ملف | لماذا يتم “اعتقال” الصحفيين داخل مقصف مجلس النواب عند كل زيارة ملكية؟

الرباط – سعيد الريحاني
“أينكم يا نواب الأمة؟ أين حماسكم وغيرتكم على مصالح البلاد والعباد؟ أينكم من شعارات ووعود الأمس؟.. من حق كل مواطن أن يطرح هذه التساؤلات وهو يشاهد الصور التي تنقلها تغطية التلفزة لجلسات مجلس النواب، فالمتتبع لهذه الجلسات يلاحظ بالملموس معاناة عدسة التلفزة وهي تبحث عن وجوه السادة النواب، ولكنها ورغم جهد المصور لا تجد في مجمل الجنبات إلا الكراسي الفارغة، إنها ظاهرة الغياب أو التحريرة قبل الوقت”.
الفقرة المشار إليها أعلاه عبارة عن مقتطف من افتتاحية صادرة في جريدة “بيان اليوم” الناطقة باسم حزب التقدم والاشتراكية، يوم الخميس 30 ماي 1991، أي أنها كتبت قبل المصادقة على دستور 1992، فهل هناك فرق بين نواب الأمة سنة 1992 وسنة 2014؟
منذ سنة 1991 إلى اليوم صادق المغاربة على ثلاثة دساتير، بصيغ معدلة (1992، 1996، 2011) غير أن ذلك لم ينفع في تغيير صورة البرلمان الذي يعول عليه لتنزيل البنود، “فقد تحولت جلسات البرلمان في كثير من الأحيان إلى ساحة لتبادل الاتهامات بين رئيس الحكومة والبرلمانيين، خاصة في صف المعارضة.. كما تحول البرلمان في لحظات كثيرة إلى ساحة لتبادل السباب والشتم، فالبرلماني عن البام عن حزب البام (بلنمر) لم يرف له جفن وهو يصف رئيس الحكومة بالأحمق، في ما أطلقت البرلمانية خديجة الرويسي تهما غليظة في حق بن كيران، الذي وصفته بالقتال، أما رئيس الاتحاد الدستوري فقد وصف وزير العدل والحريات مصطفى الرميد بـ”الغول”، أما البرلماني عمر السنتيسي عن حزب الاستقلال فقد قدم صورة بليغة.. حين التقطت له صور وهو يلعب الكارطة أثناء المصادقة على القانون المالي..”، (أخبار اليوم، الثلاثاء 12 فبراير 2013).
لا فرق إذن بين برلمان 1991 الذي تحدثت عنه يومية “بيان اليوم” وبين برلمان 2013 الذي تحدثت عنه جريدة “أخبار اليوم”، التي أكدت أنه لم يقدم سوى حصيلة تشريعية هزيلة، أكثر من ذلك، فإن فضائح البرلمان الذي أعقب التصويت على دستور 2011، وكان معولا عليه ليقف في وجه رياح التغيير التي هبت باسم الربيع العربي، يعتبر برلمانا فضائحيا بامتياز، “فقد عرفت هذه الدورة التشريعية كذلك تفجير فضيحة كبرى، رافقت مناقشة القانون المالي بمجلس المستشارين، حيث اكتشف أعضاء لجنة المالية أن مشروع القانون المالي الوارد إليهم من طرف مجلس النواب به وثيقة لا علاقة لها بمشروع القانون كما صادق عليه مجلس النواب، وهي الفضيحة التي تم إقبارها بمجرد فتح تحقيق حولها من لدن مجلس المستشارين، ولم يعلن عن نتائجها لحد الآن، في ما ظل مجلس النواب محافظا على سكونه تجاه الوثيقة المزورة، التي همت المادة 18 من مشروع قانون المالية الذي يضع الحسابات الخصوصية لخزينة الدولة تحت المجهر البرلماني”، (المصدر نفسه).
وربما وصل الانحطاط في سلوكات النواب والوزراء في البرلمان الحالي إلى مستويات غير مسبوقة من حيث التدني، فما معنى أن يخاطب أحد النواب وزيرا في الحكومة قائلا، “أنت خائن وباراكا من التهريج ديال جامع الفنا”، ليرد عليه الوزير بعبارة خادشة للحياء العام في جلسة عامة: “سير تقو..”.
ما معنى أن يوجه برلماني لكمة قوية لم تصبه، لأن عبد الله بوانو وعبد اللطيف برحو برلمانيي “البي جي دي”، تدخلا وأبعدا النائب الغاضب (موقع كود، 21 ماي 2014)، هل هذا برلمان أم حلبة للمصارعة؟ ما معنى أن يقول وزير الصحة لمجموعة من الصيادلة نفس الكلمات التي قالها الوزير الوفا لأحد النواب(..).
شعر رشيد الطالبي العلمي الرئيس الجديد لمجلس النواب بفخر زائد، وهو يجلس إلى جانب الملك محمد السادس رفقة أعضاء مكتب مجلس النواب يوم الثلاثاء 10 يونيو الماضي، وقد كان مبعث فرحته الزائدة هو أنه حظي باستقبال ملكي بخلاف الرئيس السابق لمجلس النواب كريم غلاب الذي لم يحظ بهذا التشريف رغم أنه طلبه، لتقول الصحافة إنه ارتكب خطأ في البروتوكول(..).
الاستقبال الملكي أعطى معنى لانتصار الطالبي العلمي مرشح الأغلبية الحكومية في معركة 11 أبريل الماضي(..)، كما يمكن اعتباره تفعيلا لمقتضيات المادة 20 من القانون الداخلي لمجلس النواب التي تقول: “يحيط رئيس مجلس النواب جلالة الملك علما بتشكيل هيئات المجلس المتعلقة بالمكتب ورؤساء اللجن الدائمة، ورؤساء الفرق، ورؤساء المجموعات النيابية، كما يبلغ ذلك إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس المستشارين”.
—————-
الدعوة إلى تفعيل مقتضيات الدستور لا تعني منع الصحافة
استقبال الملك لرئيس مجلس النواب قد يبدو أمرا عاديا، رغم الانتقادات التي وجهت لهذه المبادرة من طرف رؤساء الفرق البرلمانية الذين كانوا غائبين(..)، خاصة أن نفس الاستقبال سبق أن حظي به رئيس مجلس النواب السابق عبد الواحد الراضي بعد أن طلب ذلك (..) خاصة وأن الطالبي العلمي يقول إن اللقاء خصص للاستماع “لتوجيهات جلالة الملك للنواب من أجل تفعيل المقتضيات الدستورية، سيما ما يتعلق بسير أشغال الغرفة الأولى للبرلمان”، (الصباح، 12 يونيو 2014).
الملك إذن نصح البرلمانيين بتفعيل المقتضيات الدستورية، لكن هذه المجموعة المكونة بالإضافة إلى الرئيس من: “محمد يتيم، وكنزة الغالي، وشفيق رشادي، وعبد اللطيف وهبي، ورشيدة بنمسعود، وعبد القادر تاتو، ومحمد جودار، ومصطفى الغزوي، والمحاسبين: عبد اللطيف بروحو، وبولون السالك، وكذا الأمناء جميلة المصلي، ومينة بوهدود، وأحمد التهامي”.. ارتبط استقبالهم بالتأسيس لتعامل جديد مع الصحافة، بعد أسبوع واحد من هذا الاستقبال.
فقد قرر مكتب مجلس النواب بتنسيق مع مكتب مجلس المستشارين عدم السماح للصحفيين بحضور ومتابعة أشغال اللجان البرلمانية الدائمة تطبيقا للفصل 68 من الدستور.. ويشرح الطالبي العلمي: “إن القرار لم يكن يستهدف الصحافيين في حد ذاتهم، وإن كان لا يستثنيهم من عدم متابعة أشغال اللجان، ولكنه كان يستهدف أساسا إغلاق اللجان أمام عدد من الزوار الذين لا علاقة لهم بالمجلس لا من قريب ولا من بعيد”.
هكذا إذن تم استغلال التوجيهات الملكية من أجل تنزيل بند واحد في الدستور هو الفصل 68 الذي يقول في جزء منه : “جلسات لجان البرلمان سرية”، وربما لم ينتبه مصدرو قرار منع الصحافة من متابعة الأشغال أن هذا الفصل يقول أيضا: “يحدد النظام الداخلي لمجلسي البرلمان الحالات والضوابط التي يمكن أن تنعقد فيها اللجان بصفة علنية”.. لماذا إذا تم التركيز على الشق السري ولم يتم الحديث عن الشق العلني؟ ولماذا تم إدراج كل مناقشات اللجان تحت يافطة السرية؟
—————-
هل قرأ مكتب مجلس النواب الفصل 27؟
لم يخرج مكتب مجلس النواب ليوضح ملابسات اتخاذ مثل هذا القرار لكن بعض المواقع والصحف تطوعت لتؤكد أن قرار مكتب مجلس النواب “يأتي مباشرة بعد التنبيه الذي تلقاه رشيد الطالبي العلمي من طرف الملك، حول إفشاء أسرار العمل البرلماني على شبكة التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” وحول مخاطر أن يفقد البرلمان حرمته، بسبب أبوابه المشرعة أمام الجميع، بغض النظر عن العلاقة التي تربط الوافدين إليه بالمؤسسة التشريعية”.
ولكن مع ذلك يبقى هذه المبرر غير مقبول لأنه لا يتحدث عن الصحافيين، ثانيا: هناك علاقة وثيقة بين العمل الصحافي والعمل البرلماني بدليل أن مجلس النواب نفسه يصدر كل سنة قائمة بأسماء الصحفيين الذين يمكنهم ولوج القبة، فمن غير المعقول أن نعتقد أن الصحافيين سيدخلون للبرلمان من أجل تغطية جلسات الأسئلة الشفوية المنقولة مباشرة على شاشة التلفزيون(..) ألا يتعلق الأمر بمؤامرة لإقصاء الصحافة؟
الربط بين الرغبة الملكية في النهوض بالعمل البرلماني ومنع الصحافة مسألة يصعب تصديقها، ألم يقرأ أعضاء مجلس النواب الفصول التي تضمن للمواطنين الحق في الوصول للمعلومة؟
يقول الفصل 27 من الدستور: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، كما نجد في نفس الفصل تأكيدا على أهمية الصحافة من خلال قوله: “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”.
أليس في الأمر تعارضا بين إغلاق أبواب مجلس النواب باعتباره مؤسسة منتخبة، وبين المقتضيات الدستورية التي تمنع تقييد حرية الصحافة؟ أليس في الأمر رغبة في الاشتغال تحت “جنح الظلام”؟
—————
الصور التي أزعجت النواب
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها منع الصحافة من ممارسة حقها في نقل ما يجري ويدور داخل مجلس النواب، فقد كان مكتب مجلس النواب يستغل أدنى فرصة لتتاح له من أجل منع الصحافة، بل إن الأمر بلغ أوجه عندما تم منع المصورين الصحفيين في عهد الرئيس السابق لمجلس النواب من التصوير لمدة تزيد عن 10 دقائق داخل جلسة الأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة، وكان السبب هو أن أحد المصورين التقط صورة لإحدى البرلمانيات بلباس قصير جدا(..).
قرارات من هذا النوع هدفها إرضاء مجموعة من البرلمانيين(..)، الذين يزعجهم العمل الصحفي فيتحولون إلى لوبي ضد الشفافية.. فالبرلمانيون الذين يتسابقون على التهام الحلوى في افتتاح الدورات التشريعية يفضلون عدم وجود الكاميرات، حتى يمارسوا هواياتهم المفضلة بكل أريحية، والبرلمانيون الذين يحبون النواب داخل الجلسات قد يفعلون كل ما في وسعهم لمنع كل ما من شأنه أن يقلق نومهم(..)، بل إن عدة نواب عبروا عن غضبهم مؤخرا عندما التقطت لهم عدسات المصورين، صورا توثق لعبثهم بهواتفهم النقالة التي تسلموها كهدية من مكتب مجلس النواب الجديد.
هذا بالنسبة للجلسات العامة أما في اللجان، حيث تطبخ القوانين(..) فإن تغييب الصحافة قد يساهم في ستر العيوب، ليس أقلها مصادقة 5 نواب على قانون يهم مصير دولة بكاملها(..) ما معنى أن يصادق أقل من 5 مستشارين على اتفاقية دولية قد ترهن مستقبل المغرب “الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري نموذجا”.
—————-
احتجاز الصحفيين داخل قاعة كلما كان الملك
جميع الصحفيين الذين سنحت لهم الفرصة لدخول مجلس النواب، يمكنهم أن يؤكدوا تلك الواقعة الخطيرة، التي تكررت في السنوات الأخيرة(..) حيث يتم “احتجاز” كل الصحفيين الذين يوجدون داخل البرلمان في “مقصف” مجلس النواب، عند افتتاح كل دورة تشريعية يحضرها الملك.
في مجلس النواب، كل الاعتبارات الأمنية يتم تلخيصها في لحظة من اللحظات في ضرورة تجميع الصحفيين داخل غرفة واحدة، تكون غالبا هي “مقصف” مجلس النواب بالتزامن مع وجود الملك داخل قاعة الجلسات العامة حيث يفتتح الدورة التشريعية.
لماذا إذن يتم حرمان الصحفيين من مكانهم الطبيعي في منصة الصحافة، لمتابعة الخطاب الملكي؟ ألا يتعلق الأمر بتفسير مجحف “للإجراءات الأمنية” على غرار التفسير المجحف للدستور، لماذا تضمن إدارة البرلمان مقاعد للبرلمانيين بدون استثناء ولا تضمن بضعة مقاعد للصحفيين؟ وعلى أي أساس يتم هذا الإقصاء؟(..).
—————-
الصحافة صمام أمان ضد الانزلاقات
يمكن القول إن وجود الصحافة داخل مجلس النواب بمثابة ضمير للعمل البرلماني، ذلك أنها تساهم في التعريف بالمجهود البرلماني، وتساهم في فضح المؤامرات التي يمكن أن تحدث تحت القبة، أليست الصحافة هي التي فضحت توقيع عدة فرق برلمانية على مقترح لتجريم التطبيع مع إسرائيل في ظرف حساس؟ أليست الصحافة هي التي نبهت لخطورة تفويت القطاع الصحي للقطاع الخاص؟ أليست يقظة الصحافة هي التي حالت دون المصادقة على قانون “لتقنين زراعة الحشيش”، في انتظار أن تثبت الجدوى من المشروع، طالما أن وزير العدل نفسه مصطفى الرميد سبق أن أكد قدرة أباطرة المخدرات على اختراق القبة التشريعية (المساء، 1 أكتوبر 2009)، كيف يمكن أن نتق في المنتوج التشريعي لبعض البرلمانيين يوصفون بتجار المخدرات(..)، حسب ما سبق أن صرح به القيادي الاتحادي عبد الهادي خيرات سنة 2009 مباشرة على شاشة التلفزيون، قبل أن يلتحق هو الآخر بقبة البرلمان ويسكت، خلال الولاية التشريعية الأخيرة التي حملت إلى البرلمان أكبر عدد من النواب المتعاطفين مع “زراعة الحشيش”.. خيرات هو الوحيد الذي يمكنه أن يتحدث عن مصير أولئك النواب الذين كان يصفهم بـ”الحمير والمجمكين”، هل مازالوا تحت قبة البرلمان أم لا؟(..).