تحليلات أسبوعية
تحليل إخباري | بوزنيقة المغربية تتفوق على برلين الألمانية في حوار الأزمة الليبية
البعد الأخوي يفرض نفسه
إعداد : سعيد الريحاني
تماما كما حصل أيام “الانقلاب المدني” على الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، عندما انقسم الليبيون إلى كتائب وثوار في ليبيا، فكان المغرب ملجئا للمصابين والجرحى من كلا الجانبين، لدوافع أخوية وإنسانية.. بلغت أوجها بوقوف المغرب وراء مبادرة “اتفاق الصخيرات” الذي جمع كل الفرقاء الليبيين خلال شهر دجنبر 2015، وهو الاتفاق الوحيد الذي بلغ مستوى متقدما منذ الإطاحة بالقذافي رغم المناورات الدولية(..)، حيث كان توقيع هذا الاتفاق برعاية الأمم المتحدة.
بوزنيقة ليست هي الصخيرات، لكن نفس روح الحوار عادت من جديد بين الفرقاء الليبيين الذين حضروا وعلى رأسهم وفد المجلس الأعلى للدولة، ووفد آخر يمثل مجلس النواب المنعقد في طبرق، الموالي لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
ويكمن بعد النظر المغربي، في وقوفه على مسافة واحدة مع كافة الأطراف، بخلاف دول أخرى تدعم طرفا على حساب طرف آخر، كما يحصل مع الدول التي تدعم عودة الجنرال حفتر، الذي خسر عدة معارك في الميدان، ورغم أن حفتر هاجم “اتفاق الصخيرات” في تصريحات إعلامية، معتبرا أنه انتهى، إلا أن الزمن أثبت العكس، وها هم مبعوثو الجنرال ينوهون بالدور المغربي، بل إن “اتفاق الصخيرات” عاد للحياة في ليبيا.
ورغم أن المجتمعين لا ينتمون إلى الصف الأول من أطراف الصراع في ليبيا حيث لم يحضر لا حفتر ولا فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق المنبثقة عن اجتماعات الصخيرات، إلا أن شعار المرحلة كان هو تحقيق توافقات مهمة، فقد ((أعلن وفدا مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، في اليوم الثالث من المشاورات التي احتضنتها مدينة بوزنيقة، عن الوصول إلى تفاهمات مهمة من أجل التوافق على حل سلمي، وطي صفحة الخلاف، وقال الوفدان في تصريح صحافي رسمي: إن المشاورات في المغرب، حققت تفاهمات مهمة تتضمن وضع معايير واضحة تهدف للقضاء على الفساد والحد من إهدار المال العام، ثم إنهاء حالة الانقسام المؤسساتي)) (المصدر: هسبريس 8 شتنبر 2020).
لفهم معنى التوافقات المهمة، ينبغي العودة إلى “اتفاق الصخيرات” الأول، وهو الاتفاق الذي يحتوي على مادة تحمل الرقم 15، وقد كانت مركز التفاوض في الاجتماعات الجديدة، حتى أن صداها أخذ بعدا دوليا، لتقول قناة مثل “الجزيرة”، أن ((المادة 15 من اتفاق الصخيرات، هي عقدة المفاوضات الليبية بالمغرب))، لتشرح نفس القناة ما يلي: ((تشكل المادة 15 من اتفاق الصخيرات المحور الأساسي في المفاوضات الجارية بين وفدي التفاوض الليبي في مدينة بوزنيقة المغربية، التي أعلن الطرفان أنها حققت تفاهمات مهمة في مفاوضات الحوار المتواصل بين وفدي مجلس النواب بطبرق والمجلس الأعلى للدولة، مما يمهد الطريق لإتمام عملية تسوية سياسية شاملة في ليبيا، ويعتبر لقاء مدينة بوزنيقة جنوبي العاصمة الرباط، الأول من نوعه الذي يجتمع فيه طرفا الأزمة وجها لوجه منذ هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في أبريل من العام الماضي، كما يأتي بعد زيارة كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، للمغرب في وقت متزامن قبل أسابيع، وتنص المادة 15 في اتفاق الصخيرات على أن مجلس النواب يقوم بالتشاور مع مجلس الدولة خلال 30 يوما، بهدف التوصل إلى توافق حول شاغلي المناصب السيادية)) (المصدر: قناة الجزيرة).
بالملموس، فإن الفرقاء الليبيين الذي اجتمعوا في بوزنيقة، يفترض أنهم اتفقوا على أسماء مرشحة لشغل المناصب التالية، وهي: محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس جهاز مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام..
وكانت الأطراف الليبية قد طالبت بتمديد إقامتها في المغرب، لحشد مزيد من التوافق حول النقاط الخلافية.. ويمكن القول إن نجاح لقاء بوزنيقة يشكل ضربة كبرى لمؤتمر برلين، الذي انعقد في ألمانيا وعرف إقصاء مقصودا للمغرب، بل إنه جاء لحجب الرؤية عن “اتفاق الصخيرات”، رغم أنه يعتبر الاتفاق الأساس في الأزمة الليبية من الناحية العملية، فلولاه لما كانت هناك أطراف ليبية يمكن التحاور معها أصلا، بعد أن دخلت ليبيا في دوامة الحرب الأهلية، لكن المغرب كان سباقا إلى جمع الليبيين المتحاربين في الصخيرات يوم 17 دجنبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر، وقد بنيت على أساس “اتفاق الصخيرات” لبنة الدولة الجديدة في ليبيا، ففيه تمت المصادقة على البنود المؤسسة لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وتدابير الثقة، والترتيبات الدستورية والأمنية، غير أن المجتمعين في برلين بذلوا مجهودا خرافيا من خلال التلاعب في لائحة الحضور وجدول الأعمال، لمسح “اتفاق الصخيرات” من الوجود، وكأنها مؤامرة على المغرب(..) (المصدر: الأسبوع عدد 23 يناير 2020).
وسبق لـ”الأسبوع” أن نبهت إلى خطورة لقاءات مثل لقاء برلين، حيث أن ((أغلب المجتمعين لا علاقة لهم بالأزمة الليبية، ما يجعل الاجتماع مجرد تغطية على النقاش الحقيقي(..)، فضلا عن تطوير هذا الاجتماع ليشمل الاتحاد الإفريقي ممثلا بدولة الكونغو، التي استدعيت في آخر لحظة بدعوى أن الاتحاد الإفريقي كلف رئيسها دنيس ساسو نغيسو، قبل ثلاث سنوات، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية، وهو مبرر مضحك، لأن تأسيس هذه اللجنة لا يرقى إلى مستوى لقاء الصخيرات، كما أن اجتماع برلين تفوح منه رائحة التآمر على الوحدة الترابية المغربية، ذلك أن انفتاحه على إفريقيا اقتصر على جمع أطراف تبدو محايدة وأطراف أخرى تميل لمساندة البوليساريو، ما يعني أن هذا التحالف الذي أعلن عن نفسه في شكل “اجتماع”، قد يكون مجرد مقدمة لتحالف كبير من أجل الاستمرار في التدخل في شؤون دول شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب(..))) (نفس المصدر).
وبغض النظر عن مصير الحرب في ليبيا، وهي العملية التي تورطت فيها عدة أطراف، فإن العودة إلى “اتفاق الصخيرات” يعني العودة إلى الاتفاق الأصلي، والاتفاق الأصلي الموقع بالأحرف الأولى سنة 2015، يعني تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة.
وقد حضر هذا الاتفاق الأممي برعاية مغربية، وفد مجلس النواب الليبي المنحل بطبرق، ووفد يمثل النواب المقاطعين لجلساته، وآخر يمثل المستقلين، وممثلون عن عدد من البلديات منها مصراتة وطرابلس، وحضره المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، إضافة إلى وزير خارجية المغرب السابق، صلاح الدين مزوار، كما حضره السفراء والمبعوثون الخاصون إلى ليبيا، إضافة إلى ممثل الاتحاد الأوروبي بليبيا، وتضمنت المسودة الأممية ثلاث نقاط هي: تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن، وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد نص المقترح الأممي على ((تشكيل حكومة الوفاق الوطني على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص، وتكلف الحكومة بممارسة مهام السلطة التنفيذية التي تتكون من مجلس للوزراء يرأسه رئيس مجلس الوزراء، وعضوين نائبين، وعدد من الوزراء، ويكون مقرها بالعاصمة طرابلس، ومدة ولايتها عام واحد))، أما الثانية، فتشير إلى أن ((السلطة التشريعية للدولة خلال المرحلة الانتقالية – التي لم تُذكر مدتها- تضم مجلس النواب المنتخب في يونيو 2014، أي برلمان طبرق))، والثالثة جاء فيها أن ((المجلس الأعلى للدولة، وهو أعلى جهاز استشاري، يقوم بعمله باستقلالية، ويتولى إبداء الرأي الملزم بأغلبية في مشاريع القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التي تعتزم الحكومة إحالتها على مجلس النواب، ويتشكل هذا المجلس من 120 عضوا)) (المصدر: وكالات).
هكذا إذن، وجهت بوزنيقة، المدينة الصغيرة، إشارة قوية في تدبير الحوار لمدينة أكبر وأعظم هي برلين، في انتظار تطور الأمور بين الفرقاء الليبيين، حيث الأخوة المغربية الليبية بين الشعبين يمكن أن تكون صمام أمان كل الاتفاقات.
تتمة المقال تحت الإعلان