تحليل إخباري | كونداليزا رايس تعود للبيت الأبيض.. فهل تعود الحرب إلى الشرق الأوسط؟
هل يمهد "كوفيد 19" لحرب مدمرة؟
16 أبريل، 2020
0 5 دقائق
إعداد : سعيد الريحاني
فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متتبعيه عبر العالم، بإعلانه عن تجنيد 50 مستشارا من جميع قطاعات التجارة الأمريكية تقريبا والمجال الطبي، للمساعدة في صياغة خططه لإعادة فتح الاقتصاد المتضرر من فيروس “كورونا” المستجد، موضحا أن لجنة المستشارين ستعمل بشكل منفصل عن فريق عمل البيت الأبيض، الذي يقود استراتيجية الصحة العامة.
ورغم أن لجنة الرئيس الأمريكي يغلب عليها الطابع التجاري والاقتصادي، حيث تم جلب أشهر رجال الأعمال لعضويتها، إلا أن النفحة السياسية كانت حاضرة في التعيينات، فقد أعلن ترامب عن تعيين مثير للريبة، ويتعلق الأمر بعودة غير متوقعة لوزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس، للواجهة، ولم يكن حتى بعض الأمريكيين يتوقعون هذا التعيين الأخير، فكونداليزا رايس، حتى وقت قريب، كانت من خصوم الرئيس الأمريكي الملياردير، بل إنها عارضت ترشحه للرئاسة، قائلة: ((لا ينبغي أن يتولى دونالد ترامب الرئاسة، يتعين عليه الانسحاب.. وأنا كعضوة في الحزب الجمهوري، آمل أن أؤيد شخصا لديه الكرامة والمكانة المطلوبتين لخوض الصراع من أجل أعلى منصب في أعظم الدول الديمقراطية في العالم)).
هذا بالنسبة لأمريكا، أما بالنسبة للعرب والمسلمين، فإحياء كونداليزا رايس يبدو مثيرا للتساؤلات، فهذه الأخيرة هي التي أعلنت إطلاق نظرية “الفوضى الخلاقة”، وهي النظرية التي مهدت لتدمير دولة العراق والحرب في الشرق الأوسط، والمشكلة أن النظرية التي صدقها كثيرون، كانت نظرية خادعة(..).
فقد ((دخلت السيدة كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية ومستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة، التاريخ، لأسباب عدة، أبرزها أنها أول سيدة من أصول إفريقية تتولى هذا المنصب أولا، وثانيا، لأنها كانت زعيمة دبلوماسية الحروب في أفغانستان والعراق في زمن رئاسة جورج بوش الابن، ولكونها صاحبة نظرية “الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط”، التي نراها تتجسد أمامنا في حروب، ودول فاشلة، وتهجير، وتقسيمات طائفية.. رايس التي خدعت الكثيرين من الكتاب والمفكرين العرب من خلال تبريرها للحربين المذكورتين آنفا (أفغانستان والعراق) بالحديث عن تحويلهما جنتين للديمقراطية وحقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي، اعترفت في محاضرة لها ألقتها في معهد “بروكينغ” الأمريكي، أن “الولايات المتحدة لم تذهب إلى غزو أفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003، من أجل تحقيق الديمقراطية، بل للإطاحة بحركة طالبان التي وفرت ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، وحكم الرئيس العراقي صدام حسين في بغداد، الذي كنا نظن أنه كان يعيد بناء ترسانة من أسلحة الدمار الشامل”)) (المصدر: رأي اليوم/ 17 ماي 2017).
هذا جزء قليل مما يكتب عن كونداليزا رايس التي ارتبط عهدها بسياسة بوش الابن الذي ارتبط اسمه بما يسمى “الحرب على الإرهاب” بالطريقة الأمريكية، وهي الحرب التي بدأ يكتب عنها في وسائل الإعلام بأنها مسخرة: ((لا توجد مسخرة في العالم مثل ما تسمى الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى نفسها القوة العظمى وراعية السلام والأمن وحقوق الإنسان على وجه الأرض، فهي منذ حادثة 11 سبتمبر 2001 المشبوهة، وغاراتها على العالم الإسلامي، لم تتوقف، وما تصنع إلا الإرهاب المضاد، ولا تزيد إلا في عدد المتطرفين حتى جعلت الشعوب العربية تقفز من مستنقع إلى آخر أكثر وحشية.. إحصائيات وتقارير كثيرة تحدثت عن حصيلة حروب أمريكا وحلفائها على ما تسميه “الإرهاب”، وعلى سبيل المثال، عرضت إحدى القنوات العربية مؤخرا تقريرا قالت فيه أن حرب أفغانستان أدت إلى مقتل حوالي 100 ألف وشردت الآلاف من الأفغان، وفي المقابل، خسرت أمريكا ما يقارب 1057 جنديا منهم ما لا يقل عن 841 وفاة بسبب الاقتتال و216 في أحداث غير قتالية مثل الانتحار، أما حصيلتها في العراق، فهي مقتل أكثر من مليون عراقي وتشريد 4.5 ملايين آخرين وخلفت حوالي مليوني أرملة و5 ملايين يتيم، بينما خسرت هي ما بين 4 آلاف و5 آلاف جندي.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الخسائر البشرية الهائلة التي ذكرنا بعضها والمادية المقدرة بمليارات الدولارات قضت على ما تسميه أمريكا بالإرهاب؟)) (المصدر: الخليج أون لاين).
هكذا إذن، أحيى ترامب باستعانته بفريق عمل جورج بوش الابن، الشكوك في إمكانية بعث الأساليب الأمريكية المشكوك فيها من جديد، فكونداليزا رايس ليست وحدها من استقدمها ترامب، بل إنه استعان بأعضاء آخرين، خاصة فيما يتعلق باستراتيجيات الحرب على الإرهاب، علما أن تاريخ رايس مع المغرب ليس دائما جيدا، فآخر زيارة لها للبلاد، كانت سنة 2008، وقد حلت بالمملكة بعد أن تأخرت لمدة ساعتين في زيارة الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة، ولم تكن الظروف لتسمح لها بلقاء الملك محمد السادس(..).
وتضم اللجنة التي عينها ترامب وسماها “مجموعات صناعة النهضة الاقتصادية الأمريكية الكبرى”، أكثر من 50 مديرا تنفيذيا وقائدا من الصناعات الزراعية والدفاعية وصناعات الخدمات المالية، بالإضافة إلى قادة من النقابات والرياضات المهنية ومراكز الفكر، وتشمل قائمة المدراء التنفيذيين لشركة “أبل”، ومالك New England Patriots، روبرت كرافت، ومدير صندوق التحوط، كنيث جريفن، وجميع الأفراد الذين تربطهم علاقة طويلة الأمد بترامب.
تصوروا خطورة فريق ترامب في المستقبل، ولتصور الخطورة.. فمن بين الأعضاء، أصحاب شركة “أبل” التي أنتجت ملايين الهواتف عبر العالم، ولكم أن تتصوروا حساسية المعلومات المنقولة، علما أن الشركة المعنية شرعت منذ مدة في إذاعة بيانات حركة المستخدمين في تطبيق الخرائط لمعرفة مدى التزامهم بتدابير الحجر الصحي، في العديد من دول العالم، من بينها المغرب.. فـ((فيما يخص المغرب، فقد أظهرت البيانات تراجع تنقل الأفراد، سواء مشيا على الأقدام أو عبر السيارات، منذ شروع الحكومة في اتخاذ تدابير احترازية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.. وانخفضت حركة تنقل المواطنين بالسيارات بداية من 17 مارس لتصل في نهاية الشهر إلى 86.71 في المائة، بينما تناقص السير على الأقدام بداية من نفس التاريخ ليصل إلى 85.79 في المائة)).. هكذا إذن أصبحت معلومات التنقل في زمن “كورونا” متاحة للجميع، وبالتالي، لكم أن تتصوروا دقة المعلومات التي قد تقدم لرئيس دولة بحجم أمريكا أو لأجهزتها.
إن التساؤل الذي يطرح في هذه المرحلة بالنسبة لترامب، هو هل ستكون الحرب على “كوفيد 19” مقدمة لحرب مدمرة؟ لا سيما وأن “كورونا” كشف انهيار التوازنات العالمية القديمة القائمة على حروب قديمة، بل إن جدية موضوع الحرب تظهر في تصريحات الرئيس الأمريكي التي تختلط فيها الإشارات الدينية بالإشارات السياسية، فقد سبق أن كتبت وسائل الإعلام ما يلي: ((أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الحرب التجارية التي يخوضها مع الصين ليست حربه، وأن رؤساء آخرين سبقوه إلى البيت الأبيض كان يجب أن يخوضوها، لكنه المختار من الله لأداء هذه المهمة)).. حيث سبق له أن قال خلال مؤتمر صحفي مطول عقده فجأة في حديقة البيت الأبيض: ((هذه ليست حربي التجارية.. هذه حرب تجارية كان يجب أن يخوضها منذ وقت طويل رؤساء آخرون)).
طبعا الرئيس الأمريكي يتحدث في هذا التصريح عن الحرب التجارية، لكن الحرب هي الحرب، وكم من حرب تجارية تحولت إلى حرب بالسلاح، وها هو ترامب يصر على مهاجمة السعودية في كل تصريحاته، حول موضوع النفط، بل إنه يصر على التقليل من شأنها أمام العالم، كما لو أنه يمهد لحرب في منطقة الشرق الأوسط، تماما كما فعل بوش الابن(..).
لاستشعار خطورة المرحلة، التي تنذر بانهيار النظام العالمي وإعادة رسمه، يكفي قراءة ما تقوله كونداليزا رايس، المستشارة الجديدة لترامب، والقديمة في الحروب، وقد قالت مؤخرا: ((تم إنشاء الاقتصاد الدولي كاقتصاد يهدف إلى أن يكون إيجابي النتائج لكل الأطراف، حيث إن نمو دولة ما، لن يأتي على حساب أخرى، ونظام قائم على التجارة الحرة والمفتوحة حيث كانت هناك مؤسسات كبيرة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واعتمد هذا النظام أيضا على القيادة والحماية العسكرية الأمريكية.. إن النظام العالمي الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها مع أحد مبادئه الأساسية، وهي التجارة الحرة والمفتوحة، أصبح الآن تحت التهديد)).. هكذا تحدثت رايس خلال مؤتمر “أديبك للغاز والنفط” في أبوظبي مؤخرا، دون أن تشرح معنى التهديد، والجهات المعنية به، وعما إذا كان الأمر ينطوي على حرب محتملة(..).