تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | بنموسى يتعثر على أعتاب فرنسا في زمن “كورونا”

صاحب التعيين الملكي في ضيافة السفيرة

إعداد : سعيد الريحاني

    بينما كان المغاربة ينتظرون قرارا حاسما من الحكومة للشروع في تخفيف إجراءات الحجر الصحي، وبينما سكتت كل الأوساط الرسمية عن مستقبل حالة الطوارئ الصحية إلى غاية اليوم الأخير (10 يونيو 2020)، أكدت تغريدة لسفيرة فرنسا في الرباط، هيلين لوغال، أن الرجل الذي كلفه الملك محمد السادس بالبحث، رفقة مجموعة من الفعاليات، عن نموذج تنموي للمغرب، عقد اجتماعا مع السفيرة، ليقدم لها تقريرا مرحليا، في زمن الحجر الصحي(..).

وكانت السفيرة، المخضرمة، قد غردت قائلة: ((أشكر شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي وسفير المغرب بفرنسا، على تقديمه لي هذا الصباح تقريرا مرحليا عن لجنة النموذج التنموي بالمغرب: آفاق جيدة جدا للاتفاق الاقتصادي الجديد)).

وإذا كان من الطبيعي أن تبحث السفيرة الفرنسية عن مكان مرموق لفرنسا في مشروع النموذج التنموي المغربي المقبل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لشكيب بنموسى، الذي يفرض عليه منصبه الدبلوماسي أولا، ومنصبه كرئيس للجنة ملكية ثانيا، الالتزام بواجب التحفظ فيما يخص تحركاته، إذ لا يعقل أن يتورط مسؤول في منصب حساس في لقاء مع ممثل دولة أجنبية، ثم يخرج للناس مقللا من قيمة هذا اللقاء بعد فضحه، بشكل مقصود من طرف السلك الدبلوماسي لفرنسا(..).

ويالها من ورطة، السفيرة الفرنسية تقول إن شكيب بنموسى قدم لها تقريرا مرحليا عن عمل لجنة النموذج التنموي الجديد، لكن بنموسى يقول: ((إن اللقاء الذي جرى مع السفيرة الفرنسية، جرت قبله جلسات عديدة مع ممثلي دول أخرى أثناء فترة الحجر الصحي، موضحا أنه يندرج ضمن المجاملة، وفي إطار العمل الدبلوماسي العادي.. وأضاف بنموسى، أن الموضوع الرئيسي للقاء كان هو تدبير العلاقات بين فرنسا والمغرب، وإفريقيا وأوروبا، بعد زوال الجائحة، موردا أن المملكة منفتحة على جوارها، ومن الطبيعي أن تعقد هذه اللقاءات، وأشار رئيس اللجنة الملكية لإعداد النموذج التنموي الجديد إلى أن تصريحات عدة يتابعها المغاربة تصدر عن الجانب الأوروبي والفرنسي تتعلق باقتصاد ما بعد كورونا، وأضاف: نحن معنيون بها، وبالتالي، نتداول فيها لأخذها بعين الاعتبار في التصور المقبل)) (المصدر: موقع هسبريس/ 6 يونيو 2020).

لنفترض أن ما قاله بنموسى صحيح، وأن لقاءه بالسفيرة الفرنسية كان بسبب “كورونا”، والدبلوماسية(..)، ألا يعني ذلك تطاولا على اختصاصات وزير الخارجية ناصر بوريطة، الذي يملك التفويض الدبلوماسي لإجراء لقاءات من هذا النوع، علما أن بنموسى ليس سوى سفير، بمنطق وزارة الخارجية، وليس له الحق في التحرك الدبلوماسي دون الرجوع لوزارة الخارجية؟ وكم هي كمية الغباء التي ينبغي أن يمتلكها المواطن ليصدق أن سفيرة فرنسا في الرباط تصرفت عن حسن نية وهي “تفضح” لقاءها مع شكيب بنموسى على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تلقفت التدوينة، لتشرع في المطالبة بإقالة رئيس لجنة النموذج التنموي، وهي السفيرة القادمة إلى الرباط من تل أبيب في إسرائيل، حسب سيرة ذاتية تفوق شكيب بنموسى الذي لم يحقق أي نجاح يذكر في المناصب التي راكمها، بما فيها منصب وزير سابق في الداخلية، فمن ((مكاتب تل أبيب وكيبيك وبوركينافاسو، حيث كانت تشتغل سفيرة لبلادها، وبعد تجربة طويلة قضتها متجولة بين أروقة الاتحاد الأوروبي، شرعت هيلين لوغال في مهامها الجديدة على رأس الدبلوماسية الفرنسية في الرباط، بعدما جرى تعيينها سفيرة لباريس في الرباط، خلفا لجون فرانسوا جيرو، الذي تولى منصبا استشاريا في حكومة ماكرون.. ووفقا لما نقلته مصادر من السفارة الفرنسية في الرباط، فإن لوغال (52 سنة)، التي أصبحت أول امرأة تشغل هذا المنصب كسفيرة لبلادها في المملكة، وهي خريجة المدرسة الوطنية للإدارة في باريس (Science Po)، بدأت مسيرتها في العمل الدبلوماسي خلال نهاية الثمانينات في واغادوغو ببوركينا فاسو، كسكرتيرة في السفارة الفرنسية، وشغلت كذلك منصب السكرتيرة الأولى للسفارة الفرنسية في تل أبيب ومدريد خلال التسعينات، وقد جرى تعيينها مستشارة للوزير المفوض للتعاون والفرنكفونية، ثم مستشارة للممثل الدائم لفرنسا لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسيل في أوائل عام 2000.. وبعد أن قضت فترة قصيرة في وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية، شغلت هيلين منصب القنصل العام لفرنسا في مدينة كيبيك بين عامي 2009 و2012، ثم جرى تعيينها مستشارة للشؤون الإفريقية لرئاسة الجمهورية الفرنسية بين عامي 2012 و2016، قبل السفر إلى إسرائيل حيث تولت منصبها على رأس السفارة في شتنبر 2016)) (المصدر: موقع هسبريس، نقلا عن مصدر دبلوماسي في السفارة الفرنسية: 29 غشت 2019).

أعضاء لجنة النموذج التنموي في زيارة ميدانية لبعض الدواوير المتطلعة للتنمية

إذن، لا يمكن تفسير تغريدة السفيرة خارج نطاق الاستفزاز(..)، ولا يمكن تفسير موقف بنموسى دون إثارة إشكالية تتعلق بسؤال مستقبل النموذج التنموي المغربي، في ظل استمرار الشكوك في التبعية لفرنسا(..)، بالإضافة إلى الإشكال المرتبط بالسؤال حول الجنسية التي يحملها شكيب بنموسى، ومعلوم أن للجنسية علاقة بالولاء، حيث لا يمكن الجزم بعدم حمل رئيس لجنة النموذج التنموي المغربي للجنسية الفرنسية إلى حدود اليوم، رغم أن مقربا منه قال بالنيابة عنه في عز الأزمة: ((إن بنموسى لا يرغب في الجنسية الفرنسية ولا يحملها)).. فهل هذا صحيح؟ لا جواب في ظل سكوت المعني بالأمر(..).

وانظروا لـ”نقمة” التواصل بالنسبة للجنة النموذج التنموي، حيث لو فشلت كل القنوات التواصلية في احتواء الغضب الشعبي، بسبب هيمنة التفكير الفرنسي، على كافة الأعضاء، فالمعضلة لم تقف عند حدود ارتباك موقف بنموسى الذي قال إنه أجرى اللقاء مع السفيرة الفرنسية على غرار سفراء آخرين، ولم يشرح للمغاربة لماذا لم تكن هناك لقاءات مماثلة مع دول أخرى كالصين وروسيا.. طالما أن الهدف هو الاستفادة من تجارب الآخرين، بل إن الأمر تعدى ذلك، ليخرج عضو من اللجنة ويهاجم السفيرة الفرنسية في الرباط، معتقدا أنه يدافع عن رئيسه حيث قال: ((إن البوليميك الرائج حاليا، فارغ من أي محتوى))، مشيرا إلى أن ((السفيرة الفرنسية سبق أن خرجت بتغريدات غريبة، بنفس التوجه، مثلا، إهداء 50 أداة طبية بسيطة من فرنسا للمغرب، وكأن المملكة بحاجة إلى الأمر)).

من أعطى الحق لعضو في لجنة النموذج التنموي لمهاجمة سفيرة فرنسا في الرباط، أليس ذلك تجاوزا لآداب التعامل مع الدبلوماسيين؟ أليس الأفضل هو السكوت في هذه الحالات؟ ثم إن “زلة بنموسى” لم يتم الرد عليها من طرف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فقط، بل إن السياسيين أنفسهم، هاجموه، وبغض النظر عن موقف حزب الأصالة والمعاصرة الذي دفع الأمين العام الجديد عبد اللطيف وهبي لمهاجمة بنموسى، باعتبار فرنسا دولة صديقة، ولكن لا ينبغي التشاور معها في مشروع مغربي(..)، تكفي قراءة بيان قوي صادر عن حزب الاستقلال باسم الشبيبة، يقول ((إن تصرف شكيب بنموسى يمس في عمقه بسيادة الدولة، والمؤسسات الدستورية المغربية، وتصرف يكرس أيضا الانطباع السائد عند عموم الشعب المغربي بالتبعية في البرامج والقرارات لدول بعينها، وعدم استقلالية اللجنة في قراراتها وتوصياتها، وبالتالي، ضرب مضمون وصورة النموذج التنموي الذي يجري إعداده حتى قبل عرضه.. إن هذا التصرف يخدش صورة المغرب، وتاريخه، وأعرافه، وعراقته في لحظة مفصلية أبان فيها الشعب المغربي عن نضج رفيع، وتلاحم قوي بين كل مكوناته، في ملحمة نضالية ضد وباء كورونا، نسير فيها بخطى واثقة من أجل النصر وتحصين البلاد من كل مكروه)) (المصدر: بلاغ الشبيبة الاستقلالية).

يذكر أن “الأسبوع” سبق أن أثارت إشكالية هيمنة اللوبي الفرنسي على لجنة النموذج التنموي، بسبب تبعية جل أعضائها لفرنسا، حيث ((تضم اللجنة التي أعلن عنها بلاغ ملكي، 35 عضوا، ويقودها سفير المغرب في فرنسا شكيب بنموسى، وزير الداخلية الأسبق، الذي جاء إلى المنصب بعد وصول موجة الحاملين للجنسية الفرنسية إلى أعلى منصب في وزارة الداخلية(..)، وقد كان يعاب عليه ضعف تواصله مع الأحزاب السياسية، والدخول في معارك هامشية خلقت جوا من الارتباك خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2009، والأكثر من ذلك، فقد هاجم فؤاد عالي الهمة عمله على رأس وزارة الداخلية مباشرة سنة 2009.. ويا لسخرية الأقدار، بنموسى المغضوب عليه من طرف كبير مستشاري الملك، الهمة، هو من سيتولى صياغة نموذج تنموي للمغرب.. ثم إن الهوة التاريخية بين الأحزاب السياسية ورئيس اللجنة شكيب بنموسى، برزت على أرض الواقع بشكل جلي، من خلال استبعاد كل الأحزاب والنقابات من عمل اللجنة، ليطرح السؤال: كيف يمكن صياغة نموذج تنموي دون نفس سياسي؟ ومنذ متى كان التكنوقراطيون (مصطلح ملتبس) قادرون على بلورة مشاريع للحكم؟ ولاشك أن أكبر خطإ تواصلي يهدد مستقبل هذه اللجنة، هو الدعاية لكونها لجنة “تكنوقراطية” لا علاقة لها بالأحزاب، بل إن الخطأ الأكبر، هو الدعاية لكون قرار إبعاد الحزبيين عن اللجنة، كان بإرادة ملكية، وهو أمر غير صحيح في الواقع)) ( المصدر: إشكالية تبعية اللجنة للوبي الفرنسي، وأعطاب البداية كانت موضوع تحليل إخباري سابق (انظر الأسبوع عدد 19/12/2019).

إن زلة شكيب بنموسى، وعثرته الأولى على أعتاب السفارة الفرنسية في الرباط، تطرح عدة إشكالات، أقلها حتمية إبعاده عن منصب سفير المغرب في فرنسا، ثم الحزم فيما يتعلق بصياغة نموذج تنموي، حيث لا يستبعد أن يكون عمل اللجنة مجرد عمل فضفاض، لا سيما بعد أن بدلت جائحة “كورونا” كل المعطيات، وأغلبها معطيات سياسية، لا يفقه فيها التكنوقراط شيئا(..)، وهذا ما جعل اللجنة تطلب مهلة جديدة لإعداد تصورها، لكن، إن غدا لناظره لقريب(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى