تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | مؤشرات التلاعب بمحيط الأمين العام للأمم المتحدة في قضية الصحراء

التصريحات المقلقة من طرف دوجاريك

سبق لمسؤول دبلوماسي مغربي كبير أن اعترف في لقاء نخبوي، نظم قبل سنوات، بصعوبة تدخل الدبلوماسيين المغاربة لتغيير محتويات التوصيات، أو تصحيح بعض المغالطات والأخطاء التي قد تتسرب لتقارير مجلس الأمن والأمم المتحدة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث يظل المنفذ الوحيد لكل المعلومات التي تصل إلى الأطراف المعنية بالقضية، عن الجانب المغربي، هو الدول الكبرى التي تناقش الأمر وراء أبواب مغلقة، لا سيما في مجلس الأمن، حيث تتولى الولايات المتحدة الأمريكية أمر الصياغة(..).

 

إعداد : سعيد الريحاني 

 

    إن “اللعب بالكلمات” في التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، وفي المجال الدبلوماسي عموما، يعد معطى ثابتا، ما يفرض تعيين مسؤولين من المستوى الرفيع في هذه المواقع الحساسة، كما يفرض الانتباه إلى ما يرد على لسان المسؤولين الأمميين، وقد سبق للمغاربة أن احتجوا بشكل كبير عندما تخلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة عن حياده وهو يصف المغرب بـ”البلد المحتل”، وكانت تلك الزلة هي آخر ما جادت به قريحته قبل أن يغادر منصبه، بعد طرد المكون السياسي لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء وفشله في إقناع مجلس الأمن بوجهة نظره المعادية للمغرب(..).

انتهى زمن بان كيمون دون أن يعتذر عن تصريحاته(..)، ولكن الذي تكلف بالتخفيف من وطأة تلك التصريحات التي كانت خارجة عن القانون والمواثيق الدولية، كان هو الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي حاول تبرير ما لا يبرر، حيث قال: ((إن كلام بان كيمون لم يكن مخططا له، كما لم يكن متعمدا، بل كان عفويا، ورد فعل شخصي)).

رحل بان كيمون، الغير مأسوف عليه، لكن الناطق الرسمي دوجاريك ظل في منصب الناطق الرسمي، مواصلا مهمة “النطق” في زمن أنطونيو غوتيريس، الذي لم يغيره.

دوجاريك، حجز موقعه مؤخرا في وسائل الإعلام بتعليقاته حول الصحراء المغربية، وآخرها التصريح الذي كذب فيه “إشادة المبعوث الأممي إلى الصحراء، ستيفان دي مستورا، بموقف إسبانيا”، والمشكلة لا تكمن في “التكذيب”، بل في اللغة المستعملة، بشكل غير دبلوماسي(..)، بعد أن نقلت عنه الصحافة قوله: ((غالبا ما تكون التصريحات حول مواقف وأنشطة المبعوث الشخصي للأمين العام للصحراء الغربية دي ميستورا، والتي لم يتم الإفصاح عنها من جانبه أو عن طريق مكتبي، تشويها للحقائق))، وفي محاولة منه للتقليل من أهمية الخطوة الإسبانية، قال دوجاريك: ((أحيط المبعوث الأممي علما بدعم إسبانيا لعملية تيسرها الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، للتوصل إلى حل مقبول للطرفين، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن)).

أنطونيو غوتيريس وفي الإطار ستيفان دوجاريك الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة

الواقع، أن إسبانيا لم تعلن فقط عن دعم عملية سياسية، بل إنها أعلنت عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، والفرق كبير بين دعم العملية السياسية وبين اعتراف إسبانيا بمقترح الحكم الذاتي، القريب من الاعتراف بمغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.

للتذكير، فإن الموقف الإسباني تم إبرازه بجلاء في بلاغ للديوان الملكي جاء فيه، حتى لا ينسى دوجاريك وأمثاله: ((.. فقد جاء في رسالة بعث بها إلى الملك محمد السادس رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، أن “إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007، بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”، كما أبرز رئيس الحكومة الإسبانية في رسالته إلى الملك، أن “البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة، والتاريخ، والجغرافيا، والمصالح، والصداقة المشتركة”، وأعرب سانشيز عن “يقينه بأن الشعبين المغربي والإسباني يجمعهما نفس المصير أيضا”، وأن “ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا والعكس صحيح.. وهدفنا يتمثل في بناء علاقة جديدة تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، وفي مستوى أهمية جميع ما نتقاسمه)).

هذا ما قاله رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، لكن الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، تحدث بدل المبعوث الخاص المكلف بالملف، ليشرح ما سماه “إحاطة علم”، بأن إسبانيا تساند عملية سياسية، وليست هذه المرة الأولى التي يدخل فيها ستيفان دوجاريك على خط الملف المغربي المتعلق بالقضية الوطنية بتصريحات مسمومة، حيث سبق له أن دخل على خط الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ليقول: “إن موقف أنطونيو غوتيريس لم يتغير حيال الصحراء بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة المغربية على هذه المنطقة”، كما قال خلال مؤتمره الصحافي اليومي: “إن غوتيريس يرى أنه لا يزال بالإمكان التوصل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي”.

لماذا يدخل دوجاريك على خط ما يتعلق بالقضية الوطنية؟ ولماذا هذا التصريح أصلا؟ علما أن كلاما من هذا النوع لا يجد مكانه إلا في المنصات المعادية للمغرب.

من حق أمريكا كدولة ذات سيادة، أن تتخذ ما تشاء من القرارات.. فلماذا يدخل دوجاريك على الخط ليقول إن موقف الأمم المتحدة لم يتغير إذا لم يكن غرضه هو منح مساحة لتنفس أصحاب أطروحة الوهم، طالما أنه يتحدث عن إمكانية حل قضية الصحراء داخل أجهزة الأمم المتحدة؟ ولماذا فشلت هذه المنظمة طيلة عقود من التسويف في طي الملف، طالما أن مغربية الصحراء ثابتة بحكم التاريخ؟

وحتى لا ننسى.. فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في شهر دجنبر 2020، أنه وقع إعلانا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وقال بالمناسبة: ((لقد وقعت اليوم إعلانا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية))، وأضاف ترامب، أن ((اقتراح المغرب الجاد والواقعي للحكم الذاتي، هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار!))، وتابع قوله موضحا: ((لقد اعترف المغرب بالولايات المتحدة عام 1777.. ومن تم، فمن المناسب أن نعترف بسيادتهم على الصحراء الغربية))، وأفاد البيت الأبيض بأنه ((يعتقد أن إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية، ليس خيارا واقعيا لحل الصراع)).

هكذا تحدث ترامب، لكن لماذا لم يقل دوجاريك أنه أحيط علما بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقع قرارا يعترف بمغربية الصحراء؟ ولماذا لم يسمع له أي صوت فيما يتعلق بإحالة ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، على مجلس الأمن، الإعلان الرئاسي لواشنطن المتعلق بشأن السيادة المغربية على الصحراء، والذي نُشر في 10 دجنبر 2020 باللغات الرسمية الست للأمم المتحدة، وهي الإنجليزية والعربية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية؟ ألم يسمع الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، الموروث عن بان كيمون، بأن كلا من المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية عقدتا مؤتمرا وزاريا دوليا وازنا حول دعم خطة الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، وذلك بمشاركة 40 دولة، 27 منها ممثلة على المستوى الوزاري؟ لماذا لا يتحدث عن إعلان خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته البوليساريو، وأعمال الإرهاب التي قامت بها قرب معبر “الكركرات”، لولا أن الجيش الملكي المغربي تدخل بشكل سلمي لحماية الممتلكات والأرواح وضمان استمرار التنقل التجاري؟

الملك محمد السادس خلال زيارته لمدينة العيون

في التفاصيل، وبين العبارات دائما يوجد الشيطان.. لماذا لم يتحدث الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن اختيار خوسيه مانويل ألباريس، وزير الخارجية الإسباني، نقل موقف بلاده إلى الأمم المتحدة؟ لماذا لم يتحدث عن لقاء رئيس الدبلوماسية الإسبانية، مع ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، وقوله بأن “إسبانيا تعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في عام 2007، هي ذات واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع بين الرباط وانفصاليي جبهة البوليساريو”؟

وقد سبق لستيفان دوجاريك أن تحول إلى شبه ناطق باسم البوليساريو في بعض الحالات، كأن يخرج مثلا ليوضح لوسائل الإعلام، أن ((وضع المغرب للصحراء ضمن خارطته على موقع إلكتروني، أطلقه للترويج لمؤتمر لن يؤثر على موقف الأمم المتحدة من قضية الصحراء الغربية)).. ماذا نفهم من هذه المحاباة للبوليساريو، ألا يفترض في الناطق باسم الأمين العام الأممي ألا يتفاعل إلا مع ما يخص الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حرصا على مهمته الدبلوماسية؟

وسبق لـ”الأسبوع” أن نبهت إلى الاختلالات التي عرفتها الأمم المتحدة في عهد الأمين العام السابق بان كيمون، وكان دوجاريك إلى جانبه، وقد كانت نهايته في الصحراء على وقع الصورة الصادمة لانحيازه(..) وهو يشاهد بأم عينيه خروج آلاف المواطنين لاستقبال الملك محمد السادس خلال زيارته للأقاليم الجنوبية، كما أن بان كيمون ختم ولايته بانحيازه الأعمى لأطروحة البوليساريو، لا سيما عندما طالب بتوسيع صلاحيات البعثة الأممية “المينورسو” لتشمل حقوق الإنسان، لتنقل الصحافة على لسان محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (سابقا) قوله: ((إن تقرير بان كيمون الذى تضمن حديثا عن توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للسلام في الصحراء (المينورسو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، لا منطق يحكمه، ومنحاز بشكل كبير للبوليساريو، علما أن توسيع مهام البعثة الأممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة لا يمكن السماح به إلا إذا كانت المنطقة تعيش حربا أهلية، أو بسبب انهيار النظام))، وكان بان كيمون قد أنهى ولايته على رأس الأمم المتحدة على وقع تقارير مسيئة لمسيرته، وكانت التقارير قد كتبت بأن ((إينغا بريت ألينوس، المسؤولة في مكتب خدمات المراقبة الداخلية، المكلف بمكافحة الفساد في الأمم المتحدة، قد قدمت تقريرا اتهمت فيه الأمين العام بإعاقة عامة، وخاطبت الأمين بالقول بأن أعماله ليست مؤسفة فقط، بل تستحق العقاب)) (المصدر: وكالات)، علما أن مبعوثه كريستوفر روس إلى الصحراء لا يقل عنه انحيازا إلى الأطروحات الجزائرية، والسبب معروف في الكواليس من خلال علاقاته مع شركات الغاز (المصدر: الأسبوع /عدد 31 يناير 2016).. فهل يلتفت المسؤولون الدبلوماسيون إلى ما يدور حول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، المطالب بعدم ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها سابقوه، من خلال التعجيل بالحل(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى