تحليل إخباري | الشبيبات الحزبية تتزعم مبادرة لمصادرة حق الشباب المغربي في ممارسة السياسة
عندما يلتقي الفساد السياسي عند الكبار بالريع السياسي للصغار
23 يوليو، 2020
0 4 دقائق
إعداد : سعيد الريحاني
عندما انخرط عبد الرحمان اليوسفي في حزب الاستقلال سنة 1944، كان عمره 20 سنة فقط، قبل أن يتدرج في جيش التحرير رفقة الزعيم الفقيه البصري، وبعدها اندمج سياسيا مع الزعيم المهدي بنبركة الذي درسه الرياضيات.. وعندما حصل القطب الحركي المحجوبي أحرضان على ترخيص بتأسيس حزب الحركة الشعبية كفكرة جاءت لإعدام التعددية، سنة 1959، كان عمره 40 سنة فقط، وما هي إلا سنوات قليلة، حتى شرع الشاب السياسي في تقلد المناصب، بدأت بوزير للفلاحة ثم وزيرا للفلاحة والإصلاح الزراعي في يونيو 1965، ثم وزيرا للدولة مكلفا بالدفاع الوطني، وبعد ذلك وزير دولة ووزير دولة مكلف بالبريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان، ووزيرا للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، ووزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني..
هكذا كان الشباب يبدؤون حياتهم السياسية في المغرب، بغض النظر عما إذا كانوا يختارون خندق المعارضة أو الموالاة، وكل من الشباب كان يؤدي ثمن مرحلة الشباب في صمت، وعزيمة منقطعة النظير..
اليوم، وبدون ذكر الأسماء، وقف الشباب “يا حسرة” يتسولون المناصب على عتبة زعماء الأحزاب، بينما الأصل أنه يمكنهم تشكيل قوة سياسية كافية لإسقاط الزعيم، بل إن قمة التناقض، تكمن في جمع جميع الشبيبات الحزبية داخل خندق واحد، والحال أن كل شاب يجب أن يدافع عن حقه في الوجود داخل التنظيم السياسي الذي ينتمي إليه، علما أن شباب اليوم لا أثر لهم في الساحة السياسية مقارنة مع شباب أحزاب الأمس، ومنهم من لازالوا يحكمون المغرب إلى حدود اليوم، بسبب ضعف شباب اليوم(..).
والنموذج ليس ببعيد.. فنفس الوفد الذي التقى مؤخرا عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التقى بإدريس لشكر، فكانت الملاحظة الأولى من الصور المسربة، أن بعض الشباب يحملون ثلاثة هواتف نقالة ويستعرضون مفاتيح سياراتهم، كما أن بعضهم لم يكن يحمل أي ملفات أو اقتراحات، وكل ما حصل، هو ترويج كلام عام، حيث كتبت الصحافة عن لقاء أخنوش مع ممثلي الشبيبات الحزبية، أن ((أخنوش أعرب خلال هذه المناسبة، عن دعمه وتشجيعه للمبادرات الرامية إلى ترصيد مكتسبات ولوج الشباب للعمل الحزبي، وتقوية التنظيم والتنسيق بين الشباب على اختلاف توجهاته السياسية، كما عبر رئيس التجمع الوطني للأحرار عن ترحيب الحزب بهذه المبادرة في وقت تعاني فيه الساحة السياسية من فراغ وعزوف سياسي للشباب، مشيرا في نفس الوقت إلى ضرورة استمرار هذا العمل البناء، بغض النظر عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة)) (المصدر: جريدة الصباح)، وعندما التقى نفس الشباب بالكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، فهم المعنى، والمغاربة يقولون “إذا ظهر المعنى لا فائدة من التكرار”(..)، حيث قال إدريس لشكر، إنه لا خلاف حول وجود الشباب في اللائحة الوطنية، بمعنى أن الشباب الذين يتجولون بين مقرات الأحزاب، لا يدافعون في الحقيقة سوى عن أنفسهم، وعن رغبتهم في الوصول عبر الطريق السريع إلى البرلمان، بدل الطريق العادي الذي يتطلب المرور من اختبار الانتخابات ونيل ثقة المواطنين.
ماذا يريد هؤلاء الشباب، الذين يغامرون بلقاءات في زمن “كورونا”؟ الجواب يمكن معرفته من خلال التغطيات الصحفية، التي قالت: ((إن ثمان شبيبات حزبية شرعت في عقد لقاءات مع قيادات عدد من الأحزاب السياسية، من أجل الترافع عن تمثيلية الشباب في المجالس المنتخبة، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لعام 2021، ويتعلق الأمر بشبيبات الأحزاب الممثلة في البرلمان، باستثناء شبيبات أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أي شبيبات التجمع الوطني للأحرار، والعدالة والتنمية، والاتحاد الدستوري، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، والتقت هذه الشبيبات كلا من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، والأمين العام لحزب الاستقلال نزار البركة، كما ينتظر أن تلتقي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله (بالإضافة إلى لقاء أخنوش))) (المصدر: موقع العمق المغربي).
تبعا لذلك، يمكن القول إن تمثيلية الشباب المغربي في البرلمان المغربي بالنسبة لهذه المجموعة، التي لم تحصل على إذن بالقيام بهذا العمل من أعضاء تنظيماتها للخوف من مشاكل في الشرعية(..)، تتمثل في الدفاع عن مقاعد لصالحهم، بدعوى تمثيل الشباب، والشباب بالنسبة لهم هو شباب 8 أحزاب موجودة في البرلمان، بمعنى “أنا ومن بعدي الطوفان”، إلى هنا يطرح سؤال: ما فائدة لوائح الشباب أصلا؟ لماذا لم نجد هؤلاء الشباب في دوائر التواصل مع الحركات الاحتجاجية التي شهدها المغرب؟ ولماذا لا يتمتع أصحاب هذا الريع الانتخابي بأي شرعية في الشارع، الذي تفسر كل تحركاته بأنها تحركات اجتماعية، ومطالب شبابية؟ ماذا يفعل الشباب في الشارع إذا كان هناك من يمثلهم في البرلمان؟
فالأمر لا يعدو كونه مجرد متاجرة في أحلام الشباب، والشباب لا يوجدون في الغالب داخل الشبيبات الحزبية(..).
إن هاجس الريع الانتخابي، الذي حرك هؤلاء الشباب، لا يمكن أن يساهم إلا في تزكية الفساد السياسي الذي يتزعمه الكبار، علما أن كوطا الشباب، وجلهم عمل في الولايات النيابية الأخيرة للمغرب على خدمة أجندات أجنبية تستهدف التشريعات الوطنية، غير دستورية، وسبق لـ”الأسبوع” أن نبهت لهذه “الخديعة الكبرى”، فكوطا الشباب والنساء غير دستورية، ذلك أن وجود الشباب في إطار الكوطا داخل البرلمان، يقتضي التساؤل عن السند الذي استند عليه المشرع ليعطيهم هذا الحق، غير أن المفاجأة كانت كبيرة، فوجود هؤلاء الشباب داخل البرلمان ليس له سند دستوري، وحتى إن وجدت بعض القوانين المنظمة للعملية، فإن ذلك لا يعني سوى فضيحة دستورية، لأنه لا يمكن الاجتهاد في غياب نص دستوري، وهو الأمر الذي يتطلب تدخل المحكمة الدستورية، وقد سبق لـ”الأسبوع” أن كتبت أن ((مخاطر هذا النوع من التشريعات الذي يسير نحو لائحة وطنية، كانت بالأمس مخصصة للنساء وأصبحت اليوم للشباب والنساء، وقد تضاف فيها غدا أي فئة تحتج في المجتمع، مثل أعوان وموظفي الجماعات المحلية أو موظفي كتابة الضبط أو رجال التعليم… مما يبين أن منتجي القوانين لا يقيسون الكلفة والمخاطر في وضع النصوص، وأكثر من ذلك، أن مشاتل الأحزاب تحتضن نخبا ذات عقلية بسيطة لها سوء تقدير للغليان الاجتماعي الذي يعيشه المغرب، وسوف تدفع بقوة بزوجاتها وأبنائها وبناتها إلى البرلمان من خارج قواعد التداول ومعايير الترشيح)).
هي إذن، مبادرة لإقصاء الشباب من طرف الشباب، بتواطئ مع زعماء الأحزاب، والأصل، أن يعود هؤلاء الشباب إلى تنظيماتهم ونيل التزكية للحديث باسم الشباب في إطار مؤتمرات وطنية، كما يجب فتح مقرات الأحزاب أمام الشباب المغربي في إطار استراتيجيات جديدة مغرية للعمل السياسي، وليس تكريس العزوف بالدفاع عن “كوطا” لا تمثل أحدا(..).