ملف | عندما قال الهمة بأن الأصالة والمعاصرة انحرف عن سكته
يأتي هذا المقال في إطار الملف الأسبوعي ” هل انحرف حزب الأصالة والمعاصرة بعد رحيل الهمة؟ ” فقط على alousboue.com
يفتخر الهمة ومعه الكثير ممن التحقوا بحزب الأصالة والمعاصرة فيما بعد، بكونهم جاؤوا للمساهمة في مشروع الملك محمد السادس، لكن عبارات من هذا النوع قد لا تبدو مقبولة لدى بعض أعضاء المكتب الوطني الأخير لحزب الأصالة والمعاصرة، وربما لن يستغرب أحد إذا سمع إلياس العماري يقول بأن: “حزب الأصالة والمعاصرة لم يسبق له أن أعلن أنه جاء ليدافع عن المشروع الملكي، وإنما جاء للمساهمة من موقعه في تطوير البلاد.. ولأن الأمر كذلك فقد أعلنا منذ البداية أننا ضد خوصصة القضايا والثوابت المشتركة بين المغاربة”، (تصريح إلياس العماري، جريدة المساء، 17 فبراير 2012).
قد يكون هناك خلاف بين التصور الحزبي كما كان يراه فؤاد عالي الهمة وإلياس العماري الذي قال خلال الخروج الإعلامي المشار إليه، إن منير الماجيدي الكاتب الخاص للملك “تاجر ذكي”، و”عبد اللطيف الحموشي: المخبر المؤمن بالله وبرسله وبكتبه وباليوم الآخر”.. وقد تكون هذه هي الجزئية التي جعلت علاقة الرجلين تتراجع بشكل كبير في السنين الأخيرة، حتى أن إلياس العماري قال: “نعم أجرؤ على قول ذلك.. صداقتي بفؤاد عالي الهمة لم تعد بنفس الحرارة”، وكان قال قبلها: “علاقتي بفؤاد ليست كما كانت سابقا، حيث كنا نلتقي يوميا، لأنه كان معي في نفس الحزب.. اليوم هو في مؤسسة أخرى..”.
في الحوار نفسه، تسأله الجريدة: “واش درتي شي حاجة قلقات الهمة منك؟”، يجيب: “إيوا منعرف.. منعرف.. (قبل أن يستطرد قائلا) أنا كندير باش يتقلق طبعا.. أنا الخدمة ديالي خاصني ندير باش يتقلقوا الحكام”.. أنا منديرش باش الحكام يكونوا سعداء.. أنا أمارس السياسة باش يتقلقو الحكام”، (حوار مع الصحافية بوشرى الضو، جريدة الأخبار).
وبعض النظر عن إدراج الهمة من خلال كلام إلياس في قائمة “الحكام”، فإن عددا كبيرا من المتتبعين يعتقدون أن علاقة الهمة بإلياس لم تعد كما كانت، وحيث أن موقع إلياس أقل من موقع المستشار الملكي، فإن الأرجح هو أن الهمة هو من عمل على التقليل من حرارة هذه العلاقة.
———————-
استقالة فؤاد عالي الهمة
يتذكر كثير من المواطنين ذلك اليوم الذي أعلنت فيه وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن خبرا لم يكن متوقعا، وهو تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا ملكيا، “نظرا لخبرته وتجربته في المهام التي أسندت إليه”، حسب البلاغ الذي صدر في بداية شهر يوليوز 2007، لكن المنتسبين لحزب الأصالة والمعاصرة لا ينسون أيضا ذلك اليوم، 15 ماي 2011، عندما أعلنت بعض المواقع الإلكترونية خبر استقالة فؤاد عالي الهمة من هياكل حزب الأصالة والمعاصرة، بشكل مفاجئ.
لماذا يستقيل الهمة من الحزب الذي بدل من أجله كل الجهد؟ الجواب على لسانه يقول: “يؤسفني أن أحيطكم علما بأن قرار استقالتي من مهام رئاسة لجنة المتابعة من خلال متابعتي لما يجري داخل المكتب الوطني، من صراعات جانبية، وانقسامات غير مبررة، والرغبة في تعطيل عمل اللجن التي تم التوافق على تركيبتها، وصلاحيتها، ورئاستها، وكذا ما يتعلق بمهام الجيل الجديد من الأمناء الجهويين، وكلها تشكل مضامين التصور التنظيمي الذي حاز على موافقة المكتب الوطني بمناسبة الدخول السياسي للسنة الحالية، إضافة إلى أن المشروع السياسي، الذي على أساسه تم بناء الحزب، قد تعرض لانحرافات كثيرة، لم تستطع خلاصات الخلوات المتكررة من تجاوزها، إضافة إلى أن الجو السائد اليوم داخل المكتب الوطني، يجر تجربتنا إلى وضع المأزق، مما يشكل انهيارا للآمال المعلقة عليها في لحظة سياسية دقيقة تمر منها بلادنا..”، (مقتطف من نص رسالة استقالة فؤاد عالي الهمة التي رفعها إلى المكتب الوطني، بتاريخ 14 ماي 2011).
بهذه الطريقة انسحب فؤاد عالي الهمة، وهو يؤكد انحراف مشروع الأصالة والمعاصرة، دون أن يتحدث عن تجليات هذه الانحراف.
—————–
الاصطدام مع إمارة المؤمنين
سبق للأستاذ الجامعي أحمد عصيد، الناشط الأمازيغي أن شكك في نسب المولى إدريس مؤسس الدولة العلوية، فجرَّ عليه ذلك التصريح نقمة أصوات كثيرة في المجتمع، خاصة عندما قال: “إن الرسالة المحمدية، تهديدية”، قبل أن يستجمع قواه ويقول إنها رسالة إرهابية، وكان عصيد يتكلم في ندوة دعت إليها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، (25 أبريل 2013).
هناك من قال إنه مخطط إسرائيلي(..)، وهناك من دعا إلى محاكمته(..)، غير أن أصواتا داخل حزب الأصالة والمعاصرة كانت تدعو إلى مساندته، ولولا وقوف البعض في وجه هذه المطالب لكان المكتب الوطني للحزب قد أصدر بلاغا يساند من خلاله عصيد، يقول مصدر مطلع من داخل حزب الأصالة والمعاصرة.
—————–
لماذا يدخل حزب الأصالة والمعاصرة في هذه المتاهة؟ ولماذا سيفكر في دعم رجل يهاجم إمارة المؤمنين؟ الجواب هو: لا يوجد في القانون الأساسي لحزب الأصالة والمعاصرة ولكنه يوجد في لائحة المكتب المسير لحركة “اليقظة المواطنة”، التي تلعب فيها خديجة الرويسي دور “المرشدة الروحية”، ذلك أن عصيد ما هو إلا زميل خديجة في الحركة، وقد أصدرت الجمعية المذكورة بيانا شديد اللهجة تدين من خلاله تصريحات، الشيخ حسن الكتاني السلفي، الذي بادر إلى انتقاد عصيد على صفحته في “الفيس بوك”، معتبرة أن “حسن الكتاني وظف في صفحته على الإنترنيت خطابا تكفيريا غارقا في معجم التحريض والتجريم ضد عصيد”.
ولم يتمكن المرتاحون لأفكار عصيد من تمرير قرار التضامن في بلاغات حزب الأصالة والمعاصرة، لكن خديجة الرويسي تعزف على نفس الأوتار التي يعزفها عليها هذا الباحث الذي يصنفه الإسلاميون ضمن خانة العلمانيين(..) فإقرار الدستور بأن المغرب دولة إسلامية بالنسبة لها كان نتيجة الضغط، “إقرار المغرب دولة إسلامية في دستور 2011 جاء بعد ضغط من التيارات الإسلامية، خاصة من طرف العدالة والتنمية، وبدعم من اللوبي التقليدي داخل الدولة الذي لعب دورا سلبيا”، (المساء، 2 أكتوبر 2012).
هجومات خديجة، التي وصفها قيادي في حزب العدالة والتنمية بـ”جلادي العهد الجديد” على كل ما يمت للإسلاميين بصلة(..) جعلها تساند علانية، كل الحريات الفردية(..) لدرجة أنها طالبت بإلغاء القوانين المجرمة لبيع الخمور للمسلمين، وهو ما جعل رئيس المجلس العلمي أحمد يسف يقول عنها:”إن الذين يدعون إلى مراجعة قوانين حظر بيع الخمور للمسلمين في اتجاه تغييرها يطرقون بابا خطيرا لا مجال فيه للنقاش أو الاجتهاد؛ لأنه محسوم شرعا كتابا وسنة وإجماعا”، (موقع هبة بريس، 2 فبراير 2010).
قد يكون لخديجة التي لا تنظر إليها بعض مناضلات جهة الرباط بعين الرضى حظوة داخل المكتب السياسي الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة، لكنها تفشل أحيانا في حشد الدعم اللازم بالنسبة لبعض أفكارها، كما حصل في ما يتعلق بسعيها لجمع لائحة توقيعات تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام، ففي الوقت الذي كانت تنتظر فيه تهاطل التوقيعات على مقترحها، لم تستطع كسب برلمانيي حزب، بالأحرى أن تكسب توقيعات فرق أخرى، حسب تعبير أحد البرلمانيين الذي قال لـ”الأسبوع” إنه لم يوقع على هذه العريضة؛ هذه العريضة لم يعد يتم الحديث عنها، علما أنها تحاكي تجارب أوربية في هذا الصدد(..).
—————
تعليق الساسي.. هل هو صحيح؟
وليست خديجة وحدها هي التي لا تنظر بعين الرضى للدستور الحالي الذي صوت عليه المغاربة في استفتاء شعبي بل إن كلماتها قد لا تتعدى كونها مجرد صدى لما يؤمن به زميلها في حزب الأصالة والمعاصرة، فالدستور الذي صوت عليه المغاربة لم يكتب من طرف اللجنة التي ترأسها عبد اللطيف المنوني أو اللجنة التي ترأسها المستشار الملكي محمد المعتصم، بل إن “الدستور الذي تم التصويت عليه صنعته ثلاث آليات، من بينها آلية كانت تشتغل في البيوت (الديور)”، حسب قول إلياس الذي كان يتحدث خلال ندوة صحفية عقدها حزب الأصالة والمعاصرة، بتاريخ 12 شتنبر 2012.
كلام إلياس يمكن اعتباره بمثابة أرضية أسس عليها أمين حزب الأصالة والمعاصرة مصطفى الباكوري خرجته الأخيرة، ليطالب من خلالها بإدخال تعديلات على نص الوثيقة الدستورية، ليقول المحلل السياسي محمد الساسي، إن قول إلياس بأنه لم يصوت على الدستور الحالي يمهد لدخول مرحلة يقال فيها إن الدستور يحتاج على إصلاح، “لكن الحقيقة ستكون حجة لتشذيب التنازلات الواردة في دستور 2011 بسبب ضغوطات حركة 20 فبراير”. هذا ما يعتقده الساسي لكنه توقع متفائل، ذلك أن السؤال الذي لم يخطر ببال الساسي هو ماذا لو كانت مطالب تعديل الدستور تنم عن الدفع في اتجاه تقزيم الصلاحيات الملكية بشكل أكبر، ماذا لو كان هناك مخطط لحذف “إمارة المؤمنين” من الدستور.
————-
الفرق بين فلسفتين
يمكن الحديث عن فرق كبير بين مجموعة الهمة التي كان يغلب عليها التكوين الأكاديمي، والمجموعة التي يوجد فيها إلياس العماري اليوم، والتي تجعل منه نجما إعلاميا بامتياز، هو “مسؤول سياسي يقيم الدنيا ويشغل الناس.. إلياس العماري تعشقه الصحافة، فهو مدللها، وهو مدرك لهذه اللعبة، ويمارسها بدهاء”، (حسب تصريح زميله في الحزب عبد اللطيف وهبي، يومية الناس، عدد: 28 يناير 2014).
هل يمكن أن نتصور قياديا في حزب الأصالة والمعاصرة سيقول بأنه لم يصوت على الدستور، الذي حسم مسألة الاستقرار في المغرب، ومكن المغرب من تجاوز عقبة الربيع العربي بسلام؟ ثم ماذا يعني قول العماري بأن “المغرب لم يحدد خياره اللغوي بعد”، في حوار صحفي أكد من خلاله أنه يتفق مع نور الدين عيوش على تعميم التعليم بالدارجة، علما أن هناك من ذهب إلى القول بأن محاولة إقحام الدارجة في التعليم الأساسي هدفها المس بإمارة المؤمنين، “فعندما نزيل اللغة العربية فإننا نستهدف القرآن الكريم، وعندما نستهدف القرآن الكريم فإننا نستهدف بالضرورة عمق الإسلام، وعندما نستهدف عمق الإسلام، فإننا نستهدف كل الاجتهادات الفقهية والسياسية التي أدت على قيام إمارة المؤمنين”، (تصريح الاستقلالي محمد الخليفة للأسبوع الصحفي، عدد 19 دجنبر 2013).
أمور البام لا تسير على ما يرام، بل إن بعض أعضائه يحنون لأيام فؤاد عالي الهمة، فهذا الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة يدعو إلى «عدم نسيان مناضلين كافحوا وصمدوا في أوقات عصيبة». يقول بأن منتقدي مبادرة الحكم الذاتي لم يقرؤوها وهو يقصد في الواقع زميله إلياس الذي قال إن المبادرة حل بعيد عن الواقع، وهذا “الحبيب بلكوش” القيادي البارز في حركة “لكل الديمقراطيين” يدعو إلى استرجاع الأيام العصيبة التي مر منها الحزب، منتقدا هيمنة الأذرع البرلمانية للحزب، والتي يقودها حكيم بنشماس وعبد اللطيف وهبي، معتبرا أن تقزيم المشروع السياسي للحزب في “جماعة أو فريق برلماني كانت له تأثيرات سلبية في مشروع قائم الذات ساهم فيه المؤسسون بشكل كبير»، (تصريحات مستقاة من المجلس الوطني الذي عقده الحزب في أكتوبر من السنة الماضية”.
——————-
آخر ورطة لحزب الأصالة والمعاصرة
عاد التشنج ليخيم على أشغال المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، مؤخرا، بمناسبة الأخبار التي تداولتها بعض المواقع الإخبارية والصحف عن سعي المكتب السيسي إلى تجميد عضوية إحدى القياديات الشابات في الحزب ويتعلق الأمر بكوثر بنحمو، هذه الأخيرة لم يصدر ما يثبت طردها من الحزب باستثناء بلاغ مبني للمجهول لا يشير إليها بالاسم يتحدث عنها، ويفسح المجال أمام انتشار مقالات تتحدث عن تجميد عضويتها، بدعوى تسريب أسرار الحزب(..) بالمقابل تقول كوثر: “من له مشكل معي، ينبغي أن لا يختبئ وراء وصية مزعومة، وأن تكون له القليل من الجرأة والشجاعة وما تبقى من الرجولة والمروءة، كي يقولها لي مباشرة”، (أنظر حوار كوثر بنحمو مع الأسبوع، عدد: 24 أبريل 2014).
ورطة المكتب الوطني الجديد لحزب الأصالة والمعاصرة لا تقف عند حدود الجدل حول قانونية طرد إحدى عضواته، ذلك أن القانون الأساسي لا يتيح إمكانية تجميد عضوية منتخب من طرف المؤتمر، طالما أن التهمة غير واضحة(..) حسب تعبير مصدر مطلع، ولكن الحزب تورط أيضا في مساندة البرلماني الشاب المهدي بنسعيد الذي دخل إلى البرلمان في إطار “الكوطة”، كي يكون رئيسا للجنة العلاقات الخارجية والدفاع بمجلس النواب، “فقد أكدت مصادر مطلعة أن فرق الأغلبية البرلمانية المساندة للحكومة تنسق في ما بينها، للطعن في انتخاب البرلماني المهدي بنسعيد رئيسا للجنة الخارجية والشؤون الإسلامية بالمجلس، بسبب حمله للجنسية الفرنسية، وهو ما قد يؤثر في توجهات هذه اللجنة التي تعتبر من اللجان البرلمانية المهمة بالمؤسسة التشريعية، نظرا لدورها في تعزيز الدبلوماسية البرلمانية.. وأفاد مصدر من فريق التجمع الوطني للأحرار أن فرق الأغلبية ستبرر قرارها بناء على سابقة إعفاء الاستقلالي أحمد الخريف من منصب كاتب الدولة في الخارجية، بعدما تبين أنه يحمل الجنسية الإسبانية، (يومية الأخبار، عدد: 5 ماي 2014).
اسم المهدي بنسعيد ورد أيضا في مشروع تجريم التكفير، وهو أيضا واحد من المحسوبين على خديجة الرويسي، ليطرح السؤال عما إذا كان حزب الأصالة والمعاصرة يعمل على تحقيق أجندة حزبية في إطار قانون الأحزاب، أو أجندة حقوقية مدنية تتباناها بعض الجمعيات مثل “بيت الحكمة” وحركة “اليقظة المواطنة”، وهما على لا يمثان بأي صلة لأبجديات حركة “لكل الديمقراطيبن” التي يعد فؤاد عالي الهمة أبرز مؤسسيها(..).