تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | التدخلات الأمريكية في الأزمات بين المغرب وإسبانيا

70 سنة من الوساطة..

ظهر واضحا فشل “الورقة الأوروبية” التي لوحت بها مدريد من أجل تجاوز الأزمة الحالية مع المغرب، وتعمل إسبانيا جاهدة، هذه المرة، على الرهان على الوساطة الأمريكية لإخماد “النيران المشتعلة مع الرباط” بسبب قضية الصحراء المغربية.. لكن واشنطن تبدي تريثا بشأن طبيعة هذه الوساطة التي تطلبها إسبانيا، فالأخيرة تحاول استغلال ورقة الهجرة السرية للضغط على المغرب.

وقد تعددت المحاولات الإسبانية من أجل طلب وساطة أمريكية في هذا الملف، ولعل أشهرها اللقاء المهزلة بين رئيس الوزراء الإسباني والرئيس الأمريكي في الطريق إلى المقر المركزي لحلف “الناتو”، ثم محادثات وزيرة الخارجية الإسبانية مع وزير الخارجية الأمريكي حول قضية الصحراء.

أعد الملف: سعد الحمري

    مؤخرا، قام وزير الأمن الداخلي الأمريكي، أليخاندرو مايوركاس، بزيارة إلى إسبانيا، وهي أول مرة يزور فيها مسؤول في إدارة بايدن المملكة الإيبيرية، والتقى المسؤول الأمريكي مع نظيره الإسباني فرناندو جراندي مارلاسكا، ومسؤولين حكوميين آخرين، من أجل “إعادة تأكيد أهمية العلاقات الثنائية وتعميق العمل على الأولويات المشتركة”.

وأشارت مصادر إسبانية، إلى أن ((واشنطن أبلغت بأن وزير الأمن الداخلي سيعالج مع نظيره الإسباني، التهديدات الأمنية المشتركة، بما في ذلك التطرف العنيف والجرائم الإلكترونية، فضلا عن قضايا الهجرة والتنقل))، مؤكدة أن ((من أهم القضايا التي يجب تناولها في اللقاء، العلاقة مع المغرب، والقواعد العسكرية، والرسوم الجمركية)).

وقد ذكرت جريدة “لاراثون” الإسبانية في عددها يوم السبت 26 يونيو المنصرم، أهم ما حملته هذه الزيارة، وقال بأن ((إسبانيا تلقت تحذيرات من أمريكا بشأن المخاطر الأمنية التي تواجهها إذا استمرت الأزمة مع المغرب)).. واضح إذن، أن أمريكا تبدي تحفظا من الوساطة في هذا الموضوع، كما أنها تنتصر للمغرب.

والحال، أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تعمل فيها إسبانيا على طلب وساطة أمريكية من أجل حل خلافاتها مع المغرب، لذلك يغوص هذا الملف في سبعين سنة من التدخلات الأمريكية في حل النزاعات بين المغرب وإسبانيا.

عندما حاول الجنرال فرانكو إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بتقسيم المغرب

    لم تهدأ المخططات الإسبانية الرامية إلى تقسيم المغرب إلى فسيفساء من الدويلات الصغيرة يوما، وهناك مثال قوي على ذلك، فقبل استقلال المغرب، وعندما بدأت المفاوضات المغربية الفرنسية التي انتهت باستقلال بلادنا، رأت إسبانيا التي كانت تحتل المنطقة الشمالية والصحراء المغربية، أن الاستقلال الذي سيحصل عليه المغرب لم ولن يكون في مصلحة إسبانيا، إذ كان ذلك يمثل فقدان مصالح الدكتاتور في المنطقة الشمالية والمغرب بصفة عامة.

وعلى هذا الأساس، التجأ نظام فرانكو إلى خطة مرتجلة في نونبر 1955، وروج لها على نطاق واسع، وهي استقلال المنطقة الشمالية التي كانت تستعمرها إسبانيا عن المنطقة الجنوبية التي كانت تستعمرها فرنسا، وأن يكون الخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي، هو الملك على المنطقة الشمالية، وأن تتألف الحكومة من رجال الحركة الوطنية بالمنطقة، وعلى رأسهم عبد الخالق الطريس، إلا أنه حصل إجماع تام بين كل رجال الحركة الوطنية بالمنطقة الشمالية، والخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي على رفض تقسيم المغرب، وذلك عندما علموا بالأمر في بداية يناير 1956، وتشبثوا تماما بالوحدة الوطنية.

وبالموازاة مع سعي الجنرال فرانكو إلى إقناع قادة الحركة الوطنية بالمنطقة الشمالية، عمل على إضفاء طابع دولي على خطته، حيث حاول سرا إقناع العديد من القوى العظمى بمخططه، ولعب على ثنائية الصراع القائم حينها بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي من جهة، والغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

ولقد كشفت بعض الوثائق الأمريكية التي رفع عنها طابع السرية مؤخرا، عن الفكرة التي كان فرانكو يحاول أن يقنع بها الولايات المتحدة الأمريكية، إذ جمع لقاء بينه وبين مساعد وزير الخارجية الأمريكي، يوم 5 نونبر 1955 بمدريد، وأثناء الاجتماع، حاول إقناع نظيره الأمريكي بأن فرنسا ارتكبت خطئا كبيرا في المغرب، وأغفلت صد المد الشيوعي الذي كان يتغلغل في المملكة، حسب زعمه، وأكد له أنه ((إذا حصل المغرب على الاستقلال، فإن الأمازيغ في الجبال سيقعون تحت تأثير السيطرة الشيوعية، والمدن ستكون في أيدي الأكثر حظا)) في إشارة منه إلى أن المنطقة الشمالية محصنة من المد الشيوعي، وأن استقلالها عن المنطقة الجنوبية أو السلطانية سيكون مفيدا لأمريكا، على اعتبار أن المنطقة الشمالية من المغرب التي كانت خاضعة للحماية الإسبانية لها موقع استراتيجي، حيث تراقب المدخل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.

ورغم ذلك، فإن خطة فرانكو فشلت في إقناع الأمير مولاي الحسن بن المهدي وزعماء الحركة الوطنية، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تعرها اهتماما، وفضلت استقلال المغرب ووحدته، وبذلك انتهت أول محاولة إسبانية لتقسيم المغرب إلى فسيفساء من الإمارات الصغيرة المتناحرة.

مولاي الحسن بن المهدي // الجنرال فرانكو

وزير الخارجية الأمريكي لوزير الخارجية الإسباني: “يمكن للعالم أن يعيش من دون دولة في الصحراء، ولا أتوقع مستقبلا عظيما لهذا الكيان في حال استقلاله”

    في إطار سعي المغرب لاستكمال وحدته الترابية، ودائما في ارتباط بالمساعي الإسبانية لتقسيمه، وعندما طرحت ملف الصحراء المغربية على محكمة العدل الدولية، وبدأت القضية تدخل منعطفا حاسما.. أصبحت تروج أخبار مفادها أن أمريكا ستدعم المغرب في المطالبة بصحرائه، حتى أن صحيفة “الواشنطن بوست” الواسعة الانتشار، ذكرت خبرا يؤكد أن أمريكا ستدعم المغرب في المطالبة بصحرائه، لكن هذا الأمر أزعج المسئولين الإسبان.

وعندما قام وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، بزيارة إلى المنطقة، ما بين 9 و15 أكتوبر 1974، لكل من المغرب والجزائر وإسبانيا، أي الدول المعنية بقضية الصحراء، بدأ بزيارة إسبانيا أولا، حيث التقى وزير الخارجية الإسباني آنذاك، بيدرو كورثينا، يوم 9 أكتوبر 1974.

فتح جزء من الأرشيف الأمريكي مؤخرا، وكشف عما دار خلال تلك الجلسة بين رئيسي دبلوماسية البلدين، وهذا جزء من الحوار الذي أوضح قلق الإسبان من موقف أمريكا الجديد، حيث أخذ الكلمة كورثينا، رئيس الوزراء الإسباني أولا، ودخل في الموضوع بدون مقدمات.

كورثينا: نحن لم نتحدث عن هذا الموضوع في واشنطن (أي موقف أمريكا من قضية الصحراء)، وقد أعربت لنا أنه لكم علاقات جيدة مع كل من الرباط ومدريد، لذلك كنت لتحافظ على موقف محايد من هذه القضية، فنحن لم نفهم موقفكم، ولقد فوجئنا جدا عندما نقرأ في صحيفة “الواشنطن بوست” أن الولايات المتحدة كانت تؤيد التفاهم المباشر بين المغرب وإسبانيا من أجل منح الصحراء للمغرب.

كيسنجر: أنا لم أقرأ هذا الخبر، وهذا مجرد هراء.

كورثينا: كان ذلك يوم أمس (يعني تاريخ نشر الخبر في جريدة “الواشنطن بوست”).

كيسنجر: (وبتعبير يحمل الكثير من الاستهزاء).. أنا لم أقرأ صحيفة “الواشنطن بوست” باستثناء قسم الرياضة وقسم الأزياء، الآن، بما أنني متزوج يمكنني قراءة قسم الأزياء دون خوف.

وأحيطكم علما أن سياستنا (في قضية الصحراء) هي ما قلت لك، ما هي سياسة نائب رئيس البعثة هناك (يعني البعثة الأمريكية إلى الصحراء)، في الحقيقة أنا لا أعلم ما الذي فعله نائب رئيس البعثة هناك (هذا بخصوص تسريبه الخبر للصحافة الأمريكية حول موقف أمريكا من هذه القضية، ولكنه في المرة القادمة، سيفعل ذلك بعد أخذ مسافة أبعد، وإذا كان لدينا شيء لنخبركم به عن قضية الصحراء، فسأخبركم به مباشرة (يعني أن أي شيء بشأن موقف أمريكا من هذه القضية سيكون عن طريق تصريح وزير الخارجية وليس شخصا آخر).

سيسكو: كون نائب رئيس البعثة الأمريكية في الصحراء.

كيسنجر: ماذا قال؟

ريفيرو: أعطى الانطباع أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان الذي يتحدث عنه هو عن وزير الخارجية (يعني موقف أمريكا الرسمي من القضية)، أم آراء شخصية؟

كيسنجر: ما قلته لك هو سياستنا (يعني موقف الحياد)، وليست لدينا مصلحة خاصة حول مستقبل الصحراء، وكما قلت لك سرا، إنه وكما في العلوم السياسية، لا يبدو مستقبل الصحراء عظيما، وأشعر أنها بنفس طريقة غينيا بيساو أو فولتا العليا (كيانات استقلت عن أوطانها وأصبحت تعيش عالة على الأمم المتحدة وتعيش على المساعدات الإنسانية)، كما أن العالم يمكن أن يعيش دون صحراء. ولا يمكن أن تكون من الدول التي تقدم مساهمة كبيرة للعالم في حال استقلالها.

كورثينا: على أي حال، لا ينبغي أن تستخدم ضد الآخرين (يعني عدم استخدام قضية الصحراء ضد إسبانيا).

كيسنجر: (وبروح دعابة ممزوجة بنظرة من الاستهزاء) كانت هناك مرحلة في حياتي لم أكن أعرف فيها أين توجد الصحراء الإسبانية، وقد كنت سعيدا كما أنا اليوم.

كورثينا: قبل أن يتم اكتشاف الفوسفاط.

كيسنجر: إذا كنتم تريدون فعل شيء مع ملك المغرب، فهذا جيد، ولكن لا يجب أن يكون مصدر قلق أمريكي.

كورثينا: ما وضحته لي هو أكثر من كاف (يعني توضيح موقف أمريكا من قضية الصحراء، وهو الحياد)، ولكن أريد أن أوضح أننا سوف نبذل جهدا للتوصل إلى اتفاق مع المغرب، ولكن ليس أن نقدم من جانبنا مائة في المائة، فنحن مستعدون أن نفعل شيئا.

كيسنجر: مثل ماذا؟

كورثينا: هذه طريقة عامة في الحديث، علينا أن نجلس حول الطاولة والتحدث عن ذلك.

كيسنجر: بعد التفاوض معكم، أنا لا أعتقد أنك تعطي الأشياء بسرعة، هذا هو انطباعي.

كورثينا: كما تعلمون، أنا أحب روح الدعابة التي تتمتعون بها (وكان هناك تلميح من الوزير الإسباني لكسينجر حول سبب زيارته إلى المغرب).

كيسنجر: أولا، السبب أنا ذاهب إلى الرباط بسبب الجزائر، ونظرا لأن القمة العربية ستعقد في الرباط، لم أكن أعتقد أن أذهب إلى الجزائر دون الذهاب إلى الرباط. وثانيا، أنا ذاهب إلى الجزائر لأننا في حاجة إلى بومدين لمساعدتنا في قضية سوريا والقوميين العرب، ولذلك علينا ألا نفعل شيئا مع إسبانيا، وإذا كنا نريد أن نغير سياستنا بشأن القضية، وهو مستحيل، فسأخبرك بذلك بنفسي، وأؤكد أننا لن نغير سياستنا بشأن قضية الصحراء الغربية.

اجتماع أمريكي في إسبانيا أكد أن بومدين فقد شعبيته عند الجزائريين بسبب تبذير أموالهم على البوليساريو

    لم تكد تمر سنة على المسيرة الخضراء حتى دخلت الجزائر مع المغرب في حرب بالوكالة، حيث مولت الجزائر ميليشيات البوليساريو لتنغص على المغرب استكمال وحدته الترابية، وبالتالي، الدخول في حرب عصابات طويلة الأمد ومستنزفة من الناحية الاقتصادية، ولما كانت قضية الصحراء تشكل بالنسبة للقوى العظمى نقطة صراع خطيرة وهامة، من شأنها قلب الخريطة السياسية في شمال إفريقيا، فقد كان هناك اهتمام كبير بمستقبلها.. ومازال.

وعلى هذا الأساس، وبعد أقل من سنة من استرجاع المغرب لصحرائه، وبداية المواجهة مع البوليساريو ومن خلفها الجزائر، اجتمع ذوو الاهتمام، والرأي، والبصيرة النافذة، من الأمريكان، لوضع خلاصة لقضية الصحراء، وبالتالي، وضع تصور دقيق لمستقبلها وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المستقبل البعيد، وماذا على الأمريكان فعله.

والوثيقة التي نستعرضها في هذا الملف، يعود تاريخها إلى 6 شتنبر 1976، وهي عبارة عن رسالة من سفير أمريكا بإسبانيا إلى وزير الخارجية الأمريكي، وعنوانها “مشاورات مدريد” وهي عبارة عن تقرير حول مشاورات دارت بين كل من مساعد وزير الخارجية الأمريكية، أثرتون، وهو المكلف بملف الصحراء، وسفراء أمريكا بكل من المغرب والجزائر، وقد انصبت هذه المشاورات حول قضية الصحراء ومستقبلها، وأصل الوثيقة هو الأرشيف الخاص بالرئيس الأمريكي جيرالد فورد، وهي منشورة ضمن الوثائق الرسمية للخارجية الأمريكية، وتبرز أهمية هذه الوثيقة من خلال ما قاله السفير الأمريكي لوزير خارجية بلاده في مطلعها، حيث قال له بالحرف: ((عليك وعلى الآخرين، أن تهتموا بخلاصات هذه المشاورات)).

رأى الأمريكان خلال هذه المشاورات، أن إمكانيات تسوية النزاع غير واردة في تلك المرحلة، لأن لا أحد من الأطراف الأساسية في حالة استعداد لتقديم تنازلات في هذه القضية، ولا يقدر أي من الطرفين أن يكون قوة لفرض تسوية على الآخر، كما جاء في نفس التقرير، أن عدم وجود قبول دولي للبوليساريو على المدى الطويل، قد يجبر الرئيس الجزائري بومدين، في نهاية المطاف، على تغيير سياسته القائمة على دعم البوليساريو.

وذكر أصحاب التقرير، أن بومدين أصبح لا يتمتع بتأييد شعبي كبير في الجزائر بسبب سياسته الداعمة والمحتضنة للبوليساريو، والتي تسببت في تحويل الموارد التي من الممكن أن تسخر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى تمويل البوليساريو.

وأشار نفس المصدر إلى أن تغيير بومدين لسياسته الداعمة للبوليساريو، سيكون مستبعدا على المدى القريب أو المتوسط، ولكن من الممكن على المدى البعيد.

اللقاء الذي جمع بين بومدين وكيسنجر سنة 1974 في الجزائر، وفي الوسط الرئيس السابق بوتفليقة

حل أول أزمة بين المغرب وإسبانيا بعد المسيرة الخضراء.. كان بتدخل أمريكي

    كانت أول أزمة بين البلدين بعد المسيرة الخضراء، هي تلك التي بدأت سنة 1979 ولم تنته إلا سنة 1980، بعد تدخل أمريكي في الموضوع، ويعود سبب نشوب الأزمة، إلى مطالبة المغرب باسترجاع سبتة ومليلية، بينما كانت إسبانيا تعلم جيدا أن حل الأزمة بينها وبين المغرب لا يمكن أن يحصل إلا بتدخل أمريكي، وعلى هذا الأساس، حاولت جاهدة طيلة سنة 1980، أن تقنع أمريكا بمدى خطورة الأزمة بينها وبين المملكة المغربية.

لذلك، بدأت التحركات الإسبانية في اتجاه أمريكا خلال شهر فبراير 1980، عندما قام العاهل الإسباني خوان كارلوس الأول، رفقة زوجته الملكة صوفيا، بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعقدا اجتماعا مغلقا مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.

ولم يمر وقت طويل على زيارة ملك إسبانيا إلى أمريكا، حتى قام الرئيس الأمريكي بزيارة إلى إسبانيا في يونيو 1980، وعقد لقاء مغلقا مع الوزير الأول الإسباني يوم 25 يونيو، وقد أرسل السفير الأمريكي بإسبانيا إلى السفير الأمريكي بالبرتغال، رسالة أخبره فيها ما دار في ذلك اللقاء.

من خلال محضر الاجتماع الذي كشفت عنه الخارجية الأمريكية، تبين وجود بعض النقط الثابتة في السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المغرب، وخصوصا ما يتعلق بقضية تسليح المغرب، فأثناء الاجتماع، أوضح الوزير الأول الإسباني، أنه كان سعيدا عندما علم من الرئيس الأمريكي خلال اجتماعهما بواشنطن، أن أمريكا تعتزم تقديم أسلحة للمغرب، ولكن بكمية كافية فقط للدفاع عن نفسه ومنحه القوة للثقة والتفاوض، ولكن ليس بما يكفي لتحقيق نصر عسكري في الصحراء المغربية.

وأكد نفس الوزير، أن إسبانيا تقف في موقف صعب بخصوص قضية الصحراء المغربية، حيث أن المغرب يريد استرجاع كامل أقاليمه الجنوبية، ويريد من إسبانيا أن تدعمه، وفي نفس الوقت، تريد الجزائر من إسبانيا أن تدعم البوليساريو كذلك.

وبخصوص قضية سبتة ومليلية، فقد قال الوزير الأول الإسباني: ((إنه لدى الحكومة الإسبانية انطباعا بأن المغرب مستعد لممارسة الضغط على سبتة ومليلية، لمحاولة إجبار إسبانيا على المفاوضات))، وأكد أنه ((إذا قام المغرب بذلك، فيمكنه أن يؤكد للرئيس الأمريكي أن إسبانيا سترد بعنف))، حيث أوضح له أن ((إسبانيا أدركت أنه من الصعب الدفاع عن الجيبين الصغيرين، لذلك، سيتعين عليها اتخاذ إجراءات هجومية))، وتابع: ((إن الخطط كانت جاهزة لمثل هذا الإجراء، لكنه صلى ألا يضطر أبدا إلى تنفيذها)).

وهنا تدخل الرئيس الأمريكي وقال له: ((إن ذلك يعني الحرب))، فرد الوزير الإسباني: ((بالضبط))، وقال أيضا: ((إن وفدا سيغادر يوم 26 يونيو لإجراء مفاوضات مع المغرب))، وأعرب عن أمله في أن تنجح في التوصل إلى اتفاق يسمح باستمرار العلاقات الطبيعية بعد 30 يونيو.

وحسب ما جاء في محضر الاجتماع، فقد سأل الرئيس الأمريكي سفير بلاده بإسبانيا، عما يمكن القيام به، فاقترح السفير أنه ((في ضوء “خطورة الوضع” كما وصفها الوزير الأول الإسباني، والإجراء الذي أشار إلى أنه مستعد لاتخاذه، سيكون من الأفضل تقديم النصيحة للملك الحسن الثاني))، ثم أوضح الرئيس الأمريكي لمحاوره الإسباني، أنه ((ربما يمكن لأمريكا أن تتدخل من أجل إخبار ملك المغرب بالمخاوف الإسبانية، وبأنه من وجهة نظر أمريكا، فإن أي هجوم مغربي ضد سبتة ومليلية، سيكون أمرا خطيرا للغاية، ولن تنظر إليه الولايات المتحدة بشكل إيجابي)).

وفي يوم 30 يونيو 1980، اتفق الجانبان، المغربي والإسباني، على حل المشكل بينهما، بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية.

تدخل أمريكا في حل أزمة جزيرة ليلى سنة 2002 بعد طلب إسباني

    كانت هذه الأزمة واحدة من أقوى الأزمات بين البلدين، ولم يقو أي طرف على التوسط من أجل حلها إلا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تدخل كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، كولن باول في هذه القضية، ولم يتدخل بفعل طلب مغربي، بل بعدما اتصلت به آنا بلاثيو وزيرة الخارجية الإسبانية، طالبة منه التدخل.

علق وزير الخارجية المغربي محمد بنعيسى، على التدخل الأمريكي قائلا: ((المغرب لم يطلب أبدا وساطة الأمريكيين، بل الإسبان هم من اتصلوا بهم، لقد أرادوا وقتها الاحتماء بواشنطن، لتمارس علينا ضغوطا وأيضا للإضرار بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وشرحنا الأمر للأمريكيين الذين تفهموا تفاهة الموضوع، وكان أول اتصال لي بهم بمعية الطيب الفاسي الفهري، كاتب الدولة في الخارجية، في شخص السفيرة مارغريت توتويلر، التي أرادت معرفة وجهة نظرنا حول الموضوع)).

فعندما بدأ المغرب حملته داخل أروقة الاتحاد الأوروبي ضد إسبانيا، ابتداء من 20 يوليوز 2002، وعندما كان وزير الخارجية المغربي بنعيسى بباريس، ويستعد للذهاب إلى بروكسيل من أجل إكمال حملته الإعلامية والدبلوماسية داخل الاتحاد الأوروبي، اتصل به وزير الخارجية الأمريكي، وأخبره أن الإسبان سيغادرون الجزيرة، وطلب منه التحدث مع الملك.

بعد تنسيق واتصالات قام بها الوزير بنعيسى، من أجل ترتيب اتصال هاتفي بين الملك ووزير الخارجية الأمريكي، عقد اجتماع جمع الملك محمد السادس ووزير الخارجية المغربي ووزير الخارجية الأمريكي عن طريق تقنية الفيديو، هذا الأخير أخبر الملك محمد السادس، أن الجنود الإسبان سيغادرون الجزيرة بعد نصف ساعة، وأن لهم بعض الشروط، وهي ألا يذهب وزير الخارجية المغربي إلى بروكسيل من أجل إكمال حملته الدبلوماسية، والشرط الثاني، أن تأتي وزيرة الخارجية الإسبانية إلى المغرب يوم 22 يوليوز.. وهكذا تمكنت أمريكا من إنهاء الأزمة بين البلدين في ظرف وجيز بعد تدخلها.. فهل ستكون نهاية الأزمة الحالية بين المملكتين الإيبيرية والمغربية، بتدخل أمريكي ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى