تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | منع بن كيران وشباط والعماري من الترشح للانتخابات

هزيمة نجوم الشعبوية أمام العوائق التنظيمية

صدق أولا تصدق، حزب الاستقلال، الحزب العريق، الذي يمكن اعتبار فاس عاصمة تاريخية له، لم تعد له هياكل تنظيمية بالمدينة، بل إن اللجنة التنفيذية لحزب علال الفاسي، اختارت عضوا سابقا في حزب العدالة والتنمية، لتكلفه بمهمة التنسيق وتدبير مرحلة الانتخابات، وجاء في بيان أشر عليه الأمين العام نزار البركة، أن ((القرار جاء تطبيقا لمقتضيات النظام الأساسي للحزب، ولا سيما في مواده 30 و55 و61، ومقتضيات المواد 42 و60 من النظام الداخلي، وبعد الاستماع لعرض تنظيمي تقدم به المنسق الجهوي للحزب بجهة فاس مكناس، حيث تم الوقوف على ما آلت إليه شؤون الحزب مؤخرا بهذه المدينة من تقهقر على مستوى التنظيمات المحلية، وتوتر وصراع دائمين بين الأجهزة والقواعد، وبعد استنفاذ العديد من المحاولات التي قامت بها قيادة الحزب منذ المؤتمر السابع عشر، من أجل المصالحة ورأب الصدع، والتي لم تنجح بفعل تعنت الأطراف المعنية)).

إعداد : سعيد الريحاني

    لم يحدد بلاغ حزب الاستقلال المقصود بالأطراف المعنية المتصارعة، لكن الحديث عن فاس لا يمكن أن يكون ذا معنى دون الحديث عن مصير العمدة السابق للمدينة، حميد شباط، هذا الأخير سبق له أن ترأس نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، في نفس الوقت الذي ترأس فيه حزب الاستقلال، ما يعكس قوته التنظيمية في وقت من الأوقات، لكن تدبير أمور “الميزان” اليوم، يتم بعيدا عن شباط، وبناء على توجيه من اللجنة التنفيذية.

تتمة المقال تحت الإعلان

بخلاف بلاغ حزب الاستقلال، يقول حميد شباط أن ((حل فروع حزب الاستقلال، سيكون مؤثرا بقوة على نتائج الانتخابات))، بل ويضيف أن ((مدينة فاس تتعرض لمؤامرة داخل حزب الاستقلال، فبعض القيادات تقول: ما عندنا ما نديرو بفاس))، وزاد: ((إذا كان لهم مشكل مع شباط، فالحل هو الجلوس معه))، منبها إلى أن ((سؤال ترشحه لم يعد مهما، فمن هذا الذي سينجح بعد حل كافة الفروع وتحطيم القواعد؟)) يقول شباط (المصدر: هسبريس/ 14 يونيو 2021).

من خلال هذا الكلام، يتضح أن النتيجة المتوقعة بعد حل الفروع، هي عدم تزكية حميد شباط لخوض النزال الانتخابي، كما يعني قطع الطريق أمامه للمنافسة على استرجاع كرسي عمودية المدينة، الذي انتزعه في وقت سابق باكتساح(..).

إن عدم تزكية شباط للتنافس الانتخابي، لا يعني فقط استمرار الخلاف بين تيار نزار البركة وتيار شباط، ولكنه يؤكد رغبة واضحة للحزب في القطع مع المرحلة السابقة، التي كان يطلق عليها “موسم صعود الشعبوية”، الذي تزامن مع حركة 20 فبراير، وكان من نتائجه، سقوط آل الفاسي من قيادة حزب الاستقلال، قبل الشروع في عودتهم التدريجية حاليا، ونزار البركة واحد من آل الفاسي، لذلك كتب المحللون عن صعود شباط ما يلي: ((طرح انتخاب عبد الحميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال، أعرق الأحزاب المغربية، التفكير مجددا في النزعة الشعبوية المتصاعدة، التي أصبحت أسلوبا مميزا للخطاب السياسي المغربي، وقد استحوذ هذا الأسلوب على الخطاب السياسي مع صعود العديد من الشعبويين مثل عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة وأمين عام حزب العدالة والتنمية، الذي يعود نجاحه إلى مقاربته الشعبوية.. لم يكن هذا الأسلوب ليفرض نفسه بقوة لولا أفول نجم التكنقراطيين، الذين اندحروا أمام مطالب 20 فبراير الملحة من أجل إدخال تغييرات جذرية على الممارسة السياسية المغربية عموما. هذا التغيير أدى بدوره إلى التعديل الدستوري، الذي عرض على الاستفتاء في يوليوز 2011، فوضع الدستور الجديد حدا لهيمنة التكنقراطيين على المشهد السياسي، وأعاد إلى الأحزاب دورها الرئيسي في العمل الحكومي، ومع تراجع دور السياسيين العقلانيين، المنافسين التقليديين للشعبويين، تقدم الشعبويون بشكل ملحوظ في الساحة السياسية، وبدأوا باقتراح خطاب بديل عن خطاب التكنقراطيين والسياسيين التقليديين)) (المصدر: محمد جليد، كاتب ومترجم وصحافي مغربي/ نونبر 2012).

تتمة المقال تحت الإعلان
شباط العمدة السابق لفاس رفقة العمدة إدريس الأزمي

شباط إذن.. جزء من التيار الشعبوي الذي حقق نتائج مبهرة في السياسة، غير أنه يصطدم اليوم بعقبة تنظيمية تمنعه من الترشح، ومن المفارقات أن تكون هذه العقبة من داخل الحزب وليس من خارجه، وما أخطر الديمقراطية الحزبية عندما تفصل على المقاس، فقد تحول الحزب من دعم شباط إلى رفض منحه التزكية في وقت قياسي، بل إن تصريحات شباط التي حاول من خلالها التعبير عن رغبته في العودة للسياسة، تم تفسيرها على أنها إحراج لقيادة الحزب، وقد كتبت الصحافة، أن ((شباط تمرد على قرارات اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال))، والمقصود، أن شباط يواصل تواصله مع السكان ويؤكد ترشحه للانتخابات، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا: إذا لم تتم تزكية شباط من طرف حزب الاستقلال، فمن سيجرؤ على تزكيته من باقي الأحزاب(..)؟

شباط ليس سوى واحدا من الشعبويين الذين أشهرت في وجههم العقبات التنظيمية، بل إن حزب العدالة والتنمية نفسه، يعيش على وقع غليان داخلي بسبب رفض عدة قياديين فتح موضوع إعادة تزكية الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران، ليترشح للانتخابات، بينما يتواصل سكوته، فـ((بينما لم يصدر عن عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق، أي موقف فيما يخص إمكانية ترشحه للانتخابات التشريعية المقبلة، وبعد امتناعه عن الكلام، كشفت مصادر مطلعة عن وجود أزمة بين قادة الحزب بسبب اختلافهم بين مؤيد لترشيحه، وبين من يعتبر المسألة متجاوزة في ظل “تقاعده الإداري”، الذي ينتظر أن يتحول إلى تقاعد سياسي.. مصادر مطلعة أكدت أن بن كيران يتجنب الخوض في الموضوع رغم طرح السؤال عليه، غير أن خصومه يتخوفون من إمكانية عودته لمحاولة كسب شرعية انتخابية جديدة سيكون لها دورها في إعادة ترتيب أوراق حزب العدالة والتنمية من جديد..

يذكر أن بن كيران حقق نتائج كبيرة في آخر ترشح له للانتخابات التشريعية بعد اكتساحه لدائرة سلا، غير أن عودته لخوض غمار التجربة من جديد، بعد ترأسه للحكومة، تطرح إشكالات عدة داخل حزب العدالة والتنمية، بسبب تباين المواقف بينه وبين الأمين العام للحزب رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني)) (المصدر: هسبريس / الجمعة 28 ماي 2021).

تتمة المقال تحت الإعلان

ولا يخرج الحديث عن بن كيران بدوره عن العقبات التنظيمية، والألغام التي ظلت مزروعة منذ الصراع الذي شهده الحزب بين تيار الاستوزار وتيار بن كيران، والذي وصل إلى “البلوكاج”، وانتهى بـ”عزل بن كيران” تنظيميا، وهي العزلة التي لازالت متواصلة إلى اليوم، ولكن ذلك لا يمنع من القول بأن الرجل لعب دورا كبيرا في إحدى أهم مراحل الحياة السياسية لحزبه، بل إنه صاحب مقولة “التماسيح والعفاريت” التي لا تنسى، والتي كانت تشكل عنوانه للصراع مع ما يسمى الدولة العميقة، وتردد صدى ذلك في وسائل إعلام دولية.. ((فقد أرخى مفهوم الدولة العميقة بظلاله على المشهد السياسي المغربي، بعد اتهامات كالها رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران، لجهات سياسية نافذة، بكونها تتآمر وتشوش على حكومته، وتسعى إلى إطاحتها، لكن من دون أن يحدد أسماء هذه الأطراف المتآمرة، ووجه حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الحكومة المغربية الحالية، اتهامات لجهات سياسية ذات قوة ونفوذ في الدولة تعمل على التحكم والهيمنة على الحياة السياسية بالبلاد.. وأفاد بن كيران بأن التماسيح هي تلك التي تحول دون استفادة المواطن المغربي من ثمار جهود الحكومة، من قبيل مليارات الدراهم التي تخصصها الدولة للسكن الاجتماعي، ولا تصل إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة بالوجه المطلوب)).. هكذا كان يتم الحديث عن بن كيران في مقالات الصحافة، (المصدر: العربي الجديد / 12 ماي 2014).

وإذا كان بن كيران على أبواب “فيتو” تنظيمي، قد يمنعه من العودة للحياة السياسية، فإن الأمر كذلك أيضا بالنسبة لخصمه الزعيم السابق لحزب الأصالة والمعاصرة.. فبينما كان يقول إلياس العماري في جل خطاباته: ((لقد جئنا لمحاربة الإسلاميين))، أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن تراجعه عن هذا الخطاب على لسان رئيس الحزب الجديد، عبد اللطيف وهبي، الذي يقول إن ((حزبه لم يأت لمحاربة الإسلاميين، بل لتكريس الديمقراطية وتقويتها والحفاظ عليها))، موردا أن ((الحزب الإسلامي في المغرب سيتطور كما تطورت الأحزاب الدينية في أوروبا إلى أحزاب ديمقراطية مسيحية، لأن الديمقراطية تعلم ممارسة الحكم)).

إلياس العماري رفقة رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة المنصوري

طبعا.. لم يكن الأمر كذلك في عهد إلياس العماري، الذي تورط في محاولات فاشلة لإسقاط حكومة بن كيران، بناء على حسابات سياسية، وهي التهمة التي ظلت تلاحقه من طرف خصومه في حزب العدالة والتنمية، الذين يتشبثون بوجود ((مؤامرة انتخابية نسجها شباط والعماري)) لإسقاط بن كيران (قبل أن يسقطوا اليوم جميعهم أمام العقبات التنظيمية)، وكتب حزب العدالة والتنمية في وقت سابق ما يلي: ((اعترف إلياس العماري، الأمين العام لـ”البام”، أخيرا، بصحة خبر اللقاء الذي جمعه بالأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، في مقر الاتحاد الاشتراكي، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج اقتراع 7 أكتوبر 2016، واضطر العماري، في لقاء خاص مع منابر صحفية، بعد مدة من نفيه صحة خبر لقائه بشباط بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلى الاعتراف، ضمنيا، بحقيقة الاتهامات التي وجهها له شباط حول محاولات نسف تشكيل الحكومة، رغم كل محاولات التبرير والهروب إلى الأمام، وذلك من خلال قوله “لم أر شباط بعد 7 أكتوبر نهائيا، واللقاء الذي كان يتحدث عنه جرى في مقر الاتحاد !”ويكشف نفي العماري لواقعة اللقاء بشباط بعد نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، والعودة بعد أيام قليلة إلى الاعتراف بحدوثها بمقر الاتحاد الاشتراكي، بحضور الكاتب الأول لحزب “الوردة”، حالة من الارتباك الشديد التي دخل فيها العماري عقب خيبة أمل تصدره نتائج الانتخابات الأخيرة، ومدى حجم التناقض الصارخ في التصريحات وفي المواقف الملتبسة من تشكيل الحكومة والتدخل في توجيه مفاوضاتها و”صناعة” نتائجها.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكان شباط قد أعلن في وقت سابق تعرضه للتهديد من قبل “البام” في ملفات عائلية تخص أبناءه، قبل أن يكشف خلال انعقاد اللجنة التحضيرية لحزب الاستقلال، يوم السبت الماضي، عن الترتيبات السرية التي سلكها حزب الأصالة والمعاصرة بعد نتائج الانتخابات التشريعية للإطاحة بابن كيران من رئاسة الحكومة، مضيفا أن “البام” كان يراهن على رئاسة الحكومة مهما حصل، حتى لو حصل على المرتبة الأخيرة)) (المصدر: موقع حزب العدالة والتنمية/ 15 نونبر 2016).

سواء تعلق الأمر بالعماري أو شباط، أو بن كيران، فإن ما يحول بينهم وبين مواصلة ممارسة العمل السياسي، هو عقبات تنظيمية داخل أحزابهم، وربما استعملت في مواجهتهم نفس الأساليب التي استعملوها ضد خصومهم، عندما كانوا في أوج قوتهم، غير أن اليوم ليس هم الأمس(..).

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى