تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | المغرب والجزائر.. من “خاوة خاوة” إلى “عداوة عداوة” 

استراتيجية السلاطين لمحاصرة أعداء الوحدة الترابية

كما يحدث في الدول الراقية، حيث يهيمن الوزراء السابقون على النقاش العمومي بفضل تجربتهم في دواليب الدولة، سطع نجم الوزير السابق عبد الكريم بنعتيق هذا الأسبوع من جديد، بعد أن خصص مقالا ضخما للحديث عن موضوع الصحراء المغربية في ضوء التحركات الأخيرة لتأمين معبر “الكركرات”.
فتحت عنوان: “الصحراء المغربية.. لماذا الإصرار على تجاهل الحقائق التاريخية؟”، قال بنعتيق: ((إن جل الدارسين وأهل الاختصاص والمتتبعين للشأن المغربي، مغاربة وأجانب، يقرون بأن المغرب دولة لها جذور تاريخية تكونت عبر قرون، فالاستعمار الأوروبي بشقيه الفرنسي والإسباني، قبل وبعد مؤتمر الجزيرة الخضراء، كان يعترف بالسيادة الكاملة للدولة المغربية على أراضيها، وهي السيادة التي تجسدت في مؤسسة السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم ومارسوه بتعاقد قائم بينهم وبين المغاربة)).

 

إعداد : سعيد الريحاني

    واستعمل نفس المصدر أسلوب المحاججة التاريخية لتأكيد مغربية الصحراء، حيث قال: ((كل من تعاقبوا على حكم المملكة المغربية، بدءا من المرابطين بجذورهم الجنوبية، والذين جعلوا من مراكش نقطة انطلاق لدولة كبيرة امتدت من الصحراء المغربية لتصل إلى مناطق عديدة منها الأندلس، مرورا بالحضور القوي للأقاليم الجنوبية في المنظومة الجغرافية والسياسية لدولة الموحدين والمرينيين، ووصولا إلى حكم السعديين بدولة امتدت من المحيط الأطلسي إلى تخوم السودان، ثم إلى مرحلة الدولة العلوية، حيث احتل ومازال أهل الصحراء مكانة متميزة لدى السلاطين العلويين)).

في ذات السياق، يقول عبد الكريم بنعتيق، بصفته وزيرا سابقا، وعضو مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية: ((إن البعض يصر على تجاهل جزء كبير من البديهيات التاريخية، خاصة من يتجاهل عن قصد شرعية تواجد المغرب في صحرائه، إذ يكفينا الرجوع – حسب قوله – إلى مجموعة من الأبحاث والدراسات التي تعمقت في الحضور المؤسساتي المغربي بالأقاليم الجنوبية، والتي تناولت بالدرس والتحليل وثائق عديدة تثبت ذلك، جزء كبير منها مازال محفوظا في أرشيفات مجموعة من الدول المعنية بالموضوع، مثل نزول الإنجليزي ماكينزي سنة 1879 بشواطئ طرفاية، مدعيا أنها أرضا خلاء، لكن بفضل ضغط الدولة المغربية آنذاك، وقعت بمراكش اتفاقية في 6 يوليوز 1895، بفضلها استرجع المغرب البنايات التي أنشأها الإنجليزي بمدينة طرفاية. هو إذن، حسب المؤرخين اعتراف بريطاني آنذاك بأن طرفاية والأراضي الواقعة جنوبها، جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية الشريفة، ومن ثم، لا نزول بشواطئها إلا بإذن خاص من سلطان المغرب)).. ومن نفس الحقائق التاريخية، يوضح المصدر نفسه أنه ((عندما وقعت إسبانيا وفرنسا معاهدة سرية سنة 1904، أتت بعد اتفاقية نونبر 1902 التي لم يوافق عليها البرلمان الإسباني، خصصت لمدريد بمقتضى هذه الاتفاقية منطقتان بالشمال والجنوب، مع التزام بين الطرفين بأن المناطق التي تخضع للحماية الإسبانية، يجب أن تكون تحت نفوذ خليفة للسلطان.. ومن أجل هذا، تم تعيين الأمير المهدي بن إسماعيل بظهير مؤرخ بـ 14 ماي 1913، خليفة للسلطان بتطوان، ومن ثم، فإن كل مناطق الحماية الإسبانية بالشمال والجنوب كانت خاضعة لخليفة السلطان بالشمال، ولتأكيد ذلك، استعان المؤرخون المغاربة بوثائق مهمة لا يرقى إليها الشك، مثل تعيين السيد السالك بن عبد الله من طرف خليفة السلطان بتطوان خليفة له على طرفاية بعد احتلالها من طرف الإسبان سنة 1916، وذلك بظهير خليفي مؤرخ بـ 22 دجنبر 1917، ثم تعيين السيد محمد الأغضف بن الشيخ ماء العينين، خليفة لخليفة السلطان بتطوان على سيدي إفني بعد احتلالها سنة 1934، بظهير مؤرخ بـ 1 أكتوبر 1934، ينضاف إلى كل هذا، تأكيد أهل الاختصاص، أن كل القوانين التي كانت تصدر عن خليفة السلطان بتطوان هي وحدها المرجعية التطبيقية بالأقاليم الصحراوية الخاضعة للنفوذ الإسباني، وكمثال على هذا الحضور القانوني، الظهير الخليفي المؤرخ بـ 12 فبراير 1941، والذي أكد على مغربية المياه الإقليمية للشاطئ الممتد من مصب نهر درعة إلى إقليمي طرفاية والساقية الحمراء)).

وبدون الالتجاء إلى لغة العاطفة، قال وزير الجالية السابق، أن المملكة المغربية وضعت سنة 1960 طلبا لدى الأمم المتحدة، تدعو من خلاله إسبانيا إلى الجلاء عن الأراضي المستعمرة بالصحراء المغربية، وجاء الجواب الإسباني في 19 أبريل 1961، عندما أكدت مدريد أن الصحراء إقليم إسباني، وفي سنة 1963، اعتبرت اللجنة الخاصة بتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، الأراضي الصحراوية مشمولة باختصاصاتها، وتبعا لذلك، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دجنبر 1965، قرارا تطالب فيه بإنهاء الاستعمار، وفي السنة الموالية، ناقش جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 22، قضية الصحراء المغربية من جديد، لكن هذه المرة انطلاقا من عرائض قدمتها إسبانيا والمغرب وموريتانيا كل من جانبه، يقر بأن الصحراء الغربية جزء من أراضيه. وفي 20 دجنبر 1966، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية تحت الرقم 29.22 تقترح فيها تقرير المصير في الصحراء من خلال استفتاء عام للسكان، لكن رد فعل مدريد كان هو إنشاء الجماعة الصحراوية التابعة لها سنة 1967.. ثلاث سنوات بعد ذلك، انعقدت بمدينة نواذيبو الموريتانية، قمة مغاربية ثلاثية ضمت كلا من الملك الحسن الثاني والرئيس بومدين والرئيس الموريتاني المختار ولد داده، كان موضوعها هو مناقشة مسألة الصحراء، وعبر الرئيس الجزائري صراحة وعلانية عن أنه لا أطماع لبلاده في المنطقة، حسب نفس المصدر.

ولم يفوت بنعتيق الفرصة دون التذكير بنباهة الملك الراحل الحسن الثاني، الذي بعث في 5 يوليوز 1974، رسالة إلى الجنرال فرانكو، ينبهه إلى ضرورة تفادي القيام بمبادرات فردية بشأن الصحراء، وفي الشهر نفسه، يطلب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.. جواب مدريد جاء في 20 غشت 1974 بإعلان نيتها تنظيم استفتاء لتقرير المصير ابتداء من غشت 1975، وعندما أكدت إسبانيا أن “الصحراء الغربية الموجودة جنوب خط العرض 27.4 درجة لا توجد داخل التراب المغربي المعني بالاتفاقيات الدولية”، هنا تغير موقف الجزائر المعلن في لقاء نواذيبو، معتبرة الموقف الإسباني فرصة لإبعاد الصحراء عن المغرب، ما سيجعل النقاش محصورا في ما بعد بين إسبانيا واللجنة الأممية لتصفية الاستعمار.. ومن هنا يجب التأكيد والاعتراف بأن فكرة التوجه إلى محكمة العدل الدولية من طرف الراحل الحسن الثاني، كان عملا استباقيا ذكيا بعمق استراتيجي، تمثل في القدرة على تطويق الأطروحة الإسبانية وتحويل النقاش حول الصحراء المغربية من ثنائية إسبانيا ولجنة الاستعمار، إلى صراع مغربي إسباني، عن طريق طرح سؤال جوهري غير مسار القضية عالميا، ونقصد بذلك التطرق إلى سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

الوزير السابق عبد الكريم بنعتيق

يقول بنعتيق في ورقته التي تقدمها “الأسبوع” دون تصرف كبير بالنظر إلى قيمتها التاريخية: ((إن قبول الأمم المتحدة لفكرة استشارة محكمة العدل الدولية، هو في حد ذاته اعتراف بأن المشكل المطروح آنذاك، يقتضي تفاوضا مباشرا بين المغرب والجارة إسبانيا.. وعندما نعود إلى المواقف السياسية لتلك الفترة، نجد أن الجزائر في البداية قبلت اقتراح فكرة استشارة محكمة العدل الدولية، لكنها تراجعت بسرعة وصرحت بأن رأي محكمة العدل الدولية لا يمكن أن يلغي مبدأ تقرير المصير. هذا الموقف أدى إلى أول اصطدام علني بين الرباط والجزائر، لاسيما أن المغرب ركز في مرافعاته أمام قضاة محكمة العدل الدولية على أن قبائل الصحراء كانت تجمعها روابط البيعة مع سلاطين المملكة المغربية، وذلك عبر قرون متتالية..)).

هنا يصل بنعتيق إلى عمق المشكل مع الجزائريين، فلنسف هذه الأطروحة، استعملت الجزائر المنظومة القانونية الغربية، متجاهلة خصائص المرجعيات القانونية الإسلامية التي توسعت وتعمقت في الدلالات الشرعية لمفهوم البيعة، متشبثة بمفهوم تقرير المصير للتأثير على قضاة محكمة العدل الدولية المطوقين بتكوينهم المتشبع بالمدارس القانونية اللاتينية.

ولم يكن جرد بنعتيق للأحداث ليمر دون إثارة المناورات التي عرفتها القضية داخل كواليس الاتحاد الإفريقي (الاسم الحالي)، على سبيل المثال في الدورة 38 لمؤتمر وزراء الخارجية للمنظمة الإفريقية المنعقد بأديس أبابا، انسحبت 19 دولة إفريقية احتجاجا على الأمين العام للمنظمة، الذي حاول إقحام الجمهورية الوهمية في حظيرتها دون سند قانوني، وفي سنة 1984، قرر المغرب الانسحاب حفاظا على وحدة هذه المنظمة، التي يعتبر من المؤسسين لها مع جيل الزعماء والقادة أمثال الملك الحسن الثاني والرئيس جمال عبد الناصر والزعيم نكروما، وآخرين.

يقول نفس المصدر: ((في هذه الفترة، أحس المغرب بأن القضية الوطنية قد تدخل مرحلة تدويل تجعل من المنطقة ساحة للمواجهة بين القوى العظمى، لاسيما أن الحرب الباردة كانت في تلك الحقبة هي السمة البارزة في تدبير تعقيدات الصراعات الكونية، من هنا بادر خلال الدورة 38 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في شتنبر 1983، باقتراح تنظيم الاستفتاء وقبول النتائج، وبذلك سحب البساط من تحت أقدام الدول المهيمنة آنذاك على منظمة الوحدة الإفريقية، التي كان أغلبها يدور في فلك الجزائر)).. هذه الخطة الذكية للمملكة المغربية كان من نتائجها القوية، جعل ملف الصحراء المغربية منحصرا في تدبيره في دواليب الأمم المتحدة دون غيرها، مع قبول المغرب بكل الآليات التي تحافظ على حقه المشروع في ضمان وحدته الترابية، وتجاوزا للتفاصيل المرتبطة بقبول المغرب سنة 1988 لخطة السلام المقترحة من قبيل الأمين العام للأمم المتحدة، ثم مصادقة مجلس الأمن على القرار 690 بتشكيل بعثة أممية لتنظيم الاستفتاء، ثم موافقة مجلس الأمن في غشت 1991 على خطة التسوية التي تضمنت ثلاث نقط هي: تشكيل لجنة لتحديد هوية الناخبين، الاتفاق على وقف إطلاق النار، ثم انتشار مراقبين أمميين مهمتهم الوحيدة هي مراقبة وقف إطلاق النار، بعد ذلك تبينت استحالة الاستمرار في عملية تحديد الهوية، نظرا للخلاف الجوهري الواقع حول من له الحق في التصويت، هذا الإشكال كان فرصة جديدة أظهر فيها أعضاء جبهة البوليساريو أنهم لا يملكون سلطة القرار، رغم مجهودات المنتظم الدولي وجزء من القوى الفاعلة دوليا، التي أصبحت تقتنع يوما بعد يوم باستحالة تنظيم الاستفتاء.

قد يقول قائل إن الجزائر لا علاقة لها بملف الصحراء، لكن بنعتيق يقدم الجواب عن ذلك بالأدلة موضحا: ((في هذه الفترة بالضبط، ظهرت الوصاية المطلقة التي تمارسها الجزائر على جبهة البوليساريو، بحيث تحولت من مساند إلى طرف أساسي في الصراع، وحجتنا في ذلك، المذكرة التي بعثها سنة 2001، الرئيس الجزائري بوتفليقة، إلى كل من كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، ومبعوثه الخاص جيمس بيكر، حول رفض الجزائر خيارات الاتفاق الإطار.. غير أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، ففي سنة 2002، زار الرئيس بوتفليقة مخيمات تندوف في الذكرى 26 لتأسيس الجمهورية الوهمية، وهي بالمناسبة أول زيارة لرئيس جزائري للمخيمات.. فكان جواب المغرب هو الزيارة الملكية للأقاليم الصحراوية رفقة أعضاء الحكومة آنذاك، وبعدها، أي في أبريل 2004، بعث المغرب بمذكرة للأمين العام للأمم المتحدة يعلن فيها أن فكرة الاستفتاء لتقرير المصير أصبحت متجاوزة، وفي السنة نفسها، قدم جيمس بيكر استقالته وانسحب نهائيا من الملف كمبعوث خاص للأمين العام للمنتظم الدولي)).

إن مشكلة البوليساريو تتلخص، حسب بنعتيق، في عدم امتلاكها لسلطة القرار، فـ((كم من فرصة ضاعت لغياب سلطة القرار لدى جبهة البوليساريو؟ يكفي الوقوف عند بعض هذه الفرص، مثل لقاء وفد من الجبهة مع المرحوم الحسن الثاني بمراكش سنة 1990، وبعدها مباشرة مع الملك محمد السادس، يوم كان وليا للعهد، وفي ذلك دلالة على أن الملك الراحل كان مستوعبا لتحديات المستقبل. محطات أخرى ضاعت مثل لقاء الطائف بالسعودية الذي استمر أياما طويلة بحضور قياديين صحراويين من الطرفين)) يقول بنعتيق، قبل أن يصل إلى خلاصة كبيرة، وهي أن ((جل الأوساط المتابعة للقضية الوطنية، اقتنعت بأن الخلاف والصراع ليس مع شباب تمرد وانفصل، لكن للأسف مع دولة شقيقة)).

‫2 تعليقات

    1. Non monsieur vous vous trompez lourdement contraire le Maroc est connu mondialement le plus grand défenseur de la cause palestinienne dans tout les domaines et jamais il ne cessera de le faire par contre le régime Harki il parle beaucoup mais il ne fait rien mais vraiment rien il prend cette cause comme une carte de propagande contraire pour le Maroc c’est une cause nationale donc ne tombe pas dans le piège et la propagande du régime faible champion de la trahison la preuve ce régime Harki il devient de plus en plus isolé du monde puisque la planète entière a compris que c’est un régime infréquentable

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى