تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | محاولة تأسيس حزب أمازيغي على أنقاض محاولات فاشلة

بين الحجر الصحي والحجر السياسي

إعداد : سعيد الريحاني

    روجت عدة مواقع لقصاصة صحفية لا تتضمن أية تفاصيل حول تحركات فعاليات أمازيغية لتأسيس “حزب أمازيغي” جديد، رغم أن الفكرة ليست جديدة وسبق أن باءت محاولاتها بالفشل.

تقول القصاصة: ((في فترة الحجر الصحي، باشرت وجوه معروفة في صفوف الحركة الأمازيغية سلسلة لقاءات داخلية ومفتوحة من أجل حشد أكبر عدد من الداعمين لفكرة تأسيس حزب، وأطلقت الفعاليات ذاتها نداءات بمختلف أقاليم المملكة من أجل التمكن من استيفاء الشروط التي تفرضها وزارة الداخلية، وهو ما حققته بتواصلها مع وجوه بارزة أخرى من مناطق متفرقة، حسب ما أوردته مصادر من التنظيم الأمازيغي نفسه)).

داخل القصاصة، لا توجد أية تفاصيل، وعما إذا كان الأمر يتعلق بعمل تأسيسي جدي أو لجنة تحضيرية مؤقتة، أو خلايا فكرية(..)، ولكن فكرة تأسيس حزب أمازيغي، سبق أن أعدمت في مهدها في محاولات سابقة، بسبب طابعها العرقي(..).

وبينما تتابع الفعاليات الأمازيغية باهتمام شديد الحالة الصحية للمحامي أحمد الدغرني، وهو رائد فكرة تأسيس حزب أمازيغي في المغرب سنة 2005، ويحظى بشعبية كبيرة في بعض الأوساط البعيدة عن بعض رموز الحركة الثقافية الأمازيغية، باعتبارها أكثر تشددا، عادت فكرة الحزب الأمازيغي للظهور مجددا، دون بروز نجم الدغرني، صاحب “الفكرة الأصلية” كما يشهد بذلك أصدقائه، ومنهم من يتابع بتعاطف كبير تطورات حالته الصحية، كما يتابع تطورات الحالة الصحية لقطب أمازيغي آخر في العمل السياسي، هو القيادي الحركي المحجوبي أحرضان، مؤسس الحركة الشعبية، التي كانت تنهل من التراث الأمازيغي.

وتطرح فكرة تأسيس حزب أمازيغي عدة مشاكل على أرض الواقع، منها ما يتعلق بالدستور الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس عرقي أو ديني، ومنها ما يتعلق بالوجوه التي بصمت على مسار متطرف طيلة السنين الأخيرة، حيث كانت هذه المجموعة تثير غضب الشارع بسبب مهاجمتها للدين الإسلامي ورموزه، وكذا أسس الدولة.

من الحزب الأمازيغي الممنوع بقرار من القضاء سنة 2008، وصولا إلى حزب “تامونت” في نسخة “التفاحة” (حزب التجديد والإنصاف) لشاكر أشهبار(..)، أو في نسخة “الوحدة” التي جمعت فعاليات أمازيغية لم تندمج مع أشهبار، سنة 2016، وصولا إلى تجارب حزبية لم يتعرف عليها كثير من المغاربة بسبب ضيق دائرتها، ظلت فكرة “الحزب الأمازيغي” تراوح مكانها.. إلا أنها عادت للظهور مؤخرا، ارتباطا بالدينامية الحاصلة في شمال إفريقيا ككل(..).

فـ((كل متتبع لما يجري في شمال إفريقيا، سوف يلاحظ حضور الأمازيغية في ما يعتري المنطقة من دينامية، وما تعرفه من حراك.. بدا ذلك مع الربيع الديمقراطي، وكانت ترمز لذلك الأعلام الأمازيغية التي كانت ترفرف في المسيرات في شوارع المغرب وتظاهرات ليبيا، وبعده في حراك الريف في المغرب، فحراك الجزائر، سواء في تظاهرات الداخل أو الخارج.. وتؤشر هذه العودة إلى مرحلة جديدة في مسار الحركة الأمازيغية، التي كانت قد توارت إبان المعركة من أجل الاستقلال، حيث عاش المغرب والجزائر شبه صدمة، وشبه إنكار ثقافي وسياسي للأمازيغية، جراء ما سمي بالظهير البربري، الذي أصدرته السلطات الاستعمارية في المغرب سنة 1930، المقر بالأعراف الأمازيغية في المناطق الناطقة بها، ونُظر إليه كسعي للتفرقة بين العرب والبربر)).

هذا التشخيص السالف الذكر، هو الذي يقدمه على سبيل المثال باحث ملم بالتفاصيل، هو الباحث الأمازيغي حسن أوريد، الذي سبق له أن شغل منصب مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، وهو نفسه كان محط أنظار سنة 2014، باعتباره مشاركا في التحضير لتأسيس حزب أمازيغي، لكنه نفى ذلك، رغم التفاعل الجاد الذي أبدته عدة أطراف مع الفكرة.

يقول حسن أوريد، الذي يعرف أكثر من غيره التشعبات الأمازيغية(..)، أن ((الاتجاهات في الحقل الأمازيغي المغربي تجسدها ثلاث اتجاهات: أولها: اتجاه يطالب بتفعيل التزامات الدولة، في المغرب كما في الجزائر، ويشتغل على السقف الذي تفرضه الاهتمامات الثقافية، إذ لا يعيد النظر في سياسة الدولتين، ثقافيا ولا سياسيا، بقدر ما يطالب بتفعيل ما تقرر، ثانيها: اتجاه يغلب الجانب السياسي، ويركز على الخصوصية الأمازيغية، سواء في المناطق الناطقة بالأمازيغية، أو لدى “العنصر” الأمازيغي، من خلال لغته وثقافته وعاداته، بل وعرقه، وأخيرا: اتجاه مستتر، يلتقي مع الثاني في القول بأن الأمازيغية ذات طبيعة سياسية، ويختلف معه في النظر إلى أن الأمازيغية ليست تعبيرا عن خصوصية محلية، ولكن كانتماء حضاري، ومن ثمة، فهي التعبير عن رمز وحدة شمال إفريقيا، والإقرار بكل التأثيرات الثقافية التي عرفتها، ولذلك فهي لا تدعي الصفاء العرقي، ولا التنميط الثقافي)) (المصدر: حسن أوريد/ مقال بتاريخ 16 أبريل 2019) .

نموذج الرعاية الأمريكية لمشاريع التفكير في حزب أمازيغي

باختصار، يشرح أوريد أن الاتجاه الأول، رغم شرعية مطالبه الثقافية وعمله الأكاديمي وواقعيته، محدود التأثير، بل إنه متجاوز، والاتجاه الثاني، قابل للاشتعال، لأن من شأنه أن يفرز ردود فعل قوية، إما من لدن السلطات التي قد ترى في خطاب الخصوصية مطية للانفصال، أو حتى من اتجاهات سياسية مؤثرة، إما من مخلفات خطاب الحركة الوطنية، أو من الحركة الإسلامية، أو جيوب القومية العربية، المؤثرة على مستوى الإعلام العربي والدولي، أو حتى من عناصر قد تدفع بأصولها العربية، أما الاتجاه الثالث، فعيبه أنه نخبوي وضامر، وينظر له الناشطون الأمازيغ، خاصة من يتمسكون بالخصوصية، بكونه رخوا إن لم يكن متخاذلا، كما تنظر له السلطات بتوجس.. وهاته هي المعضلة كما شرحها أوريد، ولا يختلف معه أحد فيها على الأرجح(..).

لكن تبقى أكبر مخاطر تحريك السياسة في حقل الأمازيغية، هو الخلفيات المرسومة عن الموضوع، فالراية الأمازيغية التي ساهمت في سقوط القذافي، لم يظهر لها أي أثر في مستقبل الصراع الليبي، بل إنها اختفت عندما بدأ التناحر بين الأطراف الليبية، وحتى محاولات تأسيس حزب على سبيل المثال في ليبيا، سقطت في كنف “الفكرة الانفصالية” المدعومة من الخارج، ولا أثر لها في الداخل، زيادة على كون هذا النوع من الأحزاب في بلدان أخرى، كان مصيره في أحسن الأحوال، تأسيس حكومة منفى(..)، تأخذ مساحة في الإعلام في بعض الأحيان وسرعان ما تعود للضمور.

وربما يكون من الأخطاء القاتلة، ربط الفكرة بمنتديات التفكير العالمية، وسبق لـ”الأسبوع” أن قدمت نموذجا لذلك للمجتمعين في مراكش على أنقاض كل التناقضات(..) على أرضية أعدتها “مجموعة الذكاء الجماعي الأمازيغي”، في إطار ما يعرف بـ”التينك تانك”، Amazigh intelligence think-thank وهي المجموعة التي تشتغل برعاية “ميبي” (MEPI) وهي الأحرف المختصرة لعبارة “Middle East Partnership Initiative”، أو ما يسمى “مبادرة الشراكة للشرق الأوسط” (انظر الأسبوع عدد 31 دجنبر 2015).

ولكن الفكرة فقدت هيبتها الأمريكية مباشرة بعد كشفها من طرف “الأسبوع”، في ذلك الوقت، إذ كيف يمكن الاطمئنان لفكرة إنشاء إطار سياسي، بينما تقول الأوراق التأسيسية ما يلي: ((.. كرر الوافدون على شمال إفريقيا نفس الاستراتيجية ونفس الأسلوب السياسي، للوصول إلى التحكم في السلطة وإقصاء الأمازيغ منها ومقاومة هويتهم وثقافتهم، ولم يستطع الأمازيغ تطوير آليات عملهم، سواء من الناحية التنظيمية أو من الناحية الفكرية والإيديولوجية، للوقوف ضد الظلم، فلما قدم العرب الوافدون من الشرق في القرن السابع، استثمروا فكرة كون الأمازيغ عرب قدامى قدموا من اليمن عن طريق الشام والحبشة، وما غزوات عمرو بن العاص وعقبة بن نافع إلا لربط صلة الرحم، وفي القرن التاسع عشر، يعيد الوافدون الأروبيون نفس الأطروحة، أي أن الأمازيغ من أصل أوروبي جرماني، وما جيوش الاستعمار إلا حلقة ثانية لربط صلة الرحم، وفي كلتا الحالتين، يقاوم الأمازيغ في كل بقاع شمال إفريقيا بنفس الطرق، بجماعات متفرقة ودائما بواحدة بعد استسلام الأولى، لماذا لم يغير الأمازيغ طرق عملهم رغم مرور 12 قرنا؟)).

أليست ورقة من هذا النوع مقدمة لحرب أهلية؟ أين هي المرجعية السياسية فيما سبق، أليس الموضوع ذا مرجعية “انتقامية”، ويميل أكثر إلى تطبيق أجندة أجنبية، تأكدت في عين المكان برفع العلم الأمريكي بدل العلم المغربي، وكانت تلك حيلة المجتمعين للتخلص من رقابة السلطة المحلية، حيث يتطلب منع نشاط أمريكي في المغرب، مسطرة أخرى غير المسطرة المعروفة(..)؟

هكذا إذن، عادت فكرة تأسيس حزب أمازيغي إلى الظهور، لكن التوجس من الفكرة لازال قائما، بسبب تراكم الفشل، والأخطاء الفادحة، وغياب الرؤية الواضحة، وهو ما يجعل الفكرة حتى الآن مستترة تحت غطاء الاستقطاب السياسي بين بعض الأحزاب، وهذا موضوع آخر(..).

تعليق واحد

  1. بغض النظر على المقتضيات الدستورية والقانون التنظيمي الاحزاب اللذان يحظران قيام الاحزاب السياسية على أساس عرقي. او ديني، فان المنطق يرفض ان يكون بالمغرب حزب امازيغي قد تنبثق عنه احزاب سوسية او ريفية او شلحة وقد يستدعي قيام حزب عروبي او صحراوي او جبلي او يهودي ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى