تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | حكاية السقوط الأخلاقي لإسرائيل في المغرب

بالتزامن مع الذكرى الثانية للتطبيع

المغرب هو الدولة العربية السادسة التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، ورغم أن التطبيع ارتبط باعتراف أمريكي بمغربية الصحراء في عهد الرئيس دونالد ترامب، غير أن إسرائيل لم تعترف إلى حدود اليوم بمغربية الصحراء، رغم أنها منبوذة في جمهورية الوهم، وكانت باكورة التطبيع هي إعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، حيث افتتحه السنة الماضية وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، ولم يكن هذا المكتب يرقى إلى مستوى سفارة، لكن إسرائيل وضعت على رأسه سفيرها السابق في مصر، دافيد غوفرين، هذا الأخير خلق الجدل منذ اليوم الأول لتعيينه في الرباط، حيث اعتبر نفسه سفيرا وليس رئيسا لبعثة دبلوماسية، والفرق كبير بين المهمتين، حيث كتب على صفحته عبر “تويتر” (حيث يحلو له التواصل)، ومن أخطاء التواصل بالمغرب الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي: ((أتشرف أن أشارك متابعي وأصدقائي من جميع أنحاء العالم، خبر تعييني كسفير رسمي لدولة إسرائيل بالمغرب.. أشكر بهذه المناسبة كل شركائنا بالمغرب وخارجه على مجهوداتهم لإرساء السلم والسلام، سوف نتابع عملنا للسير نحو تطوير العلاقات المشتركة لصالح البلدين الشقيقين)).

إعداد: سعيد الريحاني

    من حيث الشكل، لم تعلن القنوات الدبلوماسية عن تعيين غوفرين كرئيس لبعثة إسرائيل، ولكنه أعلن عن نفسه وشرع في عمله الذي طبعته ضجة كبيرة من حيث اختلاط الأمور بين ما يقوم به بشكل سري وما يقوم به بشكل علني(..)، ليكون آخر ما أعلن عنه السفير المزعوم، هو التوصل إلى اتفاق لبناء مقر كامل للسفارة الإسرائيلية في الرباط..

من داخل مقر وزارة الخارجية المغربية، على الأرجح، غرد دافيد غوفرين ووضع صورة تجمع العلمين المغربي والإسرائيلي قائلا: ((سعيد جدا بمشاركتكم هذه الصورة، التي تشهد على إحدى اللحظات التاريخية التي عشتها مع فريق عملي، حيث تم التوقيع على عقد بناء مقر السفارة الإسرائيلية الدائمة في المغرب))، وأضاف غوفرين: ((بهذا سنبدأ بإذن الله عهدا جديدا، نرسخ فيه علاقاتنا المتميزة مع المغرب)).

من الناحية الدبلوماسية، فدافيد غوفرين ليس سفيرا، والمقر المزعوم بنائه لا يرقى إلى مستوى سفارة، لكن الإعلان تم من طرفه كما جرت العادة(..)، غير أن المفاجأة لم يصنعها الإعلام المغربي، بل إن الإعلام الإسرائيلي هو الذي دخل على الخط ليضع “سفيره” في الرباط على رأس فضيحة كبرى، رغم أن القاعدة تقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته(..).

في الصفحات الرئيسية لمئات المواقع، انتشرت القصاصة التي تروم تأكيد “السقوط الأخلاقي” لرئيس بعثة إسرائيل في الرباط، ومعلوم أن السقطة الدبلوماسية محسوبة على البلد الذي ينتمي إليه هذا الدبلوماسي.

وتقول القصاصة التي تم نشرها في عدة مواقع بنفس المحتوى وبصيغ مختلفة ما يلي: ((قادت وزارة الخارجية الإسرائيلية وفدا رفيع المستوى إلى المغرب للتحقيق في ملابسات اعتداءات جنسية اتهمت بها البعثة الإسرائيلية في الرباط.. وذكر موقع “تايمز أوف إسرائيل” نقلا عن قناة “كان” العبرية، أن هاغاي بيهار، المفتش العام في الوزارة، توجه على رأس وفد إلى المغرب، الأسبوع الماضي، للتحقيق في شكاوى خطيرة وجهت ضد رئيس البعثة الإسرائيلية دافيد غوفرين وشكاوى أخرى تخص أعمال البعثة هناك.. وبين الموقع أن هذه الشكاوى تتعلق باعتداءات جنسية في حق نساء مغربيات وجهت ضد مسؤول كبير في البعثة، مما قد يؤدي إلى أزمة سياسية كبيرة بين البلدين، كما تحقق الوزارة في مجموعة من قضايا الفساد المالي والإداري بما في ذلك اختفاء هدية قيمة للغاية أرسلها ملك المغرب بمناسبة ذكرى استقلال إسرائيل.. وتفيد التقارير أن رجل أعمال يهودي يعرف باسم سامي كوهين، وهو صديق لغوفرين ورئيس الجالية اليهودية في المغرب، شارك في استضافة العديد من الوزراء الإسرائيليين بمن في ذلك يائير لبيد وإيليت شاكيد وجدعون ساعر، وقام بترتيب عدد من اللقاءات بينهم وبين عدد من المسؤولين المغاربة، علما بأنه لا يمتلك أي صفة رسمية في البعثة)) (المصدر: مواقع إسرائيلية وعدة وكالات).

هكذا تحول مكتب الاتصال الإسرائيلي إلى مركز لكل الفضائح ومن أنواع مختلفة في ظل السكوت الرسمي حتى الآن.. فأين هم الحقوقيون؟ أين هم أولئك المحامين الذين اشتهروا بالدفاع عن الضحايا؟ كيف يقرؤون مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن اعتداءات جنسية على النساء في هيئة دبلوماسية ولا يتحركون؟ وهل هم فعلا حقوقيون؟ ولماذا لم تتحرك أي جهة رسمية للتحقيق في مثل هذه الادعاءات الخطيرة، أم أن إسرائيل ستدبر أمور رئيس بعثتها بطريقتها(..)؟

بوريطة خلال استقباله لوزير خارجية إسرائيل، يائير لبيد

في ظل الصمت، تحول الصمت الإعلامي والرسمي عن السقوط الأخلاقي لإسرائيل في المغرب، إلى منطلق لطرح عدة أسئلة، فالإسرائيليون أنفسهم هم الذين يقومون بنشر الفضائح على طريقتهم(..)، ليطرح السؤال عن الغاية من هذه الفضيحة ككل، هل هي محاولة لربح الوقت للحيلولة دون الوصول إلى اعتراف إسرائيلي بمغربية الصحراء، بعد أن طالب المغرب بوضوح المواقف؟ وهل رئيس البعثة غوفرين متورط فعلا فيما نسب إليه، هل هو بهذه السذاجة(..)؟ وهل يتعلق الأمر بحرب داخلية داخل مكتب الاتصال الإسرائيلي؟ ولماذا لم يدخل القضاء المغربي على الخط حتى الآن طالما تم الحديث عن وجود “سرقة” واختلالات، وفضائح جنسية(..)؟

ومن بين التهم الموجهة لغوفرين، هي تحركاته مع شخصيات ليست لها صفة رسمية في الدولة الإسرائيلية، كما أن تحركاته في الغالب كان يكتسيها الغموض.. ما معنى أن يكتب غوفرين على “تويتر”: ((كنت مسرورا جدا اليوم بمدينة فاس، بلقاء هشام بنمخلوف، أخي وصديقي رئيس لجنة الصداقة المغربية الإسرائيلية، الذي نظم حفلة فريدة من نوعها بمناسبة السنة الأولى لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين..))، فمن هو هشام بنمخلوف حتى يقول “السفير الإسرائيلي” إنه استقبله في فاس؟ وهل مثل هذه اللقاءات تنظم بعد إخبار وزارة الخارجية المغربية أم لا؟ هل يتم احترام البروتوكول والأعراف الدبلوماسية؟ وما هي الأهداف الحقيقية لمنظمي مثل هذه اللقاءات، التي تحاول الركوب على العلاقات المغربية الإسرائيلية؟

انتقل غوفرين إلى فاس من أجل لقاء نظمه شخص يتم تقديمه في بعض القصاصات كـ”قنصل فخري”، ليطرح السؤال عن الغاية من هذا اللقاء، بعدما سبق لوزير الخارجية ناصر بوريطة أن رفض التعليق على اعتبار غوفرين سفيرا، بينما لا يمكن اعتبار صديقه بنمخلوف قنصلا فخريا، لأن تعيين القناصلة يخضع بدوره لمسطرة معروفة، كما أن إسرائيل لا تتوفر على قنصل فخري في المغرب، في ظل انحسار العلاقة حتى الآن في التنسيق الأمني، الذي تشرف عليه الجهات الأمنية المختصة والتي لم تتم استشارتها قبل التنقل إلى فاس (هذا مثال من أمثلة أخرى).

ولم تقف تحركات ممثل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط عند حدود حفلة ملغومة، بدعوى استئناف العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل، بل إنه نشر صورة أخرى يظهر فيها بجامع القرويين، وعلق عليها قائلا أنه ((بجوار أقدم جامعة في العالم، وهي جامعة القرويين بفاس التي أسستها السيدة فاطمة الفهرية، ونرى من خلال الصورة صومعة الجامع الذي يعتبر من أبرز المآثر التاريخية التي تفتخر بها مدينة فاس كعاصمة علمية وروحية للمغرب))، فالمكان له رمزية دينية مقدسة عند المغاربة.. فما هي فائدة زيارة ممثل إسرائيل للأماكن المقدسة، دون اعتبار لبعض الغاضبين الذين لا يمكنهم قبول مثل هذه التصرفات؟)) (المصدر: الأسبوع عدد 11 مارس 2022).

«الأسبوع» سبق أن نبهت إلى التحركات الملغومة بدون صفة رسمية (عدد 11 مارس 2022)

هكذا إذن، تميزت السنة الأولى لافتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي بفضائح بالجملة، ورغم أن الظاهر في الصورة هو رئيس المكتب دافيد غوفرين، إلا أن بعض القصاصات الصحفية أشارت إلى خلاف كبير بينه وبينه رئيس أمن المكتب، ما يعطي الانطباع أنها ضربة أمنية(..)، ولكن لا توجد توضيحات من أي طرف.

واحد من المقالات التي استندت على مصدر من وزارة الخارجية الإسرائيلية، أكد أن ((دافيد غوفرين لا زال مستمرا في منصبه سفيرا للدولة العبرية في المغرب، ما دامت تهمة التحرش الجنسي ليست ثابتة في حقه، في ظل عدم وجود شكوى رسمية ضده))، مضيفا في اتصال مع جريدة “الصباح”، أن ((الأمر لا يعدو أن يكون مجرد كلام وإشاعات تنتقل من أذن لأخرى)) (المصدر: نورا الفواري/ جريدة “الصباح” عدد الخميس 8 شتنبر 2022).

نفس المصدر أكد ما يلي: ((إن التحقيق مع ممثل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، يهم بشكل أكبر الخلاف بينه وبين بعض الموظفين الإسرائيليين الذين يشتغلون معه في المكتب واتهمهم بالسرقة، لكنه رفض الكشف عن أسباب الخلاف الذي تحدثت صحف إسرائيلية عن أنه يهم سرقة هدايا ملكية ثمينة من مكتبه، دون أن ينفي المصدر ذلك.. من جهته، تحدث مصدر مطلع عن نزاع وصل إلى عراك بالأيدي بين غوفرين ومدير أمن مكتب الاتصال الإسرائيلي، الذي كان يبعث تقارير منتظمة ضده إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي المعروف بـ”الشاباك”، يضم تفاصيل جميع تحركاته وعلاقاته التي وصفها المصدر بالمشبوهة، مضيفا أن العلاقة بينهما لم تكن على ما يرام منذ البداية، خاصة وأنه لم يكن من بين العناصر التي وقع عليها اختيار السفير من أجل مرافقته في مهمته الدبلوماسية بالمغرب)) (المصدر: جريدة الصباح).

من خلال المقال أعلاه، والذي انتصر لغوفرين، يمكن القول أن التحقيق قد يأتي بمفاجآت كبيرة، ولكن مع ذلك، فسقوط مكتبل الاتصال الإسرائيلي في أول سنة من عمله، كان بمثابة ضربة لسمعة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، وقد يكون لهذا الحادث الذي انتشر إعلاميا انطلاقا من إسرائيل، الأثر الكبير على مستقبل العلاقة بين البلدين، خاصة وأن المغرب لم يربح الشيء الكثير من هذه العلاقة المكلفة جيوستراتيجيا، اللهم إلا إذا صدر اعتراف بمغربية الصحراء من طرف إسرائيل في القادم من الأيام، وهو أمر محتمل في ظل التطور الكبير الذي شهدته العلاقات من حيث الأمن القومي للبلدين(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى