تحليلات أسبوعية

ملف الأسبوع | تفاصيل صناعة ملك المستقبل

عيد الميلاد 18 لولي العهد الأمير مولاي الحسن

كان المغاربة يوم 8 ماي 2003، على موعد مع حدث بارز، وعلى قدر كبير من الأهمية، وهو ولادة ولي العهد الأمير مولاي الحسن، ومنذ تلك السنة، أصبح هذا اليوم ذكرى مميزة عند المغاربة.. فقد سار مناسبة يلتفت خلالها المغاربة إلى ملك الغد بكثير من الاهتمام، ويعود ذلك إلى كونهم يصطفون خلف ملكية ضاربة في أعماق التاريخ.

بحلول 8 ماي من هذه السنة، يكون ولي العهد قد أكمل ثمانية عشر ربيعا من عمره، وقد أصبح المغاربة يجدون أنفسهم يتابعون تحركات مولاي الحسن بمواصفات رجل دولة، وأمير راشد يتدرب في الميدان على “مهنة ملك”، ولعل ذلك هو ما جعل الأمير منذ ظهوره الأول أمام الرأي العام المغربي والدولي، لافتا للانتباه في أدنى تحركاته، ومستقطبا لاهتمام كبريات الصحف الوطنية والدولية، لأنه يبدو أكبر من سنه، ويتعامل بكثير من النضج الذي قد يغيب عمن هم في مثل عمره.

منذ بداية ظهوره في المناسبات الرسمية، سواء رفقة والده الملك محمد السادس أو بمفرده، استطاع مولاي الحسن أن يرسخ لنفسه صورة أثيرية في أذهان المغاربة، وهي في عمومها تبرزه كأمير هادئ جذاب، متمرس على البروتوكول، شديد التركيز على ممارسة مهام ولي العهد بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهي في عمومها صفات تبرز إلى أي حد أفلح والده الملك محمد السادس في تكوين نجله ليكون خليفته في مغرب الغد.

ملف هذا العدد يستعرض تفاصيل مثيرة حول قواعد إعداد ملوك الدولة العلوية الشريفة منذ عهد محمد الخامس.

أعد الملف: سعد الحمري

محمد الخامس هو مؤسس مدرسة صناعة “ملك المستقبل” وأول ملك من الملوك العلويين عين “ولي العهد” في حياته

    على مدى حكم السلالة العلوية الطويل للمغرب، كانت قضية ولاية العهد بمثابة المشكل الحقيقي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فبعد وفاة السلطان، كانت البلاد في كثير من الأحيان تدخل مرحلة فراغ سياسي، ولعل أبرزها أزمة الحكم التي ظهرت بعد وفاة السلطان المولى إسماعيل، وهي أزمة سياسية استمرت مدة ثلاثين سنة.

وظلت مشكلة ولاية العهد قائمة حتى قبل فرض الحماية على المغرب، عندما شهدت البلاد صراعا على السلطة بين الأخوين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، ولم يحدث انتقال سلس للسلطة إلا خلال مرحلة الحماية، عندما بويع السلطان مولاي يوسف سلطانا على المغرب خلفا للسلطان المولى عبد الحفيظ.

بعد وفاة السلطان مولاي يوسف، فكرت سلطات الحماية الفرنسية في تعيين سلطان يكون منفذا لأوامرها، على اعتبار أن السلطان هو السلطة التنفيذية في نص معاهدة الحماية، وهو الوحيد المخول له توقيع الظهائر، وعلى هذا الأساس اختارت السلطة الاستعمارية طفلا صغيرا ليكون لعبة في يدها وينفذ ما تمليه عليه، وهو محمد الخامس رحمه الله.

كان الطفل بمثابة السحر الذي انقلب على الساحر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فلم تكد تمضي على مدة تعيينه إلا أربع سنوات، حتى ربط علاقات متينة مع الحركة الوطنية، وأصبح ينادي بما تنادي به، وهو استقلال المغرب ورحيل فرنسا، ومن طبيعة الحال نعرف ما آلت إليه الأمور فيما بعد، فقد تحول الرجل إلى بطل قومي جراء ما تعرض له من محن، انتهت بأن عاد من المنفى معلنا استقلال البلاد.

لكن الذي يهمنا من مسار هذا الرجل، هو كيف فكر في تربية ولي العهد وتدريبه على مهنة الملك، فالمغفور له محمد الخامس يعتبر بحق مؤسس المدرسة المغربية الخاصة والخالصة في هذا المضمار، فمن أجل تحضير ولي العهد لمهمة “ملك الغد”، إلى جانب تعليم الأمراء والأميرات، أنشأ المدرسة المولوية سنة 1942 بالقصر الملكي بالرباط، عندما كانت الحرب العالمية في أوجها.

حرص الملك محمد الخامس على اختيار المدير والطاقم التدريسي والتربوي بعناية فائقة، كما عمل على اختيار عشرة أطفال ليرافقوا ولي العهد في مساره الدراسي، الذي تلقوا خلاله القرآن الكريم والفقه واللغة العربية واللغة الفرنسية والمواد العلمية.

وإلى جانب ذلك، أضاف الملك محمد الخامس لمسة خاصة على تنشئة الأمير مولاي الحسن ليكون ملك المستقبل، فقد حرص على أن يكون رفيقه في كل المناسبات الرسمية، وذلك بهدف تعلم البروتوكول الملكي الذي يعتبر أساسيا بالنسبة لملك المستقبل، ولعل البداية كانت في مؤتمر أنفا سنة 1942، الذي جالس فيه الأمير الصغير مولاي الحسن إلى جانب والده محمد الخامس زعماء العالم الكبار من طينة وينستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمى، وروزفلت رئيس الولايات المتحدة الأميركية، وهي اللحظة التي ظل يتذكرها الحسن الثاني وهو ملك للمغرب.

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الأمير مولاي الحسن رفيق والده في درب الكفاح، وشاركه في كل المحن من أجل استقلال المغرب، وبعد الاستقلال، كلفه والده للقيام بعدة مهام رسمية، لعل أهمها إشرافه المباشر على دمج جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية، وهي المهمة التي كانت معقدة للغاية.

كان الحدث المميز هو تسمية الأمير مولاي الحسن بصفة رسمية وليا للعهد في يوليوز 1957، وهو أمر حدث لأول مرة في تاريخ المغرب، والذي ضمن للبلاد انتقالا سلسا للسلطة بعد وفاة الملك محمد الخامس رحمه الله.

تركيز الحسن الثاني خلال تنشئة محمد السادس على مهنة الملك أن تكون ((له شخصيته ولي شخصيتي والأسلوب هو الرجل))

    على غرار الطريق الذي رسمه محمد الخامس لابنه الحسن الثاني، ما إن بلغ الملك الحالي للمغرب محمد السادس سن التمدرس، حتى فتح الحسن الثاني بالمدرسة المولوية فصلا من أجل تنشئة ولي العهد على مهنة المستقبل وهي “ملك المغرب”، إذ اتبع نفس الطريق التي اختارها له والده، وهي اختيار زملاء دراسة ولي العهد من أبناء الشعب وكان عددهم عشرة تلاميذ، غير أن الحسن الثاني الذي تمرن على مهنة الملك بين المنفى وفي المغرب، أضاف لمسة خاصة على مسار ولي عهده، فإضافة إلى حرص الملك على أن يرافقه ولي العهد في كل المناسبات الرسمية بهدف تعلم البروتوكول الملكي، كلفه أيضا في سن مبكرة بعدة مسؤوليات مدنية، وعندما بلغ 22 ربيعا من عمره، عينه الملك الحسن الثاني سنة 1985 في مسؤولية جديدة وجد حساسة، وهذه المرة في المؤسسة العسكرية، حيث كلفه بمنصب منسق مكاتب ومصالح الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، من أجل أن يكون له تكوين مدني وعسكري، وكذلك من أجل أن يطلع أكثر على ملفات المؤسسة العسكرية التي سيصبح قائدها الأعلى لحظة توليه عرش المملكة.

وعن الفائدة التي خرج منها ولي العهد بعد سنوات من تولي هذا المنصب، أكد ولي العهد الأمير سيدي محمد، يوم 11 ماي 1997، عندما سئل من طرف الصحافة الإسبانية عن المهام المناطة به داخل القوات المسلحة الملكية، أكد في البداية أنه منسق مكاتب ومصالح الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية، وأنه إلى حد ما ينتمي إلى القوات الثلاث في نفس الوقت، وصرح قائلا بأنه كان يمارس في نفس الوقت عمله في صفوف القوات الجوية الملكية، لكنه أصبح مكلفا بالقوات الثلاث وبمختلف الأمور المتعلقة بها والتي أنيطت به من طرف الحسن الثاني، وهي استقبال الأميرالات وإجراء المباحثات مع الوفود، والقيام بزيارات للمنشآت العسكرية وغيرها، وختم جوابه بالتأكيد على أنه عمل شاسع ومتعدد الاختصاصات، الأمر الذي يجعله أكثر من الاقتصار على وظيفة واحدة.

وحول الفرق بينه وبين ولي العهد الإسباني الذي بدوره تلقى تكوينا عسكريا ميز شخصيته، أوضح ولي عهد المغرب، أن ((هناك فرق، فأنا توليت مسؤوليات في سن مبكرة، وكنت أمثل صاحب الجلالة في التظاهرات العسكرية والمدنية بالمغرب والخارج، لذلك لا يمكنني القول أنني تلقيت تكوينا عسكريا محضا، بل تعلمت ذلك مع الزمن، إن أمير إستوريال تلقى تكوينا في الجيوش الثلاثة، وهو ما لم يتم بالنسبة لي)).

وإضافة لذلك، فقد كان الملك الحسن الثاني يحرص على ألا يكون ولي العهد نسخة طبق الأصل له، حيث أكد لنجله غير ما مرة، وأمام رجال الصحافة، بأنه يفضل أن تكون لملك المستقبل شخصية مغايرة عن شخصيته، حيث كان دائما يصرح: ((له شخصيته ولي شخصيتي والأسلوب هو الرجل)).

ومع صعود الملك محمد السادس إلى سدة الحكم، بدأ في الحكم بأسلوبه الخاص وطريقته الفريدة المبتكرة، وهو ما جعل المتتبعين يقولون أن الملك الجديد غير من البروتوكول الملكي، غير أن الملك محمد السادس خرج بتصريح لمجلة “باري ماتش” الفرنسية قال فيه: ((إن البروتوكول الملكي هو هو، وسيظل بروتوكولا.. لقد أشيع كما لو أنني غيرت ما كان قائما بعض الشيء، وهذا خطأ، لأن الأسلوب مختلف، غير أن للبروتوكول المغربي خصوصيته، وأنا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده، إنه إرث ثمين من الماضي، غير أنه يجب على البروتوكول أن يتماشى مع أسلوبي.. لقد ولدت وترعرعت ضمن هذه التقاليد البروتوكولية، وهي تمثل جزء لا يتجزأ من كياني، وخصوصا من حياتي المهنية التي تظل هذه التقاليد مقترنة بها)).

الملك محمد السادس رفقة والده الراحل الحسن الثاني

حرص الملك محمد السادس على أن يتلقى ولي عهده نفس التربية التي تلقاها هو

    لم يخرج الملك محمد السادس عن الخط في تربية ولي العهد، وتنشئته على مهنة ملك المستقبل.. فقد عاد إلى المنهج الذي أسسه جده محمد الخامس، واتبعه والده الحسن الثاني، وكان صريحا في اتباع هذا المنهج بعد سنة واحدة على ولادة ولي العهد، حيث أعرب في حوار له في ماي 2004 مع مجلة “باري ماتش” الواسعة الانتشار، على أن يحصل ولي العهد على تربية مثل التي حصل عليها هو عندما كان وليا للعهد، وقال جلالته: ((لقد حصلت شقيقاتي وشقيقي وأنا على تربية تميل إلى الصرامة مع برنامج دراسي حافل، وتلقينا تربية دينية جيدة في الكتاب القرآني بالقصر، وأنا حريص على أن يتلقى ابني نفس القواعد التربوية))، كما لم يخف رغبته في أن تكون لولي عهده شخصية مغايرة عن شخصيته، عندما قال: ((إنني لا أرغب في أن تكون شخصيته مطابقة لشخصيتي، ولكن أن تكون له شخصيته الخاصة، وقد كان والدي يحب القول عند الحديث عني “له شخصيته ولي شخصيتي والأسلوب هو الرجل”)).

بدأ تكوين من سيصبح ملكا للمغرب باختيار مربيات من جنسيات فرنسية وإسبانية تساعدن أم “سميت سيدي” على تربية ولي العهد خلال السنوات الأربع الأولى، والتي على ضوئها يكون الأمير قد أخذ في إتقان اللغتين الفرنسية والإسبانية، من خلال وجوده شبه الدائم مع مربياته المختارات بعناية فائقة، بعدها ولج ولي العهد الكتاب القرآني، مدشنا بذلك مساره الدراسي الأولي، حيث جلب الملك محمد السادس الفقيه محمد الكنتاوي لتعليم نجله وشقيقته المبادئ الأساسية للقرآن الكريم بالمدرسة المولوية التي مر منها إلى جانب والده الحسن الثاني، حيث يشرع الفقيه الكنتاوي في تلقين سور القرآن الكريم لولي العهد رفقة زملائه في الفصل الدراسي مع الساعات الصباحية الأولى، بالطريقة نفسها التي كان يحفظ بها الملك محمد السادس سور القرآن الكريم، فضلا عن حصص استظهار السور التي قاموا بحفظها، ثم بدأت دراسته بالمدرسة المولوية يوم 9 أكتوبر 2008، رفقة أربعة زملاء من أبناء الشعب الذين سيكونون رفاقه في الدراسة، وهم أمين أيت أيدا، محمد بن منصور، سفيان شكراوي، ومحمد يشو، وقد تم تعيين الدكتور عزيز الحسين مديرا للمدرسة المولوية، السفير والوزير السابق للوظيفة العمومية والمدير السابق أيضا لثانوية دار السلام بالرباط، التي أجرى بها الملك محمد السادس سنة 1981 امتحانات الباكالوريا.

وحسب بعض الأخبار، فإن الملك محمد السادس يتابع بدقة المسار الدراسي لنجله مولاي الحسن، كما يهتم بقدر وافر بدراسة زملاء ابنه الذين تم اختيارهم بعناية فائقة من أبناء الشعب لمرافقة ولي العهد في حياته الدراسية، وإضافة لذلك، يراقب الملك بحرص شديد المدرسة المولوية، سيرا على خطى والده الراحل الحسن الثاني، الذي ظل يراقب كل التفاصيل بهذا المعهد الذي عهد إليه بتكوين ملك الغد.

نجاح ولي العهد في الانصهار داخل البروتوكول الملكي

    تستدعي صناعة ملك الغد برنامجا صارما ودقيقا، حيث تتطلب عملية إعداده وتأهيله من الطاقم الساهر على تكوينه، وضع برنامج خاص ومنضبط وفق التقاليد المرعية المستلهمة من أبجديات البروتوكول الملكي، وهو المنهج الذي يعتبره العارفون بتربية الملوك، لبنة أساسية في صناعة الملك المستقبلي للمغاربة، ويبدو من خلال الأنشطة الأولى للأمير مولاي الحسن، أنه تربى داخل هذه التقاليد البروتوكولية العريقة، وأن له أسلوبه الخاص في التعامل مع أبجدياتها، خاصة إذا علمنا أن الملك الراحل الحسن الثاني ونجله محمد السادس عاشا داخل تقاليد نفس البروتوكول، لكن كل واحد منهما تميز بأسلوبه الخاص دون أن يغيرا من جوهره.

ومن أجل الانصهار داخل البروتوكول الملكي، بدأ الأمير مولاي الحسن أولى المهام وأهمها، وهي مرافقة والده الملك محمد السادس في الأنشطة الرسمية، أو إشرافه بشكل مباشر على الكثير منها، فقد بدأ هذا العمل وهو في سن الثامنة من عمره، وخلال الفترة الممتدة من سنة 2010 إلى سنة 2015، شارك ولي العهد رغم حداثة سنه، في 33 نشاطا ثقافيا ودينيا ورياضيا واجتماعيا وتنمويا.

برز الأمير مولاي الحسن من خلال ظهوره الأول أمام الرأي العام الوطني والدولي بمواصفات خاصة به تختلف تماما عن تلك التي يتميز بها والده الملك، ما جعله يبرز بـشخصية خاصة وفريدة تمكنت في ظرف وجيز من أن تجلب لها الأضواء وتشد إليها الانتباه، بالقدر الذي جعلت صاحبها الأمير يمارس باحترافية بعض الأنشطة الرسمية بعيدا عن والده الملك.

يرى كثيرون أن بعض مظاهر الحضور القوي للأمير مولاي الحسن، تتجلى في انصهاره المبكر داخل بعض الأنشطة الرسمية التي تتطلب قدرا كبيرا من التركيز والانضباط للبروتوكول الملكي الصارم، فمنذ كان عمره ثمان سنوات فقط، أخذ ولي العهد في تمثيل والده في بعض الأنشطة الملكية، تجلى ذلك عشية احتفاله بالذكرى الثامنة لميلاده، حيث برز الأمير الصغير آنذاك بلباس أنيق، واثق من نفسه، يعي ما يجري من حوله وهو يعطي رسميا انطلاقة الدورة الثانية للدوري الدولي مولاي الحسن في سباق الدراجات، من أمام باب السفراء بالرباط، فكان ما أثار انتباه المغاربة الذين تابعوا باهتمام بالغ “ملك الغد”، كيفية مشيه بثبات فوق البساط الأحمر، وكيف ألقى التحية الرسمية دون أن تظهر على محياه علامات الاندهاش والارتباك التي يمكن أن تحصل لطفل في سنه، قبل أن يسلم على طابور طويل من المسؤولين، لكن اللافت أكثر للانتباه، هو أن ولي العهد ذي الثمان سنوات آنذاك، مباشرة بعد انتهائه من مراسيم الاستقبال، التفت تلقائيا نحو الجموع الغفيرة للمواطنين ولوح لهم بيده، تماما مثلما يفعل والده محمد السادس.

لقد ترسخت هذه الصورة أكثر، خلال افتتاحه يوم 9 يناير 2012، لحديقة الحيوانات بالعاصمة الرباط، ذلك أنه عن عمر 9 سنوات، أبان عن نضج كبير في تحمل المسؤولية، بعد أن ظهر أكثر حرصا على تطبيق التقاليد اللازمة في مثل هذه المناسبات، وفي صورة أثيرية تبرز مدى استيعابه لأبجديات البروتوكول الملكي، توجه الأمير ساعتها بخطوات متراصة نحو البساط الأحمر، قدم التحية للحرس الملكي، ثم استدار برشاقة متوجها إلى الأمام، أعد خمسة عشر خطوة، ثم استدار مرة أخرى نحو الحارس الخاص الذي يتقلد سيفه، وقف الأمير الصغير بتأهب، يداه إلى الأسفل ورأسه مرفوع إلى الأعلى، أعد بضع ثوان لإعطاء العملية رمزيتها التقليدية، ثم تسلم التحية من الحارس الذي قبل يده، وبعدها استمر في خطواته نحو صف المسؤولين.

لقد كان منضبطا جدا لأدق تفاصيل البروتوكول الملكي، حيث سلم على كل شخصية على حدة، منهم من سمح له بتحية عادية ومنهم من فسح له المجال لتقبيل يده كما هو الحال بالنسبة للعسكريين، أما البعض الآخر، فقد سمح لهم بالانحناء له ساحبا يده أثناء محاولة تقبيلها.

أما المناسبة الرسمية التي ظهر فيها للعالم أجمع وليس للمغرب فحسب، كيف تمكن الأمير الصغير من الانصهار بسرعة داخل البروتوكول الملكي، فهي حضوره الباهر في نهائي الموندياليتو الذي أقيم بالمغرب سنة 2014، عندما كان يبلغ من العمر 11 سنة، وهو حدث كبير مثل فيه ولي العهد والده الملك محمد السادس الذي كان آنذاك موجودا بتركيا، ولأنه كان حاضرا بثقله ورمزيته، فقد استطاع أن يلفت انتباه العديد من وسائل الإعلام الدولية التي ركزت عليه أكثر من تركيزها على نجوم الفريق الإسباني ريال مدريد.

ومن بين وسائل الإعلام التي سلطت عليه الضوء، صحيفة “الكونفيدنثيال” الإسبانية، وذلك مباشرة بعد المباراة النهائية التي جمعت بين الفريق الملكي وسان لورونزو الأرجنتيني.. فقد أثنت الصحيفة كثيرا على حضور الأمير الصغير لهذا النهائي، معتبرة أن ولي العهد الذي لم يبلغ آنذاك 11 سنة من عمره، كان نجما في تلك المباراة، وقالت: ((إن مولاي الحسن أظهر قوة شخصية لدى نزوله للملعب لمصافحة لاعبي الفريقين ولم تصدر منه أي حركة تفضح عفوية وبراءة طفل في عمره)).

وهناك محطة أخرى يمكن تسجيلها من خلال حضور ولي العهد في المناسبات الرسمية وتمثيل والده الملك فيها، وهي افتتاحه للدورة العاشرة للملتقى الدولي للفلاحة بمكناس سنة 2015، فقد ظهر الأمير بمواصفات النضج، خاصة وأنه أتم مهمته بنجاح في معرض كبير مليء بالأنشطة والأروقة ومفتوح على عدة فضاءات، غير أن الجديد في هذه المحطة، هو عندما أخذ ولي العهد كسرة خبز وغمسها في صحن صغير من الزيت وتذوقها بعفوية، ما جعل الحاضرين يصفقون له على هذا السلوك، وهو فعل سرعان ما أسقطه البعض على سلوك الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان في مثل هذه المناسبات لا يتردد في تذوق بعض الأطعمة، أو تناول الخبز من عند باعته، وهي من الأفعال التي كانت تذيب الحواجز بين الملك والشعب.

تمثيل الملك محمد السادس في المحافل الدولية

    عندما بلغ الأمير مولاي الحسن 12 سنة من عمره، دخل في مرحلة جديدة من التدريب على مهنته المستقبلية، وهي التعامل مع زعماء الدول، والاستئناس ببروتوكول العديد من الدول، فقد كانت البداية بمرافقة والده الملك محمد السادس في جولاته الخارجية، حيث كان إلى جانبه، في نهاية ماي 2015، في الزيارة الملكية إلى تونس، وهناك وشح الرئيس التونسي آنذاك المنصف المرزوقي، ولي العهد بالحمالة الكبرى الخاصة بالجمهورية، وهو أول وسام يحصل عليه الأمير الصغير.

يوم 11 نونبر 2018، وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المائوية لهدنة 11 نونبر 1918، التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس، كان يوما مميزا بالنسبة لولي العهد، الذي رافق والده الملك محمد السادس لحضور هذه الاحتفالية الكبرى التي يحضرها معظم قادة العالم، غير أن أكثر ما أثار الانتباه، هو عندما سلم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بحرارة على ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وخاطبه بكلمات قليلة، كما لفت ولي العهد الأنظار إلى جانب والده بعدما كانا رفقة قادة البلدان في اتجاه قوس النصر.

وابتداء من سنة 2019، بدأ ولي العهد الأمير مولاي الحسن، يقوم بتمثيل والده الملك محمد السادس على المستوى الخارجي، ففي 30 شتنبر 2019، مثل في باريس والده في المراسيم الرسمية لتشييع جثمان الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، التي أقيمت في كنيسة سان سولبيس، كما حضر صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن في قصر الإليزيه، خلال نفس اليوم، مأدبة غذاء أقامها رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، على شرف رؤساء الدول والحكومات، الذين حضروا المراسيم الرسمية لتشييع جثمان الرئيس الراحل جاك شيراك.

وخلال نفس السنة، بدأت تسند له مهام في المؤسسة العسكرية، فبأمر من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، في 26 يونيو 2019، بالكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا بالقنيطرة، حفل تخرج الفوج الـ 19 للسلك العالي للدفاع والفوج الـ 53 لسلك الأركان، وقبل ذلك، أي بتاريخ 14 ماي 2019، وبأمر من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، بنادي الضباط بالرباط، مأدبة فطور – عشاء أقامها جلالة الملك بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لتأسيس القوات المسلحة الملكية.

أما بشأن مساره الدراسي، فقد حصل ولي العهد السنة الماضية على شهادة الباكالوريا، والتحق بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بمدينة بنجرير، ومن المنتظر أن يبدأ ولي العهد فصلا جديدا من الاستعداد لمهنته المستقبلية.. فهل ستسند له مسؤوليات مدنية وعسكرية كما حصل مع والده بالموازاة مع دراسته الجامعية، أم أنه سيتفرغ لمساره الدراسي ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى