاني/ هسبريس. الإثنين 19 دجنبر 2022).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى