تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | ليلة هروب الوزراء وسقوط حزب العدالة والتنمية

انتخابات 2021 تنهي تجربة "الإسلاميين"

إعداد : سعيد الريحاني

    في يوم..

    في شهر..

تتمة المقال بعد الإعلان

    في سنة ..

    تهدأ الجراح.. وتذهب الحكومة.. ونرتاح..

    وإنما نطلب بالنسبة للوزراء، اللطف فيما جرت به المقادير، ذلك اللطف الذي نطلبه رفقا بالبلاد.. وبالعباد.. لأنه خير لهم.. ولنا أن يذهبوا.. بحروف مكتوبة في بلاغ من أن يذهبوا في ظروف أخرى.. كل واحد منا ومنكم يعرفها.. ذلك أن حكومتنا التي يصر المتعاملون معها على وصفها بالموقرة، طال بها المقام.. ومع طول المقام تستفحل الأخطاء.. ومع طول السنين يخياب الوجه.. وتظهر العيوب.. ورغم أن الشعب رأى الحكومة الحالية “خرجت من الخيمة مايلة”، كما يقولون في أسواق البوادي، عندما يرون فارسا ينطلق انطلاقة عوجاء، تنتهي بكبوة ثم بسقوط.. إلا أن حكومتنا كلما سقط واحد من أعضائها من على صهوة فرس المسؤولية، سارعت أيدي التضامن الوزاري لتضعه على السرج من جديد، وتغمض عدسات الإعلام عيونها عن كبوته، وتستر عيوب سقطته، وتغطي ما تعرى أثناء عثرته.. وتنتصب على جانبي واقع التغيير الحكومي المرتقب، قاعدة أساسية أولها: أن كل وزير إلى زوال..

تتمة المقال بعد الإعلان

هكذا تحدث الراحل مصطفى العلوي، مؤسس جريدة “الأسبوع” في جريدته، ليصف أحوال ما سماها وقتها: “الحكومة المغلوبة”، وجاء في العنوان: “بالماء والشطابة نودع الحكومة المغلوبة”، ويبدو أن المشهد لم يتغير كثيرا، فحكومة سعد الدين العثماني كانت فعلا حكومة مغلوبة، يقودها حزب مغلوب، انهزم في اقتراع 8 شتنبر بشكل مريع.

يقول عبد الإله بن كيران: “بسم الله الرحمن الرحيم، بصفتي عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وانطلاقا من وضعي الاعتباري كأمين عام سابق لنفس الحزب، وبعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مني بها حزبنا في الانتخابات التشريعية، المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة، إلا أن يتحمل الأمين العام مسؤوليته، ويقدم استقالته من رئاسة الحزب، والتي سيكون نائبه ملتزما بتحملها إلى أن يعقد المؤتمر في أقرب الآجال الممكنة في أفق مواصلة الحزب لتحمل مسؤوليته في خدمة الوطن من موقعه الجديد”.

بن كيران وفي الإطار كلمة بخط يده يطلب فيها استقالة العثماني

هكذا لخص الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، وضعية الحزب الذي مني بهزيمة انتخابية نكراء أمام باقي خصومه السياسيين، ورغم أن سقوط العدالة والتنمية يعني عمليا “نهاية تجربة إدماج الإسلاميين في الحكم” من منظور دولي في السياق المغربي، إلا أن بن كيران لم يتردد في المطالبة برأس كبش الفداء، وهو في هذه الحالة سعد الدين العثماني..

تتمة المقال بعد الإعلان

وكان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، قد أعلن في ساعة متأخرة من ليلة يوم التصويت 8 شتنبر، عن النتائج الأولية بشكل رسمي، وهي النتائج التي كرست أكبر هزيمة لقائد الأغلبية الحكومية في تاريخ الانتخابات، وتقول النتائج بتصدر حزب التجمع الوطني للأحرار للسباق الانتخابي يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021، بمجموع 97 مقعدا بعد فرز 96 % من الأصوات المعبر عنها، يليه حزب الأصالة والمعاصرة الذي حصل على 82 مقعدا، مقابل ظفر حزب الاستقلال بـ 78 مقعدا، ثم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ 35 مقعدا، بينما حظي حزب الحركة الشعبية بـ 26 مقعدا مقابل 20 مقعدا لحزب التقدم والاشتراكية و18 للاتحاد الدستوري، فيما أحرز حزب العدالة والتنمية 12 مقعدا فقط، بينما تقاسمت الأحزاب الأخرى 12 من المقاعد.

لم يكن كلام وزير الداخلية إلا تحصيل حاصل، فقد كان أغلب وزراء العدالة والتنمية قد “هربوا” من المقر، وحتى الذين جاؤوا، ومنهم عزيز الرباح، اختاروا الرحيل، ولم يكن هناك أي مجال لعزف الأغاني الحماسية، أو لظهور “القنديلات” كما حصل في الانتخابات الماضية، عندما كان مئات الصحفيين الوطنيين والدوليين يحاصرون المقر بحي الليمون، للحصول على صورة أو تصريح، أو مجرد ابتسامة من بن كيران..

وإذا كان بن كيران قد اختار استغلال الفرصة للانتقام من سعد الدين العثماني، فإن الوزير الرباح، قد اختار كتابة رسالة مؤثرة للناخبين في دائرة القنيطرة، حيث قال في تلك الليلة التي سقط فيها وزراء الحزب انتخابيا، أمثال رئيس الحكومة العثماني، ووزير التشغيل أمكراز.. (اختار) أن يعزف على المشاعر بقوله: “لا أجد أي تفسير لهذه النتائج الكارثية، لو احتسبنا فقط الأعضاء، والمتعاطفين، وأسرهم، والأقرباء، والأصدقاء، والجيران، وبعض الموظفين، الذين جربونا، وبعض المقتنعين بعملنا، وجهدنا، ونزاهتنا، لو احتسبنا هذا فقط لكنا في الرتب الأولى وبامتياز”.

تتمة المقال بعد الإعلان

الرباح إذن، وقف مشدوها أمام أزمة فهم، فلم يجد أمامه من طريق سوى محاولة الظهور بمظهر المواطن النظيف اليد، حيث قال عبر صفحته “الفايسبوكية”: “أؤكد لكم أنني لا أعلم أنني تجرأت يوما على المال العام في الجماعة، ولا في الوزارة، ولا قضيت مصلحة خاصة منه، قد أكون أخطأت التقدير في أمر ما، لكنني لم أخن الأمانة يوما.. ذلك ما تربينا عليه وسنبقى عليه ما حيينا”، وأضاف بأن “كل ما يملكه هو وأسرته لا يتجاوز ما تملكه أسرة متوسطة الدخل، رغم الوظائف والمناصب التي تقلدتها، ولا أملك أنا ولا أحد من أسرتي حافلة ولا ضيعة ولا فندقا ولا شركة ولا أي شيء مما أشاعوا”.

على الأقل، عبد العزيز الرباح اختار الظهور، ولكن أغلب وزراء العدالة والتنمية، الحاليون والسابقون، كانوا قد اختاروا اللجوء إلى منازلهم، بعد أن تأكدوا أن الأمور لا تسير على ما يرام، وكانت أولى المؤشرات على ذلك، ظهور سعد الدين العثماني وحيدا مرتبكا في ندوة صحفية، ليشكك في نتائج الانتخابات، حيث قال أن “أغلب محاضر التصويت لم تسلم لمرشحي حزب العدالة والتنمية في عدد من الأقاليم”، وأنه “لا يمكن تصور نتائج بدون محاضر.. لأنه عمل مناف للمقتضيات القانونية”.

العثماني، استبق الكارثة بالبحث عن المحاضر، لكن ذلك لم يمنع من تكرار المشهد العام، حيث كانت الأخبار القادمة من كل الجهات تؤكد تقدم حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة في الاستطلاعات والنتائج، بل إن سعد العثماني نفسه عرف منذ البداية أنه سقط في الانتخابات، ولم يتم إعلان ذلك، في انتظار نتيجة لإنقاذ ماء الوجه.. إلا أن ذلك لم يحصل.

تتمة المقال بعد الإعلان

في تلك الساعات المتأخرة، حوالي منتصف الليل، بدأ الهدوء يخيم على مقر حزب العدالة والتنمية، وحدهم العمال ينظرون نظرات شاردة للضيوف، بالمقابل، بدأت الحركة تدب في مقر حزب الاستقلال، قرب مركز مدينة الرباط، وفي مقر حزب الأصالة والمعاصرة بحي أكدال، وغير بعيد عنهما، بحي الرياض، كانت الحركة دؤوبة في مقرات حزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاتحاد الاشتراكي.

أخنوش وعبد اللطيف وهبي قادة الحزبين الفائزين بالمرتبة الأولى والثانية في حوار سابق، ويظهر “احتياط” عزيز أخنوش

في الطابق الخامس، كان إدريس لشكر رفقة لجنة قيادة الانتخابات، مرابضا، صامدا، واثقا من نتيجة معينة، وقد استعاد أيام شبابه التنظيمية، من خلال توزيع الأدوار على المناضلين والمتعاطفين.. وظهرت جدية ابنته خولة لشكر، من خلال حرصها على التواجد ميدانيا رفقة المناضلين وعلامات التعب بادية عليها.. وشيئا فشيئا، ومع مرور الوقت وبعد إعلان فوز عبد الواحد الراضي بمقعده الانتخابي، أصبح الاتحاديون يكتسبون الثقة، بتحقيق نتيجة إيجابية، ذلك أن أولى التقديرات جعلتهم بعيدين عن “الكارثة”، وبالتالي، “نجح لشكر” رغم أنه لم يدخل لحلبة التنافس الانتخابي.

بالمقابل، كان الرفيق نبيل بنعبد الله في المقر الباذخ للشيوعيين، يجر ذيول هزيمة انتخابية أكيدة، بعدما ورط نفسه في دائرة “الموت”، لينهزم إلى جانب العثماني، وهي الهزيمة التي كانت تخفف منها الأخبار القادمة من بعض الأقاليم، وهي تشير إلى إحراز “الكتاب” لنتائج متوسطة، كانت كفيلة بتجنيب الحزب مخاطر السقوط المدوي..

وكان يوم التصويت قد تميز بإعلان نسبة مشاركة قياسية في العملية الانتخابية، جعلت المغرب يشكل استثناء في المنطقة ببلوغه نسبة 52.18 في المائة، حسب الأرقام الرسمية، التي أكدت نجاح المغاربة ككل في هذا الامتحان السياسي، كما أكدت على وحدة التراب الوطني، من شماله إلى جنوبه، والنتيجة، و”حسب المعلومات الواردة من مختلف عمالات وأقاليم ومقاطعات المملكة، فقد بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 50.18 % على المستوى الوطني.. وتميزت الجهات الجنوبية للمملكة بتسجيل نسبة مشاركة مشجعة، حيث بلغت هذه النسبة 58.30 % على مستوى جهة الداخلة وادي الذهب، و63.76 % في جهة كلميم واد نون و66.94 % في جهة العيون الساقية الحمراء”، حسب بلاغ لوزارة الداخلية.

وكانت هذه النسبة المرتفعة للمشاركة، سببا رئيسيا في إشادة الولايات المتحدة الأمريكية بالانتخابات المغربية، حيث كتبت على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي، ليلة سقوط حزب العدالة والتنمية: “تهنئ سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط، المملكة المغربية على النجاح في إجراء انتخابات 2021 اليوم.. إن التزامنا المشترك بالإجراءات الديمقراطية يعزز شراكتنا لمدة 200 عام”.

ولا وجود للمعزين في سقوط حزب العدالة والتنمية، ويبقى أقوى تقرير يهاجم الانتخابات المغربية، هو ذاك الصادر عن مؤسسات الدولة نفسها، ممثلة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والذي قالت رئيسته أمينة بوعياش: “إن هذه الانتخابات انعقدت ضمن سياق استثنائي يعرف تحولات مجتمعية عميقة، وأخرى ناشئة مرتبطة بالأثار الناجمة عن التداعيات الكبيرة لكوفيد 19 وما نجم عنها من أضرار ومخلفات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وضمن إطار قانوني نص على مجموعة من التغييرات مقارنة بالانتخابات السابقة لسنتي 2015 و2016، فإلى جانب تنظيم ثلاث استحقاقات في يوم واحد لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالمغرب، يتميز قانون 2021 بتوسيع حالات التنافي، وبرفع عدد السكان المطلوب لاعتماد الاقتراع باللائحة في الجماعات، وتغيير القاسم الانتخابي المعتمد في توزيع مقاعد مجلس النواب وإقرار آليات جديدة لتعزيز حضور النساء في المؤسسات المنتخبة”.

وتتلخص بعض الملاحظات حول ما شاب الحملة الانتخابية على الخصوص كما يلي: “انطلاقا من معالجة 3144 استمارة تخص ملاحظات حول الحملة الانتخابية، يخلص المجلس إلى تسجيل مجموعة من حالات العنف الجسدي واللفظي، وأشكال جديدة للتمييز ضد النساء بحجب صورها من لوائح الانتخابات ومحدودية انخراط الأشخاص في وضعية إعاقة في الحملات الانتخابية، ومدى احترام الحق في الترشح، ومشاركة المغاربة المقيمين بالخارج والأجانب المقيمين بالمغرب، ادعاءات استعمال المال والهبات العينية، احترام الأحزاب والمرشحين للإجراءات الاحترازية، إضافة إلى عدم احترام المعطيات ذات الطابع الشخصي وأخرى تتعلق بمدى حياد السلطات والقيمين الدينيين واستغلال أماكن العبادة، إلى جانب رصد بعض الصعوبات التي واجهت الملاحظين أثناء أداء مهامهم” حسب رئيسة المجلس.

بوعياش

وتصوروا.. المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبدي بعض الملاحظات على مكاتب التصويت التي لم تبدها حتى الأحزاب نفسها، حيث يقول المجلس أنه سجل:

– قيام أشخاص بتوزيع منشورات تدعو للتصويت على رمز معين وخرق الصمت الانتخابي؛

– صعوبات ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة (ارتفاع طاولة المعزل أو ضيقه، ضيق مدخل المكتب، وجود عتبات…)؛

– صعوبة لدى الناخبين في التمييز بين صندوقي الاقتراع، وضع علامة التصويت خارج المعزل، عدم قيام رئيس المكتب بوضع علامات بمداد غير قابل للمحو بسرعة على يد الناخب؛

– نشوب مشادات كلامية بين مرشحين أو مسانديهم أحيانا بمكاتب التصويت أو بمحيط المكاتب؛

– تدخل القوات العمومية في بعض حالات العنف بين مساندي المرشحين؛

– تفاوت بين الجهات من حيث احترام الإجراءات الاحترازية أمام المكاتب.

وسجل المجلس أيضا أن ممثلي اللوائح والمرشحين، قد أبدوا ملاحظات أو اعتراضات بخصوص عملية التصويت، منها اعتراضات على استعمال الهواتف داخل المعزل، وعدم الإعلان عن اسم الناخب بصوت مرتفع، لكن الأغرب منها، هي تسجيل ملاحظات واعتراضات على تقديم المساعدة لأشخاص في وضعية إعاقة في حالات عديدة ودالة..

كل هذه الملاحظات، لم تؤد إلى إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها، فمثل هذه الأمور تقع بشكل أسوأ في أكبر الديمقراطيات، وهو ما جعل المجلس يخلص إلى القول بأن هذه الملاحظات لم تكن لتؤثر على الانتخابات، حيث سجل:

– أن عملية الاقتراع مرت طبقا للمساطر المحددة، وأن الملاحظات التي استقاها ملاحظو المجلس، لا تمس بشكل عام بمؤشرات الشفافية؛

– أن المستجدات القانونية لانتخابات 2021 عملت على توسيع التمثيلية السياسية للمجتمع عبر القاسم الانتخابي وتعزيز مشاركة المرأة عبر اللوائح الجهوية وتوسيع المشاركة السياسية في الانتخابات وفي عملية التصويت بتحديد يوم واحد لثلاث استحقاقات، وذلك رغم الحالة الوبائية؛

– تثمينه لاحترام دورية وانتظام الانتخابات في ظروف استثنائية وغير مسبوقة لضمان سير المؤسسات التمثيلية للمجتمع؛

– تسجيله لارتفاع نسبة المشاركة باعتبارها ركيزة لفعلية الحقوق والتي تضمن توطيد وتمكين المغاربة من حقوقهم.

وإذا كانت أقسى الملاحظات على العملية الانتخابية قد جاءت من الدولة نفسها، فهذا يعني أن المغرب هو الفائز في هذه المحطة، التي انتهت بسقوط مهين لحزب العدالة والتنمية، الذي حمل شعارات كبيرة وقدم إنجازات صغيرة(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى