تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | 2021.. سنة من أجل إسرائيل والصحراء

عام من المعارك الدبلوماسية الطاحنة

لم تكن سنة 2021، فيما يتعلق بالعلاقة بين المغرب وإسرائيل، إلا سنة لتكريس الاتفاق الذي وقع مع نهاية السنة التي قبلها، في شهر دجنبر 2020، وقتها ظهر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مرتبكا وهو يحمل بين بيديه صورة تذكارية لنسخة من “الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل”، وقد شاءت الظروف أن يوقع رئيس حزب العدالة والتنمية، الذي طالما استعمل الورقة الدينية، اتفاق التطبيع، وقد كانت القضية الفلسطينية إحدى القضايا التي تمكنه من تعبئة “جماهير انتخابية” دون أدنى مجهود.

 

إعداد : سعيد الريحاني

 

    في سنة 2021، وقع المغرب وإسرائيل اتفاق – إطار للتعاون الأمني، غير مسبوق، خلال زيارة هي الأولى من نوعها لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى المملكة، ورسم الاتفاق، الذي وقعه غانتس والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع المغربي، عبد اللطيف لوديي، التعاون الأمني بين البلدين بمختلف أشكاله، في مواجهة التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة، وفق “فرانس بريس”، وكتبت الصحافة عن هذا الاتفاق التاريخي: أن ((التعاون الإسرائيلي المغربي يشمل بناء قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة مليلية، وهو مشروع يفوق بكثير أهداف “اتفاقيات أبراهام” والتي يعد المغرب عضوا فيها، بعد أن وقع اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل… وتعمل إسرائيل على تطوير صناعة مغربية محلية لإنتاج طائرات بدون طيار، وهو ما من شأنه تعزيز قدرات القوات الجوية المغربية، بحسب الصحيفة، وبهذه الطريقة، سيتمكن الإسرائيليون أيضا من إنتاج طائرات بدون طيار بكميات كبيرة وبثمن أقل بكثير في المغرب، ما سيسمح لهم بالتموقع جيدا في أسواق التصدير)) (المصدر:عدة وكالات).

اتفاق من هذا النوع، في الحالة المغربية، لم يكن ليمر دون إثارة حفيظة حكام الجزائر، الذين أطلقوا العنان لمهاجمة القرارات السيادية للمغرب، باعتبار ذلك “استهدافا لها”، والواقع أن الجزائر هي التي تستهدف المغرب من خلال تقديم الأسلحة لميليشيات البوليساريو، التي أعلنت خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وتواصل الإعلان عن غارات عسكرية من جانب واحد(..)، وكتب الإعلاميون عن الارتياب الجزائري، مئات المقالات منها على سبيل المثال، ما يلي: ((تنظر الجزائر بارتياب للتقارب المغربي الإسرائيلي، وتعتبر الاتفاقيات الموقعة بينهما تستهدف أمنها وسيادتها))، ويرى مراقبون أن هذا الارتياب قد يدفع الجزائر إلى التقارب أكثر مع إيران، التي تعلن العداء علنا لإسرائيل ولا علاقات دبلوماسية لها مع الرباط.. واعتبر رئيس مجلس الأمة الجزائري، صلاح قوجيل، الخميس، أن بلاده “هي المستهدفة” بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس للمغرب.. وقال قوجيل في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية: إن الأعداء يتجندون أكثر فأكثر لعرقلة مسار الجزائر، مشددا على أن بلاده هي المستهدفة بالزيارة التي قام بها غانتس)) (المصدر: موقع الحرة/ 25 نونبر 2021).

التطور الفجائي للعلاقات المغربية الإسرائيلية، كان لها أثر كبير في الإعلام، بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي نفسه، لجأ إلى وسائل إعلام مغربية، مدعومة من طرف إسرائيل(..) ليروج لرأيه بخصوص زيارته للمغرب، وما خلفته على نفسيته من أثر، حيث أشاد بدور المغرب في حماية اليهود من بطش النازية قائلا: ((في أحلك أوقات التاريخ، اختبر النظام النازي تسامح العالم. تم اعتقال ملايين اليهود ووضع علامة عليهم مثل الماشية وإرسالهم إلى الموت في معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء أوروبا. لقد وقعت والدتي وأبي ضحية أهوال النازيين. خلال هذه الفترة، قال الملك محمد الخامس: لا يوجد يهود في المغرب. لا يوجد سوى رعايا مغاربة)).. هكذا تحدث غانتس، قبل أن يضيف: ((بالنظر إلى التطورات الإيجابية الأخيرة، أنا واثق من أننا سنعمل مع أصدقائنا المغاربة، ومع قيادة حليفنا الكبير، الولايات المتحدة، من أجل تعزيز علاقات إسرائيل مع الأردن ومصر وأعضاء “اتفاقيات أبراهام” والشركاء الجدد في المنطقة، وكذلك مع جيراننا الفلسطينيين))، كما أنه شرح الهدف من “مذكرة التفاهم” التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة، قائلا: ((تضع مذكرة التفاهم إطارا يمكننا من خلاله تطوير التعاون في مكافحة الإرهاب، تبادل المعلومات الاستخباراتية، التدريب العسكري، مجموعات العمل المهنية، والتعاون الصناعي، والأهم من ذلك، أن هذه الاتفاقية تعترف برؤيتنا المشتركة للسلام والاستقرار لشعوبنا وللمنطقة وللعالم)).

وفد إسرائيلي في زيارة لضريح محمد الخامس بالرباط

وبغض النظر عن كون السنة التي تم فيها استئناف العلاقات مع إسرائيل، كانت هي نفسها السنة التي سقط فيها حزب العدالة والتنمية، وهي السنة نفسها التي تميزت بتشكيل حكومة جديدة على أنقاض الحزب الذي قاد عملية التطبيع، فقد كانت 2021 سنة المعارك الدبلوماسية الطاحنة، إذ لا يمكن الحديث عن هذه السنة دون الحديث عن الأزمة بين المغرب وإسبانيا، والتي خلفها استقبال الجارة الشمالية لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، بهوية مزورة في رحلة استشفاء غامضة.

معركة  فضح مؤامرة إبراهيم غالي في إسبانيا، لم تكن أقل قيمة من عملية “تأمين معبر الكركرات”، التي نجح فيها الجيش الملكي المغربي بحرفية عالية، لذلك أصدرت وزارة الشؤون الخارجية المغربية، بلاغات صارمة، وبلغة غير معهودة ضد إسبانيا، لأن ((قرار السلطات الإسبانية بعدم إبلاغ نظيرتها المغربية بقدوم زعيم ميليشيات البوليساريو، ليس مجرد إغفال بسيط، وإنما هو عمل يقوم على سبق الإصرار، وهو خيار إرادي وقرار سيادي لإسبانيا، أخذ المغرب علما كاملا به، وسيستخلص منه كل التبعات)) (المصدر: بلاغ سابق لوزارة الخارجية المغربية).

التصعيد المغربي في مواجهة المناورة الإسبانية، والذي انتهى بتعديل حكومي، خرجت من خلاله وزيرة الخارجية الإسبانية من الحكومة، كانت مؤشراته واضحة من خلال بعض فقرات بلاغ وزارة الخارجية المغربية، وجاء فيه: ((منذ أن استقبلت إسبانيا على أراضيها زعيم ميليشيات البوليساريو، المتهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ضاعف المسؤولون الإسبان من التصريحات التي تحاول تبرير هذا الفعل الخطير الذي يخالف روح الشراكة وحسن الجوار))، علما أنه ((لا يمكن للاعتبارات الإنسانية أن تشكل وصفة سحرية يتم منحها بشكل انتقائي لزعيم ميليشيات البوليساريو في وقت يعيش فيه آلاف الأشخاص في ظل ظروف لاإنسانية في مخيمات تندوف، ولا يمكن للاعتبارات الإنسانية أن تشكل تفسيرا للتواطؤ بخصوص عملية انتحال هوية وتزوير جواز سفر بهدف التحايل المتعمد على القانون، بل إن موقف بعض المسؤولين الحكوميين (الإسبان)، الذي يتضمن حكما مسبقا على رد الفعل المغربي ويحاول التقليل من التداعيات الخطيرة على العلاقات، لا يمكن أن يحجب هذا الوضع المؤسف)) (نفس المصدر).

ولم يكن أحد يتوقع هذا التصعيد المغربي فيما يتعلق بتصرفات الأطراف المعادية لقضية الصحراء، بل إن الصرامة المغربية سيؤكدها فيما بعد الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس في ذكرى ثورة الملك والشعب، والذي أكد وجود هجمات مدروسة يتعرض لها المغرب، لكونه دولة مؤسسات، ((فالمغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثنتي عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب.. والمغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم))، يقول الملك محمد السادس، قبل أن يعاتب بعض الدول الأوروبية، بقوله: ((يتعرض المغرب، على غرار بعض دول اتحاد المغرب العربي، لعملية عدوانية مقصودة.. فأعداء الوحدة الترابية للمملكة ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا.. وقليل من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها بالمنطقة المغاربية.. كما أن بعض قيادييها لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات.. إنهم لا يريدون أن يفهموا بأن قواعد التعامل تغيرت، وبأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبنا)) (المصدر: خطاب الملك محمد السادس في ذكرى ثورة الملك والشعب).

التصعيد المغربي في مواجهة إسبانيا، ليس سوى واحدا من عناوين المعركة الدبلوماسية الصارمة للمغرب مع الدول الأوروبية، من أجل الصحراء، وقد كان لافتا للانتباه الموقف المغربي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا، بسبب ما سمي “سوء تفاهم عميق”، كما أكدته وزارة الخارجية المغرب، وهو سوء التفاهم الذي استمر إلى حدود اليوم، ومع ذلك يمكن القول إن مؤشرات الرضوخ الألماني للشروط المغربية في الشراكة والتعاون، قد ظهرت مع ميلاد حكومة ألمانية جديدة بقيادة الاشتراكيين، وقد بدأ الأمر بتصريحات إيجابية متبادلة بين الطرفين(..).

طبعا، يمكن القول إن الخطب الملكية أطرت علاقات التعاون مع الدول الأوروبية، لكن الملك محمد السادس لم يتحدث عن العلاقة بين المغرب وإسرائيل، طالما أن الورش لازال مفتوحا، وإجراءات الثقة لازالت متواصلة، لكن الإشارة واضحة لمن يهمه الأمر في الخطب الملكية، حيث يقول: ((هناك من يقول بأن المغرب يتعرض لهذه الهجمات، بسبب تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي، وطريقة تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية، في نفس الوقت.. هذا غير صحيح. المغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا)).

صور من مناورات “الأسد الإفريقي” التي أجريت بشعارات تعترف بمغربية الصحراء

الحديث عن إسرائيل مرتبط إعلاميا باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، بالنظر للتزامن والتوقيت الذي اتخذ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا القرار، الذي عاش أيضا في عهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وقد بلغ التعاون العسكري بين المغرب أمريكا أوجه، بتنظيم مناورات “الأسد الإفريقي” بشعارات تعترف بمغربية الصحراء، بل إن إسبانيا نفسها أقصيت من هذه المناورات، بسبب موقفها المعادي للمغرب، والمتمثل في احتضان إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو.

ولمعرفة قيمة مناورات “الأسد الإفريقي”، التي يشرف على تنظيمها الجيش الملكي المغربي، بجدارة واستحقاق، حتى أن المكلف بهذه المناورات، وهو الجنرال فاروق بلخير، قد تمت ترقيته إلى مستوى المفتش العام للجيش، (كان مكلفا بالمنطقة الجنوبية) بعد نجاحه في تنظيم التظاهرة التي تشارك فيها عدة دول، وهي كما تحدثت عنها الصحافة: ((بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية، شهدت النسخة السابعة عشر من هذا التمرين، مشاركة كل من بريطانيا والبرازيل وكندا وتونس والسنغال وهولندا وإيطاليا، فضلا عن الحلف الأطلسي، ومراقبين عسكريين من حوالي ثلاثين دولة تمثل إفريقيا وأوروبا وأمريكا.. هذا التمرين الذي يعتبر من بين أهم التدريبات المشتركة في العالم، له أهداف متعددة، أبرزها تعزيز قدرات المناورة للوحدات المشاركة، وتعزيز قابلية التشغيل البيني بين المشاركين في تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في إطار التحالف، كما يبتغي، “الأسد الإفريقي 2021″، تحقيق الإتقان على صعيد التكتيكات والتقنيات والإجراءات، وتطوير مهارات الدفاع السيبيراني، وتدريب المكون الجوي على إجراء العمليات القتالية، والدعم والتزويد بالوقود جوا، وتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، وإجراء التدريبات البحرية في مجال التكتيكات والحرب التقليدية)) (المصدر: أرشيف الأسبوع).

وأخيرا، إن إسدال الستار عن سنة 2021، لا يمكن أن يتم دون الحديث عن استئناف العلاقات مع إسرائيل، كما لا يمكن المرور مرور الكرام على تكريس اعتراف عالمي بمغربية الصحراء، جسده دعم مجلس الأمن لمقترح الحكم الذاتي، وأكدته على أرض الواقع خطابات الملك محمد السادس، آخرها خطاب الذكرى 46 لتنظيم المسيرة الخضراء، وجاء فيه أن ((مغربية الصحراء حقيقة ثابتة.. والمغرب لا يفاوض على صحرائه)).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى