تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | تنويع الشركاء الاقتصاديين لمواجهة استفزازات أمريكا والاتحاد الأوروبي

المعركة الدبلوماسية بين الأمس واليوم

كان أهم ملف يشغل بال الدبلوماسية المغربية منذ بداية سنة 2021، هو الأزمة مع بعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وإسبانيا، وكان ما يعطي القضية زخما أكبر، هو الإعلام العربي والدولي، الذي كان يولي القضية اهتماما كبيرا، وهو الأمر الذي كان يشكل ضغطا على كل من الرباط وباقي بلدان الاتحاد الأوروبي، التي كانت لها مشاكل مع المغرب.

إلا أن حدثا مهما غطى على كل الأزمات التي كانت بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، ويتعلق الأمر بإعلان الجزائر عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة، و بدأت الجارة الشرقية تلوح بالحرب، وبذلك أصبح لا نقاش في وسائل الإعلام إلا عن الأزمة المغربية الجزائرية، ومؤخرا، وقعت بعض المستجدات أعادت بعث ما كان بين المغرب والاتحاد الأوروبي من أزمات، وعلى رأسها الأزمتان مع كل من إسبانيا وألمانيا، فقد قامت الدبلوماسية المغربية بخطوات تدل على أن المغرب يسعى لتنويع شركائه ظاهريا ردا على استفزازات الاتحاد الأوروبي، وهو ما تجلى من خلال حضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، اجتماع دول “فيسغراد”، التي تشكل دول اليمين داخل الاتحاد الأوروبي، ثم أعقب ذلك عقد الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي بين المغرب وبريطانيا العظمى، وهو ما طرح التساؤل حول مستقبل العلاقات المغربية مع الشركاء الرئيسيين ونعني الاتحاد الأوروبي؟

من خلال هذا الملف، نحاول رصد تاريخ وأهم المحطات التي عمل فيها المغرب على تنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين ردا على استفزازات أمريكا والاتحاد الأوروبي.

 

أعد الملف: سعد الحمري

 

2014 بداية توجه المغرب إلى تنويع شركائه الاقتصاديين

    بالتزامن مع الحركية الدبلوماسية المغربية الأخيرة داخل بعض الدول المشكلة للاتحاد الأوروبي، والحديث هنا عن دول تكتل “فيسغراد”، والتي وجهت الدعوة إلى المغرب ليكون ضيفا عليها، والتي أعقبها مباشرة انعقاد الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي المغربي البريطاني، تناولت العديد من المنابر الإعلامية الدولية هذا الموضوع واعتبرته سعيا من المغرب إلى تنويع شركائه داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك في ظل الأزمة التي تعصف بالعلاقات المغربية مع بعض القوى الرئيسية داخل التكتل القاري، والإشارة هنا إلى كل من إسبانيا وألمانيا، كما أصبحت أسطوانة عالم ما بعد “كورونا” تدور بقوة، ومن التأويلات كذلك، أن المغرب في إطار سعيه إلى احتلال موقع داخل الخريطة العالمية الجديدة، فهو يبحث عن موطئ قدم له في عالم الغد.

والحال أن سعي المغرب إلى تنويع شركائه الاقتصاديين، لا يعود إلى التحولات العالمية التي وقعت اليوم، بل إن الأمر يتعلق بتوجه استراتيجي اختاره المغرب منذ سنة 2014، حيث اتجهت المملكة يومها إلى بلدان جديدة، عندما كانت بين المغرب وفرنسا مشاكل لعل أهمها حادثة استدعاء مدير الأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، إضافة إلى نزاع مع الجارة الشمالية إسبانيا، وأزمة كبرى مع الاتحاد الأوروبي، الذي قرر إعادة النظر في الاتفاقية الموقعة مع المغرب بخصوص تصدير منتجاته الفلاحية، كما كان الحديث عن أزمة صامتة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

وخلال تلك المرحلة، شهدت الساحة الدولية تطورات مهمة، أهمها الأزمة الأوكرانية، التي انتهت بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا الاتحادية، على اعتبارها الدولة التي تساعد وتساند الانفصاليين في أوكرانيا، وقد كان ذلك إيذانا بدخول روسيا والقوى العظمى في شبه مواجهة مباشرة، انتهت بفرض الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، عقوبات اقتصادية على روسيا، وقد كان لهذا الحدث تأثير بالغ على كثير من الدول البعيدة عن بؤرة الصراع، وذلك بعدما قررت روسيا التعامل بالمثل مع الدول التي فرضت عليها العقوبات، وهو الأمر الذي جعلها تبحث عن تحالفات جديدة للتعاون الاقتصادي.

لقد كان من بين الدول التي قررت روسيا أن توسع التعاون معها هو المغرب، على اعتباره أحد أهم المصدرين للمنتجات الفلاحية، وكان يعاني من ضائقة بعدما توترت العلاقات بينه وبين الاتحاد الأوروبي، بخصوص إعادة النظر في الاتفاقية الموقعة مع المغرب بخصوص تصدير منتجاته الفلاحية.

وقد انعكس هذا التحول على الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الواحدة والستين لثورة الملك والشعب، عندما خصص الملك حيزا هاما من الخطاب للحديث عن توسيع علاقات المملكة مع الصين وروسيا والخليج وإفريقيا، وأسهبت المنابر الإعلامية المغربية في الحديث عن هذا “التحول” وكان السؤال الذي جرت مناقشته هو: هل يعد الأمر سحبا للبساط من تحت أقدام “الشركاء التقليديين” للمغرب، وفي مقدمتهم فرنسا وإسبانيا، وبدرجة أقل الولايات المتحدة الأمريكية؟ الملاحظ، أن العلاقات مع روسيا استمرت كخيار جديد للمغرب، في حين عادت المياه لمجاريها مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك فرنسا وإسبانيا، في حين استمرت الأزمة الصامتة مع أمريكا.

لحظة التوقيع على اتفاقية صنع لقاح «كوفيد 19» بين المغرب والصين

تنويع الشركاء الاقتصاديين.. سلاح المغرب لمواجهة أمريكا سنة 2016

    انتهت الأزمة المغربية مع الاتحاد الأوروبي كتكتل قاري، وكذلك الخروج من الأزمتين مع إسبانيا ومع فرنسا، وبدأت أزمة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت تدعم علنا الطرح الجزائري بخصوص قضية الصحراء المغربية، وكرد فعل على ذلك، قام الملك محمد السادس بزيارة رسمية إلى جمهورية روسيا الاتحادية، والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين، وهي الزيارة التي اعتبرت ناجحة، حيث أعلن خلالها عن مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين، وبعد ذلك بأسابيع، قام الملك محمد السادس بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية، التقى فيها بالرئيس شين جين بينغ، وشهدت هي الأخرى التوقيع على شراكات واتفاقيات مهمة.

ورغم أن الخطة المغربية كانت واضحة المعالم، ومع ذلك اعتبر كثيرون أن التوجه المغربي نحو كل من روسيا والصين الشعبية لا يعني تخلي المغرب عن بقية شركائه في أوروبا وأمريكا، غير أن صناع القرار في المغرب كانوا يضعون في الحسبان، أن العلاقات مع أي طرف قد لا تستمر للأبد، لأسباب متعددة، كما أن هذا التوجه يعكس استقلالية القرار المغربي في تنوع شركائه.

وقد شرح الملك محمد السادس التوجه المغربي الجديد خلال تلك المرحلة والأسباب التي دفعته إلى تنويع شركائه خلال القمة المغربية الخليجية المنعقدة في شهر أبريل سنة 2016، حيث قال الملك خلال كلمته أمام زعماء الدول الخليجية: ((.. ومن جهته، فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شراكاته، سواء على المستوى السياسي أو الاستراتيجي أو الاقتصادي، وفي هذا الإطار، تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء بعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة في العديد من المجالات الحيوية، كما نتوجه لإطلاق شراكات استراتيجية مع كل من الهند وجمهورية الصين الشعبية، التي سنقوم قريبا، إن شاء الله، بزيارة رسمية إليها، فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية تابعة لأي بلد، وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه، الذين لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم، ومن ثم، فإن عقد هذه القمة ليس موجها ضد أحد بشكل خاص، ولاسيما حلفاءنا.. إنها مبادرة طبيعية ومنطقية لدول تدافع عن مصالحها مثل جميع الدول، علما أن أشقاءنا في الخليج يتحملون تكاليف وتبعات الحروب المتوالية التي تعرفها المنطقة)).

وفي هذا الاتجاه، كان من أهم نتائج الانفتاح المغربي خلال مرحلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، نجاح المغرب في جلب الصين إلى المغرب كأحد أهم الشركاء الاقتصاديين، حيث كان مشروع “مدينة محمد السادس طنجة تيك”، أهم ما عكس تميز العلاقات بين الصين والمغرب، عن طريق إرساء أسس مدينة صناعية عصرية ومستقبلية وإيكولوجية، متصلة بالتكنولوجيات الجديدة ورمز لإفريقيا منفتحة على العالم بأسره.

مجسم مدينة محمد السادس طنجة – تيك

التوجه نحو مجموعة “فيسغراد” بدأ منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وليس اليوم

    بدأ توجه المغرب نحو دول مجموعة “فيسغراد” بالتزامن مع اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء أواخر سنة 2020، ففور صدور القرار الأمريكي، أعلنت العديد من الشركات البولونية عزمها على الاستثمار في جهة الداخلة، وذلك بالتزامن مع دعوة برلين إلى عقد اجتماع في الأمم المتحدة لمناقشة الوضع في الصحراء المغربية احتجاجا على القرار الأمريكي، وكما هو معلوم تاريخيا، فإن بولونيا تعتبر عدو ألمانيا اللدود في الاتحاد الأوروبي، اعتبارا للماضي الاستعماري لألمانيا.

ومنذ إعلان الشركات البولونية، شهدت العلاقات بين البلدين دينامية قوية، كان آخرها لقاء سفير المغرب في وارسو، عبد الرحيم عثمون، يوم 26 ماي المنصرم، بممثلين بولونيين عن “مجموعة الصداقة البولونية المغربية” في مجلس الشيوخ بجمهورية بولونيا، لتقييم العلاقات الممتازة بين البلدين.

وقد تطرق المشاركون، في هذا الاجتماع، للأوضاع الاقتصادية في البلدين، والأزمة الصحية، وحملة التلقيح، وكذلك الأمور الدبلوماسية، وخلال نفس الاجتماع، رحبت كل من رئيسة مجموعة الصداقة في مجلس الشيوخ، جوانا سيكولا، ونائب رئيس مجموعة الصداقة، ورئيس مجموعة “EPP” في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ألكسندر بوسيج، (رحبوا) بديناميكية العلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية بولونيا، كما أبرز نواب مجلس الشيوخ، خلال الاجتماع ذاته، بشكل خاص، الاهتمام الكبير الذي أبدته شركات بلدهم بإمكانية الاستثمار في السوق المغربية، وخصوصا على مستوى الأقاليم الجنوبية للمملكة.

ومن جانبه، أعرب السفير المغربي عن شكره لضيوفه على ثقتهم والاهتمام الخاص الذي يبدونه تجاه المغرب، مشيرا إلى أن هذا النجاح جاء نتيجة سلسلة من اللقاءات التي عقدت على مدى عدة أشهر مع شركات بولونية من أجل الاستثمار في المغرب، كما ناقش السفير عبد الرحيم عثمون، مع ضيوفه، الفرص التي ستنالها الشركات التي ستستثمر في المغرب، إضافة إلى أنها ستستفيد من الموقع الجغرافي للمملكة ومكانتها في القارة الإفريقية، لتوسيع استثماراتها على المستوى القاري.

أما بخصوص البلد الثاني، وهو هنغاريا، العضو في الاتحاد الأوروبي، فقد استقبل رئيس الدبلوماسية المغربية، ناصر بوريطة، يوم 9 يونيو، نظيره وزير الخارجية الهنغاري، قبل يوم واحد من مناقشة وتصويت البرلمان الأوروبي على مشروع القرار الذي تقدمت به إسبانيا من أجل إدانة المغرب بخصوص استغلال القاصرين في ملف الهجرة.

وعلى هامش المحادثات التي أجراها الطرفان، أعلن ناصر بوريطة، في المؤتمر الصحفي بالرباط، أن ((إسبانيا تحاول إقحام الاتحاد الأوروبي في الملف من باب الهجرة غير النظامية، بهدف صرف النظر عن الأسباب الحقيقية لجذور الخلاف بين البلدين))، وأوضح أن ((الأزمة سياسية وثنائية بين البلدين وليست مع الاتحاد الأوروبي))، مؤكدا على أن ((علاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي جيدة)).

وفي اليوم الذي صوت فيه برلمان الاتحاد الأوروبي على مشروع القرار، صدر بلاغ ختامي حول الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المجري، وكان أبرز ما جاء في البلاغ: ((إعلان المجر عن تجديد دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي تم تقديمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، ولجهود التنمية التي يبذلها المغرب في المنطقة، وللجهود المبذولة تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ومستدام لقضية الصحراء قائم على التوافق)).

وتعتبر هذه النقطة ردا صريحا من هنغاريا على مشروع القرار الإسباني، الذي جاء في صيغته الأولى، محاولة لجر برلمان الاتحاد الأوروبي من أجل تبني موقف موحد من قضية الصحراء المغربية.

وأبرز نفس الإعلان المشترك، أن المغرب وهنغاريا أكدا دورهما الإيجابي والبناء في الحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم في إقليميهما، كما عبرا عن التزامهما بهذه المبادئ، وكذا بالتسوية السلمية للنزاعات واحترام الوحدة الترابية وسيادة الدول، وفي هذا جواب مباشر عن المساعي الإسبانية لجعل برلمان الاتحاد الأوروبي يتبنى قرارا يعتبر أن سبتة ومليلية جزء من التراب الأوروبي وحدود التكتل القاري مع إفريقيا، واتفق الوزيران على وضع خارطة طريق ثنائية تشمل الاستثمارات وتنظيم منتدى اقتصادي، وأكدا على الدعم المتبادل لترشيحات البلدين على صعيد الهيئات والمنظمات الدولية.

استمر التنسيق بين المغرب وكل من بولونيا وهنغاريا، ليتوسع ويشمل مجموعة “فيسغراد” المشكل إلى جانب الدولتين المذكورتين، من كل من التشيك وسلوفاكيا، وهو ما تعزز من خلال حضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة اجتماع وزراء خارجية هذا التكتل في بودابست يوم الثلاثاء الماضي، حيث جرى الاتفاق على أجندة أمنية، تتعلق بمحاربة الهجرة غير القانونية والإرهاب والجريمة المنظمة، وركزت تغريدة المجموعة عبر “تويتر”، على دور المغرب في حماية حدود أوروبا من الإرهاب والهجرة كذلك، واقترحت الرباط رفع التعاون من زاوية أن المغرب يعد بوابة إفريقيا لهذه الدول وهي تعتبر منصة لأوروبا الشرقية والوسطى، وحصل المغرب على دعم في قضاياه الرئيسية، وهي تفهم أكبر لموقف الرباط من نزاع الصحراء، ودعم استئناف ضد الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية العامة بإلغاء اتفاقية التجارة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي بسبب مياه الصحراء المغربية.

وكما هو معلوم، فإن دول “فيسغراد”، وخصوصا هنغاريا، معروفة بشغبها داخل الاتحاد الأوروبي، حيث لا تتردد في استعمال حق “الفيتو” الأوروبي في قضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالتكتل القاري، حيث عرقلت إصدار الاتحاد لثلاث قرارات تدين كلا من الصين وإسرائيل في ظرف ثلاثة أسابيع خلال شهر ماي الماضي، وهذه نقطة يمكن للمغرب أن يستفيد منها مستقبلا.

سفير المغرب عثمون يستقبل مجموعة مستثمرين بولونيين ردا على ألمانيا

هل يتخلى المغرب عن الاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي ؟

    عندما حلت ذكرى المسيرة الخضراء، كان الاعتقاد السائد أن الخطاب الذي يلقيه الملك عادة بهذه المناسبة، سيكون موجها بالدرجة الأولى إلى الجزائر، وخاصة بعد تلويحها بالحرب، غير أنه وعلى غير المتوقع، تجنب الخطاب الملكي بشكل مطلق، الإشارة إلى الجزائر، مفضلا الحديث عن نتائج دبلوماسية بلده النشيطة في الأشهر القليلة الماضية، وكيف أحرزت تقدما كبيرا في ملف الصحراء.

لكن، إلى جانب هذه النقاط الواضحة، التي تعبر في الحقيقة عن لحظة انتصار دبلوماسي مغربي، ثمة نقاط أخرى وردت في الخطاب، تركت علامات استفهام كثيرة، واستشكلتها دول في الاتحاد الأوروبي، وبخاصة إسبانيا، التي تشتغل بنهج هادئ من أجل إعادة العلاقات مع الرباط إلى حالتها الطبيعية بعد أزمة استقبال زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، وإدخاله للأراضي الإسبانية بهوية وجواز سفر مزورين دون تشاور أو إخبار للمغرب، فقد ميز الخطاب الملكي بين صنفين من الدول، سمى الأول بالشركاء، ودعاه إلى تبني مواقف جريئة وواضحة بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، وسمى الصنف الثاني بأصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة، وأعلن بشكل صارم أن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية لا تشمل الصحراء المغربية.

في هذه الخطوة المفاجئة، كان المغرب واضحا مع الاتحاد الأوروبي كتكتل، خاصة وأن المحكمة الأوروبية قضت ابتدائيا ببطلان اتفاقية التجارة والصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي على اعتبار أنها تشمل الأقاليم الجنوبية للمملكة، فتوالت الإشارات القوية بعد الخطاب الملكي، حول السياسة الخارجية التي سيتبعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي، فقد أكد الوزير ناصر بوريطة، أمام لجنة العلاقات الخارجية للبرلمان المغربي الشهر الماضي، ما يلي: ((علينا التحرر من ابتزاز الاتحاد الأوروبي، وأن أي اتفاق في المستقبل مع الاتحاد الأوروبي يجب أن يحترم السيادة المغربية على الصحراء)).. فهل معنى هذا أن توجه المغرب هو عدم القيام بأي خطوة مستقبلية مع الاتحاد الاوروبي إلا بعد اعترافه بمغربية الصحراء؟ وفي المقابل، فإن 65 % من مبادلات المغرب الاقتصادية والتجارية هي مع دول الاتحاد الأوروبي، فمهما حاول المغرب تغيير دبلوماسيته، سيجد نفسه رهينة العامل الاقتصادي، وهذا سيستمر لمدة عقود طويلة، لأنه ليس من السهل والبساطة العثور على شركاء جدد يعوضون فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا اقتصاديا.. فهل تستمر الأزمة السياسية وتستمر العجلة الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى