تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | لماذا أشهرت قطر ورقة الإسلام في وجه الدول الغربية ؟

صدمة "التلاعب الأوروبي" أمام المونديال 

هناك من يقول بأن الألمان لا يكذبون في كثير من الأحيان بسبب جديتهم في العمل، لكن هذا الأمر لا ينطبق حتما على وزيرة داخليتهم، نانسي فيزر، التي لبست سترة عادية وهي تحاول الدخول لملاعب قطر، قبل أن تفاجئ الجميع بنزع سترتهالتظهر على كتفها شارة “دعم المثلية”، وهو الأمر الذي رفضته اللجنة المنظمة لمونديال قطر منذ البداية، ومعلوم أن حمل هذه الشارة عند الدخول كان سيجعل الشرطة القطرية، التي تلقت أوامر صارمة، تتدخل لمنع الوزيرة الألمانية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن نفس الوزيرة ذهبت إلى إحدى القنوات الإذاعية لتصرح بأن استضافة قطر للمونديال كانت بالنسبة للحكومة الألمانية “صعبة للغاية”، وأضافت أن ((هناك معايير يجب الالتزام بها، ومن الأفضل عدم منح شرف تنظيم البطولات لمثل هكذا دول)).

إعداد: سعيد الريحاني

    قطر التي أبهرت العالم بقدرتها التنظيمية الكبيرة، وبمصاريفها الهائلة، ليست دولة في نظر الداخلية الألمانية(..)، لهذا يبدو من الطبيعي أن تقوم دولة قطر باستدعاء السفير الألماني الذي سلمته رسالة احتجاج رسمية على مثل هذه التصريحات العنصرية، لا سيما وأن المعنية بالأمر انتقدت البلد المستضيف فيما يتعلق بمسيرته في مجال حقوق الإنسان.

اليوم.. تتواصل فعاليات المونديال، ومهما يكن من انتقادات، فإن هذا البلد الصغير من حيث مساحته، استطاع إبهار العالم بقدرته على الظهور بمستوى الدول الكبرى، وهو ما يعود بالنفع ليس على دولة قطر وحدها، بل إن المونديال شكل فرصة لظهور “دول الخليج” بمستوى لا تعرفه عنها جل باقي دول المعمور، لا سيما وأن “العائلة الخليجية” حاولت تجاوز كل خلافاتها الداخلية والظهور بشكل موحد، فحتى الأمس القريب، كان هناك من يتحدث عن “الحصار”(..).

ولا يقتصر “الصراع السياسي” في مونديال قطر على أمور تتعلق بـ”المثلية”، بل إن قطر أصرت على إظهار نفسها كدولة مسلمة أمام جميع المشاركين والمتفرجين والزائرين(..)، بل إن جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم نفسه، لم يكن بعيدا هذه المرة عن الصراع السياسي، بل في قلبه، وهذا أمر غير مسبوق، بعد أن تردد صدى تصريحاته في عدة مقالات..((لقد كان تصريح رئيس الفيفا الحالي جياني إنفانتينو، السويسري الجنسية من أصول إيطالية، صادما بالنسبة للعالم الغربي والعربي أيضا، فلقد طالب جياني الغرب بالاعتذار عما فعلوه طيلة 3 آلاف سنة، لقد قرر الرجل فتح تاريخ أوروبا الطويل الذي كان يسوده السواد والظلام، ثم جاء عصر النهضة والتنوير كي يزيل بعض السواد عن تلك الحقبة المليئة بالتشوهات الإنسانية والحضارية، والتي نجحت لحد بعيد في التأثير على النظرة العامة في عالمنا العربي.

جداريات تحث على الدين الإسلامي في قطر

لقد تعرض العالم العربي والإسلامي لحقبة استعمارية واسعة لم تقتصر على الاحتلال العسكري ونهب الثروات، بل حتى الثقافة لم تسلم من الاستعمار، فلقد تأثر العالم العربي بالتشويه على المستوى التاريخي والتراث وساهم الاستشراق في تلك الهجمة القوية.. ففي سنة 2010 نجحت قطر في نيل شرف استضافة مونديال 2022، ومن هنا بدأت الحملة الغربية الاستشراقية في الضغط على قطر وتشويهها بكافة الوسائل، إما في السياسة وإما في قضايا حقوق الإنسان..ولا شك أن المونديال حدث رياضي عالمي يعشقه مئات الملايين من الناس، ولكنه يحمل في طياته السياسة والعولمة والثقافة الغربية التي تهدف إلى التغريب والتثقيف الناعم للشعوب، ولا شك أن العالم العربي أثبت أنه ليس قادرا حتى الآن على منافسة الغرب من خلال التنافس الرياضي، وهذا التراجع ساهم في تعزيز النظرة الاستشراقية والفوقية تجاه شعوبنا العربية، ولكن استشراق الأمس تغير شكله مع توحش العولمة وأصبح ثقافة عامة، وليست محصورة بالنخب والفلاسفة والمفكرين، لقد اجتاحت تلك الثقافة شبابنا حيث أصبحوا لا يثقون في تاريخهم وفي تراثهم وفي الموروث، ولا حتى في الثقافة العربية والإسلامية نفسها، وهذا أثر بطبيعة الحال على عملية تكوين شخصية أطفالنا وشبابنا وأصبحت هوياتهم متقلبة وضعيفة، وهذه الهوية ساعدت الغرب في هجومهم على قطر، وبسبب قوة الثقافة الاستشراقية، حاولت فرض مساحة للشذوذ والمثلية الجنسية من باب الحريات وتلك الشعارات الفضفاضة)) (المصدر: الكاتب عامر زياد جلول/ مدونات الجزيرة).

مثل هذه الكتابات سالفة الذكر، أكدت وجود نفحة مغايرة لمونديال قطر الحالي، بل إن البلد المستضيف فرض بعض التعاليم الإسلامية على الحاضرين، من خلال منع ترويج الخمور في محيط الملاعب وداخلها، فضلا عن فرض احترام آذان الصلاة عند أوقات التسوق، علما أن بلدا مثل إنجلترا لم يكن يتوقع أن يجري تداريبه بينما صدى الآذان يتردد داخل الملعب.

إنه بلد مسلم.. هكذا يجب أن يتعامل الجميع مع قطر، وكم كانت وسائل الإعلام الغربية كاذبة عندما قالت بأن المثليين سيحجزون أماكنهم بأريحية داخل مدرجات قطر قبل أن يتأكد العكس.

المنتخب الألماني يحتج على منع الدعاية للمثلية في قطر، وفي الإطار صورة وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر

ولا يخلو مونديال قطر من المزايدات السياسية.. ففي الوقت الذي كان فيه اللاعبون والمتفرجون منشغلون بنتائج المباريات، كان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، يوقع الاتفاقات على هامش المونديال، ويصرح بأن((المرحلة الحالية هي ذروة العلاقات الأمريكية القطرية))، مشيرا إلى أن ((البلدين يتشاركان في المنطقة وخارجها لحل الخلافات وإنهاء الصراعات وتعميق العلاقات الاقتصادية))، وقال أيضا: ((إن الولايات المتحدة ممتنة للتعاون القطري في الملف الأفغاني كحليف لواشنطن من خارج الناتو)).

هكذا يتداخل العسكري والسياسي على هامش المونديال، بل إن الكريملن من جهته، أعلن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أجرى محادثة هاتفية مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهنأه خلالها بانطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم.. وقال الكريملن في بيانه: ((إن فلاديمير بوتين هنأ أمير قطر بانطلاق مونديال قطر في بلاده يوم 20 نونبر، وتمنى أداء ناجحا للمنتخب القطري))، وأضاف البيان: ((تم بحث القضايا الراهنة للتجارة الثنائية والتعاون الاقتصادي، بما في ذلك مواصلة تنفيذ المشاريع المشتركة في مجالات الاستثمار والبنية التحتية، وتم التأكيد على الاهتمام المتبادل في استمرار التنسيق الوثيق في قطاع الطاقة، من أجل ضمان التوازن والاستقرار اللازمين في سوق الغاز العالمي)) (المصدر: روسيا اليوم).

هكذا غابت روسيا عن مونديال قطر، وحرم منتخبها من المشاركة، وهو إجراء غير قانوني(..)، ومع ذلك، كانت الأفكار الروسية حاضرة في هذا المحفل الكروي العالمي، فمناهضة المثلية حاضرة بقوة في خطابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إنه بات يستشهد في كلامه بآيات من القرآن الكريم، لكن قمة التناقض هي أن أمريكا التي تقول بأن قطر حليفها الاستراتيجي، هي من الداعمين الأوائل للمثليين(..).

وكانت قطر قد تعرضت لحملات تشويه كثيرة لكونها بلد مسلم، لا سيما في العديد من الدول الغربية، التي استكثرت على بلد عربي تنظيم مثل هذه المنافسات، لكن المنظمين نجحوا في رسم صورة مختلفة عن الإسلام من خلال حفل الافتتاح، بعد أن اقتنع الممثل الشهير مورغان فريمانبدوره في الافتتاح، الذي لم يكن ليمر دون تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، بل إن مورغان نفسه قالت عنه وسائل الإعلام العالمية أنه اعتنق الإسلام.

لقطة خالدة لافتتاح مونديال قطر.. مورغان فريمان رفقة غانم المفتاح

فـ((لا شك أن حضور مورغان أكثر الممثلين إثارة للإعجاب، وصاحب الصوت الخارق والأداء السينمائي الأسطوري، هو تكريم لقطر ولمونديال 2022، إذ إنه لم يلتفت إلى الأصوات النشاز، والنقد الذي ينطلق من أحقاد ودوافع رخيصة مفضوحة حاولت أن تثنيه عن الحضور، لأنه فنان عالمي يعرف أين يضع قدمه، وفي أي مناسبة يظهر، وأي عبارة ينبغي أن يرددها، وقد أهّله لذلك حسن الاختيار لتجسيد أعظم الأدوار، ومعظمنا يستحضر صوته العجيب وكلماته المؤثرة في نهاية فيلم “شاوشانك”، فضلا عن أن مورغان ممثل استثنائي، جعله إحساسه الرفيع وروحه الفكاهية وقدرته الفذة على كسر الشخصيات، واحدا من أكثر الفنانين احتراما في جيله، فلم يظهر في أي صورة إباحية، ولا مشهد مستفز للمشاعر والأديان، كما أنه أيضا أحد أبرز الممثلين الأمريكيين من أصل إفريقي القلائل الذين تلقوا باستمرار أدوارا لم تكن مكتوبة خصيصا للممثلين السود..ربما لم ينتبه كثير من الناس إلى أن مورغان وهو يتحدث إلى الشاب القطري، غانم المفتاح، في حوار عظيم الأثر، يكاد يكون سينمائيا، حيث يحاولان العبور فوق ركام من الحروب والكراهية، وفي تلك اللحظة، ظهر الممثل الأمريكي ويده اليسرى مُغطاة بقفاز، يعود إلى حادث السير الذي تعرض له قبل سنوات، وتضررت منه يده التي لم تسعفها عمليات جراحة الأعصاب عديمة الجدوى، لكن ذلك لم يعطل مسيرته، فكلاهما -مورغان وغانم- يتحديان الإعاقة)) (المصدر:عدة وكالات).

لم ينته المونديال بعد.. لكن قطر التي نظمت أغلى نسخة لكأس العالم في التاريخ، جمعت بين عدة متناقضات.. فهي نفسها التي شكرت روسيا، وهي نفسها التي وقعت اتفاقيات مع أمريكا، هي الأقرب إلى أمريكا، وفي نفس الوقت قريبة من روسيا، وهي في نفس الوقت البلد الإسلامي القوي والصغير، والكبير بقدراته التنظيمية الهائلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى