تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | الفساد بين انتخابات 1997 وانتخابات 2021

تشابه في السياق بين الأمس واليوم..

بين الأمس واليوم.. تشابه في السياق وفرق كبير في المطالب والتوجهات، تشابه في السياق العام هو وضع المغرب اليوم بالمقارنة مع سنة 1997، عندما جرت الانتخابات التشريعية التي أعطت حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ووجه التشابه يكمن في أن الانتخابات التي هي على الأبواب، تشكل منعطفا لدخول المغرب مرحلة جديدة، أي عالم ما بعد “كورونا” بتحدياته التي لا نعرفها لحد الآن، أما انتخابات 1997، فقد كانت لحظة فارقة من أجل دخول القرن الحادي والعشرين وتحديات العولمة.

أما الفرق بين هذه المرحلة وتلك، فإنه خلال التسعينيات، كان عصر الأحزاب السياسية بامتياز، عندما كانت لها برامج واضحة وتنادي بمحاربة الفساد وتقترح آليات لتقويضه، أما أحزاب اليوم، فإن الدولة تحارب الفساد والأحزاب تسعى للحفاظ عليه.

يقترح هذا الملف الغوص في بعض لحظات مرحلة الزمن الجميل لمغرب نهاية التسعينيات، وما واكب ذلك من توافقات بين الدولة والأحزاب السياسية التي انتهت بانتخابات 1997.

أعد الملف: سعد الحمري

سنة 1996.. مسلسل من الإصلاحات والمكتسبات السياسية

    توصف مرحلة أواسط التسعينيات من القرن الماضي، بأنها الأهم والحاسمة في الانتقال السياسي بالمغرب، فقد شهدت دينامية كبيرة شملت مشاريع عدة، همت الإصلاحات الكبرى في المجال المؤسساتي، وقد جاء ذلك بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أطلق مشاورات كبرى استقطبت مختلف الفاعلين والمتدخلين السياسيين.

وعلى ذلك، علق الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي، أحد المهندسين الرئيسيين للانتقال الديمقراطي على هذه المرحلة بالقول: ((إن الظروف التي تجتازها بلادنا وصعوبة الرهان المطروح حينها، كانت تفرض علينا أن ننفتح على جميع القوى الشريفة، لأن هدفنا لا ينحصر في تحقيق مكسب لحزبنا أو لكتلتنا، بل لبلادنا ولشعبنا المتعطش إلى التغيير والإنصاف والمتطلع إلى الاهتمام بشؤونه الحيوية ومصالحه المصيرية)).

لقد أصبحت تلك المرحلة في الخطاب الرسمي الوطني تسمى بمرحلة الحوار والتراضي، على اعتبار أن الملك الحسن الثاني كان يدعو كل القوى السياسية في البلاد، إلى المشاركة والدخول في النقاش حول أمهات القضايا الوطنية الكبرى، ما جعل الملك يصرح في خطاب 11 أكتوبر 1996، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة بالتالي: ((في الخطب التي ألقينا آنفا، أي في الشهور الماضية، كنتم تسمعون أننا نؤكد ونركز على كلمتين، هما الحوار، والتراضي، ذلك لأنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى التراضي إلا إذا كان الحوار)).

ولم يكن الأمر مجرد خطاب رسمي حول هذه المرحلة، بل كان ذلك على أرض الواقع، فقد حملت سنة 1996 مجموعة من القرارات والتوافقات في سابقة من نوعها في تاريخ المغرب السياسي منذ الاستقلال، كان أولها الاستفتاء الدستوري يوم 13 شتنبر 1996، الذي صوت عليه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ”نعم”، وهو الحزب الذي كان يشكل أقوى حزب معارض في تلك الفترة.

ومن بين أهم التوافقات خلال تلك المرحلة، مصادقة البرلمان المغربي على العديد من القوانين بالإجماع، فقد تمت الموافقة بالإجماع في مجلس النواب على القانون المتعلق بمراجعة اللوائح الانتخابية، وذلك بعد حصول التراضي بشأنه بين الحكومة ومختلف الفرق النيابة، فعلق الملك الحسن الثاني على هذا الإجماع النادر بالقول: ((.. وهذا التوافق حول موضوع كان عادة مثار جدل، إن دل على شيء فإنما يدل على حصول الثقة بين ممثلي مختلف المشارب السياسية والحكومة، وعلى استعداد هؤلاء وأولئك لنهج هذا السبيل التوافقي الجديد)).

ومن القضايا الأخرى التي جرى حولها التوافق، والتي أوضحت انخراط كل القوى الفاعلة في مسلسل الإصلاح الشامل، هو “ميثاق الشرف” الموقع بين الحكومة ومكتب الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب، والذي وضع القواعد الأخلاقية التي ينبغي لعالم الأعمال الامتثال إليها لتجنب كل شبهات التدليس والغش.

وقد كان من الأسباب الكبرى التي جعلت الحكومة وهذه الهيئة يوقعان على هذا الميثاق، هو ما جاء على لسان عاهل البلاد في خطاب العرش يوم فاتح مارس 1996: ((.. ففي الوقت الذي ينفتح فيه المغرب على العولمة، وفي الوقت الذي يجب فيه على المقاولة الوطنية مواجهة التنافس الدولي، كان يحز في النفس أن تستمر بعض الممارسات اللاشرعية، لأن من شأن ذلك الإضرار بالجهود المبذولة من قبل الدولة والمقاولة لمواجهة التحديات القائمة، إذ من غير المقبول أن تتعرض كل من الدولة والمقاولة الوطنية للأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن التهريب أو الممارسات المخالفة للقانون)).

ولم يقتصر الأمر على التوافقات بين الحكومة وأطراف سياسية أو اقتصادية، بل شمل أيضا توافقات بين الحكومة والنقابات ومنظمة أرباب العمل، حيث تم يوم فاتح غشت 1996، التوقيع على مجموعة من الاتفاقات بين هذه الأطراف الثلاثة، لتشكل ميثاقا وإطارا لحل ما قد ينجم من مشاكل.. حيث علق العاهل المغربي على هذا الاتفاق بالقول: ((هذه التجربة المتشبعة بالحكمة والواعدة بالمزيد من الثمار قل نظيرها في العالم، فقد أعانت على تقليص الفجوة المتمثلة في تجابه رأس المال مع عالم الشغل، وحلت محلها ممارسة مبنية على التضامن بين مختلف قوى الإنتاج، وبفضل ذلك، سيمكن لهذه القوى ليس فقط مواجهة أو ربح رهان التنافسية، ولكن سيمكنها أيضا من أن تقيم بينها آليات توزيعية لثمار النمو)).

تصريح مشترك بين السلطات العمومية والأحزاب السياسية

    شهدت سنة 1996 كذلك وضع مجموعة من المشاريع إعدادا للاستحقاقات الانتخابية الجماعية والتشريعية لسنة 1997، لعل أهمها وضع مشروع مدونة الانتخابات، التي كانت محل مشاورات معمقة، باعتبارها أداة لتدوين وعصرنة وتوحيد التشريع الانتخابي المغربي المتوج بإعلان للمبادئ كان بمثابة ميثاق سياسي حقيقي ضابط لأخلاقيات الانتخابات.

وفي الحقيقة، فقد احتاج مشروع مدونة الانتخابات إلى مسلسل طويل من المشاورات والنقاشات المعقدة مع مختلف الأحزاب السياسية، حيث بدأ الحوار منذ أن تقدمت الحكومة للبرلمان، في شهر يونيو 1996، بمشروع قانون لوضع لوائح انتخابية جديدة، فكان إنجاح هذا الورش وحصول توافق حوله بالنسبة للمؤسسة الملكية بمثابة مربط الفرس في الانتقال الديمقراطي، والدخول إلى القرن الواحد والعشرين بما له وما عليه، وما يوضح مدى حرص الملك شخصيا على ضرورة إنجاح هذا الورش، أنه قال في إحدى خطاباته: ((إنني مللت أن أسمع أو أن يسمع عن بلدنا أن انتخاباته لم تكن نزيهة، أو أن استشاراته كانت مخلوطة أو مشبوهة))، كما حرص الحسن الثاني خلال افتتاح الدورة البرلمانية يوم 11 أكتوبر 1996، أمام أعضاء البرلمان، على التأكيد ((وكونوا أخيرا على يقين من أنني سأضع ثقلي الشخصي وهيبتي الشخصية وصلاحياتي الدستورية، لتمر جميع الانتخابات المتوالية في هذا البلد، على أحسن ما يكون في جو من الاستقامة والشفافية والنزاهة…)).

وهكذا انكبت السلطات العمومية والأحزاب السياسية، على تهييئ الأرضية المواتية لذلك من نصوص وآليات، من أجل الوصول إلى توافق إيجابي حول قضايا جوهرية، منها على الخصوص:

1) وضع لوائح انتخابية عامة جديدة واعتماد الحاسوب في تصحيحها، لضمان تطبيق مبدأ تسجيل واحد وبطاقة واحدة وصوت واحد لناخب واحد، والاستمرار في العمل على إدخال الإصلاحات الضرورية عليها حتى تصفى نهائيا من كل الشوائب.

2) تحضير مدونة عامة للانتخابات تتضمن ضمانات جديدة تهم مجموع المسلسل الانتخابي، من وضع اللوائح إلى إعلان النتائج.

3) إحداث هيئة أو لجنة وطنية ذات صبغة تقريرية طبقا لما ينص عليه الظهير الشريف المؤسس لها، وذلك لتتبع العمليات الانتخابية ولجان إقليمية ومحلية متفرعة عنها، ويتم تحديد تركيبها واختصاصاتها وكيفيات سيرها، بمقتضى نفس الظهير الشريف المؤسس لها، وتتكلف هذه اللجان بالسهر على حسن سير العمليات الانتخابية والمساعدة في حل القضايا التي ستحال عليها بطريقة توافقية دون المساس بالصلاحيات المخولة للأجهزة الإدارية والقضائية المختصة، وتزود هذه اللجان بالوسائل اللازمة للقيام بمهامها.

4) الاتفاق على ميثاق أخلاقي يحدد قواعد السلوك الواجب التقيد بها خلال الحملة الانتخابية واحترامها من جميع الأطراف.

وقد تطرق الزعيم الاتحادي الراحل، عبد الرحمان اليوسفي، لموقف حزبه بشأن هذا الموضوع في مذكراته الموسومة بعنوان “أحاديث في ما جرى” عندما قال: ((لقد أعطينا لهذا الموضوع ما يستحقه من عناية داخل حزبنا وبالتنسيق مع حلفائنا، عندما فوجئنا بقرار إلغاء اللوائح الانتخابية وفتح التسجيل في لوائح جديدة طبقا لمقتضيات قانون 12/92.. اعترضنا فورا على هذا الأسلوب المتسرع، وطالبنا، بناء على سابقة 1992، بأن تعتمد النصوص المتعلقة بالانتخابات على أساس توافق مدعم بضمانات، لأن عمليات التسجيل لم يسبق لها أن خضعت لأي مراقبة من أي نوع، وهكذا تم تعديل مشروع القانون المنظم لعمليات التسجيل، ونظمت اجتماعات تشاورية بين الكتلة ووزير الدولة في الداخلية، أسفرت عن تنصيب آليات معينة لمتابعة فترة التسجيل في اللوائح الانتخابية، منها لجنة تقنية على المستوى الوطني تجتمع في وزارة الداخلية تفرعت عنها لجنة للإعلام ولجنة للمعلوميات، ثم لجن إقليمية للسهر على سلامة التسجيل شبيهة باللجان الإقليمية التي كانت متفرعة عن اللجنة الوطنية للسهر على نزاهة الانتخابات في استحقاقات 1992 و1993، ولقد التجأنا لبعث هذه الأجهزة، نظرا لضغط الوقت وانطلاق فترة التسجيل قبل أن تستعد لها.

وفي هذا الإطار، تقدمت الكتلة الديمقراطية بمقترح قانون يتعلق بتنظيم الانتخابات الجماعية ومراجعة اللوائح الانتخابية، وإجراء العمليات الانتخابية ومعاقبة المخالفات المرتكبة بمناسبتها)).

وتوجت هذه المشاورات يوم 28 فبراير 1997، بتوافق بين مختلف الأحزاب السياسية والسلطات العمومية، وهو ما يعرف في الأدبيات السياسية بـ”التوقيع على تصريح مشترك بين السلطات العمومية والأحزاب السياسية”، وتضمن هذا التصريح نقطتين أو التزامين من الجانبين:

– من طرف الحكومة، جاء في نص التصريح: ((تصرح حكومة جلالة الملك، بأنها تسهر على التطبيق السليم لجميع القوانين وكل القرارات والإجراءات المتفق عليها بالتراضي، وأنها ستمنع بصرامة كل تدخل غير مشروع من أي إدارة بأي وسيلة، وستمنع استعمال السلطة والنفوذ الذي يستهدف المساس بسلامة الانتخابات ونزاهتها، ولن تتردد في معاقبة كل متلاعب بالسلطة أو النفوذ أو أموال الدولة أو استعمال المال غير المشروع في التأثير على سلامة الانتخابات ونزاهتها)).

– ومن جهة الأحزاب السياسية: ((تصرح الأحزاب السياسية بأنها ستحترم جميع القوانين والقرارات والإجراءات الانتخابية التي اتخذت بالتراضي مع الحكومة، وستعمل على أن تعبئ كل أعضائها وأجهزتها وصحفها ومنشوراتها والخطب التي تلقى في الحملة الانتخابية، حتى تجري الانتخابات في جو من الحماس الشعبي الإيجابي، وتؤكد هذه الأحزاب أنها لن تسمح بأن تستغل الطعون القضائية للتشكيك في مصداقية العمليات الانتخابية، وبأنها ستنوه بنزاهة الانتخابات وسلامة المؤسسات الناتجة عنها إذا طبقت جميع القوانين والإجراءات بصفة سليمة ونزيهة وفي شفافية مطلقة، تنفيذا للرغبة السامية لجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله ضامن المؤسسات الديمقراطية ورائدها)).

وقد وقع على هذا التصريح المشترك، كل من نائب الرئيس المنتدب للاتحاد الدستوري عبد السلام بركة، ورئيس التجمع الوطني للأحرار أحمد عصمان، والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الرحمان اليوسفي، والأمين العام للحركة الشعبية محند العنصر، والأمين العام للحركة الوطنية الشعبية المحجوبي أحرضان، والأمين العام لحزب الاستقلال امحمد بوستة، والكاتب العام بالنيابة للحزب الوطني الديمقراطي عبد الله القادري، والأمين العام للحركة الديمقراطية الاجتماعية محمود عرشان، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية علي يعتة، والأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي عيسى الورديغي، والأمين العام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي محمد بنسعيد أيت إيدر، وعن الحكومة، وزير الدولة وزير الداخلية إدريس البصري.

وقد تضمن التصريح المشترك “ملحق قواعد الميثاق الأخلاقي”، التزمت من خلاله الأحزاب الموقعة على التصريح المشترك بستة قواعد وهي كالتالي:

– أولا: ضرورة السهر بحزم على تطبيق التشريع الجاري به العمل والذي يمنع بصفة خاصة على كل هيئة سياسية أو مرشح للانتخابات، أن يتلقوا أو يتصرفوا في أموال أو إعانات كيفما كان نوعها يكون مصدرها غير معروف أو غير مشروع.

– ثانيا: التزام المرشحين بالامتناع عن اللجوء إلى أي شكل من أشكال التمويل السري أو غير المشروع، والعمل على الاعتدال في مصاريفهم الانتخابية والتي يتم تحديد سقفها بمقتضى إجراء تنظيمي.

– ثالثا، التزام الإدارة، وخاصة الإدارة الترابية وإدارة الجماعات المحلية، بالحياد والسهر على احترام وضمان المساواة والإنصاف بين جميع الأحزاب وجميع المرشحين.

– رابعا، التزام الأحزاب السياسية ومرشحيها وكل من ترشح للانتخابات، بعدم استعمال امتيازات أو سلطات أو رسائل عمومية، أو البحث عن مساهمة أو مساندة موظفي إدارات الدولة والجماعات المحلية، أو استعمال الوسائل العمومية خلال الحملة الانتخابية.

– خامسا: أن استعمال وسائل الإعلام العمومية، المرئية والمسموعة، ستفتح في وجه الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمهنية خلال الحملات المتعلقة بالانتخابات العامة المحلية والمهنية والتشريعية بالمساواة والإنصاف، وذلك طبقا لمقتضيات مدونة الانتخابات.

– سادسا: يؤكد الموقعون على التزامهم باحترام القواعد الأخلاقية والضوابط القانونية التي يتضمنها قانون الصحافة، واحتكامهم إليها وتقيدهم بها في صحفهم ومنشوراتهم وفي كل الأحوال.

اختلالات وشبهات رغم التصريح المشترك

    وجهت لأحزاب الكتلة الوطنية عدة انتقادات، وذلك بعدما وافقت على التوقيع على التصريح المشترك، وقد استحضر عبد الرحمان اليوسفي هذه اللحظة وعلق عليها بالقول: ((من الانتقادات التي ترددت هنا وهناك، مؤاخذتنا على توقيع التصريح المشترك، فماذا تضمن هذا التصريح الذي ووجهنا بنقد بسببه؟ أليس ما يلي:

التذكير بالالتزام الملكي، وجرد لما تم إنجازه من نصوص وآليات. إن الأحزاب ستنوه بنزاهة الانتخابات وسلامة المؤسسات الناتجة عنها إذا طبقت جميع القوانين والإجراءات بصفة سليمة ونزيهة تنفيذا للرغبة السامية)).

ورغم المجهودات التي بذلت من أجل الإعداد للانتخابات، إلا أن الأمر لم يخل من شوائب، وهو ما تطرق له عبد الرحمان اليوسفي في مذكراته حين قال: ((.. لكن ماذا حصل على أرض الواقع قبل 13 يونيو وأثناء يوم 13 يونيو ذاك من سنة 1997؟ لقد كان أول موقف علني اتخذناه للتعبير عن انشغالنا أمام بعض المؤشرات التي لم تكن تبعث على الارتياح، تقييمنا بمناسبة لقاء أجري مع المحامين بمراكش، للبيانات الأولى التي أصدرتها اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات، حيث تحفظنا على أسلوب التزكية الذي طال اللوائح الانتخابية والتقطيع.

وقبل فترة الترشيحات بأسابيع، لاحظنا، كما لاحظ غيرنا، أن بعض ممثلي وأعوان السلطة، كانوا يوجهون ويشجعون بعض الترشيحات في آفاق الحصول على تشتيت معين للأصوات، وتحويل مجالس الجماعات إلى فسيفساء لأغراض واضحة.

قبل يوم الاقتراع بمدة وجيزة، فوجئنا بوجود فائض من بطاقات الناخبين تتداولها بعض الأيادي في العديد من الأقاليم، واكتشفنا باستغراب أنها صنعت بإضافة صفر أو صفرين إلى رقم البطاقة الوطنية، أو بتغيير تنقيط الأحرف المكونة لاسم الناخب.. من المرجح أن هذه “الفبركة” لا يمكن أن تتم إلا عن طريق من لهم صلاحية مسك تسجيلات الناخبين عن طريق الحاسوب، لقد طالبنا بفتح تحقيق أمام اللجنة الوطنية، واقترحنا إشراك لجنة المعلوماتيين، ولم تبلغ بالطريقة التي سيحل بها هذا المشكل بالنسبة للانتخابات القادمة.

أما الخطأ الثالث الذي ارتكبته الإدارة، فهو بقاؤها مكتوفة الأيدي، متفرجة أمام استعمال المال والضغط والعنف على الناخبين، واستمرار الحملات الانتخابية على مقربة من مكاتب التصويت، مما شكل انتهاكا سافرا لما التزمت به بمقتضى التصريح المشترك، أما المتابعات والمحاكمات، فقد طالت فقط المناضلين والمواطنين الشرفاء الذين أملى عليهم ضميرهم تغيير المنكر والدفاع عن قيم المواطنة وحرمة الديمقراطية، فاستحقوا بذلك تقدير واحترام وتضامن إخوانهم ومواطنيهم)).

بين الأمس واليوم.. حزب العدالة والتنمية ينادي بعدم متابعة المنتخبين في قضايا الفساد

    تم يوم الثلاثاء 15 يونيو، تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات خلال اجتماع عقد لهذه الغاية بمقر وزارة الداخلية، وكشف بلاغ للوزارة أنه تم إحداث اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، التي تتألف من وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، تنفيذا للأمر الذي وجهه الملك محمد السادس إلى وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة في شأن السهر على سلامة العمليات الانتخابية المقبلة والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها.

وأفاد ذات المصدر، أنه تم على الصعيد الترابي، إحداث لجان إقليمية لتتبع الانتخابات، تضم في كل عمالة وإقليم وعمالة مقاطعات، الوالي أو العامل والوكيل العام للملك أو وكيل الملك، وكذا لجان جهوية عهد إليها بمواكبة أشغال اللجان الإقليمية على صعيد كل جهة من جهات المملكة.

وأضاف ذات البلاغ، أن المهمة الأساسية للجنة المركزية واللجان الإقليمية والجهوية، تتمثل في اتخاذ التدابير العملية الكفيلة بصيانة واحترام نزاهة العمليات الانتخابية، وذلك من خلال تتبع سير مختلف مراحل العمليات المذكورة، للحفاظ على سلامتها والتصدي في حينه لكل ما قد يمس بها، ابتداء من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى غاية الإعلان عن نتائج الاقتراع وانتخاب أجهزة وهياكل مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية.

وكان حزب العدالة والتنمية وحده الذي نادى بتأجيل متابعة المنتخبين إلى حين مرور الانتخابات المقبلة، فقد ذكر موقعه الإلكتروني، أنه ((بالتزامن مع قرب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فإن الحزب يدعو إلى توقيف ما يقع في المرحلة الأخيرة من بعض المتابعات الكيدية في حق عدد من المنتخبين، إلى حين مرور الاستحقاقات الانتخابية المقبلة)).

وأوضح سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب “المصباح”، في تصريح لـ”pjd.ma”، أن الحزب اقترح يوم 14 يونيو، خلال تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات، بحضور رئيس النيابة العامة، تأخير المتابعات إلى حين مرور الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وذلك بالنظر إلى أن هذه القضايا لن يطالها التقادم، من جهة، ومن جهة أخرى، لأن هذا الأمر جرت به العادة في محطات سابقة.

وذكر العمراني دائما لموقع الحزب، أنه سبق لعدد من الأحزاب السياسية وضمنها العدالة والتنمية، أن أكدت في مذكراتها الترافعية بشأن الانتخابات المقبلة، على ضرورة الإشراف السياسي لرئيس الحكومة على الانتخابات القادمة، ترسيخا للمنهجية التي اعتمدت منذ سنة 2016، مبرزا أن ((الجديد اليوم، هو أن اللجنة المركزية للانتخابات تتكون من وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة والأمناء العامين للأحزاب السياسية)).

جدير بالذكر، أنه يتم الحديث عن إطلاق حملة تطهير كبرى في الأيام القادمة من طرف الدولة، وأن هناك مشروعا على مكتب الملك محمد السادس.. فهل أصبحت الدولة تحارب الفساد والأحزاب تسعى للحفاظ عليه ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى