تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | هل يتحول الصراع مع إسبانيا إلى أزمة دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي ؟

سيناريو جزيرة ليلى يكرر نفسه

أصل كل الأزمات بين المغرب وإسبانيا منذ المسيرة الخضراء، هو قضية الصحراء، فلا يمكن أن تنقضي مدة حكومة في الجارة الشمالية إلا وتحصل مشكلة بينها وبين المغرب، حيث يبدأ المشكل بسبب موقف الحكومة الإسبانية من قضية الصحراء في سياق معين، ثم ينتهي بقضية سبتة ومليلية المحتلتين، وقد أصبحت كل الأزمات بين البلدين تدور في هذه الحلقة، الصحراء المغربية – سبتة ومليلية المحتلتين.

غير أنه انطلاقا من سنة 2002، أي خلال أقوى أزمة بين المغرب وإسبانيا، وهي التي تطورت بفعل قضية جزيرة ليلى، لوحظ تطور في تعاطي المملكة الإيبيرية بخصوص مشاكلها مع المملكة المغربية، إذ لأول مرة أقحمت الجارة الشمالية الاتحاد الأوروبي واستدرجته ليصبح طرفا في الصراع، ولذلك، فإن استعراض هذه الأحداث من بدايتها إلى نهايتها، وخصوصا كيف ورطت الاتحاد الأوروبي فيها، وكيف خرج البلدان من الأزمة، من شأنه أن يسلط الضوء على مستقبل الأزمة الحالية، التي يبدو أن إسبانيا ورطت فيها الاتحاد الأوروبي.

أعد الملف: سعد الحمري

هكذا ورطت إسبانيا الاتحاد الأوروبي في أزمة جزيرة ليلى

    في صيف سنة 2002، وبالضبط يوم 11 يوليوز، نزل 12 من الجنود المغاربة في جزيرة ليلى، من أجل مراقبة الهجرة غير الشرعية، ومحاربة تجار المخدرات والمهربين الذين يستخدمون الجزيرة اللوجستيكية كمنصة، وكان الجنود المغاربة مجهزين بأسلحة خفيفة وأجهزة راديو وبعض الخيام، ثم قاموا برفع العلم الوطني فوق الجزيرة، الأمر الذي استفز المملكة الإسبانية التي فكرت في احتمال أن تكون القوات المغربية قد سيطرت عليها فعلا دون علمها بذلك.

وخلال هذه الأزمة، حدث موقف مشابه لما يقع اليوم، ففور ظهور بوادر هذه القضية، استغلت إسبانيا عضويتها في الاتحاد الأوروبي، قصد جعل هذا الأخير كغطاء دبلوماسي من أجل التدخل العسكري في جزيرة ليلى، وقد كشف عن هذا المعطى وزير الدفاع الإسباني خلال تلك المرحلة، فيدريكو تريو، من خلال مذكراته.

وفور اندلاع الأزمة، راهن خوسي ماريا أثنار، رئيس الوزراء الإسباني، على حشد الدعم الأوروبي لصالح بلاده، وقد ساعدته في ذلك، وزيرة الخارجية الإسبانية آنا بلاثيو، المعينة آنذاك حديثا في هذا المنصب، والتي كانت تتولى قبل ذلك مهمة دبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، وقد استغلت علاقاتها داخل أروقة هذا التكتل من أجل انتزاع اعتراف أوروبي بسيادة بلادها على جزيرة ليلى.

وقد تمكنت الوزيرة بعد يومين فقط من اندلاع الأزمة، من حشد دعم الاتحاد الأوروبي رسميا، إذ أصدر هذا الأخير بيانا يوم 13 يوليوز من نفس السنة، دعا من خلاله الرباط إلى سحب جنودها من جزيرة ليلى، فكان أول رد من الجانب المغربي على هذا البيان، عن طريق الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، الذي وعد بإيجاد مخرج للأزمة.

ورغم وعود الوزير الأول المغربي بإيجاد حل للأزمة، إلا أن الاتحاد الأوروبي زاد من تصعيد لهجته وأصبح المتحدث باسم إسبانيا، وبعد يوم واحد فقط من دعوته المملكة إلى سحب جنودها من جزيرة ليلى، كان يوم 14 يوليوز أكثر حازما، حيث جدد دعوته للمغرب بالانسحاب من الجزيرة مستعملا عبارة مهينة في حق المغرب وهي “الانسحاب فورا”.

وقد كشفت بعض المعطيات عن كواليس ما دار داخل أروقة هذا التكتل الأوروبي، إذ ظهر مؤخرا أن البيان الثاني الذي استعملت فيه عبارة “الانسحاب فورا” صدر بعد استمرار الضغط الإسباني على الدانمارك التي كانت ترأس الاتحاد خلال تلك الفترة، وهي المعطيات ذاتها التي أكدت أن الإسبان استعملوا دعاية داخل أروقة الاتحاد الاوروبي تقول بأن إقدام المغرب على السيطرة على جزيرة ليلى ما هو إلا خطوة أولى للسيطرة على مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وهو الأمر الذي أثار مخاوف الدول الأوروبية إزاء تصرف المغرب، وعلى خلاف باقي دول الاتحاد الأوروبي، كانت فرنسا برئاسة جاك شيراك، صديق المغرب المقرب، الدولة الوحيدة التي غردت خارج السرب، وعملت على إعادة الأمور إلى نصابها.

أدت ردود الفعل على نشر المغرب لقواته في الجزيرة أو احتلال القوات الإسبانية لها، إلى وضع كل الذين يمكن أن يكونوا فاعلين في تسوية أزمة الجزيرة أو تقريب وجهات نظر المتنازعين، في مأزق مليء بالتناقضات، وكان الاتحاد الأوربي الخاسر الأساسي، لأنه أظهر “عدم مسؤوليته” تجاه السلام العالمي والإقليمي، بتبني رئاسته الدانماركية للغة الحرب ضد المغرب، وعدم حكمته وقدرته على أن يكون مرجعية مقبولة من قبل طرفي النزاع لتسوية أزمتهما.

تسرُّع الرئاسة الدانماركية في بيانها، الذي عبر عن رؤيتها وموقفها تجاه العالم الإسلامي والعربي، خلق أزمة داخل الاتحاد الأوروبي، فالفرنسيون لم يخفوا احتجاجهم لصدور البيان دون التشاور معهم، وتشددوا فيما بعد وحالوا دون إصدار بيان جديد، كما ساهموا في تغيير الموقف الأوروبي من اعتبار جزيرة ليلى أرضا إسبانية وجزء من الفضاء الأوروبي، وهو ما لم تقله مدريد، إلى اعتبار الجزيرة قضية ثنائية تهم الرباط ومدريد، وأن الاتحاد ليس طرفا فيها.

الموقف الفرنسي حال دون أن تكون باريس وسيطا، فمدريد المنزعجة دائما من النفوذ الفرنسي في الرباط وتعتبره العامل الأساسي في توتر العلاقات المغربية الإسبانية، رأت في موقف باريس تحديا لها نتج عنه حرمانها من دعم أوروبي أوسع كانت في أمس الحاجة إليه بعد احتلالها للجزيرة في 17 من يوليوز.

 

دعم جامعة الدول العربية للمغرب ودعم الجزائر لإسبانيا

    لم يقف المغرب مكتوف الأيدي تجاه مناورات إسبانيا وحملة الاتحاد الأوروبي ضده، فقد تجندت وسائل الإعلام المغربية للخوض في هذه الأزمة، وشنت هجوما على رئيس الوزراء الإسباني خوسي ماريا أثنار وحكومته، إثر التصعيد ضد المغرب، متهمة إياه بأنه الرجل الذي تسبب في الأزمة.

وفي ذات السياق، لجأت وزارة الاتصال المغربية إلى خطة ذكية، تمثلت في تنظيم رحلة إلى الجزيرة موضوع النزاع، جمعت خلالها صحافيين مغاربة وأجانب ليشاهدوا بأم أعينهم أن الجزيرة التي تشبه الصخرة، محاذية للشواطئ المغربية.

ومن أجل معاكسة إسبانيا التي نجحت في الاحتماء بالاتحاد الأوروبي، لجأ المغرب إلى خطة مماثلة، وهي استقطاب دعم كل من جامعة الدول العربية ودول الخليج العربي، وفي هذا الصدد قام الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، عمرو موسى، بزيارة لمنطقة بليونش القريبة من جزيرة ليلى، وأكد موقف الجامعة المتمثل في ((دعم موقف المغرب وتأييده وتأييد الحوار في الوقت نفسه للتوصل إلى الحلول النهائية بما يصون الحقوق العربية))، وأوضح موسى، أن الزيارة التي قام بها تأتي ((للاطلاع على الجزيرة نفسها ورؤيتها رأي العين والوقوف على الأرض المغربية العربية الصلبة)) التي كادت أن تشعل حربا بين المملكتين الجارتين.

وعلى خلاف باقي الدول العربية، سارعت الجزائر إلى إعلان وقوفها إلى جانب مدريد، فمباشرة بعد حدوث الأزمة، أعلنت الحكومة الجزائرية، عن طريق الوزير المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية، عبد القادر مساهل، أن ((قيام المغرب بنشر قواته على جزيرة ليلى، والتي قالت الرباط إن مهامها هي مراقبة حركة الهجرة السرية ونشاط تهريب المخدرات، يعد فرضا للأمر الواقع، وخرقا للشرعية الدولية))، بل إن الوزير الجزائري دعا إلى ((العودة للحدود الموروثة عن الاستعمار))، وأعلن أن بلاده ((ترفض كل سياسة لفرض الأمر الواقع، أو أي خرق للشرعية الدولية، وأن الجزائر تدافع عن هذا المبدأ، سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء أو بالنزاعات المتولدة عن عدم احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار)).

ورغم الهجوم العربي الإسلامي على الجارة الشرقية للمملكة، إلا أنها اختارت التعامل مع قضية جزيرة ليلى ببرودة أعصاب شديدة، وفضلت حماية ما تراه ((مصالح الجزائر الاقتصادية والجيو استراتيجية في منطقة المغرب العربي))، عوض مساندة المغرب من باب الأخوة والمصير المشترك، مما أعطى انطباعا سيئا بأن الجزائر قد تخلت عن مبادئ العروبة والإخاء المغاربي.

شرطي مغربي يرفض السلام على مسؤول إسباني (أرشيف)

الوساطة الأمريكية لحل الأزمة جعلها الرابح الأكبر من هذه القضية

    في خضم هذه الأحداث، وبالموازاة مع تحركات كل الأطراف، قام المغرب بحملة دبلوماسية وإعلامية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث ذهب محمد بنعيسى وزير الخارجية المغربي، يوم 19 يوليوز من نفس السنة، إلى فرنسا، من أجل بداية حملة الدفاع عن موقف وحق المغرب، فقد عقد أول مؤتمر صحفي له بمقر النادي الدولي للصحافة بباريس، قال خلاله رئيس الدبلوماسية المغربية: ((لقد أحصيت يومها 38 كاميرا توجه عدستها نحوي، وكانت القاعة تغص بالصحافيين، وكان مبرمجا أن تكون بروكسيل هي محطتي التالية بعد باريس، لذلك اتصلت برومانو برودي، رئيس المفوضية الأوروبية، وحددت موعدا معه وسعيت وراء مواعيد أخرى، بحكم أن يوم الإثنين 22 يوليوز كان سيعرف انعقاد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية)) (المصدر كتاب “الجوار الحذر”).

وفي اليوم الذي بدأ فيه المغرب حملته الدبلوماسية المعاكسة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، وقع مستجد غير مسار تطور الأزمة، يتمثل في تدخل كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، كولن باول، في هذه القضية، ولم يتدخل بفعل طلب مغربي، بل بعدما اتصلت به آنا بلاثيو وزيرة الخارجية الإسبانية، طالبة منه التدخل، وعلق وزير الخارجية المغربي على التدخل الأمريكي بالقول: ((المغرب لم يطلب أبدا وساطة الأمريكيين، بل الإسبان هم من اتصلوا بهم، لقد أرادوا وقتها الاحتماء بواشنطن لتمارس علينا ضغوطا، وأيضا للإضرار بعلاقاتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وشرحنا الأمر للأمريكيين الذين تفهموا تفاهة الموضوع، وكان أول اتصال لي بهم بمعية الطيب الفاسي الفهري، كاتب الدولة في الخارجية، في شخص السفيرة مارغريت توتويلر، التي أرادت معرفة وجهة نظرنا حول الموضوع)) (نفس المصدر).

ويوم السبت 20 يوليوز، عندما كان الوزير محمد بنعيسى في باريس، ويستعد للذهاب إلى بروكسيل من أجل إكمال حملته الإعلامية والدبلوماسية داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، اتصل به وزير الخارجية الأمريكي، وأخبره أن الإسبان سيغادرون الجزيرة، وطلب منه التحدث مع الملك.

بعد اتصالات قام بها بنعيسى من أجل ترتيب اتصال هاتفي بين الملك ووزير الخارجية الأمريكي، عقد اجتماع جمع الملك محمد السادس ووزير الخارجية المغربي ووزير الخارجية الأمريكي عن طريق تقنية الفيديو، هذا الأخير أخبر الملك محمد السادس أن الجنود الإسبان سيغادرون الجزيرة بعد نصف ساعة، وأن لهم شروطا، أولها ألا يذهب وزير الخارجية المغربي إلى بروكسيل من أجل إكمال حملته الدبلوماسية، والشرط الثاني أن تأتي وزيرة الخارجية الإسبانية إلى المغرب يوم 22 يوليوز.

كان تسرع رئاسة الاتحاد الأوروبي في إصدار بيان تأييد للموقف الإسباني، كافيا ليكون الاتحاد طرفا غير مؤهل للعب دور الوسيط بين المغرب وإسبانيا ويفسح المجال واسعا أمام الدبلوماسية الأمريكية لتفض نزاعا كاد أن يتحول إلى مواجهة مسلحة تشعل النار في مضيق جبل طارق.

وصباح الإثنين الموالي، وصلت وزيرة الخارجية الإسبانية آنا بلاثيو إلى الرباط، وأجرت محادثات مع نظيرها المغربي محمد بنعيسى، لم تسفر عن تقدم، لكنها أكدت أن العلاقات الإسبانية المغربية قبل العشرين من يوليوز ليست هي نفسها بعد هذا التاريخ.

فالمغرب الذي اعتبر نفسه منتصرا بعد أن نجح في فرض الانسحاب على إسبانيا قبل انطلاق المفاوضات، تعامل مع الوزيرة آنا بلاثيو، في يوم عيد ميلادها، بكل جفاء، حيث لم يذهب نظيرها المغربي محمد بنعيسى ولا مساعده الطيب الفاسي الفهري، لاستقبالها في المطار ولا حتى على باب وزارة الخارجية كما يقتضي البروتوكول، وبذلك أراد صانعو القرار المغربي، أن يؤكدوا لمدريد أن أي تعامل بينهما يجب أن يكون على قدم المساواة والندية، وأن “روح المورو” التحقيرية الإسبانية تجاه المغاربة، يجب أن تزول.

لم يكن “الاستقواء” السياسي المغربي نابعا فقط من كون العالم استجاب للضغط على إسبانيا لتحقيق الانسحاب من جزيرة ليلى قبل المفاوضات، بل لأن الرباط كانت تريد أن تلعب إلى أقصى حد ورقة الإحراج والسخرية التي وضعت مدريد نفسها فيها حين جيّشت الجيوش والأساطيل ضد ستة جنود مغاربة كانوا في جزيرة صغيرة جدا.

ورطة إسبانية جديدة للاتحاد الأوروبي

    لم تكن الأمور لتبدو على ما يرام منذ الوهلة الأولى، بعد تعيين الحكومة الجديدة في إسبانيا من طرف العاهل، وهي الحكومة التي تولى رئاستها بيدرو سانشيز في بداية يونيو 2018.. فقد ظهر أن شيئا ما ليس طبيعيا في موقف هذا الأخير تجاه المغرب، عندما تخلى عن عرف أصبح تاريخيا منذ عودة الملكية إلى إسبانيا سنة 1975، حيث دأب رؤساء الوزراء الإسبان على تقليد سياسي أصبح ضروريا، وهو أن أول بلد يقوم رئيس وزرائهم بزيارته بعد تنصيبه، هو المغرب، إلا أن بيدرو سانشيز تخلى عن ذلك، وقد أشر هذا الأمر على أن شيئا ما يطبخ في الخفاء ليس طبيعيا، غير أن التحولات الإقليمية والدولية التي شهدها العالم، ولعل أبرزها اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، عجل بظهور أزمة بين البلدين، حيث عارضت إسبانيا القرار الأمريكي بصريح العبارة، وهو ما عجل ببداية أزمة صامتة بين البلدين ما لبثت أن تحولت إلى أزمة علنية.

فقد بدأت ملامح الأزمة بعد تصريح أدلى به رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عندما قال أن ((سبتة ومليلية من النقاط التي من الضروري أن يُفتح فيها النقاش.. الملف معلّق منذ خمسة إلى ستة قرون، لكنه سيفتح في يوم ما))، غير أن شرارة الأزمة هذه المرة، كانت عندما أقدمت الجارة الشمالية على استقبال زعيم جبهة البوليساريو فوق أراضيها دون علم من المغرب، بعد تخطيط مع الجارة الشرقية.

وحاول المغرب الضغط على إسبانيا بواسطة ملف الهجرة، بعدما ترك مهمة حماية سبتة المحتلة للإسبان، الذين تحدثت بعض المصادر أنهم كانوا غير موجودين عندما بدأ المئات من المهاجرين في الدخول إلى الثغر المحتل، مما سهل مهمة المهاجرين غير الشرعيين (المصدر هسبريس/ 17 ماي 2021).

عقب هذا الحدث مباشرة، دخل الاتحاد الأوروبي في ميزان المواجهة السياسية بين المغرب وإسبانيا بسبب أزمة سبتة.. ففي تصريح مصبوغ بأسلوب التهديد، قال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية، مارغاريتيس شيناس، في حديث لإذاعة إسبانيا الرسمية، يوم الأربعاء الماضي: ((لا أحد يمكنه أن يرهب أو يبتز الاتحاد الأوروبي))، في تعليق على تدفق المهاجرين إلى مدينة سبتة المحتلة، واتهم بإشارة ضمنية، المملكة المغربية بالوقوف وراء عملية إدخال حشود بشرية إلى المدينة، ووجه المسؤول السياسي اليوناني كلامه إلى المغرب، قائلا: ((إن أوروبا لن تقع ضحية هذه التكتيكات)).

وأضاف شيناس الذي كان يتحدث باللغة الإسبانية: ((سبتة هي أوروبا، وهذه الحدود هي حدود أوروبية، وما يحدث هناك ليس مشكلة مدريد، وإنما مشكلتنا جميعا كأوروبيين)).

وبعد ذلك مباشرة، اعتبرت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا جوهانسون، أمام البرلمان الأوروبي، أن ((تدفق نحو ستة آلاف مهاجر إلى سبتة المحتلة أمر مقلق))، ودعت المغرب إلى مواصلة منع العبور “غير القانوني” للمهاجرين.

ومررت السياسية السويدية أمام البرلمان الأوروبي، رسالة إلى المغرب بقولها أن ((الأهم الآن هو أن يواصل المغرب التزام منع العبور غير القانوني للمهاجرين، وأن تتم إعادة الأشخاص الذين لا يحق لهم البقاء، بشكل منظم وفعال. الحدود الإسبانية هي حدود أوروبا)).

وهكذا.. فقد ظهر أن الاتحاد الأوروبي انجر مرة أخرى وراء إسبانيا، ومن الممكن أن يكون ذلك عن قصد أو نتيجة ضغط إسباني، ومهما يكن، فقد نصب نفسه مرة أخرى كطرف في الأزمة المغربية الإسبانية، وأغلق الأبواب على نفسه في أن يكون وسيطا بين البلدين، كما أنه بالموازاة مع هذه الأزمة بين المملكتين الجارتين، هناك أزمة أخرى معلنة مع دولة أخرى فاعلة في الاتحاد الأوروبي، وهي ألمانيا.

وأمام هذا التصريح المستفز للمغرب، قام الإعلام المغربي بحملة مضادة ضده، ومن أهم الحملات الإعلامية ما كتبته وكالة المغرب العربي للأنباء، يوم 19 ماي 2021، عندما اعتبرت أن ((الاتحاد الأوروبي أقحم نفسه في الأزمة القائمة بين مدريد والرباط، ليس للتنديد باستقبال مجرم حرب على التراب الأوروبي، ولكن للدفاع عن “أوروبية” الثغرين المغربيين المحتلين سبتة ومليلية))، ونعتت وكالة المغرب الرسمية، أن ((هذا التكتل الأوروبي تعتبر آلته الدبلوماسية باهتة التأثير على الساحة السياسية الدولية)).

وأوضح نفس المصدر، أن موقف الاتحاد الأوروبي يمثل خروجا عن جادة الطريق، ويعكس مدى هشاشة أوروبا وقصر نظرها، وذلك عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف بخصوص قضايا مهمة من قبيل الهجرة أو الأمن، كما اعتبرت أن ((الموقف الأوروبي من المغرب ليس بالجديد، بالأمس، كان ذلك مع تركيا وروسيا، واليوم، جاء الدور على المغرب، ليعاني من وقع إحباطات أوروبا منعدمة الكفاءة والفاقدة لمعالم الطريق)).

وهكذا.. فقد جمد تصريح المسؤولين في الاتحاد الأوروبي حركة المرور في القنوات الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا بسبب استقبال إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو، ومع ألمانيا، بسبب عدد من الملفات المتراكمة على رأسها قضية الصحراء.

تخلي جامعة الدول العربية عن المغرب ودعم جزائري لإسبانيا

    رغم أن موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة الحالية مشابه لموقفه من أزمة جزيرة ليلى، فإن الجديد هو أن المغرب ترك وحيدا في مواجهة 27 دولة تشكل التكتل الأوروبي، فلم يصدر إلى اليوم أي بيان من جامعة الدول العربية أو دول مجلس التعاون الخليجي، يعلن عن دعم المغرب في هذه الأزمة.

بالمقابل، هناك موقف عربي واحد ظل كما هو، وهو الموقف الجزائري من سبتة ومليلية المحتلتين، فقد كانت الجارة الشرقية واضحة كعادتها بخصوص هذه المسألة، منذ إعلان رئيس الحكومة المغربية عن ضرورة فتح نقاش جدي مع المسؤولين الإسبان حول قضية سبتة ومليلية المحتلتين، ويتعلق الأمر بالجزائر، التي أعلنت مباشرة بعد ذلك، عن طرح مشروع يقضي بالربط البحري بين مدينة مليلية المحتلة وميناء الغزوات الجزائري، وأعلن رئيس الحكومة المحلية للمدينة ذاتية الحكم، إدواردو كاسترو، عن مناقشة الأمر مع وزيرة الخارجية أرانتشا غونزاليس لايا، وهو الأمر الذي أعاد إلى الأذهان موقف الجزائر تجاه الأراضي المغربية المحتلة من طرف الإسبان، والذي جرى التعبير عنه رسميا في عدة مناسبات، أهمها أزمة جزيرة ليلى سنة 2002.

حياد أمريكي.. هل يؤشر على طول أمد الأزمة ؟

    بالموازاة مع الأزمة المغربية الإسبانية، كانت هناك أزمة تسيطر على العلاقات الدولية، وهي العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، وخلال الأزمتين ومن أجل البحث عن حل، خصوصا لقضية الشرق الأوسط، تواصل وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، أنطوني بلينكن، مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، وبعد نهاية الاتصال الهاتفي، صدر بيان حول فحوى الاتصال، إلا أن الأمر الغريب، هو غياب أزمة سبتة المحتلة عن المباحثات بين الطرفين.

اهتمت وسائل الإعلام الإسبانية خصوصا، بخلفيات غياب التطورات التي تشهدها مدينة سبتة المحتلة عن محادثات وزير الخارجية الأمريكي مع نظيره المغربي، مشيرة إلى أن مجلس الأمن القومي الأمريكي رفض التعليق على الأزمة في سبتة المحتلة.

واعتبرت الصحافة الإسبانية، أن الحياد الأمريكي في الصراع نموذجي في واشنطن، مضيفة أن المغرب بلد قريب جدا من أمريكا، حيث يعد أول دولة في العالم تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن تفسير عدم التدخل الأمريكي في الأزمة المغربية الإسبانية لا يمكن ربطه بالحياد الأمريكي كما روجت لذلك الصحافة الإسبانية، فكما هو معلوم، فإن العلاقات الإسبانية الأمريكية تعيش “جمودا غير مسبوق” منذ انتخاب جو بايدن خلفا لدونالد ترامب، حيث فجر زعيم المعارضة الإسباني، بابلو كاسادو، مفاجأة كبيرة عندما كشف عن غياب الاتصالات بين رئيس الحكومة بيدرو سانشيز والرئيس الأمريكي.

وانتقد كاسادو، رئيس الحزب الشعبي الإسباني، في جلسة علنية في البرلمان، “الأخطاء الدبلوماسية” لحكومة بيدرو سانشيز، خاصة علاقته بالمغرب، مثل عدم زيارته الرباط كأول وجهة بعد انتخابه، وهو تقليد تاريخي في السياسة الإسبانية، وعدم تحرك الحكومة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، بالإضافة إلى استقبال إسبانيا لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية، بهوية مزورة.

وأبدى كاسادو انزعاجه من فقدان إسبانيا لوزنها السياسي الدولي مؤكدا أنه ((لهذه الأسباب، لا يرد بايدن على مكالمات بيدرو سانشيز)).

وحسب تقارير دولية، فإن ((جو بايدن، منذ اعتلائه كرسي الرئاسة في واشنطن، لم يبد اهتماما كبيرا بإسبانيا، وانتظرت مدريد أزيد من شهر لتتلقى أول اتصال من الإدارة الأمريكية الجديدة)).

وهكذا.. فإن سلوك الإدارة الأمريكية تجاه الجارة الشمالية، يعبر عن عدم نيتها في التوسط بين المغرب وإسبانيا في هذه الأزمة، وكما هو معلوم، فإن الاتحاد الأوروبي بخروجه الإعلامي، نصب نفسه كطرف في هذه الأزمة وليس بإمكانه أن يلعب دور الوسيط.. فمن سيتوسط بين البلدين في هذه الأزمة؟

هناك فرنسا وحدها التي تحظى بقبول الرباط، وفعلا بدأت تحركاتها من أجل القيام بوساطة بين البلدين.. فهل ستنجح في ذلك، أم أننا سنكون أمام أزمة مفتوحة وطويلة الأمد ؟

تعليق واحد

  1. وعن اي جامعة عربية نتكلم العرب كل دولة وهمها اكبر الدول العربية السعودية غارقة في حربها مع جماعات الحوثي العراق مفتث ليبيا مقسمة ولازالت تبحت عن الدولة مصر مع فقرها ومشاكلها التي لا تعذ الكويت والامارات دول صغيرة عايشين قطر دولت الاخوان هي مع إيران عمان ذاخلين سوق راسهم الجزائر دولت عصابات فاين هم العرب او الدول العربية وعن اي جامعة عربية المغرب لازم يعول على الشباب والشابات وعلى كل المغاربة الاحرار وبسواعدنا وعزيمت المغاربة نحرر سبتة ومليلية ومستعدين نحارب شعب ابورقعة بكل الوسائل المتاحة بكلمة واحة من جلالته نجتاح المسعمرات وكبرها تصغار ونجهز مراكب لاخواننا الافارقة للعبور الى الظفة الاخرى للمطالبة بحقوقهم من المستعمرين الطغات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى