ملف الأسبوع | لأول مرة.. اللوبي الإسرائيلي في المغرب يواجه خمسة أحزاب تحت قبة البرلمان

النقاش يدخل منعطفا خطيرا بعد دخول طوائف يهودية على الخط
إعداد: سعيد الريحاني
لم يكن أحد يتوقع أن يخلق مقترح قانون يتعلق بتجريم التطبيع مع إسرائيل كل هذه الضجة، بما في ذلك أصحابه الذين اقترحوه أول مرة على مجموعة من الفرق البرلمانية قبل أن تتبناه مؤخرا خمسة أحزاب سياسية هي حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، والأصالة والمعاصرة، وحزب التقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال.
النقاش حول مشروع قانون من هذا النوع كان من الممكن أن يمر في ظروف عادية لولا حالة الاستنفار التي أثبتت أن هناك “لوبيا” عاشقا لإسرائيل ناشطا بكثافة في المغرب.. هذا اللوبي فتح عدة جبهات على القانون المذكور قبل ميلاده.
——————————————————————–
“المغاربة حاضرون هنا في كل الميادين في حراسة المباني في المطاعم في دواليب السياسة في الصحافة في الجامعات والمراكز البحثية المرموقة، يعانقونك لمجرد أن يعرفوا أنك مغربي..مغاربة إسرائيل يريدون أن يكون ملك المغرب رسول السلام في الشرق الأوسط، وعرب فلسطيين التقيتهم كانوا واقعيين يدركون أن دولة تمنحهم الديموقراطية والعمل والأمل خير من أوهام دويلة يحكمها الفساد والتخلف مسيجة في عالم متقدم.. الصحافيون والسياسيون المغاربة هنا يريدون التحدث في كل شيء نقاشات لا تنتهي والكلام نفسه؛ متى يحل السلام؟ متى يكف تجار الألم والمآسي النفخ في نار الحروب؟”.
هذا الكلام الممجد لدولة إسرائيل، هو ما كتبه أحد المتفائلين المغاربة لإقامة علاقات طبيعية مع الدولة المحتلة للقدس الشريف، وما كتابته إلا نموذج لكتابات أخرى كلها تصب في اتجاه تلميع صورة الكيان الذي يكرهه كثير من المغاربة (..).
كتابة من هذا النوع(..) تقتضي التساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بنشاط لوبي مساند لإسرائيل داخل المغرب، والباحث عن جواب لهذا التساؤل قد يجد جزءا من ضالته في صفحة فيسبوكية أنشئت مؤخرا تحمل عنوان ” الحملة الوطنيَّة لرفض مقترح قانون يكرس العنصريَّة والحقد في المجتمع المغربِي”، وتضم عدة صحافيين ونشطاء سياسيين.. علما أن وكالات الأنباء كانت قد كتبت منذ مدة ليست بالطويلة أن مجموعة من الصحافيين المغاربة قاموا بزيارة للدولة العبرية بناء على دعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية غير أن تكتما شديدا أحيطت به لائحة هؤلاء الصحفيين الذين زاروا مجموعة من المدن كالقدس وتل أبيب وحيفا، وقرية أداليا الكرملب (شمالي فلسطين المحتلة والبحر الميت)، والموقع التذكاري أياد فاشيمب لذكرى ضحايا المحرقة النازية..
طبعا لا يوجد أي دليل على كون الأسماء المناهضة “لتجريم التطبيع مع إسرائيل” قد زارت إسرائيل في يوم من الأيام، لكن أحد أعضاء المرصد الوطني لمناهضة التطبيع أكد للأسبوع أنهم يتابع مقالات الصحفيين التي صدرت في الفترة الأخيرة والتي تدخل في إطار الحملة المضادة لمشروع القانون الذي يجري التحضير له في البرلمان.
ولا يقتصر نشاط المدافعين عن إقامة علاقات إيجابية مع إسرائيل على الصحافيين بل إن بعض الفنانين كانوا حريصين على الظهور بمظهر المدافع عن إسرائيل، إن “تفعيل قانون يجرم التطبيع في المغرب سيعطي صورة سيئة عن البلاد”، هذا ما يعتقده المخرج المثير للجدل كمال هشكار وصاحب “فيلم تنغير جيروزاليم”.
الأعمال التي تدخل في خانة التطبيع
لم تسمح الظروف التي يجري فيه النقاش حول تجريم التطبيع مع إسرائيل بمعرفة مضامين هذا القانون الذي وافقت على مضمونه 5 فرق برلمانية، باستثناء بعض المواد المقتضبة التي أكدت أن السجن هو مصير “المطبعين”.
ترتكز مسودة مقترح القانون الخاص بتجريم التطبيع مع إسرائيل على خمس مواد أساسية، وتركز المادة الأولى على تعريف الأعمال التي تدخل في إطار التطبيع مع إسرائيل وهي: إنجاز أي عملية من العمليات التجارية المنصوص عليها في المدونة المغربية للتجارة مع إسرائيل، سواء قام بها شخص ذاتي أو معنوي..
ويشمل التطبيع في إطار المادة الأولى من المسودة كل عملية مالية مع إسرائيل بما في ذلك العمليات البنكية والعمليات التأمينية المنصوص عليها في القوانين والمراسيم و القرارات المنظمة لها بالمغرب وكذا كل خدمة من الخدمات المهنية أو الحرفية.
ولا تقتصر الأفعال المجرمة على التعامل المالي بل إن أصحاب المسودة يؤكدون أن الأمر يشمل كذلك جميع الأنشطة التي تقام بالكيان الإسرائيلي ويساهم أو يشارك فيها أو يحضرها أشخاص ذاتيون أو معنويون يقيمون بالمغرب، وسواء كانت الأنشطة ذات طبيعة سياسية واقتصادية أو ثقافية أو فنية أو رياضية أو غير ذلك من الأنشطة، وسواء كانت منظمة من جهات رسمية أو غير رسمية.
بصفة عامة فإن أعضاء المرصد الوطني لمناهضة التطبيع يؤكدون على حظر جميع أنواع التعامل والتبادل مع إسرائيل، في أي مجال سياسي أو اقتصادي أو تجاري أو مالي أو ثقافي أو رياضي أو فني أو سياحي أو إعلامي، وسواء كان أطراف هذا التعاون أو التبادل، ذاتيون أو معنويون.
الحبس هو مصير كل من سيزور إسرائيل
كثير من المتتبعين يسألون عن العقوبة التي قد يواجهها كل “مطبع”، والجواب طبعا تتضمنه مسودة القانون التي تؤكد حرفيا على ما يلي: ” يعاقب كل من يساهم أو يشارك في ارتكاب أفعال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي أو يحاول ارتكابها بعقوبة حبسية تتراوح بين اثنين وخمس سنوات وبغرامة تتراوح بين مائة ألف ومليون درهم ويجوز للمحكمة، بالإضافة إلى العقوبة الأصلية المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تحكم على المدانين بأحد العقوبات الإضافية المنصوص عليها في المادة 36 من القانون الجنائي”.
التنصيص على عقوبة حبسية في مسودة القانون المذكور كان مستفزا بالدرجة الأولى لكل النشطاء المغاربة الذي يزورون إسرائيل بشكل منتظم أو متقطع، والنموذج هو حالة الباحث أحمد عصيد الذي كان من أوائل المنتفضين ضد هذا القانون باعتباره «سيقود إلى محاكم التفتيش»، كما توعد المتحدث نفسه بمقاومة هذا القانون داخل البرلمان.
اللوبي اليهودي يستنجد بالملك
ورغم أن جل الأحزاب السياسية التي تبنت الدفاع عن هذا القانون سكتت عن مواجهة خصوم الفكرة بأي شكل من الأشكال فإن المضي قدما نحو مناقشته تحت قبة البرلمان عجل بخرجات “اللوبي اليهودي في المغرب” وهو أمر غير مفهوم حسب ما صرح به مصدر من المرصد الوطني لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، فهذا القانون موجه للصهاينة وليس ضد اليهود المغاربة.
جاكي كوديش وهو رئيس مجلس الطوائف اليهودية في مدينتي مراكش والصويرة قال في تصريحات نشرتها جريدة “هآرتز” الإسرائيلية بأن «هذا القانون ليس أمامه أي حظ حتى يمر في البرلمان، كما أن الملك لن يسمح بذلك»، كوديش وصف بنود مشروع القانون بأنها «غير عقلانية وغير منطقية ولا يمكن أن تمر في بلد منفتح كالمغرب».
هكذا إذن يظهر أن بعض الطوائف اليهودية في المغرب تحاول إدخال الملك على خط النقاش، غير أن ذلك لا يقتصر على الداخل فقط بل إن مبادرات خارجية تصب في الاتجاه نفسه حيث بعث “شيمون صامويز”، رئيس مركز “سيمون ويسنتهال للعلاقات الدولية”، برسالة إلى الملك محمد السادس، تدعو إلى التدخل لإلغاء مسودة هذا القانون، لأن ذلك ” من شأن المصادقة على هذا القانون أن يؤثر في صورة المغرب كبلد التسامح، والمعروف بعلاقاته المتميزة مع الجالية اليهودية عبر أنحاء العالم”.
قمة الضغط اليهودي تظهر في الفقرة التالية من الرسالة: “في غيابكم صاحب الجلالة، حاولت بعض التنظيمات الإساءة إلى صورة المغرب كبلد التسامح، والذي ظل على الدوام حليفا تاريخيا، وحافظ على علاقات وروابط متميزة مع الطائفة اليهودية بالولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، وإسرائيل”.. “صاحب الجلالة، لقد حاولت مجموعة من الأحزاب السياسية، من خلف ظهركم، تمرير مشروع قانون معنون بـ”تجريم التطبيع مع إسرائيل”، وهو المشروع الذي يروم منع أي مشاركة إسرائيلية في الأنشطة، التي ينظمها الشعب المغربي..”.
حسابات الربح والخسارة
في عز هذا النقاش لا يتردد بعض أنصار التطبيع في إشهار بعض الأوراق من بينها ورقة الدعم اليهودي المفترض لقضية المغاربة الأولى كما تتحدث تقارير صحفية أخرى عن انتعاش المبادلات التجارية بين المغرب وإسرائيل حيث تؤكد الدراسات الصادرة مؤخرا أن حجم العلاقات التجارية بين البلدين، في ارتفاع مستمر، وجاء في تقرير لمكتب الإحصاء الإسرائيلي، أن الصادرات الإسرائيلية نحو المغرب، خلال شهر أكتوبر المنصرم سجلت أحد أكبر مستوياتها على الإطلاق منذ سنوات خلال شهر أكتوبر الماضي، متجاوزة 18.5 ملايين دولار، مقابل 400 ألف دولار في شهر أكتوبر 2012.. الحكومة التي يقودها عبد الإله بن كيران تنفي وجود أي تطبيع لكن في ظل هذه الأرقام يبقى السؤال مطروحا عن إمكانية وجود خسارة اقتصادية عقب تجريم التطبيع مع إسرائيل.
———————————————————————————
عملاء للموساد الإسرائيلي
يعتبر أعضاء المرصد الوطني لمناهضة التطبيع وهم أصحاب القانون المثير للجدل أن السنين الأخيرة تميزت بظهور بوادر ومؤشرات على بدء تنفيذ مخططات “اختراق المجتمع المغربي” عبر من يسمونهم “الذين سقطوا في جرم التطبيع وتوغلوا أو أوغلوا فيه حتى صاروا في مربع العمالة الرخيصة للمشروع الصهيوني”.
“لا يمكن لعين المراقب والفاعل المدني أن اليوم أن تخطئ مظاهر التسلل الصهيوني والاختراق التي وصلت مستويات خطيرة على مستوى صهينة بعض الرموز وتشويه واستهداف عناصر مختارة من معالم الهوية المغربية وتزوير التاريخ عبر دس الشبهات والمغالطات، وذلك في سبيل خلق بؤر الخلاف والفتنة العرقية والإثنية كمقدمة لإشعال فوضى بالمنطقة المغاربية وصناعة كيانات تابعة وملحقة بالمشروع الصهيوني”، هذا ما يعتقده مناهضو التطبيع حسب ما هو مدون في خلاصات الندوة الأخيرة التي عقدها المرصد تحت عنوان “التطبيع ومخاطر الاختراق الصهيوني”، غير أن ذلك لا يصل إلى مستوى ما يصرح به رئيس المرصد الذي يعتبر أن هناك شخصيات مغربية عميلة للموساد الإسرائيلي (جهاز المخابرات الإسرائيلي).
———————————————————————————–
الزمزمي.. هل هو في شرود
ضد التيار وبخلاف كل الإسلاميين، انتقد عبد الباري الزمزمي، المعروف بفتاويه المثيرة للجدل، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مبادرة المرصد المغربي لمناهضة التطبيع واعتبرها مجرد عمل عبثي لا طائل منه ولا نتائج ملموسة لها واقع الفلسطينيين.
الزمزمي يبرر عدم تفاؤله لسن قانون يجرم التطبيع بكون أمريكا ستعاقب كل من سيقطع علاقاته مع إسرائيل سياسيا واقتصاديا، وضرب المتحدث نفسه مثالا بالدول الخليجية التي تراعي هذه الاعتبارات رغم غناها وثرواتها، حسب ما صرح به في آخر خرجاته الإعلامية.
فمثل هذا القانون هو كلام مرسل وشعارات مرفوعة لا فائدة فيها ولا أثر لها على الفلسطينيين الذين يتم إذلالهم وتشريدهم كل يوم من طرف الإسرائليين يقول الزمزمي.