تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل يدفع المغرب ثمن التحالف الأعمى مع أمريكا ؟

معسكر خصوم أمريكا يوسع نطاقه بعيدا

يواصل المغرب، رغم بعض الاستثناءات، الابتعاد عن محور الصين وروسيا، وإن كان قد سجل أهدافا شعبية برفضه إدانة “العملية العسكرية” الموجهة من طرف روسيا نحو أوكرانيا، في جلسات الأمم المتحدة، ولكن الابتعاد تأكد فعلا عبر المشاركة المغربية المؤكدة في القمة التي احتضنتها ألمانيا حول تقديم المساعدات العسكرية والسياسية إلى أوكرانيا، وهي القمة التي شاركت فيها أكثر من 40 دولة ودعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر أبريل الماضي(..).

إعداد: سعيد الريحاني

    على الميدان، تواصل روسيا فرض الأمر الواقع على أوروبا وعلى حلف شمال الأطلسي رغم الدعاية الإعلامية التي تتحدث عن هجومات مرتدة من طرف أوكرانيا، بينما الواقع أنها ردة فعل عسكرية من حلف “الناتو” ودول الغرب، ومع ذلك، لا زالت المعركة تجري فوق التراب الأوكراني، ما يعني تحكم روسيا في كافة خيوط اللعبة، إذ لا يمكن اعتبار أوكرانيا “الزيلينسكية” (نسبة إلى الرئيس زيلينسكي) منتصرة بينما المعارك تجري فرق ترابها.

ويا لها من مفارقة أن يبتعد المغرب عن محور روسيا والصين بينما حلف “الناتو” نفسه بات يتقرب من الصين، في إطار ما سماه استراتيجية جديدة، رغم أن ذلك يعتبر شكلا من أشكال “الطنز” كما يسميه المغاربة، فما معنى أن يقول أعضاء حلف شمال الأطلسي أن عدوهم هو روسيا وليست الصين.. أليست الصين وروسيا شيئا واحدا؟

فقد ((أعلن قادة حلف شمال الأطلسي (NATO)، أن روسيا هي أكبر تهديد للمنطقة، وتعهدوا خلال قمة مدريد بدعم أوكرانيا حتى تسترد سيادتها الكاملة، بينما نددت موسكو بالتوسع الإضافي للناتو في أوروبا.. وقال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في مؤتمر صحفي، اليوم الأربعاء، أن قادة الحلف وافقوا على التصور الاستراتيجي الجديد للناتو واعتبار روسيا أكبر تهديد له)) (المصدر: وكالات).

هكذا يحاول “الناتو” توسيع دائرته، بينما بات المغرب، الحليف لهذا الحلف، يسجل غيابات كثيرة في كثير من الملتقيات المهمة، في الوقت الذي تسجل فيه دول عربية أخرى حضورها.. فقد غاب المغرب عن أشغال “قمة جدة للأمن والتنمية”، التي انعقدت مؤخرا بالسعودية، حيث جمعت القمة بين أمريكا والدول الخليجية، و((كان لافتا حضور مختلف الأطراف والدول الفاعلة إقليميا في قضايا مشتركة تواجهها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، فبالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، شارك قادة ورؤساء دول الأردن ومصر والعراق في قمة التأمت لمناقشة الأوضاع الإقليمية وأزمة الطاقة، بينما سُجلت عدم مشاركة المملكة المغربية وغيابها عن القمة ولو عبر تمثيل دبلوماسي)) (المصدر: موقع هسبريس).

وليس هذا فحسب، بل إن المغرب، وبغض النظر عن غيابه عن قمة “تيكاد” بعد التصرف الأرعن للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي استقبل زعيم ميليشيات البوليساريو ضد إرادة الشعب التونسي، فقد تكرس غياب المملكة المغربية عن قمم مجموعة “بريكس”، وهي المجموعة التي تضم الدول الخمس الأسرع نموا في العالم، وهي الصين وروسيا والبرازيل والهند، بالإضافة إلى جنوب إفريقيا.. هذه المجموعة التي تشكلت منذ سنة 2009، تعرف دائما محاولات للتقرب منها من طرف الجزائر، بل إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بات يروج لإمكانية انضمام الجزائر لهذا الحلف.

معطيات رقمية عن مجموعة “بريكس” (عن العربي الجديد)

ولمن لا يعرف “بريكس”، يكفي أن يعرف أنها المجموعة التي تسعى إلى تغيير النظام العالمي، بل إن “بريكس” محسوبة على محور مواجهة أمريكا وإسرائيل، بينما اختار المغرب الانغماس بشكل كبير في السياسة الأمريكية والإسرائيلية دون أن يقوم بتقييم للموقف إلى حدود اليوم، حيث أصبح الضباب يلف كل شيء(..).

فـ”بريكس” – على سبيل المثال – والتي يغيب عنها المغرب، ليست تكتلا عاديا، بل إنها مجموعة تسعى إلى إرساء نظام عالمي جديد.. فـ((في ظروف التنامي غير المسبوق للمخاطر الجيوسياسية في العالم، يتزايد الإدراك بشأن حلول شكل جديد للعلاقات الدولية والتكتلات مكان الهيكل القديم للنظام العالمي، ومن أهم القوى المحرّكة لهذا النوع من التحولات في الاقتصاد العالمي، بلدان الجنوب العالمي (الدول النامية)، التي تنشئ مؤسسات التكامل الإقليمي وجمعياته، وأنظمة التعاملات المالية الخاصة بها.. وبين الدول الرائدة في هذه العمليات، بلدان الأسواق الناشئة، وعلى رأسها دول “البريكس”، وكما صرح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في شهر مارس 2022، فإن دول “البريكس”، التي تشكل ما يقرب من نصف سكان العالم، وتمتلك جزء كبيرا من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ستكون أحد الأعمدة الأساسية للنظام العالمي الذي بدأ ينشأ)).

طبعا.. هناك من سيتساءل: ما علاقة المغرب بهذه التطورات؟ والجواب يكمن في كون تحركات هذه المجموعة ليست بعيدة عن الاتحاد الإفريقي، فـ((لكي تصبح “البريكس” أساسا لنظام عالمي جديد، عليها أن تقدّم إلى دول أخرى في الاقتصاد العالمي نماذج تنموية جديدة، وعلى نطاق عالمي، قد تشمل إعادة إطلاق العولمة على أساس منصة جديدة للبلدان والمناطق، وإقامة نظام جديد لتحديث بلدان الاقتصاد العالمي، وإيجاد مجمع احتياطي جديد للعملات للأسواق الناشئة، وخلق مسار بديل عن النموذج الغربي لتنمية الاقتصاد العالمي، وإنشاء تكتلات ومنصات إقليمية جديدة للتنسيق فيما بينها وتطويرها.. ومن وجهة نظر التنفيذ العملي، فإن إحدى أكثر الصيغ المتاحة لـ”بريكس +”، هي اتحاد التشكيلات القارية، بما في ذلك “الاتحاد الإفريقي”، و”اتحاد دول أمريكا اللاتينية”، و”منظمة شنغهاي للتعاون” في أوراسيا، إذ يوفر هذا النوع من التحالفات تغطية قصوى لبلدان الجنوب العالمي، والتي لا تتطلب بدورها تكاملا اقتصاديا عميقا ومعقدا، أو تنسيقا لأشكال التفاعل الاقتصادي في القارات الثلاث.

إن الصيغة الموسَّعة لمجموعة “بريكس” تمنح فرصة من أجل تعزيز التعاون بين البلدان النامية في الساحة الدولية، لتعزيز أولويات جدول أعمال الجنوب العالمي في مجال التنمية المستدامة)) (المصدر: برنامج نادي “فالداي” الدولي).

إن استمرار غياب المغرب عن محور التحالفات الكبرى التي تقودها الصين وروسيا، هو ما دفع بعض المتتبعين إلى التعبير عن “الإحباط” من هذا النوع من السياسات، فـ((المحبط في كل هذا هو استمرار حالة التجاهل، إن لم نقل الغيبوبة الجيوستراتيجية التي يعيشها المغرب في هذا الصدد، فبعد غياب المغرب التام عن مؤتمر “بريكس” المنعقد مؤخرا، ها هو مؤتمر “منظمة شنغهاي للتعاون” يمر علينا دون أن يثير لدينا أي أسئلة أو اهتمام، ولا يفوتني هنا أن أشيد بحيوية دبلوماسية بلدان مثل تركيا ودول الخليج، وكذلك قطر ومصر، اللتين حصلتا على صفة شريك في الحوار، وعلى خطاهما تسير كل من السعودية والإمارات والكويت والبحرين، بينما نقبع نحن في أسفل أجندة التحالف الغربي ونعتبر ذلك مدعاة للاحتفاء والاحتفال مع كامل الأسف، وفيما يخص مصر، فإنه يكفي الإشارة هنا إلى تصريح السفير الروسي بالقاهرة، غيورغي بوريسينكو، الذي كشف عن أكبر صفقة من نوعها في تاريخ مصر وروسيا، والمتعلقة بتصنيع أكثر من 1000 عربة قطار لمصر على الرغم من العلاقات التقليدية والمتينة للدولة المصرية مع كل من أمريكا وإسرائيل وبريطانيا)) (المصدر: تصريح المصطفى كرين، رئيس مركز آسيا-الشرق).

لماذا يستمر المغرب في الابتعاد عن خصوم أمريكا؟ لماذا لا يحاول على غرار دول أخرى مثل دول الخليج ومصر، إيجاد موطئ قدم له ضمن هذه التحركات العالمية؟ ولماذا يضع كل البيض في سلة واحدة؟ فمجرد التأمل فيما انتهت إليه قمة منظمة شنغهاي بالتزامن مع العملية العسكرية في أوكرانيا، يمكن أن يجعل السلك الدبلوماسي يطرح عدة أسئلة، والنموذج فيما يلي:

هل يعقل استصغار اجتماع حضره الرئيس الصيني والرئيس الروسي جنبا إلى جنب بالتزامن مع المواجهة الروسية للغرب وأمريكا في أوكرانيا.. فقد ((عقدت قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” الـ 22 بمدينة سمرقند عاصمة أوزبكستان، والتي استمرت ليومين 15 و16 شتنبر 2022، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، وتمثيل 22 دولة أخرى، أبرزها الهند، باكستان، إيران، وتركيا، وقد بحثت القمة تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بين أعضائها، وكذلك التطورات الآنية بآسيا الوسطى والقوقاز، وانتقدت موسكو وبكين النظام الدولي الأحادي القطبية، ودعت الدولتان إلى تطبيق القرارات الأممية، ما يطرح التساؤل حول أهمية المنظمة ومستقبلها وإمكانية تحولها إلى تكتل دولي منافس للولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤدي إلى تغير النظام الدولي وتحوله لنظام متعدد الأقطاب..

نحو نظام عالمي جديد بعيون الكاريكاتور

وقد أسست “منظمة شنغهاي للتعاون” عام 2001، وكان هدفها المعلن هو مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف بالدول الأعضاء، أما الهدف غير المعلن، فكان مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي في آسيا الوسطى، وتعد قمة سمرقند الأخيرة من أهم القمم للمنظمة، بالنظر إلى كثافة الحضور الشخصي والعددي لزعماء المنظمة، وطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية الآنية، حيث إنها أول قمة تعقد للمنظمة بعد انتهاء جائحة “كورونا” وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتأثيراته على الأمن بآسيا الوسطى، وكذلك هي أول قمة تعقد في ظل توتر روسي صيني غير مسبوق مع الولايات المتحدة الأمريكية بفعل الحرب الأوكرانية وقضية تايوان، وقد انعكس ذلك على نتائج القمة كما يلي:

1) تكريس التحالف الروسي-الصيني: منح الحضور الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” أهمية خاصة، إذ أنها أول قمة تجمعهما منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث التقيا شخصيا آخر مرة على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين شهر، فبراير الماضي، ووقعا آنذاك على بيان مشترك للتعاون الاستراتيجي، وبلغ حجم التبادل التجاري بين بلديهما 200 مليار دولار سنويا.. كما جدد بوتين التزام روسيا بمبدأ “الصين واحدة”، وأدان الاستفزازات الأمريكية بمضيق تايوان، التي تعزز موقف بكين في مواجهة الدعم الأمريكي لانفصال جزيرة تايوان عنها، ودعا الرئيس الروسي إلى تعزيز دور ومكانة “منظمة شنغهاي للتعاون” دوليا، وأكد أن “قمة سمرقند” ستعزز الشراكة الروسية الصينية، واتفق معه الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأشار إلى أن “الصين مستعدة لتوفير دعم قوي لروسيا، لأنه على بكين وموسكو تحمل مسؤولياتهما الدولية بوصفهما قوتين كبيرتين”، وبالتزامن مع ذلك، أعلنت موسكو عن تدريبات بحرية عسكرية مشتركة بين سفن البحرية الروسية والصينية انطلقت يوم 15 شتنبر 2022 بالمحيط الهادئ.

2) حفاظ دول المنظمة على التوازنات بين موسكو وواشنطن: الجدير بالذكر، أن كافة دول المنظمة لم تدعم أو تُدين موسكو بعد بدء الحرب الأوكرانية، بغية الحفاظ على التوازن في علاقاتها بين موسكو وواشنطن، لا سيما وأنها تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع روسيا، التي يتهمها البعض بالتسبب في اندلاع تلك المواجهات عبر تحريض حلفائها لإشعال فتيل الأزمات الحدودية، بغية التغطية على التقدم العسكري الأوكراني الذي أحرزته كييف مؤخرا، حيث استعادت السيطرة على 300 كلم شرق البلاد، وكذلك كي يتدخل الرئيس بوتين للتهدئة ويظهر كأنه يعيد الاستقرار والأمن لآسيا الوسطى والقوقاز، حيث قام بالفعل بالتحدث هاتفيا مع رئيسي طاجيكستان وقرغيزستان لوقف الاشتباكات الحدودية، وكذلك تحدث مع رئيس الوزراء الأرميني باعتبار موسكو دولة ضامنة لوقف إطلاق النار بين باكو ويريفان.

3) مواصلة التوسع في عضوية المنظمة: أُسست المنظمة عام 2001 من طرف 6 دول هي: روسيا، الصين، كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، وطاجكستان، وعلى مدى عقدين توسعت أكثر من مرة.. ففي سنة 2017، ضمت باكستان والهند بعضوية كاملة، وأعلنت عن التحاق 4 دول أعضاء بصفة مراقب (أفغانستان، إيران، منغوليا، وبيلاروسيا) و9 دول شركاء للحوار (أذربيجان، تركيا، سريلانكا، كامبوديا، النيبال، أرمينيا، مصر، قطر، والسعودية)، وفي سنة 2021، وافقت المنظمة على بدء عملية منح إيران العضوية الكاملة، وبهذا تكون دول المنظمة تمثل نحو 60 % من مساحة أوراسيا ويقطن في دولها نحو 50 % من سكان العالم، ينتجون ما يقرب من 20 % من الناتج الاقتصادي العالمي، ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم بعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.

وخلال “قمة سمرقند”، تم منح كل من مصر وقطر والإمارات والكويت والبحرين، صفة “شريك الحوار” الدائم للمنظمة، وسط ترحيب روسي وإشادة بتطور المنظمة التي ستغطي مناطق جغرافية جديدة، كما تقرر إطلاق مسار انضمام بيلاروسيا عضوا بالمنظمة، وانضمامها يمثل قوة لموسكو، لأنها حليفها الوثيق، وقد رحب رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، بالقرار ووصف “منظمة شنغهاي للتعاون” بأنها ستتحول من “منظمة إقليمية” إلى “منظمة عالمية”، بينما أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغبته في انضمام تركيا عضوا بالمنظمة، وهذا التوسع سيعزز مكانة “منظمة شنغهاي للتعاون” دوليا ويعمق دورها في ضمان الأمن والاستقرار بآسيا الوسطى والقوقاز)) (المصدر: مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية/ د. منى سليمان/ إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية/ 20 شتنبر 2022).

تعليق واحد

  1. باعوا لنا الوهم،لا يمكن الاعتماد على دولة إسرائيل بدعوى وجود يهود مغاربة بها، موقف إسرائيل من الصحراء غير واضح،المستقبل لله القضية حامضة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى