تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل يخدم أكبر تقارب بين السنّة والشيعة القضية الفلسطينية والقضية الوطنية ؟

حسابات جديدة بين السعودية وإيران

((لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن تكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار)).. هذا الكلام ليس كلاما قاله ناشط سعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي عبارات صدرت مؤخرا على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تابعه المتتبعون باندهاش وهو يقول، أن إيران دولة جارة لبلاده، وأن ما تسعى له السعودية هو علاقة طيبة ومميزة معها بما يخدم مصالح البلدين، مشيرا إلى أن بلاده تسعى مع شركائها إلى حل ما وصفها بالإشكاليات القائمة مع طهران حول بعض المواضيع.

إعداد : سعيد الريحاني

    من كان يتصور هذا التصريح اللطيف من الناحية الدبلوماسية، بين أشد الخصوم عداوة في الشرق الأوسط، بل إن الأمر وصل إلى حد رد التحية بمثلها، من طرف إيران، حيث قال محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، في تصريح أدلى به مؤخرا: ((لقد أعلنا دوما خلال الأعوام الماضية، أننا مستعدون للتعاطي مع الدولة الجارة السعودية، وما زلنا ثابتين على هذا الموقف في سياق الابتعاد عن التوتر وتقوية التعاون وتوسيع أجواء الحوار))، وأضاف واعظي: ((تطوير العلاقات بين إيران والسعودية يخدم مصالح المنطقة، وبإمكانه أن يسهم في التغلب على الكثير من التوترات والتحديات غير الضرورية)) (المصدر: عدة وكالات).

من يسمع هذه التصريحات، الشكلية، حتى الآن، لا بد وأن يندهش، لأن البلدين هما قطبا الرحى في حرب كبيرة، هي حرب السنة والشيعة، اللذان يوجدان دائما على طرفي نقيض، وبغض النظر عن الاصطدام المباشر في ثمانينات القرن الماضي، فإن إيران والسعودية اصطدمتا بشكل مباشر في حرب اليمن، بل إن عملية “عاصفة الحزم” التي أطلقها محمد بن سلمان، كانت عنوانا لاصطدام غير مباشر بين إيران والسعودية، والسنة والشيعة.

وتعرف “عاصفة الحزم”، وهي حرب السعودية في اليمن، كما يلي: ((“عاصفة الحزم” هو الاسم الذي استخدمته المملكة السعودية في الفترة الأولى (بين 25 مارس و21 أبريل عام 2015) من التدخل العسكري الذي قادته لدعم شرعية نظام منصور هادي في اليمن، وللإشارة، فإن النشاط العسكري المتمثل أساسا في غارات جوية ضد جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) الموالية لإيران، وعلي عبد الله صالح المتحالف معهم والقوات الموالية له، والتي شنها تحالف عربي يتكون رسميا من عشرة دول وبقيادة القوات المسلحة السعودية، ضم التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية رسميا إلى جانب السعودية، مشاركات رئيسية من كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين والسودان، ومشاركات رمزية محدودة من طرف كل من الأردن والمغرب ومصر.. فيما أطلقت السعودية على العمليات اللاحقة لـ 21 أبريل 2015، اسم عملية “إعادة الأمل”. بدأت العمليات في الساعة الثانية صباحا بتوقيت السعودية من يوم الخميس 5 جمادى الثانية 1436هـ / 26 مارس 2015، وذلك عندما قامت القوات الجوية الملكية السعودية بقصف جوي كثيف على المواقع التابعة لمسلحي جماعة “أنصار الله” الموالية لإيران، والقوات التابعة لعبد الله صالح في اليمن.. وجاءت عملية “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” بعد طلب تقدم به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، من أجل إيقاف النفوذ الإيراني المتزايد في اليمن والمتمثل في جماعة الحوثيين الذين بدأوا هجوما واسعا على المحافظات الجنوبية للبلاد، وأصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن)) (المصدر: وكالات).

كل من السعودية وإيران طرفان في حرب كبيرة، لكن التصريحات الأخيرة لقادة البلدين، جعلت المتتبعين يخمنون بشأن دوافع هذا التقارب الحاصل مؤخرا، ورغم الإجماع على أن الصلح بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية سيشكل ضربة قاصمة للنزاعات المشتعلة في أكثر من دولة بالشرق الأوسط، وسيخفف كثيرا من حدة التقاطب الشيعي-السني، (رغم ذلك) يبقى السؤال مطروحا: هل سيتحقق التصالح فعلا؟ وهل الجلوس على طاولة التفاوض سيكون الحل الوحيد لمصالحة من خاضا حروبا بالوكالة؟

مشهد من مشاهد القصف الإسرائيلي العنيف لعزة.. هل تتوحد السعودية وإيران في رد الفعل ؟

يقول الإعلام الدولي عن تصالح إيران والسعودية، وهو تصالح جديد بعد التصالح مع قطر، أنه انفراج في العلاقات الخليجية، حيث بات الإعلام الدولي يقول: ((إن محمد بن سلمان تصالح مع قطر، وتبادل رسائل ودية مع تركيا، والآن هناك غزل متبادل مع إيران، ويظهر ولي العهد السعودي، في مرحلة جديدة من العلاقة مع جيرانه والقوى الإقليمية، عنوانها تقليل التوتر والبحث عن المصالح المشتركة، فالأمر هذه المرة يتعلق بقوتين إسلاميتين وقفتا على طرفي نقيض وتبادلا عبارات العداء، ودارت بينهما حروب بالوكالة في أكثر من بلد، ما يجعل إمكانية الصلح بينهما حدثا لا يمر مرور الكرام، إذ يعود الخلاف الكبير إلى التوجه الديني بين مملكة سعودية تتزعم الإسلام السني وجمهورية إيرانية تتزعم الإسلام الشيعي، خصوصا منذ اتباعهما لاستراتيجية نشر نمط التدين السائد في كل منهما، كما احتك الطرفان أكثر من مرة مؤخرا، منذ أحداث الربيع العربي، إلى الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين، وما تعتبره السعودية تشجيعا إيرانيا للحركات الشيعية في الخليج، ووصل التوتر حد اتهام طهران للرياض بمنع الإيرانيين من أداء فريضة الحج، لذلك هناك من يرى أن الصلح بين الدولتين صعب، بسبب هذه الخلافات العميقة)) (المصدر: موقع “دويتشه فيله” الألماني).

على الميدان، هناك حرب في اليمن، لكن التصريحات تؤكد وجود توجه جديد، ولكن في العمق، لا يمكن إبعاد البلدين عن التوجهات الدينية، من خلال تخليصهما من التصنيف الديني السائد، حيث بات بعض المتتبعين يعتبرون أن “إيران لا تمثل الشيعة والسعودية لا تمثل السنة”، فـ((إيران توجهاتها فارسية إيرانية شيعية تستخدم المذهب الشيعي ذريعة لتأييد الأقليات الشيعية المضطهدة في الدول العربية المنضوية تحت لواء حكومات دكتاتورية سنية، بسبب الإيديولوجية الشيعية وتوجهاتها ظنا منهم أن إيران هي المنقذ لشيعة العالم والمنقذ للمسلمين كافة، بينما إيران توجهاتها فارسية بحتة مرتدية عباءة الدين الشيعي وتدعي أن المذهب الشيعي لا يفرق بين الأعجمي والعربي، ولكن نطرح سؤال: لماذا لازال عرب الأحواز الشيعة في إيران يطالبون بالانفصال عن إيران؟ ولماذا الحكومة الإيرانية تلاحقهم وتعتقلهم وتضطهدهم؟ وما داموا هم شيعة عرب من أصول غير فارسية، فهذا دليل أنه لا مكان للشيعة الغير إيرانيين في إيران، وهذه الدولة خاضت حربا دموية مع نظام صدام حسين لثمان سنوات لم تتوقف خلالها عن قصف المحافظات الشيعية في الجنوب ولم ترحم الشيعة في الجنوب، وفي عام 1991، عندما قامت الانتفاضة الشيعية في جنوب العراق ضد نظام صدام حسين، لم تتلق الشيعة المنتفضة أي مساعدات أو دعم من إيران، رغم أن الميليشيات الشيعية الإيرانية والمخابرات الإيرانية موجودة في محافظتي البصرة والعمارة، ولكن إيران اتفقت مع صدام وأمريكا على عدم إسقاطه آنذاك والإبقاء على نظامه لمصالح إقليمية وسياسية لا غير.. والشيعة يتخذون من الخليفة علي والحسن والحسين وفاطمة آل البيت وذريتهم كأئمة معصومين يجب طاعتهم إلى آخر يوم الدين، وتبنوا الإمام المهدي المنتظر المنقذ حتى قيام الساعة، بينما ظل السعوديون والفكر الوهابي ضد هذا التوجه، باتباع ذرية الخليفة علي وفاطمة، مع العلم أن أصول محمد بن عبد الله وعلي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وعمر وعثمان ومعاوية ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص من مكة والمدينة آنذاك، أرض الحجاز آنذاك والسعودية اليوم. الخليفة علي أو فاطمة أو الحسين أو الحسن أو العباس أو أو.. ليس من أصول عراقية أو من أصول بلاد ما بين النهرين، وليس من أصول سومرية إطلاقا، فالمفروض أن السعوديين هم أولى بطاعتهم وولاياتهم من العراقيين مثلا..)) (وجهة نظر: بكر بكري/ الحوار المتمدن).

وبعيدا عن الإيديولوجيا، يطرح السؤال: هل يساهم التقارب السعودي الإيراني في حل مشكل القضية الفلسطينية، فقد نشرت مجلة “ذي أتلانتك” مقالا للصحفية والباحثة في معهد “كارنيغي للسلام”، كيم غطاس، قالت فيه: ((إن الحشود في طهران هتفت في فبراير 1979، اليوم إيران، وغدا فلسطين، وكان ذلك خلال زيارة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لآية الله الخميني، بعد أيام فقط من نجاح الثورة الإيرانية، وكان عرفات أول شخصية أجنبية تزور إيران بعد سقوط نظام الشاه.

اليمن بمنظور كاريكاتوري بين إيران والسعودية

بالنسبة له، كان نجاح الخميني انتصارا للقضية الفلسطينية، فقد ساعد مقاتلوه في تدريب الثوار الإيرانيين في لبنان، وكان يأمل أنه، بمساعدة الخميني، سيكون قريبا في طريقه لإقامة دولة فلسطينية.. وبعد أربعين عاما، تواصل إيران التلويح بالقضية الفلسطينية لتدعيم مؤهلاتها المناهضة للإمبريالية واستعراض قوتها في المنطقة، متظاهرة بأنها المدافع الحقيقي الوحيد عن الفلسطينيين، ومن وجهة نظر طهران، فإن ذلك يظهرها كنقيض للدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، مثل مصر والإمارات، أو التقرب منها، مثل السعودية، لهذا السبب، فإنه يجب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن تنظر إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أنه جزء من اللغز الأوسع بينما تسعى إلى إحياء الصفقة النووية مع إيران، لأن هذه هي الطريقة التي تراها طهران)) (المصدر: موقع “عربي 21” / الثلاثاء 18 ماي 2021).

يمكن أن يلخص هذا التصور جزء من انعكاسات العلاقات السعودية الإيرانية على القضية الفلسطينية، لكن هل يمكن أن يمتد الأثر إلى المغرب، فالسعودية، شأنها شأن دول الخليج، معروفة بدعمها للوحدة الترابية المغربية، وكذلك الشأن بالنسبة للمغرب، المشارك في عملية “عاصفة الحزم”، بخلاف محور إيران، الذي تأكد تورطه في تقديم الدعم للبوليساريو، بل إن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قال في وقت سابق: ((إيران هددت المغرب وأمنه عبر دعمها لجبهة البوليساريو، ومدها بالسلاح وتدريب مقاتليها لشن هجمات على الأراضي المغربية))..

يمكن القول أن تصالح إيران والسعودية يمكن أن يحل عدة مشاكل على أرض الواقع، بما فيها أكبر القضايا العربية، لكننا الآن لا زلنا في مستوى الكلام ولا مجال للأفعال، حيث تواصل إسرائيل دهس الفلسطينيين في غزة، وتواصل جبهة البوليساريو الدفاع عن جمهوريتها الوهمية، مستفيدة من دعم المحور المعادي للمغرب.

إن الحديث عن مصالحة إيران والسعودية لا يمكن فصلها عن السياق الذي بدأ بمصالحة أخرى مع قطر، لكن “قمة العلا” سبق أن حددت العدو المشترك، وهو إيران، لذلك سبق لجريدة “الأسبوع” أن أكدت على أن المصالحة الخليجية فيما يتعلق بأزمة اليمن، وتحديد العدو المشترك (إيران)، لا يمكن النظر إليها بمعزل عما يحدث في القضية الوطنية، فقد سبق للمغرب أن وجه اتهامات لإيران بتورطها في دعم البوليساريو من أجل توسيع هيمنتها في منطقة شمال وغرب إفريقيا، لاسيما البلدان الواقعة على الواجهة الأطلسية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق هنا بواجهة لـ”الهجوم الذي تشنه طهران في إفريقيا”، وقال وزير الخارجية ناصر بوريطة في تصريحاته لوكالات دولية، أن ((إيران ترغب في استخدام دعمها للبوليساريو لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب إفريقيا، وخاصة الدول الواقعة بالساحل الأطلسي))، واعتبر الوزير أن ((البوليساريو ليست سوى جزء من نهج عدواني لإيران تجاه شمال وغرب إفريقيا))، وسواء تعلق الأمر بقطر أو السعودية، فإن الموقف الخليجي محسوب لصالح القضية الوطنية، لذلك لا غرابة أن يحضر تأييد المغرب في بيانات مجلس التعاون الخليجي، آخرها ما صدر عن “قمة العلا”، حيث ((أكدت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، خلال اختتام أعمال الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون (قمة السلطان قابوس والشيخ الصباح) في مدينة العلا السعودية، على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية، ووجه البيان الختامي للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، توجيهاته بضرورة تكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية، وجدد المجلس الأعلى، في بيانه، تأكيده على مواقفه وقراراته الثابتة في دعم سيادة المغرب ووحدة أراضيه، معربا عن تأييده للإجراءات التي اتخذتها المملكة لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية)) (المصدر: هسبريس/ 5 يناير2021).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى