تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | تفاصيل حرب المغرب والجزائر حول تعيين مبعوث أممي في الصحراء

شهر المواجهات الدبلوماسية

منذ سنتين تقريبا، استقال المبعوث الأممي هورست كوهلر، من منصبه كمبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، ومنذ ذلك الوقت لم تنجح الأمم المتحدة في تعيين مبعوث آخر، وبغض النظر عن الأهداف “الخفية والمعلنة” من هذه الاستقالة، إلا أن “البلوكاج” ظل هو سيد الموقف، ذلك أن الجزائر  لم تتوقف عن التحرك لإفشال أي مقترح محايد، بحيث رفضت الدولة المحتضنة لجماعة البوليساريو، كافة أسماء الشخصيات التي تم اقتراحها من لدن الأمين العام للأمم المتحدة على امتداد السنتين الأخيرتين، آخرها المقترح الذي تقدم به أنطونيو غوتيريس بخصوص تعيين مواطنه، وزير الخارجية البرتغالي الأسبق، لويس أمادو.

إعداد : سعيد الريحاني

    فشل الأمين العام للأمم المتحدة، في تعيين مبعوث له في الصحراء، يوازيه تأكيد من طرف المغرب على الدور الجزائري في إفشال مهام الأمم المتحدة في الصحراء، وقد استبق المغرب اجتماع مجلس الأمن شأنه شأن الأطراف الأخرى، ليشتكي في رسالة مرفوعة إلى مجلس الأمن من العراقيل، والعقبات، والمماطلة، التي تضعها الجزائر والبوليساريو أمام استئناف المسلسل السياسي للأمم المتحدة، وأكد السفير، الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، أن المغرب وافق، بشكل فوري، على مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تعيين مبعوث شخصي للصحراء المغربية، المتمثل في رئيس الوزراء الروماني السابق، بيتري رومان، في دجنبر 2020، ووزير الشؤون الخارجية البرتغالي، لويس أمادو لاحقا.

عمر هلال قال أيضا: ((إن المغرب، من خلال ردوده الإيجابية والجادة على هذه المقترحات، يجدد تأكيد التزامه بدعم الجهود الحصرية للأمم المتحدة لحل هذا النزاع، فضلا عن احترامه لقرارات مجلس الأمن))، قبل أن يؤكد أن ((هذه العرقلة (الصادرة عن الجزائر)، تشكل إهانة لسلطة الأمين العام، وازدراء لقرارات مجلس الأمن.. بل إنها تكشف ازدواجية الخطاب بين الجزائر والبوليساريو، فمن ناحية، يدعوان علنا، وعلى أعلى مستوى، إلى تعيين مبعوث شخصي، واستئناف العملية السياسية، بل والتجرؤ على انتقاد الأمين العام لغياب مبعوث، ومن ناحية أخرى، رفضا جميع المرشحين ذوي الكفاءة والمكانة، والمقترحين من قبل الأمين العام)).

هذا من جهة المغرب.. في المقابل، ويا لها من مفارقة، تتزعم الجزائر التي تقول أنه لا علاقة لها بالبوليساريو، عن طريق وزير خارجيتها، في تناقض تام بين ما يقع في الواقع وما يصرح به، محور الدول المعرقلة لأي حل في الصحراء، حيث تدعي علنا أن ((المغرب يقف وراء تعثر تعيين عشرة أسماء لمنصب مبعوث أممي للصحراء))..

ورغم أن حبل الكذب قصير، إلا أن جبهة البوليساريو حاولت تدبيج بيان في الساعات الأخيرة التي سبقت اجتماع مجلس الأمن، لتقول فيه، أنها لم تعارض تعيين مبعوثين أمميين إلى الصحراء، وبدل أن تتحدث عن الواقعة الأخيرة والملموسة، والمتمثلة في عرقلة تعيين لويس أمادو مبعوثا في الصحراء، اختارت العودة إلى الماضي، حيث قالت الجبهة: ((إن المغرب لم يقم بالاعتراض على العديد من المرشحين لمنصب المبعوث الشخصي فحسب، بل إنه حاول أيضا التأثير على العملية من خلال مجموعة من الشروط المسبقة التي تستبعد بشكل تعسفي مواطني مجموعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من قائمة المرشحين المحتملين لمنصب المبعوث الشخصي)).

ناصر بوريطة في تدشين قنصلية الإمارات بالعيون

ولأن البوليساريو كذبت وصدقت الكذبة، فالمبعوث المحايد، في نظرها، يجب أن يكون من ألمانيا أو سويسرا أو هولندا.. والكل يعلم أن هذه الدول ليست محايدة بالتأكيد، بل إن المغرب، علق مؤخرا علاقته الدبلوماسية مع ألمانيا، بسبب تماهيها مع جمهورية الوهم، إلى درجة السماح برفع علمها داخل ألمانيا، ونفس الأمر يمكن أن يقال عن هولندا، التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى محتضنة لأفكار الانفصاليين، إلى حد وصل للدعاية لجمهورية وهمية جديدة..

يقول عبد الله البقالي، القيادي في حزب الاستقلال: ((إن الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، مطالب بالحديث في تصريحاته الصحفية شبه اليومية، عن الأسباب الحقيقية وراء التأخر الحاصل في تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام في الصحراء المغربية خلفا للألماني كوهلر، المستقيل من منصبه، لأن الجميع يحمل الأمين العام غوتيريس مسؤولية هذا التأخير، بيد أن أطرافا أخرى معينة تدعي أن المغرب هو الذي يرفض تعيين هذا المسؤول الأممي الجديد)).

نفس المصدر، يوضح في ركنه بجريدة “العلم” تحت عنوان “حديث اليوم”: ((الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ملزم بإفادة الرأي العام بأن غوتيريس اقترح شخصية جديدة يعرفها جيدا، وخبر العمل معها، وتحظى بثقته، لشغل منصب مبعوثه الشخصي في الصحراء المغربية، وأن السلطات المغربية وافقت على هذا الاقتراح، كما لم تعارضه جميع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لكن الجزائر، التي تدعي أن لا علاقة لها بهذا النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، هي التي رفضت هذا الاقتراح، وعارضته بشدة، مما تعذر معه تعيين هذا المسؤول الأممي الجديد، لأن حكام الجزائر، من العسكر بالخصوص، يريدون تعيين مبعوث شخصي للأمين العام في الصحراء باقتراح منهم، ويجب أن يكون بالضرورة مساندا للجمهورية الوهمية، ومتشبثا بتنظيم الاستفتاء الذي أصبح متجاوزا بقرارات أممية، صادرة عن مجلس الأمن الدولي، لذلك، فالناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، عليه الخروج إلى العلن ليؤكد للرأي العام الدولي أن حكام الجزائر هم الذين يتسببون في تأخير تعيين المبعوث الشخصي، وهم بذلك يؤكدون تورطهم المباشر في هذا النزاع المفتعل، أما جبهة البوليساريو، فهي مجرد صنيعة لتصريف أحقاد تاريخية تجاه المغرب..)) يقول البقالي.

وقد باتت شروط المغرب في تطورات قضية الصحراء معروفة لدى المجتمع الدولي، ومنشورة في موقع الأمم المتحدة، وهي أربعة شروط: ((أولا: السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه ومبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لحل النزاع المفتعل. ثانيا: المشاركة الكاملة لجميع الأطراف في البحث عن حل نهائي لهذا النزاع المفتعل. ثالثا: الاحترام التام للمبادئ والمعايير التي كرّسها مجلس الأمن في جميع قراراته منذ سنة 2007، والمتمثلة في أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما ومبنيا على أساس التوافق. ورابعا: رفض أي اقتراح متجاوَز، والذي أكد الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، منذ أكثر من عشرين سنة، بطلانه وعدم قابليته للتطبيق، والهادف إلى إخراج المسلسل السياسي الحالي عن المعايير المرجعية التي حددها مجلس الأمن)).

معركة تعيين مبعوث أممي في الصحراء، هي معركة سبقت اجتماع مجلس الأمن، الذي يجتمع هذه الأسبوع خصيصا لمناقشة قضية الصحراء، تأتي في سياق يتسم باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، حيث سبق أن وقع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، مرسوما يقضي باعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، وتداولت وسائل الإعلام تغريداته التي قال فيها: ((لقد وقعت اليوم إعلانا يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، واقتراح المغرب الواقعي والجاد للحكم الذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار))، وبالتزامن مع تغريدة ترامب، ذكر البيت الأبيض، في بيان له، أن ((الولايات المتحدة باتت اعتبارا من اليوم، تعترف بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء المغربية.. الولايات المتحدة تؤكد كما ذكرت الإدارات السابقة، دعمها لاقتراح المغرب للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء)).

معطيات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، جعلت من اجتماع مجلس الأمن اجتماعا استثنائيا، نظرا لقوة هذا البلد وصعوبة تجاوزه في العمليات الدولية، ودوره في مجلس الأمن، وعلى مستوى صياغة الأوراق المتعلقة بالصحراء..

كما ساهم تحرير معبر “الكركرات” في جعل اجتماع مجلس الأمن اجتماعا استثنائيا، وفضلا عن كون العملية كانت عبارة عن تدخل سلمي من طرف الجيش الملكي المغربي، فقد تناقلت المواقع الدولية تدخل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي قال: ((إن أعمال زعزعة الاستقرار التي قامت بها جبهة البوليساريو، لم يؤيدها أي بلد في العالم باستثناء الجزائر))، مضيفا أن ((هذه الحملة المفترضة، يتم التصدي لها واحتواؤها عبر الصحافة الوطنية والجهاز الدبلوماسي المغربي))، وأشار إلى أن ((جبهة البوليساريو واصلت استفزازاتها على مقربة من الجدار الأمني بعد أن حررت القوات الملكية معبر الكركرات وأمنته))، ولفت العثماني إلى أن ((أكثر من 75 دولة من مختلف مناطق العالم، ثمنت العملية السلمية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية، كما ثمنت إعادة فتح معبر الكركرات أمام الحركة المدنية والتجارية)) (المصدر: عدة وكالات).

عملية “الكركرات” هي عملية سلمية، لكن تورط البوليساريو في خرق “اتفاق وقف إطلاق النار”، جعلها تروج لبعض المغالطات، للادعاء بنسف المسلسل السياسي، ويستمر اللعب الحربائي الجزائري، حيث تحاول الجارة الشرقية الظهور كطرف محايد عبر الدعوة إلى حوار مباشر بين المغرب والبوليساريو، لكن المتتبعين يعرفون أن الأمر لا يخلو من مناورات، فخرق البوليساريو لـ”اتفاق وقف إطلاق النار” جعلها في مواجهة مباشرة مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كما أن تدخل الجزائر للحيلولة دون تعيين مبعوث شخصي للأمم المتحدة، يؤكد أنها لا تريد تعيين شخصية  تعمل وفق المعايير التي حددتها الأمم المتحدة..

يذكر أن جلسة مجلس الأمن سبقها تنظيم بعض اللقاءات التي تحاول استعمال بعض الشخصيات من أجل الدعاية لإمكانية قيام دولة وهمية في الصحراء، وقد انبرى للمشاركة في هذه اللقاءات، موظفون أمميون سابقون كشفوا عن وجههم الحقيقي، والنموذج من كريستوفر روس، الذي أبدى إعجابه بالبوليساريو، في لقاء دعت له جمعية للمحامين الأمريكيين، حيث عاد إلى العزف على الأسطوانة القديمة للاستفتاء، وهو ما تحلم البوليساريو بتنظيمه في الصحراء..

كما انضم إلى جوقة مهاجمي المغرب، مستشار الأمن القومي السابق، عدو المغرب، جون بولتون، الذي طرده ترامب، قبل أن تطرده روسيا من أراضيها، وهو الآخر لا يمل من انتقاد الأمم المتحدة وبعثة “المينورسو”، بنفس القدر الذي يدعو فيه إلى الاستفتاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى