تحليل إخباري | مسودة قانون تورط الحكومة في خرق الدستور وحرب مع “شعب الفيسبوك”
التسريبات الخطيرة في زمن "كورونا"..
30 أبريل، 2020
0 5 دقائق
إعداد : سعيد الريحاني
بغض النظر عن الصفقات والضربات التي تتم في زمن “كورونا”، في انتظار زمن الحساب(..)، لم يصدر حتى الآن أي قانون يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، ولازالت الفوضى هي سيدة الموقف، حيث يتواصل التشهير بالأعراض والمؤسسات دون حسيب ولا رقيب، وهو أمر يستحيل قبوله في الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية، لكن جهة معينة، استغلت ظروف الحجر الصحي، لتسرب لـ”الفيسبوك” مسودة أو فبركة قانونية أثارت جدلا كبيرا، ويتعلق الأمر بما سمي مشروع القانون المتعلق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، تحت رقم 22.20.
ورغم أن الأمر لا يتعلق بأي تحرك رسمي، إلا أن بعض المواد المأخوذة مما تم ترويجه على أنه مسودة، لقيت رواجا كبيرا، وهي المواد التي يفهم منها، إفراغ الدستور من محتواه، حيث يقول الدستور، أن ((حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها، وأن السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة، كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية)) (الفصلان 25 و26).
ليس هذا فحسب، بل إن اعتبار ما تم تسريبه بمثابة مشروع قانون، يقود إلى اكتشاف ضربة حكومية مفترضة للدستور، لا سيما من حيث الشكليات المنصوص عليها في الفصل 78، حيث يكون لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء، حق التقدم باقتراح القوانين وفق المسطرة المعروفة التي تبدأ بإيداع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب.. وهي المعطيات التي يتم احترامها، خاصة وأن الحديث عن المشروع ارتبط بإحدى النقط التي تم إدراجها في المجلس الحكومي الذي انعقد برئاسة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يوم 19 مارس الجاري، عبر تقنية “التواصل عن بعد”.
تقول المسودة المثيرة للجدل، والتي تعاملت معها الحكومة بارتباك كبير، ما يرجح سوء نية أطراف في الحكومة(..)، في مادتها 14: ((كل من قام عمدا بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع أو الخدمات، أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط))، وتضيف المسودة في المادة 15، أن ((كل من قام عمدا بحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها، يعاقب بنفس العقوبة، أما من بث محتوى إلكترونيا يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة العامة والأمن البيئي، فيعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20 ألف درهم)).
مجرد الحديث عن فصول من هذا النوع، كان كفيلا بتهييج الحسابات في “الفيسبوك”، وهو أكثر مواقع التواصل الاجتماعي انتشارا في المغرب، بالإضافة إلى “الواتساب”، وهو أيضا تطبيق تابع لـ”الفيسبوك”(..)، كيف يمكن أن نتوقع تفاعلا إيجابيا مع هذا القانون وهو يجرم “المقاطعة”، بينما لازال المغاربة يتذكرون موعد المحتجين مع حملة “المقاطعة” التي شملت “مقاطعة” منتوجات شركات كبرى على رأسها شركة المحروقات التابعة للوزير أخنوش، وشركة الحليب “سنترال” وشركة “مياه سيدي علي”.. كيف إذن يمكن الوثوق في حسن نية أصحاب هذا المشروع وهم يحاولون تمريره في زمن انشغال العالم بتداعيات فيروس “كورونا”؟
يقول المغاربة “اللي فيه الفز كيقفز”.. وفعلا، لم يكن بالإمكان الربط بين هذا المشروع والحكومة، لو أنها لم تؤكد هي نفسها وجود هذا المشروع، خاصة وأن القانون 20.20 المنشور في بوابة الأمانة العامة للحكومة، يتحدث عن حماية العمال والعموم والبيئة من الإشعاعات المؤذية.. ولكن الدعاية لشخصية الوزير الرميد، باعتباره الوزير الذي نجح في إبعاد النسخة الأولى من هذا المشروع، أكدت الشكوك حول رغبة أطراف حكومية في تمرير قانون يكتسي خطورة على تطبيق الدستور والمواطنين.
تقول القصاصات الصحفية: ((كان مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، أبرز الوزراء المعترضين على الصيغة الأولية لمشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، وقد عبر الوزير الرميد عن هذا الموقف خلال اجتماع مجلس الحكومة يوم 19 مارس الجاري.. حيث ركز في مذكرة رفعها إلى رئيس الحكومة، على الشق المتعلق بالمرجعيات الدولية لحرية التعبير والرأي، المرتكزة أساسا على ما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وضعت الإطار العام لممارسة حرية الرأي والتعبير بمختلف الوسائل، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي والبث المفتوح.. كما اعتمد الرميد على ما ورد في تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في تقريره لسنة 2017، وخصوصا تأكيده على أن وصول الحكومات إلى بيانات ومستخدمي الشبكات المملوكة للقطاع الخاص، يشكل تدخلا في خصوصيات الأفراد على نحو يمكن أن يؤدي إلى تقييد حرية تطوير الأفكار وتبادلها، كما أكد أنه لا ينبغي إرغام مقدمي الخدمات على الكشف عن بيانات المستخدمين إلا بأمر من السلطات القضائية يثبت الضرورة والتناسب بغية تحقيق هدف مشروع)) (المصدر: موقع لوديسك).
هكذا إذن، يمكن القول إن انتشار المسودة في هذا الوقت المتأزم بسبب “كورونا”، يؤكد المسؤولية السياسية للحكومة، وعلى رأسها سعد الدين العثماني، الذي غرر به هو الآخر وأصبح يخصص خطابات خاصة لـ”شعب الفيسبوك”، حيث سجل لنفسه مؤخرا فيديوهات يشكر فيها “الفيسبوكيين” على وجه الخصوص، ويشكرهم على تعاونهم في زمن الجائحة، غير أنه من المستحيل طبعا أن يخرج اليوم لمناقشة “الفيسبوكيين” حول مسودة قانون استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى إن فعل، فإنه لن يحقق سوى الفشل من خرجة “فيسبوكية” تنتمي لهذا النوع(..).
ولم يخرج أي عضو في الحكومة ليوضح ملابسات القانون، ولكن ورطة الحكومة مع “الفيسبوك”، افترضت تقديم أجوبة لـ”الفيسبوك”، حيث أصدر وزير الدولة مصطفى الرميد، توضيحا على صفحته، يؤكد أن الحكومة ناقشت فعلا مقترحات من هذا النوع الخطير، وقبل الحديث عن رأي الرميد، يطرح سؤال: من هي الجهات التي اقترحت هذه الفصول التي تعطل الدستور وتلغي حرية الرأي؟ ماذا لو لم يتم تسريب مشروع هذا القانون؟ ألم يكن بالإمكان تمريره باستغلال حالة الطوارئ في صمت.. لماذا انتظرت الحكومة تحرك “الفيسبوكيين” لتبادر إلى تقديم ردود مرتبكة؟
يقول مصطفى الرميد: ((ما يتم تداوله حاليا من مضامين سبق الاعتراض عليها من قبل بعض أعضاء الحكومة، لذلك، فإنها تبقى غير نهائية، ويبقى أي نقاش حول مواد بعينها سابق لأوانه))، ويوضح: ((إن الصيغة النهائية للمشروع هي التي ستتم إحالتها على البرلمان، وهي التي يمكن مناقشتها وقبولها أو رفضها)).. ونفس الأمر كرره مستشار محسوب على رئيس الحكومة، حيث قال أن مشروع القانون 22.20 الذي أثار ضجة كبرى، لا يزال قيد الدراسة في لجنة تقنية شكلت لهذا الغرض، ولا يزال قيد التطوير قبل أن يحال على لجنة وزارية لدراسته واعتماده، موضحا أن نشر الصيغة الحالية في هذا الوقت بالذات “ليس بريئا”.. والواقع، أن الحكومة كلها غير بريئة، بطرحها هذا الموضوع للتعديل في هذا الوقت بالذات(..).
هكذا إذن، ورطت الحكومة نفسها في حرب “فيسبوكية”، تتخذ من حرية التعبير شعارا لها، وحيث أن حرية التعبير حق مضمون على الصعيد العالمي، فإن أي تشريعات لا تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الدولية، ستفشل، وستتحول إلى فضيحة دولية، علما أن الحرية لا تعني التسيب، حيث لا يمكن بالمقابل السماح باستمرار نشر وتداول المحتويات الفضائية، وتحويل المواطنين إلى مجرد سلعة تباع على الأنترنيت، والسؤال الأكبر: أي دور للإعلام وسط هذه الجائحة؟ فبالأمس كنا نتحدث عن حرية التعبير في علاقتها بالإعلام، لكن الحرية اليوم تفترض الجواب عن شعب “فيسبوكي”، وعليه، يجب الانتباه أن كل حساب “فيسبوكي” لا يعني أنه مواطن، وكل حساب “فيسبوكي” لا يعني أن صاحبه مغربي، وحتى إذا افترضنا أنه مغربي، فهذا لا يعني أن من يتفرج خلف شاشة الهاتف أو الكمبيوتر، يتوفر على أهلية قانونية لتحمل مسؤوليات تصرفاته(..).