تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | هل تعجل مصالحة قطر والسعودية بعزلة جديدة للبوليساريو ؟

العدو المشترك بين المغرب والخليج

بالتزامن مع فضيحة وجود زعيم جبهة البوليساريو في إسبانيا لغرض الاستشفاء بهوية مزورة.. تواصل الدول الخليجية سيرها على درب المصالحة، ولا شك أن الخليجيين أدركوا أكثر من غيرهم، أن الوقت لا يسمح بمزيد من التشرذم والتفرقة، فقد أعلنت وكالات الأنباء القطرية، عن تسلم أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال استقباله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في الدوحة، رسالة خطية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، تضمنت دعوة شخصية له لزيارة المملكة السعودية، وتأتي هذه الدعوة لتكرس مزيدا من عودة المياه إلى مجاريها بعد الخلاف السعودي القطري الذي دام طويلا، ولم يتم تكسيره إلا في القمة الأخيرة التي انعقدت بمدينة العلا.

إعداد : سعيد الريحاني

    قناة “الجزيرة” التي تخصصت في جلد السعودية، خلال السنوات الأخيرة منذ اندلاع الأزمة الخليجية، قالت بلغة لا تخلو من إشارات إيجابية: ((إن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحث مع نظيره السعودي علاقات التعاون وتعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى آخر مستجدات المنطقة، وأعرب الشيخ محمد بن عبد الرحمن عن تأييد بلاده الكامل لكافة الإجراءات التي تتخذها المملكة لمكافحة تهريب المخدرات بجميع أشكالها، كما دعا إلى تكثيف الجهود وتعزيز التعاون بين دول المنطقة لمكافحة تهريب المخدرات، وجدد وزير الخارجية القطري دعم دولة قطر الراسخ للمملكة العربية السعودية، حكومة وشعبا، ولكل ما من شأنه تعزيز أمنها واستقرارها))، حسب ما ورد في القصاصة، إذ لم يعد هناك خلاف ولا هم يحزنون.

بالتزامن مع هذا اللقاء، الذي جاء ليطوي أكبر خلاف خليجي في السنوات الأخيرة، أكدت المملكة العربية السعودية، التي تعد قطب الرحى في الخليج، دعمها الكامل لسيادة المغرب على صحرائه، حيث ((أجرى ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، يوم الثلاثاء الماضي، مباحثات عبر تقنية الاتصال المرئي، مع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير الخارجية بالمملكة العربية السعودية، وشكل الاتصال مناسبة أكد فيها وزير الخارجية السعودي على موقف بلاده الثابت والمبدئي من وحدة المغرب الترابية، ودعمها الموصول لمغربية الصحراء، وتأكيدها على أن أي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل لا يمكن أن يتم إلا في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدة ترابها.. ومن جهته، جدد الوزير بوريطة التعبير عن التضامن المطلق للمملكة المغربية ووقوفها الدائم مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها وأمن وسلامة مواطنيها والمقيمين فيها، ولمبادرتها من أجل حل الأزمة في اليمن)) (المصدر: موقع هسبريس).

هو إذن، تعاون مشترك بين الدول الخليجية، وانسجام في المواقف إزاء القضية الوطنية المغربية، ولا شك أن القرارات الملكية كانت حكيمة جدا، بعد أن اختار المغرب البقاء بعيدا عن “صراع الإخوة” في مجلس التعاون الخليجي(..).

وكانت مؤشرات التصالح الخليجي بين قطبي الصراع: قطر (ومن يقف خلفها) والسعودية، قد ظهرت من خلال قمة العلا، التي انعقدت السنة الماضية، وكان من بين أهدافها تحقيق المصالحة، وفيها قال ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان: ((نحن اليوم أحوج ما نكون لتوحيد جهودنا للنهوض بمنطقتنا ومواجهة التحديات التي تحيط بنا، وخاصة التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية، ومشاريعه التخريبية الهدامة التي يتبناها ووكلائه من أنشطة إرهابية وطائفية هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، مما يضعنا أمام مسؤولية دعوة المجتمع الدولي للعمل بشكل جدي لوقف تلك البرامج والمشاريع المهددة للسلم والأمن الإقليمي والدولي))، وبالإضافة إلى العدو المشترك، وهو عدو للمغرب أيضا بعد تأكد تورط إيران في دعم البوليساريو(..)، أكد محمد بن سلمان على أهمية بقاء بيت مجلس التعاون الخليجي قائما، حيث قال: ((لقد تم تأسيس هذا الكيان استنادا إلى ما يربط بين دولنا من علاقة خاصة، وقواسم مشتركة متمثلة في أواصر العقيدة والقربى والمصير المشترك بين شعوبنا، ومن هذا المنطلق، علينا جميعا أن نستدرك الأهداف السامية والمقومات التي يقوم عليها المجلس، لاستكمال المسيرة وتحقيق التكامل في جميع المجالات..

إن سياسة أشقائكم في المملكة العربية السعودية الثابتة والمستمرة، وخططها المستقبلية ورؤيتها التنموية الطموحة “رؤية 2030” تضع في مقدمة أولوياتها مجلس تعاون خليجي موحد وقوي، إضافة إلى تعزيز التعاون العربي والإسلامي بما يخدم أمن واستقرار وازدهار دولنا والمنطقة)) (المصدر كلمة محمد بن سلمان في القمة الـ 41 لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، بحضور كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنير).

لقاء سابق بين الهمة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان

المصالحة الخليجية فيما يتعلق بأزمة اليمن، وتحديد العدو المشترك (إيران)، لا يمكن النظر إليه بمعزل عما يحدث في القضية الوطنية، فقد سبق للمغرب أن وجه اتهامات لإيران بتورطها في دعم البوليساريو من أجل توسيع هيمنتها في منطقة شمال وغرب إفريقيا، لاسيما البلدان الواقعة على الواجهة الأطلسية، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق هنا بواجهة لـ”الهجوم الذي تشنه طهران في إفريقيا”، وقال وزير الخارجية ناصر بوريطة في تصريحاته لوكالات دولية، أن ((إيران ترغب في استخدام دعمها للبوليساريو، لتحويل النزاع الإقليمي بين الجزائر والجبهة الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية، إلى وسيلة تمكنها من توسيع هيمنتها في شمال وغرب إفريقيا، وخاصة الدول الواقعة بالساحل الأطلسي))، واعتبر الوزير أن ((البوليساريو ليست سوى جزء من نهج عدواني لإيران تجاه شمال وغرب إفريقيا))، مشيرا إلى أن ((الجبهة الانفصالية تعد منظمة جاذبة بالنسبة لطهران وحزب الله، لكونها تعرف المنطقة، وهم (عناصر البوليساريو) مهربون(..) وملمون بالطرق)) (المصدر: عدة وكالات).

سواء تعلق الأمر بقطر أو السعودية، وسواء تعلق الأمر بعصر الخلاف أو عهد التصالح، فإن الموقف الخليجي محسوب لصالح القضية الوطنية، لذلك لا غرابة أن يحضر تأييد المغرب في بيانات مجلس التعاون الخليجي، آخرها ما صدر عن قمة العلا، حيث ((أكدت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، خلال اختتام أعمال الدورة الحادية والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون (قمة السلطان قابوس والشيخ الصباح) في مدينة العلا السعودية، على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية، ووجه البيان الختامي للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، توجيهاته بضرورة تكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية، وجدد المجلس الأعلى، في بيانه، تأكيده على مواقفه وقراراته الثابتة في دعم سيادة المغرب ووحدة أراضيه، معربا عن تأييده للإجراءات التي اتخذتها المملكة لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية)) (المصدر: هسبريس/ 5 يناير 2021).

تعود تفاصيل الأزمة الخليجية، التي يسدل الستار عن بعض فصولها اليوم بتصالح السعودية وقطر، إلى سنة 2017، وقتها اتخذ المغرب موقف البقاء بعيدا عن هذا الصراع، حيث ظل التواصل قائما على أعلى مستوى بين جميع الدول الخليجية والمغرب، بل إن الملك محمد السادس كسر ما كانت تسميه قطر “الحصار”، ليتوجه إليها انطلاقا من الإمارات، كما حافظت الدبلوماسية المغربية على علاقات متميزة مع كل من السعودية، حيث عقد المستشار فؤاد علي الهمة اجتماعا مع ولي العهد السعودي، وباقي الدول الخليجية، من الإمارات إلى الكويت وسلطنة عمان..

وكانت معالجة الأزمة الخليجية في وسائل الإعلام قد تأرجحت بين الحديث عن المقاطعة والحديث عن الحصار، لتبلغ أوجها في حرب إعلامية بين قطر والسعودية، تميزت بتسريبات خطيرة.. وسبق لـ”الأسبوع” أن تطرقت لأزمة الخليج.. فبينما يقول القطريون أنه “الحصار”، تقول السعودية ومن معها، أن الأمر يتعلق بـ”مقاطعة” فقط، ذلك أن الجزء الظاهر من الأزمة تفجر عندما أعلنت أربع دول خليجية، هي السعودية والبحرين والإمارات واليمن، إضافة إلى مصر وحكومة شرق ليبيا، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب “تدخلها في الشؤون الداخلية ودعم الإرهاب”.. انقسام الصف الخليجي، فضلا عن كونه إعداما لفكرة “التعاون الخليجي” التي كانت ستتفوق على فكرة “الاتحاد الأوروبي”(..)، فرض على الدول المتعاملة مع السعودية وحلفائها، اتخاذ موقف من الأزمة، ليختار المغرب إمساك العصا من الوسط، فـ((في الوقت الذي كانت تتواصل فيه تداعيات قرار السعودية والإمارات والبحرين ودول عربية أخرى، جراء قطع علاقاتها مع قطر، في أزمة غير مسبوقة يشهدها مجلس التعاون الخليجي، لفت الموقف المغربي من الأزمة، الأنظار، وطرح الكثير من التساؤلات، لأن المغرب المعروف بكونه من أهم الحلفاء الاستراتيجيين للسعودية، وكان يتوقع أن يصدر موقفا متماشيا مع موقف الرياض الحازم بخصوص قطر، في البداية، قررت الرباط التزام الحياد، ثم ما لبثت أن أعلنت إرسالها لطائرات محملة بالمساعدات لقطر لتعزيز إمداداتها بعد أن أغلق جيرانها المنافذ البرية والبحرية والجوية إليها)).. هكذا تحدث الإعلام الألماني على سبيل المثال.

افتتاح قنصلية إماراتية في مدينة العيون تأكيد لدعم الخليج لمغربية الصحراء في عز الأزمة

سواء تعلق الأمر بالمغرب، أو دول خليجية، فإن أزمة من هذا النوع، لا تهدد مستقبل العلاقات السياسية فقط بين البلدان المعنية، بل تهدد وجود هذه الدول، لذلك، لا غرابة أن تسعى هذه الأنظمة الملكية إلى “الصلح” أولا رغم تعقد الحسابات بين شمال إفريقيا، الذي شهد سقوطا مدويا للنظام الليبي والنظام التونسي، وبين الخليج الذي شهد فصول حرب اليمن، و”عاصفة الحزم” التي قادتها السعودية ضد الحوثيين وشارك فيها المغرب بطائراته التي سقطت إحداها، في يد الحوثيين، ولمعرفة أصل الأزمة في الخليج، لا ينبغي الاكتفاء بما وقع سنة 2017، بل يجب العودة إلى ما تمت الدعاية له من تسريبات تؤكد ما اصطلح عليه إعلاميا بـ”مؤامرة الشيخ حمد ومعمر القذافي ضد النظام في السعودية”، وفي هذا الصدد، يمكن أن نقرأ ما كتبته قناة “سكاي نيوز” نقلا عن جريدة “الشرق الأوسط” السعودية، ومئات المقالات الصحفية على غرارها، فقد ((سرد المستشار في الديوان الملكي السعودي والمشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، سعود القحطاني، أحداث قصة تآمر الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وأمير قطر السابق حمد بن خليفة، لاغتيال خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز))، وتقول صحيفة “الشرق الأوسط” نقلا عن القحطاني، أن ((أحداث القصة بدأت عام 2003، خلال مؤتمر القمة العربية الذي أقيم في شرم الشيخ بمصر، عندما تطاول معمر القذافي على السعودية والملك فهد، فرد عليه الأمير عبد الله – ولي العهد آنذاك – بشدة، حيث أوضح برده القاسي تاريخ القذافي ودور الغرب في إيصاله للحكم، وقال كلمته التاريخية: “أنت من جابك للحكم؟” وتابع القحطاني قوله: “جن جنون القذافي وتواصل مع المنشقين السعوديين، وخاصة المقيمين بلندن، فلم يتفاعلوا معه لاتفاقهم مع أمير قطر، حمد بن خليفة بالعمل لصالحه”، مردفا: “طلب القذافي منه مساعدته في الانتقام من الأمير عبد الله وأبدى حمد استعداده لذلك، فاتفقا على عقد اجتماع بين مخابرات الدولتين بالدوحة”، وبحسب القحطاني، فإن “ممثل القذافي في الاجتماع، كان العقيد محمد إسماعيل، الذي أكد للقطريين أن أي تعاون لا يهدف إلى اغتيال الأمير عبد الله، مرفوض تماما”)) (المصدر: “سكاي نيوز”/ 16 يونيو 2017)..

هكذا إذن، بدأ الخلاف بين السعودية وقطر، ليبلغ أوجه بعد ردة الفعل السعودية(..) بإعلان أمير دولة قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يوم 24 يونيو 2013، قراره بنقل مقاليد السلطة لنجله ولي العهد آنذاك، الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وهو قرار يؤكد التراجع القطري(..).

((لكم العالم ولنا تميم)).. هكذا يتحدث القطريون، وهكذا تتحدث قناة “الجزيرة”، لكنهم يفضلون “الحصار” وتفضل دولتهم عدم القبول بشروط التحالف الذي تقوده السعودية، رغم أن الأزمة كان من الممكن أن تنتهي لو أن قطر قبلت بشروط جيرانها في الخليج، ولربما كان بالإمكان احتواء الأزمة داخل مجلس التعاون الخليجي(..)، وقد اختصر الإعلام السعودي قائمة مطالب الدول المقاطعة لقطر في 13 مطلبا، تم بعثها إلى قطر بشكل سري، في إطار الحوار الدبلوماسي(..)، لكن الدعاية للمطالب في وسائل الإعلام، ساهمت في تحريف النقاش، وفي توفير حطب الأزمة.

و((وفقا لتسريبات صحافية، فإن أحد أهم المطالب الموجودة على القائمة، وقف التحريض الإعلامي القطري، هذا الإعلام الذي وجهته قطر لمهاجمة دول الجوار، ولم ينفك عن دعم الشخصيات الإرهابية وتوفير غطاء إعلامي لها، استطاعت من خلاله بث خطابات مناهضة لهذه الدول، كما شملت قائمة المطالب التي أرسلتها كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين إلى قطر عبر الكويت، تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين الدوحة وطهران إسوة بجيرانها، ذلك أن إيران لم تتوقف عن دعم الميليشيات الموالية لها في هذه الدول التي سعت إلى تنفيذ أعمال تخريبية، كما أن تسليم الإرهابيين والمطلوبين الذين تحتضنهم الدولة، وتجميد أرصدتهم المالية، جاءت على رأس قائمة هذه المطالب، إلى جانب إغلاق القاعدة العسكرية التركية)) (المصدر: تفاصيل أكثر في عدد “الأسبوع” ركن “تحليل إخباري”: كيف تسببت محاولة إسقاط النظام السعودي في إرباك الحسابات المغربية في الخليج؟ عدد 24 فبراير 2018).

يذكر أن السعودية وقطر قطعتا أشواطا مهمة في التصالح، وقد كان من بين الشروط: “وضع إيران في خانة العدو المشترك”، وإذا علمنا أن المغرب يصنف إيران ضمن الأعداء، بسبب دعمها للبوليساريو، فإن هذا التصالح سيصب بالتأكيد في صالح مزيد من تكريس عزلة البوليساريو.. التي تلقت ضربة قوية في اجتماع مجلس الأمن الأخير، وقبله باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى