تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | خطير.. محاولة إحياء المناورات ضد الصحراء المغربية في الاتحاد الإفريقي

آخر مناورة للجزائر قبل الرحيل

مني خصوم المغرب في الاتحاد الإفريقي، وعلى رأسهم  الجزائر، بهزيمة كبيرة بعد خسارتهم قبل أسابيع في المعركة الدبلوماسية التي جرت حول رئاسة مفوضية الأمن والسلم الإفريقي، حيث فاز النيجيري بانكول أديوي بمنصب مفوض السلم والأمن الإفريقي خلفا للجزائري إسماعيل شرقي، الذي عمر على رأس هذا المنصب لعدة سنوات تميزت كلها باستغلال هذه اللجنة في المناورات العدائية ضد المغرب، ولكن شرقي حاول بكل الوسائل، رغم أن ولايته انتهت، إصدار قرار ضد المغرب خلال الأيام الأخيرة، بمساعدة كينيا (دولة أخرى تكن العداء للمغرب)، لتكون النتيجة هي إحياء مناورة قديمة، لإقحام الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء المغربية، ومحاولة تعيين مبعوث لهذه المنظمة الإفريقية إلى الصحراء، على غرار الأمم المتحدة.

إعداد : سعيد الريحاني

    كل الوسائل استعملت، من التزوير إلى التلاعب في تواريخ الاجتماع، وصولا إلى فبركة البيانات، لمحاولة إصدار هذا القرار، المرفوض من طرف عدة دول قاطعت اجتماع المجلس المذكور يوم 9 مارس الماضي، وكما هي العادة، خلال السنوات الأخيرة، أبدى المغرب صرامة كبيرة في التعامل مع هذا الاجتماع، حيث صرح ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن ((المغرب غير معني وغير مهتم بالبلاغ الذي صدر عقب اجتماع مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، المنعقد في 9 مارس الجاري، حول قضية الصحراء المغربية))، كما أكد ((أن المغرب يرفض بشكل قاطع، جملة وتفصيلا، ما جاء في البيان المزعوم الذي نشرته كينيا، باعتبارها الرئيس الدوري لمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي هذا الشهر)).

وكانت المصادر الدبلوماسية، قد أكدت في تصريحات إعلامية، أن ((بلاغ مجلس السلم والأمن الإفريقي غير قانوني، لأن المسطرة التي أعد بها لم تحترم الإجراءات الجاري بها العمل عند اتخاذ أي قرار يخص المجلس، ومن أهم هذه الخروقات، عدم مصادقة الدول الأعضاء على مضامين البلاغ، وأن المغرب يعرب عن استيائه من التصرفات غير المسؤولة والأساليب الملتوية التي تنتهجها كينيا وحلفاؤها المعروفون بعدائهم لوحدة المغرب الترابية))، مشيرة إلى أن ((الأمر لم يقف عند حد إقحام ملف الصحراء المغربية في اجتماع قمة هذه الهيئة، والتي كان حضور رؤساء الدول فيها ضعيفا، ولكن المغرب مستاء أيضا من الأسلوب الملتوي الذي جرى انتهاجه، فعلى الرغم من المقاومة النشيطة والسجالات والمناقشات البناءة التي اتبعتها غالبية الدول الأعضاء لأكثر من 10 أيام، فإن كينيا أخرجت، في اللحظة الأخيرة، البيان غير المعتمد أصلا.. وأشارت المصادر ذاتها إلى رفض المغرب التفرد بفقرة واحدة من أصل 19 فقرة أخرى واردة في قرار الدورة الاستثنائية الـ 14 للاتحاد الإفريقي حول إسكات البنادق، مما يدل على التركيز الأعمى لإسماعيل شرقي، المفوض المنتهية ولايته، على العداء ضد المغرب، لا سيما أن حصيلته على رأس مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، مشكوك فيها ومثيرة للكثير من التساؤلات..)) (المصدر: موقع هسبريس/ الأحد 21 مارس 2021).

هذا من حيث الشكل، أما من حيث عمق الموضوع وتأثيره على المستقبل، فمثل هذه الحركات لا تؤثر على موقع المغرب، باستثناء تكريس عزلة الخصوم، لأن بلاغا من هذا النوع يستحيل أن يجد طريقه إلى القرارات الكبرى للاتحاد الإفريقي، حيث تطالب عدة دول بطرد البوليساريو، وعددها أكبر بكثير من خصوم المغرب، ثم إن نص بلاغ مجلس السلم والأمن يفتقد للمشروعية وليس له أي أثر قانوني، لأنه ينتهك بشكل صارخ قواعد وإجراءات مجلس السلم والأمن المتعلقة بإجراءات اعتماد البيانات.. كما أن صياغته تمت بطريقة “تدليسية”، حتى أن المدلسين احتاجوا لأكثر من 10 أيام لإصداره، في زمن السرعة، والترجمة الفورية، والعروض المباشرة..

وزير الخارجية بوريطة وزوما دلاميني الرئيسة السابقة لمفوضية الاتحاد الإفريقي التي اشتهرت بعدائها الكبير للمغرب

إن المناورة الأخيرة لمجلس الأمن والسلم الإفريقي، لا تخرج عن نطاق مناورات سابقة من نفس النوع، قادتها الرئيسة السابقة لمفوضية الاتحاد الإفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، التي عرفت باختلاق كافة العراقيل لمنع عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، حتى أن وزارة الخارجية المغربية أصدرت في حقها بيانا يتهمها بالعرقلة، بعدما “اختلقت طلبا إجرائيا جديدا” لرفض رسائل من دول أعضاء بالاتحاد تدعم طلب المغرب العودة للمنتظم الإفريقي.. وهي المعركة التي هزمت فيها بشكل كبير، حيث رحب الاتحاد الإفريقي بعودة المغرب، بل وتم استقبال الملك محمد السادس استقبال الكبار داخل المنظمة، التي ظلت لعقود أسيرة أفكار محور الجزائر وجنوب إفريقيا..

إن فكرة إقحام الاتحاد الإفريقي في قضية الصحراء المغربية، ليست فكرة جديدة، بل إن دلاميني زوما، سبق أن واجهت معركة شرسة في المغرب، وصلت إلى حد بعث مراسلة إلى مجلس الأمن من طرف عضو في المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، كوثر بنحمو، الشهيرة بخلافها مع العماري، اتهمت فيها القيادية المذكورة رئيسة المفوضية زوما، بدس وثيقة مفبركة في تقارير مجلس الأمن، من خلال الاعتماد على اجتماع مطعون فيه، على هامش لقاء سابق بينها وبين وفد من حزب الأصالة والمعاصرة يقوده الأمين العام السابق إلياس العماري..

الوثيقة سالفة الذكر، والتي تحمل الرقم “A/69/861-S/2015/240″، وهي التي تم دسها في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة تحت غطاء أرقام أخرى وتم دسها في تقرير سابق للأمين الأمين العام للأمم المتحدة(..)، مطعون فيها، حسب بنحمو، لعدة أسباب، منها ((أنه بتاريخ 6 فبراير 2015، استقبلت رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي (سابقا) دلاميني زوما، إلياس العماري، على أساس أنه نائب رئيس برلمان المملكة المغربية، وهو ليس كذلك في الحقيقة(..)، كما أن تزييف الحقيقة شاركت فيه زوما، حيث لم تكلف نفسها عناء إصلاح هذا الخطإ المتعمد عن سبق إصرار وترصد رغم بيان الحقيقة الذي توصلت به بمقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا بإثيوبيا بتاريخ 17 أبريل 2015 على الساعة 4 و30 دقيقة عن طريق شركة الإرساليات “Fedex”، وتكمن المشكلة كلها، في كون زوما قالت أنها اتفقت مع إلياس العماري على أن يتم حل قضية الصحراء داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، وهو الأمر الذي يرفضه المغرب رفضا باتا، ملكا وحكومة وشعبا.. إذن، تكمن خطورة الوثيقة المذكورة في كونها تعتبر أن المملكة المغربية موافقة على حل قضية الصحراء داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، وهو أمر غير صحيح، بل إن المغرب رفض أي إمكانية لاستقبال مبعوث الاتحاد الإفريقي في هذا الملف إلى المغرب، علما أن الملك محمد السادس ما فتئ يؤكد أن حل قضية الصحراء، مرهون بقرارات مجلس الأمن)) (المصدر: تحقيق سابق لجريدة “الأسبوع” تحت عنوان: “معركة قانونية بين كوثر بنحمو وإلياس العماري في مجلس الأمن” 26 أبريل 2018).

الاتحاد الإفريقي

وللتذكير، فإن استراتيجية المغرب في قضية الصحراء أصبحت مبنية بشكل واضح على أربعة شروط تضمنتها التوجيهات الملكية الواردة في الخطب الملكية، وهي أولا، رفض أي حل خارج السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه والاستفادة من الدروس السابقة، فالمشكل لا يكمن في إيجاد حل بقدر ما يكمن في المسار الذي يؤدي إليه الحل(..)، أما الشرط الثاني، فيعتبر أن حل هذا النزاع المفتعل، يكمن في الحكم الذاتي الذي سبق لكل القوى العظمى أن أشادت به، فيما يتمثل الشرط الثالث، في الالتزام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيأة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية، ثم الشرط الأخير الذي يمنع تجاوزه، يتمثل في الرفض القاطع لأي تجاوز أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا.

من هنا يمكن القول أن ما حصل من طرف مجلس الأمن والسلم الإفريقي، ليس سوى المناورة الأخيرة لخصوم المغرب داخل الاتحاد الإفريقي، قبل رحيلهم، ذلك أن أصدقاء المغرب اكتسحوا في وقت سابق هياكل الاتحاد الإفريقي، وهزمت الجزائر بشكل فادح بعد خسارتها لمنصب رئاسة مفوضية الأمن والسلم الإفريقي، ولم تقف النكبة عند هذا الحد، بل إن الجزائر خسرت حتى حلفاءها وعلى رأسهم نيجيريا، بتقديمها لمرشح منافس لمرشحها، بينما كان المغرب واضحا في دعم المرشح النيجيري، ويمكن تصور حالة شرود المسؤولين في الجزائر، عندما لم يلتقطوا الإشارة من خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بوخاري، أياما فقط قبل انعقاد القمة الإفريقية، فـ((خلال هذه المباحثات، نوه قائدا البلدين بالدينامية الإيجابية التي تشهدها العلاقات الثنائية في جميع المجالات، منذ الزيارة الملكية إلى نيجيريا في دجنبر 2016، وزيارة الرئيس بوخاري إلى المملكة في يونيو 2018، وأعرب جلالة الملك والرئيس محمد بوخاري عن عزمهما المشترك على مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال، ولا سيما خط الغاز نيجيريا – المغرب، وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا.. كما عبر الرئيس بوخاري عن تشكراته لجلالة الملك على دعم المملكة التضامني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، لا سيما من خلال تكوين الأئمة النيجيريين بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات)) (المصدر: بلاغ للديوان الملكي).

و((لم تقف هزيمة الجزائر، الداعمة للبوليساريو، عند هذا الحد، بل إنها تعمقت أكثر بعد إعادة انتخاب مرشح المغرب، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي المنتهية ولايته، موسى فقيه محمد، لولاية ثانية على رأس المفوضية مدتها أربع سنوات (المصدر: تفاصيل طرد الجزائر والبوليساريو من أجهزة الاتحاد الإفريقي/ الأسبوع عدد 12 فبراير 2021).

إن المعركة داخل الاتحاد الإفريقي اليوم، لا تقف عند مجرد مواجهة تصرفات طائشة في بعض اللجان، بل إن المرحلة تتطلب المرور للسرعة القصوى، من خلال الدفع في اتجاه طرد نهائي للبوليساريو من هذه المنظمة الإقليمية، وإرغام خصوم المغرب على احترام سيادة الدول، لأنه لا يعقل الحديث عن “الاتحاد” بوجود هذه المناورات المستهدفة لاستقرار المملكة المغربية، والتي تبقى لحسن الحظ محاولات فاشلة(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى