تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل تنجح روسيا في مصالحة المغرب والجزائر ؟

العرب يحجون إلى موسكو

المغرب هو الذي يحتضن مناورات “الأسد الإفريقي”، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ويشارك فيها حلف “الناتو”، والمغرب نفسه هو الذي وقع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما يعني عمليا أنه يسير في سكته التقليدية مع “شركائه التقليديين”، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا..

إعداد: سعيد الريحاني

    بهذا الترتيب، لا نحتاج لعلم الرياضيات، كما لا نحتاج لدراسات معمقة لكي نفهم حالة المغرب، لكن الأمور لم تعد بهذه البساطة، بعد تداول القصاصة التالية التي تقول: ((وقعت موسكو والرباط اتفاقا لبناء محطة للطاقة النووية على الأراضي المغربية، في إطار التعاون المشترك بين البلدين في المجال النووي السلمي.. وتم تحديد مجالات التعاون في مسودة الاتفاق التي اشتملت على تطوير البنية التحتية للطاقة في المغرب من خلال بناء وتصميم مفاعلات الطاقة الكهروذرية، وإنشاء محطات تحلية المياه، وكذلك التنقيب عن رواسب اليورانيوم في المغرب وتطوير البحوث العلمية لاستخدامات الطاقة النووية في المجالات الطبية والصناعية)) (المصدر: نوفوستي).

هل يعقل أن يتوجه المغرب نحو روسيا بكل هذه السهولة، رغم أن المبرر المطروح هو اتفاق سابق بين “وزارة الطاقة المغربية ونظيرتها الروسية سنة 2019″؟ فالمؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لا يمكنهما أن تسمحا لهذا التطور التكنولوجي بأن يصل إلى المغرب، وهو ما تأكد عمليا بعد تصريحات رئيس غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية الفرنسية بتل أبيب، دانيال رواش، الذي قال: ((إن فرنسا تراجعت عن اتفاقها مع المغرب الخاص بتطوير واستخدام الطاقة النووية المدنية))، وأضاف في مقال منشور عبر الموقع الرسمي لغرفة التجارة الإسرائيلية الفرنسية، أن ((الفرنسيين لا يريدون حقا التعاون في هذا المجال مع المغرب، لأنهم يخشون ردة فعل الجزائر، وقبل كل شيء، لا يريدون الانتشار النووي)) (المصدر: موقع الزنقة 20).

انطلاقا من نفس المصدر، يقول رواش: ((إن هناك تقاربا غير مسبوق بين فرنسا والجزائر، وهو ما جسدته الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، إلى الجزائر، رفقة ستة عشر وزيرا، وذلك بعد أقل من شهرين من زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، وذكر أنه تم توقيع اتفاقية بين المغرب وفرنسا في شهر يوليوز 2010، عندما كاننيكولاساركوزي رئيسا، وآنذاك وعد بمساعدة المغرب في بناء أول محطة طاقة نووية حقيقية بحلول عام 2022، إلا أن ذلك لم يتحقق)) (نفس المصدر).

وقد كانت فرنساحتى وقت قريب تلعب على الحبلين، لكنها الآن اتجهت صوب الجزائر بوجه مكشوف، لكن الجزائر باتت أقرب إلى روسيا، وهو ما يعني أن فرنسا تريد إنقاذ ملحقتها السابقة بأي شكل من الأشكال ولو على حساب العلاقات المغربية الفرنسية، والحقيقة أن فرنسا هزمت في الجزائر على يد الامتداد الروسي، ولن تكون لها الفرصة اليوم لتقوم بما قامت به في الأمس.

محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.. نموذج لزعماء الدول الخليجية الذين وضعوا يدهم في يد الرئيس بوتين ضد إرادة أمريكا

وإذا كان طبيعيا أن تقترب وجهة النظر الجزائرية من وجهة النظر الروسية، بعد سنوات من التعاون المشترك، فإن توقع القطيعة بين المغرب وفرنسا ظل مستبعدا حتى وقت قريب، غير أن القطيعة قد تحدث فعلا بعد أن بدأت فرنسا تلعب على الحبلين بين المغرب والجزائر مستغلة الخصومة الواقعة بينهما، في هذا السياق، قال إدريس لكريني، أستاذ جامعي متخصص في العلاقات الدولية ورئيس منظمة العمل المغاربي: ((إن فرنسا تتبع مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى، ولا تستحضر عبرها الشراكة الوثيقة مع بلدان الجوار، مؤكدا أن باريس تلعب على الحبلين في سياساتها الخارجية، وأضاف لكريني، أن فرنسا تحرص على استمرار القطيعة بين الجزائر والمغرب، وتستثمر هذا الصراع من أجل خدمة مصالحها الخارجية، مبرزا أنها تتنكر للمصالح المشتركة التي تجمعها بالمغرب من أجل الاستفادة من الشراكة الجزائرية في هذه الظرفية، وواصل الأستاذ الجامعي ذاته، بأن باريس لا تؤمن سوى بمصالحها الاقتصادية، والدليل على ذلك، هو التقرب من الجزائر في ظل التوتر الدبلوماسي مع المغرب، معتبرا أن هذا التقارب يبقى مرحليا على غرار الفترات السابقة، لكن الأكيد أن رؤية المغرب لعلاقاته مع فرنسا لن تكون مرحلية في المستقبل)) (المصدر: موقع هسبريس/ 25 شتنبر 2022).

كل هذه التطورات تأتي في سياق تحضر فيه الجزائر للقمة العربية، وقد نجح المغرب في فرض شروطه على انعقاد هذه القمة، بعد استبعاد كل ما يمكن أن يسيء لوحدته الترابية، أو أي مشاركة مفترضة للجمهورية الوهمية، وقد لعبت الدول الخليجية دورا كبيرا في ذلك، بعد أن أصدرت بيانا تدعم فيه الوحدة الترابية للمملكة المغربية، كما اشترطت عدم استخدام أي رمز يمكن أن يسيء إليها..

في نفس السياق، وبخلاف الأمس، حيث كانت أمريكا تتحكم في رقاب الدول العربية، لاحظنا كيف أن بعض الدول، وفي عز الأزمة مع الغرب ومع أمريكا، تحاول توطيد علاقاتها مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي انتقل إلى المرحلة الأخيرة في حربه مع حلف “الناتو” والغرب في أوكرانيا، والنموذج يمكن قراءته فيما يلي: ((أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن بلاده مهتمة باستمرارية جهود الوساطة الإماراتية بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا.. وجاء ذلك خلال لقاء جمع بوتين مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في بطرسبورغ، خلال زيارة رسمية غير محددة المدة بدأها يوم الثلاثاء إلى روسيا.

هذا، وتفاعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مع لقاء الرئيسين، وأبرز النشطاء كلمة الشكر التي قالها بوتين لبن زايد بعد تهنئة الأخير له بعيد ميلاده، كما تفاعلوا مع إهداء بوتين لبن زايد معطفه ليقيه من برد مدينة بطرسبورغ. وكان بن زايد قد أعرب عن سعادته بلقاء بوتين، مشيرا إلى أنه لم يلتق بوتين منذ نحو 3 سنوات في ظل انتشار فيروس “كورونا” حول العالم، مضيفا أنه رغم وجود “كوفيد”، فقد ضاعفنا حجم التبادل التجاري بيننا من 2.5 إلى 5 مليارات دولار، وعدد السياح الروس ارتفع إلى نصف مليون، واحتفلنا بأول مدرسة روسية هذا العام، ولدينا 4 آلاف شركة روسية، وفي مؤشر آخر على تبدل السياسة الخارجية الإماراتية، نشر ضاحي خلفان، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، تغريدات تردد الخطاب الروسي حول أوكرانيا وتغلغل النازيين الجدد في الدولة الأوكرانية ومؤسساتها العسكرية، إذ قال: “النازيون الذين ألقت القوات الروسية عليهم القبض كلهم يحملون صور هتلر وشعاراته على أياديهم وأرجلهم وظهورهم وسواعدهم وسيقانهم… إلخ”، وتابع: “النازيون الجدد من جديد تواجههم روسيا وستهزمهم كما هزمتهم في السابق”)) (المصدر: القدس العربي/ 13 أكتوبر 2022).

بوريطة يتسلم الدعوة الموجهة للملك محمد السادس من أجل حضور القمة العربية في الجزائر

إذن، الإمارات أصبحت أقرب إلى روسيا، والسعودية نفسها أصبحت بعيدة عن أمريكا، بل إن الصحف كتبت ما يلي: ((في ذروة الأزمة التي فجرتها الحرب الروسية على أوكرانيا، قررت منظمة “أوبك+” تخفيض إنتاجها النفطي بشكل كبير، وقد أثار هذا القرار غضب الولايات المتحدة الأمريكية، التي أشارت إلى أنه سيضر بالدول ذات الدخل المحدود والمتوسط.. واعتبر مراقبون أن قرار “أوبك+” يؤشر إلى تقارب سعودي روسي موجه ضد الدول الغربية.. واتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الـ 13، وشركاؤهم العشرة بقيادة روسيا، يوم الأربعاء، على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من شهر نونبر القادم، وقال البيت الأبيض في بيان بتوقيع مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، وكبير المستشارين الاقتصاديين بريان ديس: إن بايدن يشعر بخيبة أمل من قرار “أوبك+” القصير النظر)) (المصدر: وكالات).

هكذا إذن، أصبحت الدول العربية، وعلى رأسها الدول الخليجية، متمردة على التوجيهات الأمريكية، بعد أن وجدت في روسيا خير سند لها، بل إن الرئيس الأمريكي وصل به الأمر إلى حد الانتظار أمام الهاتف لكي يرد عليه بعض الزعماء العرب، لكنهم لم يردوا عليه.. وشتان بين الأمس واليوم.

إذن، في أفق التحضير للقمة العربية، بالجزائر بداية شهر نونبر المقبل، أصبح العرب يحجون نحو موسكو، وطيف موسكو سيكون حاضرا بالتأكيد في الجزائر، أما المغرب، فيمكن أن يشارك بتمثيلية مفاجئة عبر حضور الملك محمد السادس شخصيا، ما يعني إمكانية إجراء مصالحة مغربية جزائرية برعاية روسية في الجزائر، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، في ظل العبث الأمريكي الفرنسي الذي يقوم على التهديد بزعزعة استقرار الدول.

فقد كشفت مجلة “جون أفريك” الباريسية المعروفة ويومية “الشرق الأوسط” اللندنية المقربة من مراكز القرار في السعودية، أن ((الملك محمد السادس سيشارك في القمة العربية المقرر عقدها في مستهل شهر نونبر وإن كانت الأوساط الرسمية في الرباط لم تعلق حتى الآن على هذا الخبر، لكن مراقبين يرجحون مشاركة العاهل المغربي في هذه القمة)) (المصدر: قناة فرانس 24).

هذا الخبر الذي نزلته مجلة “جون أفريك”، قد يفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات بين الرباط والجزائر، إذ ذكرت المجلة الباريسية، استنادا إلى مصادر مطلعة للغاية، أنه ((بناء على تعليمات من السلطات العليا المغربية، تم إجراء اتصالات مع العديد من دول الخليج: السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، والبحرين، لإبلاغها بأن الملك محمد السادس سيشارك شخصيا في القمة العربية))، ومن جهتها، أوردت يومية “الشرق الأوسط” اللندنية المقربة من السعودية، أن ((مصادر دبلوماسية رفيعة، كشفت للصحيفة، أن العاهل المغربي الملك محمد السادس سيشارك في القمة، وقالت المصادر، وفقا لنفس الصحيفة، أن السلطات المغربية أجرت اتصالات مع دول الخليج لإبلاغها بمشاركة الملك شخصيا في القمة العربية بالجزائر)) (المصدر: وكالات).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى