تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | تفاصيل أقوى وثيقة تاريخية تؤكد مغربية الصحراء عرضت على الأمم المتحدة

الوثائق الملكية في مواجهة الأكاذيب الانفصالية

يمكن لكثير من المغاربة أن يرددوا أن “الصحراء مغربية” وأن “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”، لكن قليلا منهم فقط من سيتسلحون بالوثائق التاريخية لتأكيد معطياتهم، وبخلاف دول أخرى مجاورة لنا، لها عقدة التاريخ(..)، فإن المغاربة بإمكانهم التباهي بالانتماء إلى دولة عريقة، لها وثائقها الخاصة للترافع عن كافة الملفات، ومن ذلك “الوثائق الملكية”.
من خلال الوثائق الملكية، تنفرد “الأسبوع” بنشر مقتطفات من الكتاب الذي وصل صداه إلى الأمم المتحدة، بعد تقديمه إلى المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، كريستوفر روس (قبل أن يقدم استقالته)، تحت عنوان “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية”، بإشراف مديرة مديرية الوثائق الملكية، بهيجة سيمو.

إعداد : سعيد الريحاني

    الكتاب الذي قام بتقديمه والي جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، خليل الدخيل إلى كريستوفر روس، في وقت سابق، باسم شيوخ وأعيان الأقاليم الجنوبية، جعل المبعوث الأممي يتفاعل بشكل غير مسبوق مع الحدث، وقد يكون إحدى الوثائق التي أثرت على طريقة تفكير الأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريس، في ملف الصحراء(..)، وبما أن الأعراف والتقاليد العريقة تمنع من الكشف عما جرى فيما بعد(..)، لكن الأكيد أن روس وهو أستاذ للغة العربية، قرأ صفحات كتاب غير مسبوق عن وثائق الصحراء، قبل أن يستقيل من مهمته كمبعوث أممي إلى الصحراء سنة 2019.

إذا كنت مغربيا، عليك أن تعرف الصحراء المغربية في سياقها التاريخي، والسياق التاريخي يقول: ((الإخباريون الأوائل كانوا يطلقون على بلاد المغرب القديمة اسم طنجة، نسبة إلى حاضرة ملوكهم الأقدمين، وحسب رواية محمد بن يوسف الوراق القيرواني (973م)، صاحب أقدم المؤلفات في مسالك وممالك إفريقية، فإن بلاد طنجة تمتد من ساحل بحر سبتة شمالا إلى أول بلاد السودان جنوبا، كما تمتد من البحر الأخضر الذي هو المحيط الأطلسي غربا، إلى أحواز تاهرت شرقا، علما أن نفس الإخباري، قد قسم هذا المجال الواسع إلى كورتين (جهتين)، هما كورة طنجة وكورة السوس، التي تتفرع بدورها إلى قسمين، هما السوس الأدنى وعاصمته طنجة، ويقصد به عموم المناطق المغربية الواقعة شمال جبل الأطلس الكبير، والسوس الأقصى، ويعني ما وراء هذه السلسلة إلى تخوم السودان جنوبا)) (المصدر: كتاب “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية”/ إشراف بهيجة سيمو).

على كل مغربي، أو على الأقل الفئة التي تتولى الدفاع عن القضية، يجب أن يعرفوا قصة الصحراء المغربية من الفتوحات الإسلامية إلى عهد المرابطين، وعندها سيجدون أن ((وصول الإسلام إلى الصحراء المغربية، ارتبط بانتشاره في المغرب))، و((تقر النصوص التاريخية المعروفة في العصر الوسيط، أن وصول الإسلام إلى السوس الأقصى الذي تدخل ضمنه الصحراء المغربية، كان على يد عقبة بن نافع الفهري منذ ولايته الثانية على إفريقية، والمغرب (سنة 682 ميلادية)، وأنه حسب ابن خلدون: (1406 ميلادي)، قاتل مسوفة من أهل اللثام وراء السوس ووقف على البحر ثم عاد راجعا.. ويفهم مما أورده ابن خلدون، أن ما وراء السوس، هو الصحراء المغربية، التي كانت وقتئذ تقطن في جزء كبير منها، قبيلة مسوفة من قبائل صنهاجة الصحراء، وكان حبيب بن عبيدة بن عقبة بن نافع قد غزا بدوره المغرب من قبل عامل طنجة، إسماعيل بن عبيدة الله بن الحباب، فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان وأصاب من مغانم الذهب والفضة والسبي كثيرا..)) (نفس المصدر).

هل يمكن الحديث عن الصحراء المغرب دون العودة إلى التاريخ المشرق للمرابطين؟ الجواب من الكتاب الذي سبق تقديمه لكريستوفر روس، والذي يحمل كثيرا من المعطيات في هذا الصدد، إذ تقول اللجنة التي أشرف على هذه الوثيقة، بقيادة بهيجة سيمو، وتضم كلا من الأساتذة حسن الفيكيكي وعبد اللطيف الشاذلي ومحمد حمام وعبد العزيز تيلاني: ((فقد عمل عبد الله بن ياسين الجزولي (الزعيم الروحي للمرابطين، استقدمه يحيى بن إبراهيم الكدالي)، على نشر المذهب المالكي وتوسيع النفوذ الصوفي المغربي إلى أقصى الحدود المغربية الجنوبية، والعمل في نفس الوقت، على تأمين المسالك التجارية، وليس أدل على ذلك من إقامة رباط عبد الله بن ياسين بمصب نهر السنغال.. ولا يخفى ما لهذه المعلمة التاريخية من أهمية لتأكيد مغربية الصحراء، وذلك بالنظر إلى ما تقوم به الربط والزوايا من وظائف دينية وتربوية، ناهيك عن مساهمتها في تحديد أماكن الاستقرار والمراقبة وتعبئة الناس للدفاع عن البلاد، ومن ثمة كانت تساهم بقوة وفعالية في إثبات السيادة المغربية على هذه الربوع.. وبعد انتظام أمر الصحراء، دخلت الدعوة الجديدة مرحلتها الثانية، حيث صار أمير المرابطين، يحيى بن عمر اللمتوني (1088)، قائدا للحرب، في حين صار عبد الله بن ياسين، الآمر الناهي والموجه الفعلي الحقيقي للمرابطين، الذين سرعان ما اشتهر أمرهم في بلاد الصحراء وبلاد القبلة وبلاد المصامدة وسائر بلاد المغرب، وأنه قام رجل بدكالة يدعو إلى الله وإلى الطريق المستقيم ويحكم بما أنزل الله، وأنه متواضع زهد في الدنيا، واشتهر كذلك ببلاد السودان.. وقد استجاب بن ياسين والمرابطون، بعد أن ذاع صيتهم في الإصلاح، لنداء سوس ودرعة وسجلماسة، وخرجوا في جيش عظيم من المرابطين، فبسطوا دعوتهم الجديدة على الصحراء كلها وتوجهوا نحو درعة وسجلماسة وبقية مناطق المغرب الشمالية..)) (نفس المصدر: كتاب “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية”).

كريستوفر روس أثناء توصله بكتاب «الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية»

هذا جزء فقط مما يشير إليه الكتاب سالف الذكر فيما يتعلق بالمرابطين، لكن.. ألا يمكن الحديث عن الصحراء المغربية في إطار الموحدين؟ الجواب من المؤلف الضخم والمكون من ثلاثة أجزاء، ويمكن اختصاره في هذه الجزئية: ((ازدادت الدولة المغربية متانة ورسوخا وقوة في عصر الموحدين، وذلك بإقامة مختلف النظم والمؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي شكلت الدعامة الرئيسية للدولة المركزية، وقد مكن ذلك من توسيع رقعة نفوذهم التي فاقت بكثير مجال سابقيهم المرابطين، حيث كان ملك الخليفة الموحدي يوسف بن عبد المومن (580هـ/1185م) مثلا من سويقة ابن مكتود قاصية بلاد إفريقية إلى أقصى بلاد نول من أرض السوس الأقصى إلى آخر بلاد القبلة، وملك بالأندلس من مدينة تطيلة قاصية بلاد شرق الأندلس، إلى مدينة شنترين من بلاد غرب الأندلس، يجبى إليه خراج ذلك كله دون مكس ولا جور.. وظلت سلطة الموحدين على الأقاليم الصحراوية متواصلة خلال عهد الخلفاء الذين أتوا بعد الخليفة يوسف بن عبد المومن، فظلت قبائل الصحراء المغربية، مثل بقية قبائل المغرب الأقصى وإفريقية، تستنفر للجهاد كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وهو ما حصل بالفعل لما قرر الخليفة يعقوب المنصور الموحدي (595 هجرية/ 1198 ميلادية) القيام بغزوة الأرك، سنة 1194 ميلادية، إذ كانت قبائل الصحراء المغربية من جملة القبائل التي تم استنفارها إلى جانب قبائل إفريقية والمغرب الأقصى، وبعد رجوع يعقوب المنصور ظافرا من تلك المعركة، استقر بمراكش، وأخذ البيعة لابنه محمد الناصر (1211 ميلادية)، فبايعه كافة الموحدين وبويع له في جميع أقطارهم وبلاد طاعتهم، وكانت طاعته قد عمت بلاد الأندلس بأسرها، والمغرب كله وإفريقية من طرابلس إلى بلاد نول من السوس الأقصى إلى الصحراء إلى بلاد القبلة، وما بين هذه البلاد من القرى والحصون والمعاقل والمدن والجبال والأودية وأهل العقد، من عرب وبربر كلهم كانوا مدينين طائعين لأمره منقادين لأحكامه، يجلبون له من خراجهم وزكاتهم وأعشارهم، ويخطبون له على منابرهم..)) (نفس المصدر).

يمكن الحديث عن الصحراء المغربية كذلك في عهد المرينيين، حيث ((حرص المرينيون على ترسيخ دعائم الحكم المركزي الموروث من عهد الموحدين، وبذلوا في سبيل ذلك مجهودات متواصلة لتشمل سلطتهم مجالات حكم الموحدين شرقا وغربا وجنوبا.. فعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتهم في المغربين الأوسط والأدنى، وفي الأندلس بسبب مناوشات بني زيان ومراوغات بني نصر، فإنهم حرصوا كل الحرص على أن تبقى الصحراء المغربية تابعة لهم لتأمين سلامة التجارة الصحراوية، مما اضطرهم إلى تنظيم بعض الحملات العسكرية إليها، كما فعل أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق المريني، حينما بعث ابنه الأمير يوسف، سنة 1284، إلى بلاد السوس برسم غزو العرب ومن بها من القبائل الخارجة، ففرت العرب أمامه إلى الصحراء، فتبعهم حتى بلغ الساقية الحمراء..)) (مقتطف من نفس المصدر).

ولا يمكن الحديث عن الصحراء المغربية دون الحديث عنها في فترة الوطاسيين والسعديين، ((وقد أبان الوطاسيون عن ضعفهم بسقوط العديد من المراسي المغربية في قبضة الإيسبريين البرتغاليين، والإسبانيين، وكان ذلك عاملا كافيا لاستنهاض همم المغاربة للدفاع عن حوزة بلادهم، واسترجاع المدن والموانئ المغتصبة، فقامت الحركة الجهادية في كل مكان، لكن أكبرها انطلق من الجنوب وتحديدا من التخوم الصحراوية، بسوس ووادي درعة، بزعامة الشرفاء السعديين، الذين تمكنوا، في ظرف وجيز، من استرجاع العديد من تلك الموانئ بدءا بأكادير.. وبدخولهم إلى فاس سنة 1549 ميلادية، استوثق لهم أمر المغرب، ولإظهار الحضور المخزني السعدي بالأقاليم الصحراوية، اجتاز محمد الشيخ مؤسس الدولة السعدية، أراضي الساقية الحمراء وزمور الصحراء، حينما توجه إلى أدرار سنة 1543 ميلادية، وكانت حملته مؤلفة من عدد كبير من الرجال والجمال.. وحينما انتصر المغاربة في معركة وادي المخازن ضد البرتغاليين، والمعروفة أيضا بمعركة الملوك الثلاثة سنة 1578، ظهر المغرب بمظهر الدولة القوية التي بإمكانها أن تؤثر على مجريات الأمور داخليا وخارجيا، وهو ما أبان عنه السلطان أحمد المنصور الذهبي، في سياسته الداخلية والخارجية، بفتحه لإصلاحات عديدة في مجالات مختلفة.. وإذا كان لحملة أحمد المنصور الذهبي إلى السودان دلالة تاريخية، فإنها تكمن في عبورها للساقية الحمراء ووادي الذهب، وتعبئة قبائل الصحراء التي شكلت أهم عناصر جيشه الذي كان يتألف من عناصر صحراوية من عرب تكنة والعروسيين وأولاد أبي السباع وفرقة صغيرة من العبيد، أما الجيش الآخر، فيتكون من الأندلسيين والشراكة في الغالب..)) (نفس المصدر/ بتصرف لكثافة المعطيات).

الملوك العلويون رسخوا تاريخ مغربية الصحراء كما كانت عليه في الماضي

قضية الصحراء المغربية ليست وليدة اليوم، ولا عزاء لمن لا تاريخ له(..)، فقد ظلت دائما مغربية وصولا إلى عهد الشرفاء العلويين: ((وقد زاد اهتمام السلاطين الأشراف العلويين، بالأقاليم الصحراوية، بعد توطيدهم لأركان الدولة المغربية من جديد، وذلك بتوحيد أراضيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، بعدما نال منها التمزق مداه، فكان لديهم حرص شديد على الحفاظ على المكتسبات التي حققها السعديون في السودان.. ولا غرو أن تتشبث الدولة العلوية الشريفة بالمجال الصحراوي المغربي، فهي أسرة شريفة تنتمي إلى الصحراء، وتحديدا إلى تافيلالت الواقعة في التخوم الشمالية الشرقية للصحراء المغربية، التي تربطها روابط عميقة، وليتأتى للعلويين الحفاظ على تلك الجهات، كان عليهم تأمين الطرق الصحراوية التي عبرها كان يتم التواصل مع بلاد السودان.. وفي سياق المحافظة على هذه المناطق، تفهم الحركات الموجهة من قبل مولاي الرشيد إلى السوس أو تزروالت وقاعدتها إليغ، التي دخلها سنة 1080هجرية/ 1670 ميلادية، والتي تعد بوابة الصحراء وملتقى المسالك التجارية الرابطة بين المغرب والسودان)) (نفس المصدر: “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية”/ الجزء الأول).

و((سيرا على نهج سلفه، قام السلطان مولاي إسماعيل (1672-1727 ميلادية) باسترجاع نفوذ المغرب على الصحراء كلها إلى حدود بلاد السودان، وذلك أثناء قيامه بحركة إلى المناطق الصحراوية سنة 1678 ميلادية، أي بعد مرور سبع سنوات فقط على توليه عرش أسلافه الميامين، وفي هذا الصدد، يقول الناصيري: إن مولاي إسماعيل استولى على صحراء السوس فبلغ أقا وطاطا وتيشيت وشنقيط وتخوم السودان، فقدمت عليه وفود العرب هنالك من أهل الساحل والقبلة ومن دليم وبربوش والمغافرة ومطاع وجرار، وغيرهم من قبائل معقل، وأدوا الطاعة، والطاعة هنا تفيد البيعة، مما يبين بجلاء تأكد الروابط التاريخية الشرعية العريقة الموجودة بين هذه الأقاليم الصحراوية وسلاطين المغرب، واستمراريتها طيلة العهد العلوي ..)) (نفس المصدر).

هذا فقط جزء يسير من الجزء الأول من كتاب “الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية” الذي قامت بالإشراف عليه الباحثة بهيجة سيمو، والعمل كله يتكون من ثلاث مجلدات تتضمن وثائق تاريخية، ومراسلات السلاطين، والمندوبين والمكلفين بشؤون الصحراء، وهو بذلك أضخم عمل وصل إلى علم الأمم المتحدة، عن طريق مبعوثها كريستوفر روس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى