تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل بدأ عصر انفتاح الأنظمة الملكية على “مؤثري التواصل الاجتماعي” ؟

الأنظمة العريقة تراهن على صناع المحتوى

شهدت دولة الأردن خلال الأسبوع الجاري، أحد أضخم التظاهرات على المستوى العربي، بتنظيمها لملتقى ضخم جدا، أطلق عليه اسم “كلام مدينة”، وهو الملتقى الذي جمع ما يزيد عن 500 مشارك يصنفون ضمن خانة “المؤثرين”، وقد كان لافتا للانتباه “الرعاية الملكية” التي حظي بها هذا النشاط السياحي مجسدة في حضور وزير السياحة والآثار، نايف حميدي الفايز، بصفته مندوبا عن ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني.

انفتاح هذا النظام الملكي على “المؤثرين”، بعدما اعتادت مثل هذه الأنظمة العريقة على المراهنة على وسائل الإعلام المحلية والوطنية، يمكن اعتباره تحولا جديدا، حيث تم تنظيم اللقاء دون شكليات رسمية، بل إن المنظمين لم يفرضوا على الحاضرين ارتداء لباس رسمي، وتضمنت تعليمات الملتقى إشارة إلى “عدم ارتداء ربطة العنق”، وأكثر من ذلك، فقد شهد افتتاح اللقاء إصرار وزير السياحة نايف حميدي، على قراءة كلمته انطلاقا من الهاتف النقال بدل الأوراق التقليدية، في محاولة لجلب انتباه “المؤثرين”.

إعداد: سعيد الريحاني

    ((نجتمع في البحر الميت، ومن أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، الوجهة السياحية الأردنية الفريدة التي لا مثيل لها على كوكبنا الأزرق، وتعد مقصدا للآلاف من السياح سنويا من المنطقة والعالم.. البحر الميت يشكل جزء مهما من المنتج السياحي الأردني المميز بتنوعه ومفرداته)).. هكذا تحدث وزير السياحة الأردني قبل أن يضيف بأن ((الشعب الأردني الأصيل يتميز بالكرم وحسن الضيافة))، لا سيما وأن شعار الأردنيين دوما هو “يا هلا بالضيف” تطبيقا وممارسة.

وتبقى الجهة المنظمة للنشاط المذكور هي هيئة تنشيط السياحة وشركة “أومنيس ميديا”.. هذه الأخيرة وقف رئيسها فهد الذيب في بداية ملتقى “كلام مدينة” مرحبا بالحاضرين، وحكى لهم الحكاية من بداية التلفزيون بالأبيض والأسود وصولا إلى الهاتف النقال، حيث قال: ((قليل منا من يتذكر أجهزة التلفاز بالأبيض والأسود والتي كانت قبل عقود قليلة، النافذة الوحيدة على العالم، وقليل منا اليوم من يتصحف صحيفة يبحث فيها عن الأخبار، لكننا نعلم جميعا المكانة الأساسية التي احتلها التلفاز في حياتنا كمصدر للأخبار والمعلومات، وبالرغم من الطفرة الهائلة التي شهدها العالم في مجال التكنولوجيا والاتصالات، إلا أن حصة التلفاز الذي أصبح ملونا تراجعت بشكل كبير.. فضلا عن التطورات المرتبطة بالهاتف النقال)).

فهد الذيب مؤسس ملتقى “كلام مدينة”

ولم يترك المدير العام، فهد الذيب، الفرصة تمر دون إثارة الانتباه إلى التطورات المرتبطة بالهاتف النقال قائلا: ((لقد تحول مستخدم الهاتف بفضل التطبيقات المصاحبة إلى ناقل للخبر والمعلومة وليس مستخدما لها فقط، وأصبح بإمكان كل من يتصل بالأنترنيت اليوم أن ينقل حدثا أو حادثا إلى الآلاف أو الملايين أحيانا بالصوت والصورة.. فقد وفر الهاتف النقال اختيارات هائلة للمحتوى والأفكار، وقد تحول الشغف بهذا الجهاز إلى هوس لمقدمي المحتوى الذين أصبحوا يؤثرون على متابعيهم في أفكارهم وقناعاتهم، كما يمتد تأثيرهم على مختلف مناحي الحياة من المطبخ إلى الموقع السياحي، ومن البنوك إلى العمل الخيري، وسرعان ما تحول هذا الجهاز إلى سيف ذو حدين، بسبب تأثيراته الاجتماعية..)).

كل هذه الكلمات لا يمكن اختزالها في مجرد ملتقى، بل إن الحديث بهذا الشكل برعاية ملكية، يؤكد أن الملكيات أصبحت مهتمة أكثر بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما لم تكن تهتم به إلى حدود الربيع العربي، حيث لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في التوجيه والتخطيط لثورات و”انقلابات مدنية” عبر استعمال الحشود المتأثرة بالدعاية، ذلك أن ملايين المواطنين باتوا مرتبطين بهواتفهم النقالة، وأكثر من ذلك، فقد أصبح الهاتف هو الذي يفصل لصاحبه برنامجه اليومي ويختار له المطاعم والتصرفات الممكنة.

جانب من المشاركين في ملتقى “كلام مدينة” برعاية ولي عهد الملك عبد الله الثاني

أكثر من ذلك، فإن ما يؤكد أهمية الملتقى بالنسبة للمملكة الأردنية، هي رعايته من طرف هيئة تنشيط السياحة، وهي مؤسسة تابعة للدولة تعمل على قيادة عمليات تسويق والترويج للأردن سياحيا، وإبراز هويتها كوجهة سياحية ومقصد رئيسي للسائحين من مختلف الأسواق العالمية، وقد تأسست هيئة تنشيط السياحة الأردنية عام 1998 كهيئة ذات استقلال إداري ومالي، وبموجب نظام يهدف إلى تولي وتوحيد عمليات الترويج والتسويق السياحي للمملكة، والعمل على خلق الطلب على المنتج السياحي الأردني، وكجزء من خطتها التسويقية، تصمم هيئة تنشيط السياحة وتنفذ برنامجا متكاملا للترويج الدولي تشتمل أنشطته على التمثيل، والمعارض التجارية، وورشات العمل، والمعارض المتنقلة، والزيارات التعريفية، وإنتاج وتوزيع المواد الإعلامية، والعلاقات العامة.

وكان مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات في البحر الميت، قد احتضن على مدى 5 أيام، ورشات غنية تدخل في إطار ملتقى “كلام مدينة”، وهذا الملتقى كما يعرفه أصحابه: ((هو حدث سنوي يتم عقده في مدينة عربية كل عام، يهدف من جهة إلى طرح ومناقشة العديد من القضايا ذات العلاقة بصناعة التأثير والتسويق عبر المؤثرين، واستعراض آخر تطورات هذه الصناعة، وبالترويج للمدينة المستضيفة للحدث من جهة ثانية.. ويجمع الملتقى أقطاب صناعة التأثير والتسويق عبر المؤثرين من ممثلي العلامات التجارية ووكالات التسويق وصُناع القرار والمهتمين تحت سقف واحد، ووفق أجندة سنوية يتم إعدادها من فريق عمل الملتقى المختص، والمبنية على آخر تطورات الصناعة على الصعيد العالمي لفتح باب الحوار والنقاش وإيجاد الحلول لتحديات الصناعة، إلى جانب استعراض أهم التجارب والخبرات من المختصين، وفتح باب التعاون المشترك وتبادل الخبرات والخدمات فيما بين جمهور الحضور، كما يحتضن الملتقى عددا من ورشات العمل والدورات التدريبية المقدمة للمؤثرين ضمن مختلف المستويات والتخصصات، إلى جانب عقد معرض على هامش الملتقى لعدد من الشركات المتخصصة وذات الصلة بهذه الصناعة، كشركات شبكات التواصل الاجتماعي وشركات تقنية المعلومات ووكالات التسويق ومنتجي أجهزة الاتصال الذكية)).

كاريكاتور يعبر عن جانب من النقاش حول “صناع المحتوى” (عن هسبريس)

وما يعكس أهمية هذا الملتقى بالنسبة لنظام ملكي، هو رعايته من طرف الخطوط الملكية الأردنية، التي ضمنت نقل جميع الحاضرين من مختلف أنحاء العالم، بل إنها راهنت على نشاط من هذا النوع، وقال سامر المجالي، نائب رئيس مجلس إدارتها: ((يسعدنا اليوم أن نعلن عن رعايتنا ودعمنا لملتقى المؤثرين العرب الذي تنظمه هيئة تنشيط السياحة الأردنية وشركة “أومنيس ميديا”، وهو ما يتماشى مع استراتيجيتنا الرامية إلى دعم كافة الجهود والفعاليات التي من شأنها تسويق وترويج بلدنا الحبيب، الأردن)).

في جانب الورشات، تابع الحاضرون عدة نقاشات حول “المؤثرين” و”دور مواقع التواصل الاجتماعي”، تحت عناوين مختلفة منها: “التعريف الحقيقي والتطبيق السليم لصناعة التأثير”، “الترويج السياحي”، “محتوى المؤثرين”، “زراعة الأفكار” عقدها سامر جبر، “مقدمة عن المحتوى الصديق للكوكب”، “مقدمة في صناعة الأفلام”، كما كان لافتا للانتباه عدة مشاركات، منها مشاركة عطوفة الدكتور عبد الرزاق عربيات، مدير عام هيئة تنشيط السياحة الأردنية، ويسار المجالي، مدير المبيعات لدى الملكية الأردنية، ورئيس سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي، الدكتور سليمان الفرجات، ومدير متحف الأردن، المهندس إيهاب عمارين، وخليل البلوشي، المعلق الرياضي بقناة BEIN Sport، وفجر قاسم، مدير إدارة تطوير قطاع الإعلام في مدينة الشارقة للإعلام، وأحمد أبو الرب، أحد “المؤثرين” الأردنيين، وهادي حجار، مؤسس شركة “هيو مانجمنت للإعلام”، وإسماعيل الشيباني، مقدم برامج تلفزيون الشارقة، ومهند الحربي، “مؤثر” سعودي، والإعلامي الإماراتي منذر المزكي، والناشط القطري عبد الله الغافري، ومحمد محيسن، مصور “ناشيونال جيوغرافيك”…

يذكر أن ملتقى مثل “كلام مدينة” يطرح بشكل طبيعي عدة نقاشات حول الانتقال من المراهنة على الإعلام إلى المراهنة على “المؤثرين”، غير أنه رغم الانتقادات، فإن “المؤثرين” يوسعون دائرة تحركهم، بل إن الإعلام نفسه أصبح يراهن على “المؤثرين” لضمان استمراره في الوجود، وهو نفس الأمر الذي يحصل مع التلفزيون، حيث تراهن عدة تلفزيونات على “المؤثرين” في تقديم برامجها، ومن المؤكد أن توجه وزارات ودول بكاملها للمراهنة على “المؤثرين”، سيكون مجرد مقدمة لتغيير كبير في المستقبل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى