تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | توسيع المشاورات حول قضية الصحراء لتشمل الاتحاد الأوروبي

السؤال الذي طرح بعد سنة على تعيين دي ميستورا

حلت منذ أيام الذكرى السنوية الأولى للإعلان عن تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا أمميا لقضية الصحراء المغربية، ونتذكر جيدا أنه غداة إعلان خبر موافقة الرباط على تعيينه، خلال شهر أكتوبر الماضي، بدأت مختلف المحطات الدولية تناقش إمكانية نجاحه من عدمها، ومن ضمنهم محطة “فرانس 24″، التي استضافت الدكتور عبد الحميد صيام، المتحدث السابق باسم بعثة “المينورسو”، وهو الشخص العارف بأروقة الأمم المتحدة، والذي أكد أن ((ستيفان دي ميستورا معروف داخل أروقة الأمم المتحدة بأنه الشخص الذي يدير الأزمة ولا يحلها)).

كما وصف المتحدث ذاته، استراتيجية الدبلوماسي الإيطالي السويدي في التعامل مع مثل هذه الملفات، بأنه ماهر في الواقع في إعطاء الانطباع بأن هناك تحقيق إنجازات، وأن هناك تقدما ولقاءات ومفاوضات تسير في اتجاه الحل، لكن كل ذلك لا يلبث أن يكون مع مرور الوقت، مجرد “جعجعة بلا طحين”.

أما اليوم، وبعد مرور سنة، يطرح السؤال: ما هو الجديد الذي قدمه ستيفان دي ميستورا للملف؟ وهل بدأت تظهر لمسة الرجل في هذا الملف، أم أن الأمر ما زال معقدا؟

أعد الملف: سعد الحمري

هل حاول دي مستورا إقناع البوليساريو خلال جولته الثانية في المنطقة ؟

    بدأت أولى خطوات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، لإعطاء ملف الصحراء المغربية دينامية جديدة، عن طريق جس نبض أطراف النزاع، حيث قام يوم 12 يناير الماضي بأول زيارة له للمنطقة، بدأها بالمغرب ثم شملت الجزائر وموريتانيا ومخيمات تندوف، وخلال ذلك، أعلنت الرباط، عقب زيارة دي ميستورا، التزامها بالعملية السياسية على أساس مبادرتها للحكم الذاتي، في حين رفضت الجزائر استقباله في أول الأمر على اعتبار أنها غير معنية وليست طرفا، لكنها استقبلته بعد ذلك.

وأثناء زيارة الرجل لمخيمات تندوف، ضمن جولته للمنطقة، استقبل استقبالا شعبيا وحماسيا كبيرا داخل المخيمات، وقام بزيارة عدة مرافق، وقد شاهد العالم والدول المعنية ما حملته الزيارة، واهتم المغاربة بزيارة المبعوث الأممي وكانوا ينتظرون الهفوات التي من الممكن أن تحدث من جانب جبهة البوليساريو خلال استقبال دي ميستورا، ومن أهم ما سجلوه وركزوا عليه، أن الرجل وجد في استقباله أطفالا مجندين في تناقض صارخ مع الاتفاقيات الدولية، وهكذا بدأ السجال بين المغرب وقيادات الجبهة الانفصالية، فقد حاولت هذه الأخيرة تبرير جريمتها بأن الأمر يتعلق بصور مفبركة من صنع المخابرات المغربية، في حين أكدت المملكة أن الصور حقيقية وتناقلتها وكالات أنباء عالمية، بل ونددت منظمات حقوقية دولية بتجنيد جبهة البوليساريو للأطفال.

أما ثاني جولة له في المنطقة، فقد بدأها بالرباط بداية شهر يوليوز، بشكل منفرد، ثم عاد إلى الجزائر ومخيمات تندوف بداية شتنبر الماضي، غير أنه لم يستقبل هذه المرة بحفاوة كبيرة داخل مخيمات تندوف.. فلماذا هذا التغير في حفاوة الاستقبال؟ هل خوفا من ارتكاب هفوات جديدة، أم لأمر آخر؟

في هذا الصدد، صرحت بعض المصادر من داخل مخيمات تندوف بالتالي: ((مهمة المبعوث الأممي في دوره الجديد الذي رسمته له القوى المتحالفة مع الرباط، كساعي بريد، جعلته لا يحظى هذه المرة بالحفاوة المعتادة، ولم تهتف الجماهير باسمه، وكان حيثما توجه داخل المخيمات يجري استقباله بالزي العسكري، في إشارة من القيادة الصحراوية إلى أنها في وضعية حرب وتفاوض باسم البارود وليس باسم الدبلوماسية، وأنها تضغط بالسلاح لتفرض السلام.. وغيرها من الشعارات العنترية، لكن المبعوث الأممي يعرف كل تفاصيل الوضع، وبأن الحرب في الميدان تميل كفتها لصالح التفوق التقني والتكنولوجي لجيش المحتل المغربي، وأن تلك المظاهر تكرس الصورة النمطية عن قيادتنا كتجمع لمحترفي الخطابة والسلفيات، وأن كل تلك المظاهر هي مجرد جعجعة لخلق الزخم الإعلامي الشعبي، والقول بأن القضية الصحراوية تسير في الاتجاه الصحيح، وأن القيادة متحكمة في الوضع الميداني والدبلوماسي، وتفرض على العدو والمنتظم الدولي شروطها)).

وتابع نفس المصدر: ((واقعية المبعوث الأممي جعلته يحل بالمخيمات دون مساحيق أممية لتجميل الوضع، والرجل لم يقل أمام وسائل الإعلام بأنه جاء بحل سحري، أو أنه جاء لينصت إلى الطرف الصحراوي، بل ما تسرب من البيت الأصفر المقهور عبر التسجيلات الصوتية التي تجوب تطبيق التراسل “واتساب”، تفيد بأن المنتظم الدولي حمل دي ميستورا رسالة إلى المخيمات تقول بأن الحل الوحيد الممكن في ظل الظرفية الدولية الحالية هو “مقترح الحكم الذاتي”، والذي بدوره يخضع لشروط جد دقيقة فرضتها الرباط بمنطق المسيطر ميدانيا، وأن القيادة لا يمكنها التفاوض على الصيغة، بل عن الصفات والخصائص التي تحدد الفئة اللاجئة من الصحراويين المسموح لهم بالعودة إلى المدن المحتلة، والمسجلين في اللوائح الإسبانية التي كشف الإعلام الإسباني مؤخرا عن جزء منها، حيث تقول أن تقسيم اللاجئين في المخيمات هو كالتالي: 2 % فقط من السكان هم صحراويون، و27 % من أصول مالية و22 % جزائريون، بينما الباقي من أصول كوبية وسودانية وتشادية، وبينهم 24 % هم من مجهولي الأصول)) (المصدر: الصحراء ويكيليكس، 7 شتنبر 2022).

فهل يصح القول بأن الرجل فعلا يدعم مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، أو على الأقل يحاول إقناع الجزائر وجبهة البوليساريو به، أم أن دوره يقتصر فقط على الاستماع إلى مواقف وتصورات أطراف النزاع، خاصة بعد التطورات التي عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية، وأن مهمته لم ولن تتجاوز سقف تدبير الأزمة في ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؟

دي ميستورا في لقائه بالوزير بوريطة يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2022

بين بروكسيل ومخطط الحكم الذاتي والاتحاد الأوروبي

    من المعروف أنه خلال شهر أكتوبر من كل سنة، تخصص جولات من النقاش داخل أروقة الأمم المتحدة حول ملف الصحراء وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، غير أن الجديد الذي حملته هذه السنة، هو محاولة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، توسيع المشاورات نحو دول أوروبية لم تتم استشارتها من قبل، كما حدث مع بلجيكا.. فقد قام بجولات مكوكية ابتداء من يوم 6 أكتوبر إلى كل من إسبانيا وبلجيكا وروسيا، وما خرج من كواليس هذه الاجتماعات إلى العلن، هو دعم هذه الدول لمجهودات المبعوث الأممي دون ذكر هل يحضر الرجل لمخطط جديد، أم لأمر آخر؟ وفي هذا الإطار، فقد اعتبرت هذه الخطوات محاولة منه لـ”توسيع رقعة النقاش الأممي” حول الملف، وقد تباينت ردود الأفعال حول نجاح هذه الخطوة من عدمها.

وقد علق المحلل السياسي الموساوي العجلاوي، ضمن تصريح خص به الموقع الإلكتروني “هسبريس”، على هذه المحاولات، بأنها عادية، ويمكن تصنيفها ضمن خانة “المألوف والعادي”، مسجلا أن ((العادة قد جرت دائما قبيل اجتماع مجلس الأمن للحسم في تمديد مهمة بعثة المينورسو، أن يجول المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي بين الدول الأساس الداعمة، التي لها عضوية مجلس الأمن أو أنها مؤثرة، أو تلك التي تنتمي إلى مجموعة أصدقاء الصحراء المغربية)).

ولفت العجلاوي إلى أن ((تقرير الأمين العام، الصادر يوم 3 أكتوبر والمعروض على أنظار مجلس الأمن، أفرد جزء خاصا للحديث عن جهود المبعوث الأممي ودعمها))، مضيفا أن ((هذه الزيارات التي جرت إلى دول أوروبية، تأتي في سياق مواصلة واستمرار اتصالات ومشاورات سابقة كان دي ميستورا قد دشنها منذ تعيينه من طرف الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريس)).

وذهب المحلل في معرض حديثه، إلى أن ((دي ميستورا يبحث عن طلب دعم لمهمته من طرف دول لها تأثير مباشر في ملف الصحراء، كما أنه يسعى جاهدا إلى تأكيد وضعية اعتبارية خاصة تجعله في موقع قوي وذي مصداقية للدفع قدُما بجميع أطراف النزاع، بما فيها الجزائر، إلى مسار العملية السياسية المتعثرة)).

وخلص العجلاوي إلى أن ((زيارة المبعوث الأممي إلى روسيا، جاءت بالأساس لأن موقفها من قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء يخلق سنويا الجدل بامتناعها عن التصويت))، لافتا إلى ((أنها ليست ضد إحياء العملية السياسية وحل عادل أمميا، بقدر ما تكون هي ضد منهجية إعداد القرارات وصياغتها))، قبل أن يختم بالقول ((إن روسيا تجمعها علاقات جيدة مع المغرب، كما أن الموقف المغربي من النزاع في أوكرانيا يظل مُتزنا)).

وهكذا صنف المحلل المغربي هذه الزيارة ضمن العادية والروتينية على اعتبار أن المبعوث الأممي اعتاد على زيارة الدول المؤثرة التي لها عضوية مجلس الأمن أو أنها مؤثرة أو تلك التي تنتمي إلى مجموعة “أصدقاء الصحراء المغربية”، غير أنه لم يعر اهتماما للزيارة التي شملت بلجيكا وفي أي خانة يمكن تصنيفها.

دي ميستورا يلتقي زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي

اهتمت جريدة “القدس العربي” بهذا الأمر، وكتبت في الموضوع ما يلي: ((تبقى المفاجأة الدبلوماسية في ملف الصحراء هو قرار الأمم المتحدة بالترخيص للمبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا بتوسيع المشاورات حول ملف الصحراء إلى دول ثالثة، وكانت المشاورات تقتصر على الأطراف الأربعة المعنية، وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، ثم “مجموعة أصدقاء الصحراء المغربية”، المكونة من إسبانيا، بصفتها قوة استعمارية سابقة، ثم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وهي الدول الأربع التي تتوفر على حق “الفيتو”، في حين لم تنضم الصين إلى هذه المجموعة))، وأكدت ذات الجريدة أن ((توسيع المشاورات بدأ فعليا بزيارة بلجيكا، فيما لم يعلن المبعوث الأممي عن الدول الأخرى التي ستشملها المشاورات)).

أما عن أسباب سعي دي ميستورا إلى توسيع المشاورات مع أطراف جديدة وعلى رأسها بلجيكا، فقد اعتبرت “القدس العربي” أن ذلك جاء نتيجة ((وجود تيار وسط الأمم المتحدة يحاول توسيع دائرة المشاورات حول مستقبل الصحراء، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، ويرى في الاتحاد عاملا لتسهيل البحث عن الحل بعدما بقي عقودا على الهامش، ومقتصرا على دعم مساعي الأمم المتحدة، مع العلم أن فرنسا التي كانت ترسم نسبيا خريطة السياسة الأوروبية، غير متحمسة للزج بالاتحاد الأوروبي في هذا الملف)).

ولم يمض من الوقت الكثير على زيارة ستيفان دي مستورا إلى بلجيكا من أجل عقد مشاورات حول قضية الصحراء، حتى قامت وزيرة الخارجية والشؤون الأوروبية والتجارة الخارجية والمؤسسات الثقافية الفيدرالية لمملكة بلجيكا، حجة لحبيب، بزيارة للمملكة المغربية، وأعلنت أن ((مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007، أساس جيد لحل مقبول من لدن الأطراف المعنية بقضية الصحراء)).

ثم صدر إعلان مشترك عقب مباحثات أجراها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ونظيرته البلجيكية، جاء فيه: ((تعتبر بلجيكا مخطط الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب سنة 2007، مجهودا جادا وذا مصداقية للمغرب، وأساسا جيدا لحل مقبول من لدن أطراف النزاع))، وسجل الإعلان المشترك أن الوزيرين يتفقان على الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في رعاية المسلسل السياسي، ويجددان التأكيد على دعمهما لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2602، الذي ينص على دور ومسؤولية الأطراف في البحث عن حل سياسي واقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق.

من خلال التأمل في البلاغ المشترك، نجد أن الكلمة المستعملة هي “مخطط الحكم الذاتي” وليس “مقترح الحكم الذاتي”، ومعناه أن الأمر أصبح يتعلق بمخطط يجري تطبيقه، وليس مقترحا على رفوف أروقة الأمم المتحدة ينتظر الدعم والمصادقة عليه ليصبح مخططا قابلا للتطبيق.

وبناء عليه، يطرح السؤال: هل هناك علاقة بين زيارة المبعوث الأممي لبلجيكا وزيارة وزيرة خارجيتها إلى المغرب وإعلان دعمها لمخطط الحكم الذاتي؟

من الممكن القول أن تحركات المبعوث الأممي الأخيرة كانت بهدف محاول إدخال دول الاتحاد الأوروبي كطرف جديد في المشاورات الخاصة بالصحراء المغربية، ويجوز القول أن المملكة المغربية قبلت بتوسيع دائرة المشاورات لتشمل دائرة الاتحاد الأوروبي بعدما ظلت عقودا تعارض ذلك، ويعود السبب في قبول الرباط بالاتحاد الأوروبي، إلى كون عدة دول داخل الاتحاد تفهم طبيعة قضية الصحراء، وبدأت تباعا تعلن عن دعمها لقضية الصحراء.. فقد رفع الموقف البلجيكي الجديد حول الصحراء المغربية عدد الدول الأوروبية الداعمة لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، إلى 11 دولة أوروبية، وبذلك باتت بلجيكا الدولة 11 في قائمة الدول الأوروبية الداعمة للحكم الذاتي من أصل 27 دولة مشكلة لهذا التكتل القاري، والرقم مرشح للارتفاع إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القوى الكبرى في هذا التكتل القاري أصبحت تدعم مبادرة الحكم الذاتي ومن الممكن أن تتبعها باقي الدول.. فهل يعني هذا أن الأمم المتحدة ستوسع دائرة المشاورات لتشمل الاتحاد الأوروبي؟ وهل هناك خطة جديدة يعدها المبعوث الأممي؟ وهل ستقبل الجزائر بأي تحول في هذا الباب؟

تجدر الإشارة إلى أن آخر مبعوث أممي أعلن عن تأييده للمغرب بصريح العبارة، كان هو الهولندي بيتر فان فالسوم، الذي تم تعيينه سنة 2005 في المنصب من طرف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، وعند نهاية مهامه سنة 2008، قال: ((إن خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو هو خيار غير واقعي، وإن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طرح سابقا أمر تجاوزه الزمن))، وهو التصريح الذي وصفه المغرب بـ”الموقف الشجاع”، وانتقدته جبهة البوليساريو معتبرة أنه يمثل “انحيازا للمغرب”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى