تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | هل استخدمت الحكومة الإسبانية حق النقض أمام القضاء الإسباني ؟

على هامش قضية المدعو إبراهيم غالي

عندما كشف أمر وجود المدعو إبراهيم غالي فوق التراب الإسباني لتلقي العلاج بجواز سفر مزور وباسم مزور، طرحت العديد من الجوانب، منها الأزمة في العلاقات بين البلدين على عدة أصعدة، غير أن الجدل الذي دار كثيرا، هو حول ضرورة محاكمة إبراهيم غالي على اعتبار أنه مجرم حرب، وفي خضم هذه الأحداث، خرجت العديد من الأقلام لتقارن حالة إبراهيم غالي بقضية مشابهة طرحت أمام القضاء الإسباني سنة 1998، وهي قضية بينوشيه.

بيد أن العديد ممن تناولوا الموضوع، أغفلوا جانبا مهما، وهو أن القانون الإسباني، في هذا الباب وهو مبدأ كونية القضاء الإسباني، قد تم تغييره وحل محله قانون جديد، وهو الذي أصبح معمولا به حاليا.

لذلك، نسعى من خلال هذا الملف إلى إبراز أهم المحطات والصدمات التي تعرض لها القضاء الإسباني، وخصوصا ما يتعلق بمبدأ كونية القضاء، حتى أجبر البرلمان الإسباني على تغييره، كما نعمل على تناول الصيغة القانونية التي أفرج بها عن زعيم جبهة البوليساريو.

أعد الملف: سعد الحمري

قضية بينوشيه.. أول ورطة للقضاء الإسباني

    كان أول امتحان حقيقي لاستقلالية القضاء الإسباني ومبدأ كونيته، في أكتوبر من سنة 1998، عندما أصدر قاضي التحقيق مذكرة تقضي باعتقال الرئيس الشيلي السابق، الدكتاتور أوغستو بينوشيه، الذي كان يتعالج في إحدى المصحات بلندن، وتسليمه إلى إسبانيا من أجل التحقيق معه في مجموعة من المعطيات المتراكمة لديه منذ بداية التحقيق في سنة 1996، في شكاوى رفعتها مجموعة من الجمعيات الإسبانية والتشيلية، بشأن انتهاك حقوق الإنسان في عهده، ويتعلق الأمر باختفاء أكثر من 80 إسبانيا، من بينهم دبلوماسي تم اغتياله في سنة 1976.

وبما أن الرئيس الشيلي السابق، كانت لديه علاقات معقدة ومتداخلة مع العديد من القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي دعمت الانقلاب الذي قاده في 11 شتنبر 1973، ضد نظام الوحدة الشعبية الذي كان يتزعمه سالفادور أليندي، وكذلك بريطانيا التي دعمها في حربها ضد الأرجنتين سنة 1982، إضافة إلى الحكومة الإسبانية التي كانت تستعد سنة 1998 لعقد القمة الإيبيرية الأمريكية، وهي التي لم تكن تنظر بعين الارتياح إلى الإجراء الذي أقدم عليه قاضي التحقيق، لأنه قد يمس بالمصالح الاقتصادية بين الدولتين، خاصة وأنه يقترن بالقمة الإيبيرية الأمريكية التي كانت منعقدة في البرتغال.

إن مذكرة قاضي التحقيق الإسباني الموجهة إلى السلطات البريطانية، جعلت هذه الأخيرة تجد نفسها بين المطرقة والسندان: مطرقة استقلال القضاء، وسندان خطابها حول حقوق الإنسان. وهكذا.. فقد ناهض بعض المحافظين في بريطانيا، ومن بينهم الوزيرة الأولى السابقة مارغريت تاتشر، اعتقال بينوشيه، اعتبارا للخدمات التي قدمها لبريطانيا في حربها ضد الأرجنتين في سنة 1982، والمعروفة بحرب “مالفيناس” أو “المالوين”، الأمر الذي سهل العلاقات بين هذا الدكتاتور والمسؤولين البريطانيين، وحسب هؤلاء، فإن تسليم بينوشيه إلى العدالة الإسبانية سيؤثر على العلاقات المتميزة بين بريطانيا والشيلي.

وإذا كانت هذه القضية قد وضعت في المواجهة الشيلي وبريطانيا وإسبانيا كأطراف معنية بشكل مباشر، فإن دولا أخرى كانت لا تحبذ محاكمة الدكتاتور السابق بينوشيه، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي ظلت تسانده، والتي تخوفت من أن محاكمته ستكشف عن كثير من أسرار العلاقات المتميزة بين مخابرات البلدين.

ورغم ذلك، فقد أقرت السلطات البريطانية، في مارس 1999، بشرعية اتهامات القضاء الإسباني، غير أن الدولتين اتفقتا على السماح له بالعودة إلى بلده في سنة 2000، بذريعة “دوافع إنسانية”، وهو ما شكل أول فشل لمبدأ كونية القضاء الإسباني عندما فشل في جر بينوشيه إلى المحاكمة، وتداخل السياسي والقضائي في النازلة.

الصدام القضائي مع إسرائيل وتعهد إسبانيا بمراجعة مفهوم كونية القضاء

    بعد هذه الحادثة المحرجة، وخلال عشر سنوات كاملة، لم يسبب القضاء الإسباني أي مشاكل لحكومة بلاده، غير أنه في سنة 2009، وجدت الحكومة الإسبانية، التي تمثل السلطة التنفيذية في البلد، نفسها في مواجهة جديدة مع السلطة القضائية.. فقد قرر قاضي المحكمة الوطنية مواصلة التحقيق في دعوى مرفوعة ضد مسؤولين إسرائيليين يحتمل فيها تورطهم في جرائم ضد الإنسانية، وذلك على الرغم من طلب النيابة العامة الإسبانية وقف الدعوى.

وتعود تفاصيل الواقعة، إلى قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لحي التفاح في قطاع غزة عام 2002، مما أسفر عن استشهاد قائد الجناح العسكري في حركة المقاومة الإسلامية “حماس” صلاح شحادة، و14 شخصا آخرين بينهم أطفال.

وتفصيلا، أصدر القاضي الإسباني فرناندو أندرو، قرارا بمواصلة التحقيق في دعوى ضد مسؤولين إسرائيليين في قصف حي التفاح في غزة، وأثار القاضي، بقبوله محاكمة سبعة من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ضجة كبرى وسخطا عارما في الأوساط الإسرائيلية.

لقد جعل هذا الوضع وزارتي الخارجية والعدل الإسرائيليتين، تباشران الاتصالات، من أجل تجنيد مجموعة من كبار السياسيين ورجال القانون في إسبانيا وأوروبا عموما، لإجهاض هذا القرار وإلغاء المحاكمة، وبعد اتصالات مكثفة بين المسؤولين الإسبان والإسرائيليين، أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، أن نظيرها الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، أبلغها أن إسبانيا ستقلص كثيرا سلطة المحاكم الوطنية بعد الشروع في تحقيق بشأن جرائم حرب اقترفتها إسرائيل.

وفي ذات السياق، قالت نفس المتحدثة، أنها سمعت من وزير الخارجية الإسباني أن ((إسبانيا قررت تغيير تشريعاتها فيما يتعلق بالولاية القضائية العالمية))، لافتة إلى أن ذلك سيمنع ((إساءة استخدام النظام القانوني الإسباني))، في إشارة إلى احتمال وقف محاكمة مسؤولين إسرائيليين أمام المحاكم الإسبانية، وقالت ليفني أيضا ضمن نفس التصريح: ((أعتقد أن هذه أخبار مهمة جدا، ويحدوني الأمل في أن الدول الأخرى في أوروبا ستفعل الشيء نفسه))، وبعد ذلك، أعلنت وزارة العدل الإسرائيلية أنها قد تنقل مواد تتعلق بقضية قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لحي التفاح في قطاع غزة عام 2002 إلى السلطات الإسبانية.

الرئيس الجزائري يزور غالي بعد مؤامرة إسبانيا

الأزمة مع الصين.. المسمار الأخير في مفهوم كونية القضاء الإسباني

    بدأ يظهر في الأفق أن مبدأ كونية القضاء في إسبانيا يسبب حرجا للسلطة التنفيذية ويدخلها في صراع دائم مع السلطة القضائية، خاصة وأن المملكة الإيبيرية ليست بالقوة العظمى في العالم، التي يمكنها فرض كلمتها أثناء متابعة بعض الأشخاص، والضغط على بلدانهم من أجل تسليمهم، أو فرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليهم.

وقد برز ذلك بشكل واضح، خلال توجيه التهمة للقادة الإسرائيليين، غير أن ما أزم الوضع أكثر، هو عندما أقدم قاض من المحكمة الوطنية الإسبانية، التي تعتبر أعلى هيئة جنائية، على إصدار أمر سنة 2014 يقضي باعتقال الرئيس الصيني السابق، جيانغ زمين، وأربعة مسؤولين سابقين، بتهمة الإبادة الجماعية في إقليم التبت، كما أمر القاضي من خلال نفس القرار، بالقبض على رئيس الوزراء الصيني السابق، لي بنغ، وثلاثة مسؤولين آخرين في الحزب الشيوعي، بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، والتعذيب والإرهاب ضد شعب التبت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

وأصدر القاضي الإسباني مذكرات اعتقال في حق المسؤولين الصينيين عبر “الأنتربول”، بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية، بعدما اعتبرت المحكمة الوطنية الإسبانية، أن الشكاية التي رفعتها في نونبر الماضي، لجنة دعم التبت، مقبولة، مبررة اختصاصها بالتحقيق في قضية أحد المشتكين، وهو التبتي المنفي، ثوبتين انغشن، الحامل للجنسية الإسبانية، وبأن أي محكمة صينية لم تفتح تحقيقا حول هذه المزاعم.

غير أن هذا القرار لم يكن ليمر مرور الكرام، فقد أثار انزعاجا لدى السلطات الصينية، الأمر الذي جعل المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الصينية، هونغ لي، يعلن أنه أبلغ الحكومة الإسبانية انزعاجه وامتعاضه الشديدين، ومعارضته الصارمة للمؤسسات الإسبانية التي تتجاهل موقف الصين من قضية التبت، وأضاف المسؤول الصيني، قبيل استدعاء السفير الإسباني المعتمد لدى بكين، لتقديم توضيحات بشأن هذه القضية، أن بلاده تأمل في أن تأخذ السلطات الإسبانية الانشغالات الصينية على محمل الجد، وأن لا تبادر إلى شيء من شأنه أن يضر بهذا البلد أو يؤثر على العلاقات بين الصين وإسبانيا.

وبالموازاة مع الأزمة التي خلقها القضاء الإسباني لحكومة بلاده مع الصين، فقد كانت الأوساط السياسية في إسبانيا تعمل على تقويض السلطة القضائية، فقبل قرار القاضي الإسباني بخصوص الصين بأسبوعين، كان هناك مشروع قانون قد طرحه الحزب الشعبي الإسباني، يوم 23 يناير 2014، أمام أعضاء مجلس النواب الإسبان، لتقويض مفهوم القضاء الكوني المطبق في إسبانيا، وقد كان الحزب الشعبي، الذي يتوفر على الأغلبية المطلقة في البرلمان، يسعى من خلال هذا المشروع، إلى تحديد، وبوضوح، الحالات التي يمكن للعدالة الإسبانية التحقيق فيها في الجرائم المرتكبة خارج البلاد.

ومن ضمن أهم المقترحات التي تقدم بها، أنه ((لا تقبل الشكايات إلا إذا كان الضحية مواطنا إسبانيا عند تاريخ ارتكاب الجريمة، إضافة إلى إمكانية استخدام حق النقض من قبل مجلس الوزراء لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة للبلاد))، كما أشار مشروع القانون إلى أنه ((لا يمكن أن تأخذ العدالة مجراها إلا إذا كان الإجراء يستهدف إسبانيا، أو كانت الضحية من جنسية إسبانية في الوقت الذي وقعت فيه النازلة)).

وهكذا وجدت إسبانيا ضالتها في الخروج من المأزق الصيني، بالإسراع في عرض مشروع القانون بسرعة على مجلس النواب الإسباني، فعلا، وفي أقل من ثلاثة أسابيع، تم عرض مشروع القانون على مجلس النواب، الذي صادق عليه في جلسة عمومية في أواخر فبراير من سنة 2014.

وصادق المجلس، الذي يتوفر به الحزب الشعبي على الأغلبية المطلقة، بـ 178 صوتا مقابل 136 على هذا القانون، وهو الذي مهد الطريق أمام حفظ عدد من الشكاوى المرفوعة أمام المحكمة الوطنية الإسبانية، وبهذا تخلصت إسبانيا من مشكلة ظلت تسبب لها صداعا دائما، وأزمات دبلوماسية مع العديد من الدول، وهي السلطة القضائية.

أزمة قضائية مع مصر ما زالت معلقة..

    ظهرت أول مشكلة لإسبانيا ذات بعد قضائي بعد إلغاء قانون كونية القضائية، مع مصر، فقد كانت العلاقات المصرية الإسبانية هادئة جدا بسبب البعد الجغرافي بين البلدين، غير أنه في شهر شتنبر من سنة 2019، أثارت سلسلة من الفيديوهات، بطلها الممثل والمقاول المصري محمد علي، الذي استقر ببرشلونة، والتي اتهم من خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد من كبار قادة الجيش المصري، بالفساد، وقد أثارت جدلا كبيرا بعد انتشارها على نطاق واسع. كما صرح محمد علي، أنه غادر مصر إلى إسبانيا، وأنه تلقى تهديدات من المخابرات المصرية، وأكد أن سبب مغادرته إلى إسبانيا، هو أن الجيش لم يسدد له مستحقات مالية بقيمة نحو 10 ملايين دولار.

وعلى الرغم من هذه الادعاءات، لم يقدم محمد علي أي وثائق تثبت صحة كلامه، وبرر ذلك بأن الجيش والأجهزة المعنية، هي التي تتحكم في كل الأوراق والمستندات، وقال أنه لم يكن يستطيع أن يتحدث عن كل هذه الأمور أثناء وجوده داخل مصر، لأنه كان سيتعرض إما للسجن أو القتل.

في يوم 14 من نفس الشهر، علق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ادعاءات محمد علي دون ذكر اسمه صراحة، ووصفها بأنها كلام خطير، وقال إن أحدا لا يستطيع زعزعة الثقة بين القوات المسلحة المصرية وقائدها الأعلى وبين الشعب، مؤكدا أنه كرئيس للبلاد، شريف وأمين ومخلص، لكن السيسي أكد بعض ما جاء في كلام محمد علي، من بناء قصور رئاسية جديدة في مناطق مختلفة، مؤكدا أنه سيستمر في ذلك، لأنه ((لا يبني لنفسه وإنما يبني دولة جديدة))، حسب قوله.

قام محمد علي بالرد على خطاب السيسي في فيديو بثه من مدينة برشلونة، دعا فيه المصريين إلى التجمهر في المحافظات المصرية ضد السيسي، لكي يعبر فيه الشعب المصري عن رفضه لاستمرار السيسي في الحكم قائلا:((إن السيسي عليه الرحيل إذا حقق الوسم أكثر من 30 مليون تغريدة))، وقد تخطى الوسم أكثر من مليون تغريدة في أقل من 24 ساعة.

وقد دعا محمد علي المصريين إلى النزول إلى الشوارع يوم 20 شتنبر 2019، لإعلان رفضهم لاستمرار عبد الفتاح السيسي في الحكم، كما أنه طالب وزير الدفاع المصري بعزل السيسي واعتقاله استجابة لإرادة الشعب، ولاقت دعوة محمد علي استجابة كبيرة، فنزل جموع من المصريين بعد مباراة لفريقي الأهلي والزمالك، إلى ميدان التحرير بالقاهرة، وفي بعض المحافظات، لإعلان رفضهم لحكم السيسي، وذكر مركز حقوقي أنه تلقى بلاغات بالقبض على 45 شخصا، في مدن القاهرة، الإسكندرية، دمنهور، دمياط، والمحلة الكبرى، خلال التظاهرات، في حين ذكر شاهد عيان أضعاف ذلك، وتجددت المظاهرات لليوم الثاني في السويس، حيث فضت قوات الأمن تظاهرة ليلية، وقامت بالقبض على 50 من المتظاهرين.

لقد دفع هذا الأمر وزارة العدل المصرية، إلى توجيه طلب إلى القضاء الإسباني، من أجل تسليم محمد علي بتهمة تبييض الأموال، ونصت مذكرة الاعتقال والتسليم على ثلاثة جرائم مالية، منها بيع منازل ما بين سنتي 2006 و2018، وعدم التصريح لمصلحة الضرائب بحوالي 485 ألف يورو، وتبييض أموال في الفترة نفسها تقدر بحوالي 200 ألف يورو.

وتشير مذكرة القضاء المصري إلى عدم وجود عامل سياسي وراء طلب التسليم، كما ألحت على أن الاتهامات لا تقود إلى تنفيذ حكم الإعدام، بل سيتم إخضاعه لمحاكمة عادلة، وذلك لتفادي رفض القضاء الإسباني للطلب، غير أن القضاء الإسباني لم يقم بتسليمه إلى السلطات المصرية، ولم يتخذ أي إجراء احترازي، حيث لم يحجز جواز محمد علي، وخرجت الجرائد الإسبانية بدل الحكومة، لتقول ((إنه من الصعب تنفيذ مذكرة القضاء المصري، لأن ذلك قد يتطلب سنوات، كما أن عدم مصادرة جواز سفر محمد علي، أعطى تفسيرا لإمكانية تركه يغادر البلاد)).. وبذلك تتجنب إسبانيا ورطة قضائية جديدة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

فرار ملك إسبانيا المتنحي عن الحكم خارج البلاد.. ضربة جديدة لاستقلالية القضاء الإسباني

    واجه القضاء الإسباني تحديا آخر، وهذه المرة لاختبار مدى قوته واستقلاليته، عندما أعلن في بداية سنة 2020 عن بدء تحقيق أعلنت عنه المحكمة العليا الإسبانية، حول احتمال تورط الملك المتنحي، خوان كارلوس، في قضية فساد مرتبطة بتشييد قطار فائق السرعة في السعودية.

وقالت المحكمة العليا، أنها تسعى إلى تحديد علاقة خوان كارلوس بالمشروع السعودي بعد تنحيه عام 2014، أي في الفترة التي فقد فيها حصانته ضد الملاحقة القانونية، وكانت شركات إسبانية قد فازت بعقد إنشاء خط سكة حديد تربط بين مكة والمدينة، تبلغ قيمته 6.7 ملايير يورو، وشمل التحقيق تورط مصارف سويسرية، ويشتبه المسئولون في مكافحة الفساد، باحتفاظ الملك السابق ببعض الأموال في سويسرا دون الإعلان عنها، وأجرى القضاء السويسري تحقيقا في السياق ذاته، وقالت الحكومة الإسبانية أنها لن تتدخل في التحقيق وأن الجميع يتساوى أمام القضاء.

غير أن ما أعلنت عنه الحكومة الإسبانية، سرعان ما تبدد، وذلك بعدما غادر الملك السابق البلاد متوجها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن ذلك حدث بعد توافق بينه وبين ابنه الملك الحالي، فيليبي السادس، ورئيس الحكومة بيدرو سانشيز، ورغم فرار الملك السابق إلى خارج البلاد، إلا أن المدعي العام في إسبانيا لم يحرك الملف إلى حدود اللحظة، واليوم يأمل الملك السابق أن تستدعيه المحكمة العليا للاستماع إليه في قضايا ضريبية حتى يكون له عذر للرجوع إلى بلده، وأعلن أنه خائف من أن تكون الإمارات هي مكانه الأخير الذي سيموت فيه.. ومازال إلى الآن لم توجه له الدعوة.

قضية زعيم البوليساريو إبراهيم غالي.. تحصيل حاصل في مشاكل القضاء الإسباني

    عندما وقعت الأزمة المغربية الإسبانية الأخيرة، والتي كان زعيم جبهة البوليساريو أحد أسبابها، كان الأمر يبدو مجرد تحصيل حاصل، وعليه، لا يجب مقارنة حالة إبراهيم غالي أو “ابن بطوش” بحالة بينوشيه في سنة 1998، ذلك أن الفرق بينهما هو إلغاء مبدأ كونية القضاء الإسباني في سنة 2014.

ورغم أن القانون الجديد ينص صراحة على اقتصار نظر المحاكم الإسبانية في الحالات التي تعرض فيها من يحمل جنسية إسبانية لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو الوضع الذي ينطبق على المدعو إبراهيم غالي، حيث أن الضحايا الذين رفعوا ضده الدعوة، يحملون الجنسية الإسبانية، إلا أن الجديد في الأمر، هو أن القانون الجديد منح لرئيس الوزراء حق النقض، لأسباب تتعلق بالمصلحة العليا للبلاد.. فهل كان قرار الحكومة الإسبانية بإخلاء سبيل المدعو غالي قد تطلب لجوء رئيس الوزراء إلى حق النقض لأسباب تتعلق بالمصلحة العليا للبلاد؟ وهل من مصالح إسبانيا العليا عدم متابعة إبراهيم غالي؟

إذن، يستنتج من قرار الحكومة الإسبانية، عندما أعلنت أن زعيم جبهة البوليساريو عندما يستكمل مرحلة علاجه، سيغادر البلاد، أنها فعلا رأت من المصالح العليا للبلاد إخلاء سبيله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى