تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | الأدوار الاستخباراتية التي ساهمت في صعود نجم الحموشي وياسين المنصوري

بين الإرهاب والتطرف والصحراء

((من يمول الإرهاب؟))، الإرهابيون أنفسهم، من خلال ارتكاب الجرائم الكلاسيكية مثل الاتجار بالمخدرات، وفي هذا الصدد، يؤكد أنطونيو ماريا كوست، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، الذي يتخذ من فيينا مقرا له، في حوار مع “الإكسبريس”: ((لقد حصلنا على أدلة بأن هناك رافدين لتدفق المخدرات غير المشروعة، الهيروين في شرق إفريقيا والكوكايين في الغرب، يلتقيان الآن في الصحراء، عبر خلق مسارات جديدة، لعبور المخدرات الصلبة، عبر تشاد ومالي والنيجر.. هذه الحركة لا تغذي الجريمة المنظمة فحسب، ففي منطقة الساحل، يعتمد الإرهابيون والقوات المناهضة للحكومات القائمة، على موارد تجارة المخدرات لتمويل عملياتهم.. شراء المعدات، ودفع رواتب عناصر قواتهم، وعلاوة على ذلك، تتخذ حركة العبور بعدا جديدا، فنحن اليوم، لا نضبط مجرد كيلوغرامات، ولكن طنا من الكوكايين، وبدلا من أن يتم عبر قوافل الجمال، فقد أصبح نقل المخدرات أسرع وأكثر تطورا كما يتضح من حطام طائرة بوينغ 727، التي وجدت في شهر نونبر في غاو بمالي، وهي منطقة متأثرة بالتمرد والإرهاب، من المحتمل أنه كان على متن هذه الطائرة، التي أحرقت بعد تفريغها، عشرة أطنان من الكوكايين..)).

إعداد : سعيد الريحاني

    هذا التساؤل وهذه القصة التي تؤكد تشابك خيوط العمليات الإرهابية عبر العالم، ليست سوى مقتطفا من بين فقرات كتاب لازال يخلق الحدث في الأكشاك، من خلال نسخته المترجمة، والذي صدرت الطبعة الثانية منه تحت عنوان: “المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب، الإرهاب، التطرف، الصحراء” لصحفي التحقيقات، آلان جوردان، ترجمة الكاتب الصحفي المغربي عبد العزيز كوكاس.. وهو الكتاب الذي جاء ليسلط بعض الضوء على عمل أجهزة المخابرات فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب.

الكاتب يعتبر أن “الإرهاب” يمكن أن يكون شكلا لممارسة السلطة، أو وسيلة لمقاومتها.. وقصة توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب تبدأ عنده من عام 2004، عندما حث الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء، على اتخاذ كافة الإجراءات لمكافحة الإرهاب من خلال التشديد على طريقة تمويله، وقد انبثق هذا الأمر من خلال نفس المصدر، من رسالة اللجنة الأوروبية إلى المجلس والبرلمان الأوروبي، المؤرخة في 20 أكتوبر 2004 (منع ومكافحة تمويل الإرهاب من خلال تدابير تستهدف تطوير تبادل المعلومات، الشفافية وإمكانية تتبع المعاملات المالية)، هذه الرسالة أوصت (حسب نفس المصدر دائما)، باتباع ثلاث زوايا لمقاربة الظاهرة، أولها تحسين سبل تبادل المعلومات، شفافية أقوى للكيانات القانونية، وإمكانية رصد وتتبع المعاملات المالية، لكن للأسف، لم يكن لهذه التوصية الأوروبية تأثير يذكر، ومع ذلك، فمن الواضح أنه إذا كانت الطرق التقليدية لتحريات الشرطة تسعى إلى التعرف على أعضاء الخلايا المسلحة (عبر التنصت، الإغراق، والاختراق..)، فإن البحث عن منافذ تمويل الإرهاب، سيشل الحركات المتطرفة، ويحد من انتشارها، ويؤدي إلى ضبط الجهات الراعية لها (المصدر: مقتطف من الكتاب السالف الذكر).

أما فيما يتعلق بالمغرب، فإن آلان جوردان يقول: ((لقد ساعدت الاستراتيجية الوقائية والأمنية للأجهزة المغربية على تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية بين عامي 2015 و2017، وتجنيب البلد العديد من الهجمات على أراضيه وفي أوروبا، واليوم تعتبر المملكة استثناء في مجال مكافحة الإرهاب.. خبرتها ومعرفتها بالشبكات الإسلامية، “داعش” أو تنظيم “القاعدة”، تجعلها حليفا ثمينا لقوات الأمن الأوروبية والأمريكية والروسية، التي أثنت على فعالية أجهزة المخابرات المغربية)).

يقول آلان جوردان، والترجمة للكاتب الصحفي والأديب عزيز كوكاس، صاحب كتاب: “اللعب في مملكة السلطان”: ((لم تقتصر الرباط على مطاردة الإرهابيين، بل أطلقت برامج طموحة لمنع التطرف، وتعزيز التعليم الديني، مع الشرعية التي يقدمها المركز الفريد للملك كأمير للمؤمنين، اتخذ الملك محمد السادس سياسة مناهضة للإيديولوجية الجهادية.. إنه بحكم تكوينه، يعرف كيف يجد في القرآن النصوص التي تقصي أولئك الذين يقتلون باسم هذا الدين، من دائرة الإسلام الحنيف.. وقد استفاد المغرب من تاريخه وتقاليده، ليذكر بالقيم التأسيسية للإسلام، التي تتمثل في الوسطية والاعتدال، إسلام السلام والحب والمصالحة والعلم. مشبعين بهذا اللاهوت المستنير، دخل الأئمة المعينون من طرف الملك في مهمة استباقية داخل المغرب وفي الخارج، للتوعية وتطويق التطرف..)).

ياسين المنصوري المدير العام لمديرية الدراسات والمستندات (لادجيد)

ويؤكد الكاتب المشار إليه من خلال نفس المصدر، أن الاستراتيجية المغربية لمحاربة الإرهاب وضعت المغرب في مواجهة الجبهة غير المرئية للحرب الداهمة، حيث يصطف أصحاب العلم والحكمة وجها لوجه أمام دعاة الحقد والكراهية.. إنها إجابة هائلة على أولئك الذين يتوقعون صراعا حتميا للحضارات بين الغرب والعالم الإسلامي.. يبرز لنا النموذج المغربي أن الإسلام ليس دين تفرقة وفصل، ولكن على العكس من ذلك، هو دين توحيد وخط وصل..

وفي معرض حديثه عن قوة الاستخبارات المغربية، يربط آلان جوردان بين قوة المملكة في محاربة الإرهاب وبين شخصيتين أساسيتين، ويقول: يتم جمع وتنظيم المعلومات الاستخباراتية من خلال جهازين رئيسيين، هما المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بقيادة عبد اللطيف الحموشي، والمديرية العامة للدراسات والمستندات، المسماة اختصارا “لادجيد”، وهي جهاز لمكافحة التجسس في المغرب، يديره ياسين المنصوري..

في التفاصيل، يقول الكاتب، والترجمة دائما للكاتب المغربي عزيز كوكاس، صاحب مؤلف “سطوة العتمة، وذاكرة الغياب”: ((عين الرجلان (المنصوري والحموشي، في منصبيهما في نفس الفترة، فالملك محمد السادس يريد وضع حد للتنافس بين الجهازين، لذلك دفع بهذين الرجلين من جيله إلى رئاسة المخابرات في البلاد، بغية تعزيز فعالية مكافحة الإرهاب، واختار الملك لهذين المنصبين الحساسين، شخصيات مدنية وأبعد العسكريين)).

نفس المصدر يؤكد قوة الاستخبارات المغربية من خلال ضرباتها الاستباقية، وهذا ما يشفع لكل من ياسين المنصوري وعبد اللطيف الحموشي، في البقاء في منصبيهما، ولم لا ترقيتهما نحو مناصب أكبر في إطار تدبير الأمن القومي(..)، ((فقد جنبت المعلومات الاستخباراتية التي وفرها المغرب، العديد من الهجمات الإرهابية، والمزيد من الضحايا خارج المملكة، حيث يصعب إعطاء رقم محدد لعدد الهجمات التي أحبطها المغرب، لكن اثنتين منها كان بالإمكان تجنبهما لو استغلت المعطيات التي وصل إليها المغرب آنذاك)) (نفس المصدر).

الكاتب “آلان جوردان” والكاتب المغربي عبد العزيز كوكاس

واحد من الأمثلة التي يقدمها الكتاب، سردها الكاتب كما يلي: ((صبيحة يوم 26 يوليوز 2016، اقتحم عبد المالك بوتيجان وعادل كرميش، وكلاهما لا يتجاوزان 19 سنة، كنيسة ببلدة سانت إيتيان دو روفاري بالقرب من روان، إقليم النورماندي بفرنسا، انتهى بهما تطرفهما إلى تقديم الولاء لداعش، احتجزا المصلين كرهائن، وهما يكبران، ذبحا كاهن الكنيسة الأب جاك هامل (86 سنة)، وقعت فرنسا تحت هول الصدمة.. قتلت الشرطة الفرنسية الإرهابيين في ساحة الكنيسة، لقد تمكنا من تنفيذ مشروع أعداه منذ أسابيع.. فقبل أيام من وقوع الحادث الدامي في 22 يوليوز، حذرت أجهزة المخابرات المغربية السلطات الفرنسية من عملية دموية يخطط لها عبد المالك بوتيجان، الذي ينحدر من إيكس ليبان بالسافوا، وقد حثت المخابرات المغربية، في المذكرة التي بعثت بها إلى نظيرتها الفرنسية، على التحرك بسرعة، للبحث عن عبد المالك بوتيجان وتوقيفه..)) (المصدر: مقتطف من كتاب “المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب”/ آلان جوردان، ترجمة عبد العزيز كوكاس).

يكتسب الكتاب الذي صدرت طبعته الثانية، قيمته حسب الصحافة، من حجم المعلومات والأبحاث والأرقام الإحصائية التي لا تتوفر حتى لدى الصحافيين المغاربة، وهي معلومات قام المؤلف آلان جوردان بتجميعها، ليس فقط من لدن الأجهزة الأمنية والباحثين في المجال، بل من جميع الأجهزة الأمنية والمراكز الاستراتيجية في أوروبا والعالم، حيث حل جوردان بالمغرب، واتصل بمسؤولين كبار، وأجرى مقابلات مع محللين ومفكرين، وأجرى مقابلات مع باحثين أجانب مهتمين بالمغرب.. وتمكن من الحصول على وثائق أجهزة استخباراتية وطنية وأمريكية، واطلع على تقارير عديدة في موضوع الكتاب، ليقول المؤلف: ((إن المغرب ليس بلدا لتصدير الإرهاب، بل هو مكتو بناره أيضا، منذ أول عملية إرهابية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي إلى عملية شمهاروش في نهاية 2018.. وإذا كانت أجهزته قد نجحت في أن تنال حظوة عالمية بسبب فعاليتها واستراتيجيتها الاستباقية، فإن نجاح المغرب، يعود إلى الموقع الجغرافي والتاريخي للمملكة، وموقع الملكية في نظامه السياسي ويقظة المجتمع أيضا)).

الخلاصة في الكتاب، هي أن المغرب في الخط الأمامي لجبهة الحرب على الإرهاب، لكن ذلك لا يمنع من القول أن كلا من ياسين المنصوري وعبد اللطيف الحموشي قد شكلا جزء من مادة الكتاب، لا سيما فيما يتعلق بالبروفايلات التي رسمها الكاتب للرجلين..

يرفض الحموشي، حسب الكاتب، المقابلات الصحفية، ونادرا ما يظهر علنا، هو جزء من كوكبة المسؤولين المجايلين للملك محمد السادس، شغل منذ 15 ماي 2015، منصب مدير المديرية العامة للأمن الوطني، إنه رجل المهمات الصعبة، الذي ينسق ويقود مكافحة الإرهاب في المملكة، يقول عنه أولئك الذين يعرفونه، أنه يلتهم الملفات، وله مؤهلات عالية، وتقي ورصين.. لا تشكل لديه الشبكات الإرهابية، حتى ذات المعمار التنظيمي المعقد، سرا أو لغزا، لديه كل الأسئلة المرتبطة بنشأة وتفرعات إخوة الشيخ ياسين، إنه يحتفظ في ذاكرته باسم كل إرهابي ألقي عليه القبض، حتى لو أنه بدأ حياته المهنية في عهد إدريس البصري، المثير للجدل، فإن عبد اللطيف الحموشي لا يتبع نفس أساليبه..

بالنسبة لياسين المنصوري، يدرج الكاتب بعض المعطيات التي يمكنها أن تساعد على فهم هذه الشخصية، فالمدير العام لمديرية الدراسات والمستندات، من مواليد مدينة أبي الجعد.. اشتغل بين عامي 1987 و1999 في وزارة الإعلام، وفي وزارة الداخلية، وفي نونبر 1999، عين مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها حتى تعيينه عام 2003 مديرا عاما للشؤون الداخلية بوزارة الداخلية، ويتميز المنصوري بكونه رجلا كاتما للأسرار، حصيفا طيب العشرة، ومفاوضا ماهرا، كان مهندسا لعودة الدفء إلى العلاقات الإسبانية المغربية، وهو ما سمح بتعزيز وتنفيذ التدابير المشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر والمخدرات (المصدر: مقتطفات من كتاب “المغرب على الخط الأمامي لجبهة الحرب”/ آلان جوردان. ترجمة عبد العزيز كوكاس).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى