ملف | وثائق اتهام العماري بانتحال صفة ممثل للملك والحكومة في الباراغواي

الرباط: سعيد الريحاني
شهر رمضان هذه السنة له طعمه الخاص، وبينما يركز البعض في أداء المناسك، يفضل البعض الآخر الاهتمام بما يجري ويدور داخل ملاعب البرازيل، حيث تقام مباريات كأس العالم، بل إن الفقيه عبد الباري الزمزمي بارك للمصلين تلك الفتوى التي تقول بجواز تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد انتهاء مباراة الجزائر وألمانيا، “لأنه لا يمكن للإنسان المسلم المولع بكرة القدم أن يحقق شرط الخشوع وهو يصلي أثناء إجراء المباراة..”، يقول الزمزمي في تصريحاته لوسائل الإعلام.

أن تتصدر دولة من أمريكا اللاتينية واجهة الأحداث هنا في المغرب، لم يكن هو الحدث الأول من نوعه، بل إن عدة وسائل إعلام تحدثت السنة الماضية عن مبادرة “محمودة” قامت بها دولة البراغواي، وهي تسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، قبل أن تظهر بعض الوثائق من جديد بالتزامن مع انطلاق المونديال لتتحدث عن بعض خبايا “زيارة إلياس العماري” والوفد المرافق له إلى هذه الدولة، تلك الزيارة التي قيل إنها مهدت لهذا “الإنجاز الدبلوماسي غير المسبوق”.
ماذا كان يفعل إلياس العماري في الباراغواي؟ الجواب الذي أورده موقع وزارة الفلاحة في دولة الباراغواي، يقول بالحرف بأن إلياس العماري الذي اجتمع مع وزير الفلاحة في البراغواي “جورج غاتيني” “jorge gattini”، كان يمثل “الملك محمد السادس بن الحسن”.
هل هذا صحيح؟..إلياس العماري يمثل جلالة الملك في لقاء مع مسؤولين في دولة الباراغواي؟ هكذا تساءلت جريدة “العلم” التابعة لحزب الاستقلال مندهشة في عددها الصادر بتاريخ 21 يونيو 2014، لكنها كغيرها من المواقع الإخبارية لم تكن تملك الجواب، كل ما كان بحوزتها هو بلاغ صادر عن وزارة الفلاحة في الباراغواي (البلاغ منشور في الموقع حسب الرابط الذي نشرته الجريدة: “www.mag.gov.py/index.php?pag=not_ver.php&idx=93756″، ويقول بأن “اللقاء الذي جمع إلياس العماري ووزير الفلاحة الباراغوياني كان يهدف إلى تمهيد الطريق لإبرام اتفاق بين الباراغواي والمغرب في المجال الفلاحي ويسعى إلى تحسين نوعية المحاصيل الزراعية والحيوانية..”.
يمكن القول إن جريدة “العلم” تجنبت طرح الأسئلة المقلقة(..)، ذلك أن التساؤلات التي تغدو مطروحة في هذه الحالة، هي: “ما فائدة الحكومة؟ وما فائدة رئيس الحكومة؟ وما فائدة مستشاري الملك..، إذا كان سيأتي رجل بدون صفة حزبية مثل إلياس العماري (البلاغ لا يشير إلى صفته الحزبية)، ليتزعم مفاوضات للتعاون الفلاحي في مجال “الفوسفاط” و”الزراعة” و”الثروة الحيوانية”، ما فائدة التبجح بأننا دولة المؤسسات؟ وما قيمة الدستور الجديد؟ وما موقف رئيس الحكومة، وهو يقرأ الأخبار ويتفرج مثل أي مواطن بسيط لا حول له ولا قوة(..)، ألا يتطلب الأمر فتح تحقيق؟
داخل حزب الأصالة والمعاصرة، وحدها الصيدلانية كوثر بنحمو المجمدة عضويتها(..)، وجدتها فرصة “لتسخر” من الأمين العام مصطفى الباكوري وهي تسأله: “ماذا تقول لجنة التحكيم والأخلاقيات في هذه النازلة، وأنت السيد الأمين العام مصطفى الباكوري ما موقفك من هذا التطاول؟ وهل ستحيل ملف نائبك إلياس العماري على المكتب السياسي؟ وكيف سيتفاعل المكتب السياسي مع هذه النازلة؟”، (موقع الزنقة 20).
—————–
مستشار تعرض لمحاولة اغتيال من طرف المافيا رتب كواليس زيارة دولة في أمريكا اللاتينية

قبل المصادقة على الدستور الجديد انبرت عدة أصوات لتطالب بإبعاد حكومة الظل عن تسيير الشأن العام، وحرص أصحاب مقترحات تعديل الدستور على تقوية صلاحيات “رئيس الحكومة” تكريسا لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة(..)، لكن سرعان ما ارتفعت بعض الأصوات لتحذر من العودة إلى أساليب الماضي في الحكم عن طريق القول: “إن النظام السياسي في المغرب عاد إلى تطبيق دستوره العرفي، لأنه أحس بأنه قدم تنازلات كثيرة في الدستور الجديد.. إن النظام يحاول استرجاع سلطاته شبه المطلقة التي كان يمارسها قبل تاريخ 20 فبراير 2011، لذلك نرى أن المستشارين الملكيين هم من يحكمون عمليا وليس حكومة بن كيران”، (تصريح المحلل السياسي محمد الساسي، هسبريس نقلا عن أخبار اليوم، بتاريخ: 22 أكتوبر 2012).
محمد الساسي، إذن، واحد من الأصوات التي تدافع عن احترام المؤسسات وتطالب بعدم تدخل مستشاري الملك في عمل الحكومة، لكن لماذا لم يتساءل محمد الساسي حتى الآن عن حقيقة زيارة إلياس العماري إلى جمهورية الباراغواي، خاصة أن أحد مرافقي العماري هو أحد زملائه في الحزب، عبد العالي كميرة(..).
————
لا أحد يعرف حتى الآن كواليس زيارة إلياس العماري والوفد المرافق له إلى جمهورية الباراغواي، لكن سكوت الأطراف المعنية بالأمر، وتناقض المعطيات ساهم في توسيع دائرة الشك(..)، حتى أن الحزب الاشتراكي الموحد اتخذ قرارا بطرد “عبد العالي كميرة” من الحزب مباشرة بعد علمه بخبر سفره، كمشارك مع وفد لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى البراغواي.
زيارة دولة الباراغواي حصلت في دجنبر 2013، لكن تداعياتها لم تخرج إلى حيز العلن إلا خلال شهر يونيو من السنة الجارية، وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها “كميرة” بمشاركته فيها، لكنه يقول: ” أخبركم أنني لم أذهب إلى الباراغواي في إطار وفد رسمي لحزب الأصالة والمعاصرة، بل مع أصدقاء لي تر بطي بهم علاقات إنسانية؛ وفق ما علمتني تجربتي المتواضعة من عدم الخلط بين السياسي والإنساني ووضع العلاقات الإنسانية في مواقعها الطبيعية”، (مقتطف من رسالته إلى المكتب السياسي، منشورة في بداية شهر يونيو).
المصدر نفسه يضيف: ” أعتقد جازما أن عمق المشكل ليس الباراغواي، بل الاختلاف في الرؤى حول التدبير السياسي والتنظيمي للحزب..”، قبل أن يطالب بطي الصفحة بشكل نهائي.. معتبرا أن حزبه يعيش وضعية خانقة(..).
لنفترض أن ما يقوله العضو المطرود من الحزب الاشتراكي الموحد صحيحا، لماذا ستصر الأمينة العامة نبيلة منيب ورفقاؤها من الحزب على طرده خارج المكتب السياسي؟ أليس في الأمر شيئا ليس على ما يرام؟.
—————-
الوثائق التي لم يكذبها أحد

بالعودة إلى الوثائق الصادرة في الباراغواي على هامش زيارة وفد مغربي لها، يتبين أن هناك ثلاثة لقاءات عقدها إلياس العماري ومن معه مع المسؤولين؛ أولها، لقاء مع وزارة الفلاحة، وهي التي كانت وراء إصدار بلاغ تم الحديث فيه عن إلياس العماري بوصفه ممثلا للملك محمد السادس بن الحسن (كلمة ابن الحسن وردت في البلاغ)، لكن هناك بلاغات أخرى لم تخرج إلى حيز الوجود إلى حدود اليوم، تنفرد “الأسبوع” بنشر مقتطفات منها، وهما: بلاغ مجلس الشيوخ في الباراغواي ( الكونغرس)، وبلاغ للجنة العدل والتشريع في الباراغواي.
يقول البلاغ المنشور في موقع مجلس الشيوخ باالباراغواي إن رئيس المجلس “خوليو سيزار” “Senador Julio César Velázquez” استقبل ممثلين عن الحكومة المغربية، يقودهم إلياس العماري، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وهم حسب البلاغ: عبد العالي كميرة من الحزب الاشتراكي الموحد، ومحمد خليفة، وهم يقومون بزيارة رسمية، حسب نفس المصدر.
بالمقابل، يقول البلاغ الثاني الصادر عن لجنة العدل والتشريع “إن رئيس اللجنة “Enrique Bacchetta”، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية
“مكيل أبدون” “Senador Miguel Abdón Saguier”، استقبلا بعثة مغربية، ممثلة للحكومة المغربية، بهدف تقوية روابط التعاون بين البلدين”، إنهم أشخاص مستعدون للعمل مع الباراغواي، ويريدون التحدث أولا مع الكونغرس ومع وزير الشؤون الخارجية، ويريدون فقط علاقات أكثر مرونة مع بلدهم”، يقول رئيس لجنة العدل والتشريع، حسب المقال المنشور في موقع مجلس الشيوخ في الباراغواي “Cámara de Senadores”.
البلاغات والمقالات السالفة الذكر والمنشورة في مواقع رسمية تضع كلام كميرة في دائرة المساءلة، فهو يقول “ذهبت مع أصدقائي”، بينما البلاغات تتحدثت عن وفد رسمي، بل تحدثت عن ممثلين للحكومة والحال أن كلا من كميرة وإلياس العماري ينشطان في إطار أحزاب المعارضة، هل يعقل أن تتحدث أطراف من المعارضة باسم الحكومة؟ هذا السؤال مطروح إلى حدود اليوم على رئيس الحكومة؟
—————
المشاركون في رحلة الباراغواي بين إلياس وبلاغات الباراغواي
ساهم انتشار بلاغ وزارة الفلاحة في الباراغواي في إعادة طرح السؤال حول الشخصيات التي رافقت إلياس العماري إلى الباراغواي في هذه الزيارة، التي قيل إنها كانت سببا في سحب جمهورية الباراغواي لاعترافها بالجمهورية المزعومة، لكن الجواب ليس سهلا كما قد يعتقد البعض، فبينما يقول البلاغ/ المقال، المنشور في موقع مجلس الشيوخ أن المشاركين هم: “إلياس العماري، عبد العالي كميرة (الحزب الاشتراكي الموحد)، ومحمد خليفة.. بصفتهم ممثلين عن الحكومة، نجد أن هذه المعطيات تتناقض مع الصور المسربة من اللقاءات، وفيها يظهر جليا حضور سعيد الناصري رئيس فريق الوداد البيضاوي الجديد.
أكيد أن الذي يعرف الحاضرين سيكون هو إلياس العماري، لذلك قد يكون من الأحسن الاستماع إليه، هذا الأخير أكد خلال ندوة صحفية انعقدت بمقر الحزب يوم الأربعاء 18 دجنبر 2013، وكان يجلس بجانبه كل من الشاب يونس السكوري، وعضو المكتب السياسي سهيلة الريكي – أكد- أن المشاركين في زيارة الباراغواي إلى جانبه، هم وفد تابع لحزب الأصالة والمعاصرة (هذا الكلام ينتاقض مع ما صرح به عبد العالي اكميرة)، وهم: سعيد الناصري برلماني وعضو لجنة العلاقات الخارجية داخل حزب الأصالة والمعاصرة، والزيتوني محمد عضو لجنة العلاقات الخارجية داخل الحزب، وبنضو عبد الرحيم، منسق مقاولي ورجال الأعمال داخل حزب الأصالة والمعاصرة في مجال إنتاج الأجبان.. هؤلاء هم أعضاء الوفد حسب إلياس العماري.. لكن لماذا سكت هذا الأخير عن مشاركة عبد العالي اكميرة، الذي أشارت إلى وجوده البلاغات الصادرة في الباراغواي.
يذكر أن البلاغات الصادرة في الباراغواي كانت قد أشارت إلى الدور الكبير الذي لعبه مستشار في مجلس الشيوخ اسمه:
“Roberto Acevedo”، وهو الذي تحدثت عنه بعض القصاصات الإخبارية باعتباره أحد الناجين بأعجوبة من هجوم على شخصه بواسطة الرصاص، في بلدة تقع في الحدود مع البرازيل، ومشهورة بحسابات المافيا داخلها(..).
——————–
لماذا سكت إلياس العماري عن حضور محمد خليفة؟
محمد خليفة، واحد من الأسماء التي سكت عليها إلياس العماري، لكن الأمر لا يتعلق بمحمد الخليفة القيادي في حزب الاستقلال بل بمحمد الخليفة الشايب وهو اسم مثير للجدل نظرا لتردد اسمه في بعض الوقائع الذي أسالت الكثير من مداد الصحافة وهو اسم غالبا ما يتم الحديث باعتباره صديقا لإلياس العماري شخصيا، فمن يكون هذا الشخص؟
محمد خليفة الشايب، يعتبر صديقا لإلياس العماري، تردد اسمه عقب زلزال الحسيمة سنة 2007(..)، سبق أن تم اتهامه بانتحال صفة أمام الملك محمد السادس، بعد تقديمه له عقب نهاية أحد الدروس الحسنية باعتباره رئيسا للجمعيات الإسلامية بمليلية، بل إن “الجماعة الإسلامية النور مليلية” قالت إنها: “تدين كل من ساهم في تقديم محمد الشايب خليفة، ضمن الدرس الحسني ليوم الخميس الأخير، للملك بصفة ليس له ما يثبتها.. زيادة على إدانة التضليل الذي تم أمام الملك لوجود تنظيم حامل لاسم الجمعيات الإسلامية بمليلية..”، (موقع هسبريس 1 شتنبر 2010).
واقعة “انتحال صفة أمام الملك” لم يفتح فيها تحقيق، لكن بعض المواقع الإخبارية قالت إن :”محمد الخليفة ليس محتالا وإنما هو أحد الممثلين الشرعيين للفدرالية الاسبانية للهيئات الدينية (فيري)، ومن حقه تمثيل المسلمين في مليلية، مدريد، قرطبة، برشلونة “، (موقع أندلس بريس).
يذكر أن محمد خليفة الشايب ظهر في عدة صور إلى جانب رئيس فريق الوداد البيضاوي الجديد سعيد الناصري، لكن بلاغات الباراغواي لم تتحدث عنه، بالمقابل كان إلياس العماري قد أشار إلى حضوره باعتباره برلمانيا عن حزب الأصالة والمعاصرة.
—————–
تصريح انفصالي لشقيق إلياس العماري في طنجة
قد يعتقد البعض أن زيارة البراغواي انتهت فصول ارتباطها مع إلياس العماري في دولة البراغواي، لكن الأمر ليس كذلك، فقد استقبل محمد الشيخ بيد الله رئيس الكونغرس الوطني في جمهورية
باراغواي “خوليو سيزار” “Julio César Velázquez”، وقالت المواقع الإخبارية إنهما تحدثا عن التعاون “جنوب جنوب” والتوجهات الملكية في هذا الصدد، (موقع الزنقة 20).
لم يقف الأمر عند هذا، بل إن نفس المسؤول “خوليو سيزار” استقبل يوم الخميس فاتح ماي 2014، من طرف عمدة طنجة فؤاد العماري شقيق إلياس العماري، وهو أيضا ينتمي لحزب البام، هذا الأخير كان لتصريحاته طابع انفصالي، دون أن يعرف أحد السر وراء ذلك، فقد قال فؤاد العماري: “إن جماعة طنجة لديها تصور لنماذج الشراكات الاقتصادية، التي ستعمل على توقيعها مع مختلف الأطراف في دولة الباراغواي، مؤكدا أن توقيع هذه الاتفاقيات لن يمر عبر أي جهة رسمية أخرى في المملكة، بما فيها وزارة الداخلية، بل إن جماعة طنجة هي التي ستتولى هذه العملية بمختلف مراحلها”، (موقع طنجة 24، 2 ماي 2014).
ماذا يعني أن يقول فؤاد العماري إن طنجة قادرة على توقيع اتفاقاتها مع الباراغواي دون الحاجة لأي قناة مركزية؟ هل طبقت طنجة الحكم الذاتي مثلا؟ ما مضمون هذه الاتفاقيات التي ستوقعها طنجة دون الرجوع إلى المركز، علما أن العماري تحدث عن المدينة التي يتقلد عموديتها بشكل أعاد للأذهان صورتها عندما كانت مستعمرة دولية(..).
—————
هل ينفض رئيس الحكومة الغبار عن نفسه ليحل الألغاز؟
لا أحد يستطيع إلى حدود اليوم فك ألغاز زيارة ملغومة(..) إلى البراغواي، طالما أن رئيس الحكومة يفضل الانشغال بمشاكل تندرج في إطار “الخوا الخاوي”، فإذا كان هناك عيب لبن كيران فهو عدم حرصه على تكريس دولة المؤسسات، ثم إن هذه الزيارة التي روج لها بأنها نصر دبلوماسي هي في الواقع مجرد زوبعة في فنجان، فالباراغواي لم تكن تعترف بالبوليساريو كدولة حتى نقول إنها سحبت اعترافها بها، بل إن الأمر لا يعدو كونه أن بعض المسؤولين قالوا إنهم مع “الشرعية الدولية”، ولم يقل أي واحد في الباراغواي أن الصحراء مغربية حتى نصفق لنصر دبلوماسي مزعوم، إن أكثر المطالبين بالتدخل وتنوير الرأي قد يكون هو رئيس الحكومة بن كيران، طالما أن إلياس العماري يقول إنه ذهب إلى الباراغواي تنفيذا لأوامر رئيس الحكومة، (حسب الندوة التي عقدها بالحزب بتاريخ: 18 دجنبر 2013).