تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | خلق أكبر تحالف حزبي تمهيدا لسقوط حزب العدالة والتنمية

كعكة الانتخابات بين إرادة الناخبين وإرادة الأحزاب

((رغم الإنزال الذي قاموا به، ورغم أنهم تحدوا كل الإجراءات الاحترازية، وتحدوا التباعد البرلماني، ولم يحترموا التمثيل النسبي، ورغم أنهم اقتحموا عنوة مقر البرلمان، ورغم أنهم جاؤوا بكثرة، وحتى المقرىء أبو زيد جاؤوا به بعد أن كان غاضبا… رغم كل ذلك، فقد كانت لهم الاتحادية حنان رحاب بالمرصاد، وقد رآها كل المغاربة وهي تخلع بدلتها وتشير إليهم بأصبعها، فتراجعوا، رأى المغاربة جميعا هذا المشهد الأسطوري.. ورأوا البدلة تحلق في سماء القبة، تلك البدلة التي لعبت دورا حاسما في هزيمة حزب العدالة والتنمية، تلك البدلة التي يجب ألا يفرط فيها اليسار والقوى التقدمية والحداثية، تلك البدلة الرمز، البدلة التي يجب أن تعلق في المقر المركزي مع شهداء ورموز الحركة الاتحادية، تلك البدلة التي يجب أن يرتديها كل الاتحاديين)).

إعداد : سعيد الريحاني

 

    الفقرة أعلاه، ليست مقتطفا من فيلم، وإنما هي وصف “سينمائي” صادر عن الكاتب المغربي حميد زيد، وهو يصف طريقة مواجهة واحدة من البرلمانيات، الاتحادية حنان رحاب، لحشد من نواب حزب العدالة والتنمية في إطار معركة القاسم الانتخابي التي شهدها مجلس النواب ليلة الجمعة الماضية، حيث ارتفعت درجة حرارة الهواتف بشكل مفاجئ، ليتم استدعاء جل البرلمانيين بمن فيهم الذين يقطنون بمدن بعيدة، لمواجهة فريق حزب العدالة والتنمية، الذي رفض “احترام إجراءات التباعد الصحي”، وتقليص أعضاء فريقه إلى الثلث كما تقتضي ذلك الإجراءات المتفق عليها بين جميع فرق مجلس النواب والرئيس الحبيب المالكي، وقد كانت خطة “البيجيدي” تقضي بمفاجأة باقي الفرق البرلمانية بإنزال كثيف لإسقاط مقترحات تعديل القوانين التنظيمية للانتخابات المتعلقة باعتماد قاسم انتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، غير أنه “اللي فراس الجمل فراس الجمالة”، فقد تسرب الخبر مساء يوم الجمعة إلى الأحزاب المنافسة، وما هي إلا ساعات حتى كانت سيارات النواب تطوي المسافات نحو الرباط، قبل المواجهة.

تأخرت الجلسة لما يزيد عن ثلاث ساعات، وكلما زاد التأخير كلما زاد عدد النواب، فلم يكن هناك بد من مواجهة عددية، لا تأخذ بعين الاعتبار إجراءات التباعد الصحي، حيث عقد المجلس جلسته بحضور 265 نائبا برلمانيا، منهم 104 برلمانيين عن حزب العدالة والتنمية، فيما تمت المصادقة على التعديلات التي صادقت عليها لجنة الداخلية في وقت سابق، بـ 160 برلمانيا يمثلون صوت المعارضة (الاستقلال، التقدم والاشتراكية، والأصالة والمعاصرة)، والأغلبية ممثلة في الحركة الشعبية والتجمع الدستوري والاتحاد الاشتراكي، فيما صوت ضدها نواب “البيجيدي”.

إلى هنا، يطرح سؤال: ما هو هذا “القاسم الانتخابي الذي قامت بسببه كل هذه الضجة؟”، فـ((حسب التعديل الذي تم إدخاله على المادة 845 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، سيتم توزيع اللوائح بواسطة قاسم انتخابي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور)) (المصدر: جريدة الأخبار / عدد 8 مارس 2021).

باختصار، يمكن أن يفهم من القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في القوائم الانتخابية، أن أيا من الأحزاب لن يستطيع الفوز بأكثر من مقعد في أي دائرة بخلاف الانتخابات الماضية، حيث فاز حزب العدالة والتنمية في بعض الدوائر بثلاثة مقاعد، وهي صورة قد لا تتكرر مع النظام الجديد، وهو ما جعل هذا الحزب ينتفض أكثر من غيره ضد هذا التعديل، لكونه يعتبر نفسه مستهدفا.

بعد تصويت الأغلبية والمعارضة ضد العثماني.. ماذا بقي لرئيس الحكومة؟

في إطار نظرية حزب العدالة والتنمية، يمكن قراءة ما قاله إدريس الأزمي الإدريسي، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، الذي اعتبر أن التصويت الذي تم مساء الجمعة الأخيرة، على تعديل القاسم الانتخابي وجعله على أساس المسجلين، فيه تواطؤ على الاختيار الديمقراطي، مشددا على أن المدافعين عن التعديل “يستقبلون ويستبطنون الهزيمة”، وذكر الأزمي الإدريسي أن كل المبررات التي قدمها داعمو تغيير القاسم الانتخابي هي مبررات متهافتة، ولذلك، يصف المتحدث ذاته ليلة التصويت على التعديل بأنها “ليلة حزينة”، وأن ما وقع ينبغي تصحيحه عاجلا، وتابع: ((الفرق الداعمة للتعديل لم تستطع الدفاع عنه، أو أنها ساندته باحتشام وبانهزامية، لأنهم يعرفون أنهم يدافعون ويصوتون على أشياء تخالف قناعاتهم، ولا تصمد أمام القانون والمنطق السليم، فضلا عن أن هذا التعديل هو أمر نشاز على الصعيد العالمي)).

وخاطب القيادي بحزب “المصباح” حزب “البام” بقوله: ((أنتم الهيمنة، ولابد أن تعتذروا في يوم من الأيام))، وأردف: ((لا يمكنكم أن تدافعوا عن الأحزاب الصغيرة، كما أن الأحزاب الوطنية ليست بحاجة إلى من يدافع عنها. الحقيقة الوحيدة هي أن البام يدافع عن نفسه ومقاعده، حيث لم يبق لهم سوى هذا القاسم الانتخابي الزروالي لإنقاذ أنفسهم وإلا سيندثرون)) (المصدر: موقع حزب العدالة والتنمية).

هذا من حيث التجاذب السياسي، الذي وصل أوجه مع إعلان رئيس الحكومة عن كون هذا التصويت يعتبر مسا بجوهر الاختيار الديمقراطي، ولكم أن تتصوروا خطورة هذا الوضع السياسي الذي يتزامن مع ذكرى خطاب 9 مارس الذي كرس لمجموعة إصلاحات سياسية، في سياق الربيع العربي، لتكون أخطر ردة فعل حتى الآن عن هذه الذكرى، هي ردة فعل حزب العدالة والتنمية، الذي كتب محرروه ما يلي: ((المقتضيات المتعلقة باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وإلغاء العتبة، التي تم تمريرها في جلسة 5 مارس بمجلس النواب السوداء، كلها تعبير عن إرادات التحكم في مخرجات العملية الانتخابية، وإفراغ لعملية الانتخاب التي قرن بها المشرع الدستوري التعبير عن إرادة الأمة من محتواها، وعودة سيئة إلى أساليب الالتفاف على الإرادة الشعبية، وهو الأمر الذي سيعمق أزمة السياسة في هذا البلد، ويكرس اللاثقة في المؤسسات وفي الفاعل السياسي، مما يعرض المشهد برمته لهشاشة بنيوية مفتوحة على المجهول.. كنا نتمنى أن تحل علينا ذكرى خطاب التاسع من مارس ونحن نضيف لبنة أخرى في بنائنا الديمقراطي، إلا أن إرادات النكوص كان لها رأي آخر، لكن أغرب ما في هذا المشهد الكئيب الذي لا يسر الناظرين، ويسيء لصورة البلد، هو قدرة هذه الفعالية النكوصية، على الحشد وخلق توافق جمع تقريبا كل أطياف المشهد السياسي في لوحة سريالية عصية على القراءة والتأويل، فاصطفت إلى جانب الأحزاب الإدارية الأحزاب الوطنية، والتقى هوى الليبرالي مع الاشتراكي، وانمحت الفوارق بين الأغلبية والمعارضة، وأصبحنا أمام تشكيل هجين لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وغدا الخوف من الإرادة الشعبية محددا للموقف، والخصومة مع العدالة والتنمية معيارا للتموقع.. إننا بقولنا هذا لا ندافع عن العدالة والتنمية بقدر ما يؤرقنا سؤال الديمقراطية وإلى أين نسير؟ وتفجعنا تساؤلات من حجم أي رسالة يريد أن يقدمها سياسيونا للمواطن العادي؟ هل يريدون أن يقولوا له بأنه كيفما كان تصويتك فلنا ألف باب وألف حيلة للالتفاف على إرادتك؟ فلتصوت أنت على العدالة والتنمية فنحن يكفينا أن ننسب للمقاطعين والأموات ما نشاء من اختيار)).. هكذا تحدث حزب العدالة والتنمية، والخطير في الأمر، هو هذا الفكر الشمولي، حيث يعتبر منتسبو هذا الحزب أن كل ما من شأنه التأثير على مكانته في الانتخابات، هو التحكم والرجوع إلى الوراء.. ليطرح السؤال عما إذا كان الحزب مازال مؤمنا بنظرية التغيير في إطار الاستقرار؟

إلى هنا، يطرح سؤال: هل هذا “القاسم الانتخابي” دستوري أم لا؟ وبطريقة أخرى: هل احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين يخالف الدستور؟ وفي هذا الصدد، يقول أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، محمد زين الدين: ((إن الأمر يتعلق باختلافات بين الفاعلين السياسيين))، ويوضح ذلك بأنه ((لا يمكن أن نقول عن هذا المقترح بأنه غير دستوري، لأن جميع القوانين الانتخابية يقع فيها توافق بين الأحزاب السياسية، والوثيقة الدستورية لا تنص على هذا الأمر)) وتابع موضحا أن ((هذه الاختلافات تبقى حاضرة بشكل كبير، إذ أن هناك اختلافا في نظام العتبة وغيرها من الآليات))، مضيفا أن هذه النقاشات تحسم بالتوافق بروح إيجابية بين الأطراف، في نهاية المطاف، كما عودنا الفاعل السياسي، وفي الاتجاه ذاته، ذهب أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، عبد الرحيم العلام، إلى أنه لا علاقة لهذا النقاش بالدستوري وغير الدستوري، مسترسلا أن كل شيء دستوري مادام أنه لا يهدف إلى إلغاء الانتخابات أو التأثير عليها.. فهذا يبقى مجرد نقاش، يقول العلام، ويضيف، بأن هناك من يفضل أكبر بقية وهناك من يفضل أقل بقية، وهناك من يفضل النظام الانتخابي بدورتين، وهناك من يفضل دورة واحدة.. فهو مجرد نقاش بين الفرقاء السياسيين.

واعتبر العلام أن ما يمكن الحديث عنه في هذا الصدد هو: ما النظام الأقرب للديمقراطية؟ مستدركا بأنه أيضا تقييم يمكن الاختلاف حوله، لأنه تقييم ذاتي لا يمكن الجزم فيه.

ومن جهته، شدد زين الدين على أن لكل نمط اقتراع سلبيات وإيجابيات، سواء بالتمثيل النسبي أو التمثيل الأحادي، متابعا بأن السؤال هو ما الذي نريده من نمط الاقتراع، هل نريد منه إعمال الديمقراطية أم شيئا آخر؟ أما أن نقول بأن هذا إيجابي وهذا غير إيجابي، فكل نمط فيه مزايا ومساوئ، وهو السؤال الذي طرحه أيضا الأستاذ الجامعي عبد الرحيم العلام بصيغة أخرى: “ما الغاية المتوخاة؟”، وأوضح أنه إذا كان هناك حزب سياسي استبدادي وغير ديمقراطي هو الذي يتحكم في الخريطة الانتخابية، مثل الحزب الوطني في مصر، فاللجوء لقاسم انتخابي كبير لإعطاء فرصة للأحزاب الصغرى يعد هو الأقرب للديمقراطية في هذه الحالة، أو إذا كان العكس، يضيف العلام، مثلا حزب عليه مؤاخذات من طرف السلطة أو يشكل تأثيرا لصالح المواطنين ويقدم مشاريع، فهنا يجب أن نطرح السؤال من المستفيد؟ (المصدر: موقع العمق المغربي/ 30 شتنبر 2020).

تتمة المقال بعد الإعلان

هذا نموذج لباحثين وأساتذة جامعيين لا يرون أي مانع دستوري في القاسم الانتخابي بشكله المصادق عليه، لكن هناك فئة أخرى، نسوق منها أبرز ردة فعل، وهي ردة فعل الوزير والناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، حسن عبيابة، هذا الأخير بوصفه أستاذا جامعيا أيضا، يسوق مجموعة من النصوص الدستورية للاستدلال على ما يسميه “عدم دستورية القاسم الانتخابي”، حيث يقول: ((من المعروف لدى فقهاء الدستور، أن القوانين التنظيمية تعد آلية لتنزيل الدستور، لذا يجب أن تراعي أحكامه نصا وروحا، وإن ابتعادها عن مفهوم الدستور، يعني أن تطبيقها وما ينتج عنها، يعتبر خارج الدستور، وبالتالي، فإن أي تعديل يطال القوانين التنظيمية للانتخابات، يجب أن يكون في إطار دستوري تام، كما أن تعديلات القوانين التنظيمية ليست رأيا سياسيا أو رأيا قانونيا للأحزاب فقط، وإنما هي تطبيق للدستور عن طريق دفاع الأحزاب عن الدستور، والتصويت على ذلك في البرلمان))، ويضيف نفس المتحدث، بعد إدراج مجموعة من الفصول موضحا: ((ويمكن العودة كذلك إلى الفصل 47، الذي يشير إلى أنه على جميع المواطنات والمواطنين، احترام الدستور والتقيد بالقانون… لأن هناك إشارة إلى ضرورة الدستور والقانون المنبثق من روح الدستور، وهناك مضامين متعددة موجودة في ديباجة الدستور. اعتمادا على ما سبق من نصوص دستورية واضحة، وعودة إلى التعديلات التي أدخلت على القوانين التنظيمية للانتخابات في الدورة الاستثنائية لشهر مارس 2021، نستنتج أن البرلمان قام بتصحيح خطأ دستوري، وقع في غفلة من الجميع في القوانين التنظيمية، وخلق أحزابا قوية بقانون معيب وليس بقوة أصوات المواطنين، باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، واعتماد العتبة، ويستخلص أنه بذلك جرى حذف بعض المكونات السياسية التي صوت عليها المواطن بحجة محاربة البلقنة، لكن في الوقت نفسه، جرت بلقنة الدستور بقوانين انتخابية معيبة، وأن الأصل هو الحق في التصويت للمواطنين، وليس لأي جهة الحق في مصادرته، إذ تم حذف أصوات للمواطنين في مخالفة تامة للدستور، بالإضافة إلى اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين فقط، وهو إسقاط ومصادرة للحريات في حق المسجلين، الذين لا يصوتون واستغلال عدم تصويتهم.. ويستنتج كذلك، أن العزوف الانتخابي جعل القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، قوة انتخابية خادعة لبعض الأحزاب في المشهد السياسي، وبالتالي، فإن البرلمان المغربي تأخر لولاية كاملة، لتدارك الموقف وتصحيح بعض القوانين التنظيمية المرتبطة بالانتخابات.

وبالعودة إلى تحليل عملية التصويت، التي تمت على تعديلات القوانين التنظيمية للانتخابات، نجد أن 162 نائبا برلمانيا صوتوا بالإيجاب على مشروع “القانون الانتخابي الجديد”، بينما عارضه 104 نواب، كلهم من حزب العدالة والتنمية، فيما امتنع عن التصويت نائب برلماني واحد، وأن عدد النواب الذين لم يحضروا التصويت بلغ عددهم 123، وهو عدد فاق مجموع الفريق الذي كان ضد التعديلات، بمعنى أن الأحزاب السياسية التي صوتت على القانون الجديد للانتخابات، لم تحتج عدد 58 نائبا فقط فوق عدد المعارضين للتصويت على قوانين كلفت المشهد السياسي الكثير من الأزمات السياسية)) (المصدر: مقال رأي/ حسن عبيابة عضو الاتحاد الدستوري، ووزير سابق).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى