تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | فيروس “كورونا” يفضح عنصرية الدول الكبرى ويعجل بعودة القراصنة

على هامش التصريحات العنصرية لطبيب فرنسي..

إعداد: سعيد الريحاني

    كما لو كنا في عصر الاستعمار البائد، أطل طبيب فرنسي يدعى جون بول ميرا على العالم من خلال قناة فرنسية، ليتساءل على هامش برنامج تلفزيوني حول اللقاحات الممكنة لمعالجة فيروس “كورونا” قائلا: ((ألا يجب علينا إجراء هذه الدراسة في إفريقيا حيث لا توجد أقنعة أو علاج أو رعاية، كما حصل في بعض الدراسات المتعلقة بالإيدز مثلا)).

هذا الحوار، الذي يفترض أنه يجمع بين بعض عناصر النخبة في فرنسا، والدائر على قناة “إل. سي. أي” الفرنسية بين رئيس وحدة العناية المركزة في مستشفى “كوشين” بباريس، ومدير الأبحاث في معهد الصحة الوطني الفرنسي، لم يقف عند هذا الحد من الاستفزاز، بل إن ضيف القناة اقترح تجريب لقاح “كورونا” في بعض “الفتيات الإفريقيات المنحرفات”.

الطبيب العنصري، حرك الألم في جرح غائر في إفريقيا مازال ينزف إلى اليوم، تصوروا أن كلامه يأتي أياما فقط بعد إعلان فشل تجارب حقنة “الإيدز” التي تم تجريبها على مواطنين في جنوب إفريقيا.

تصوروا النظرة التي يمكن أن تكون عند أمثال هذا الطبيب نحو القارة الإفريقية، وهو يقرأ كغيره عبر وسائل الإعلام، ما يلي: ((أوقفت السلطات الصحية الأمريكية تجربة لقاح مضاد لفيروس نقص المناعة البشرية في جنوب إفريقيا، بعدما أظهر عدم فاعليته في مكافحة الوباء)).. هكذا بكل بساطة، تشرح وكالات الأنباء أن ((تجربة اللقاح الذي أطلق عليه “إتش. في. تي. إن 702” بدأت العام 2016، وشملت اللقاح الوحيد الذي أظهر أنه يوفر بعض الحماية ضد الفيروس المسبب لمرض الإيدز في تجربة سابقة في تايلاند عام 2009، وفق “فرانس بريس”، وقد شارك في التجربة حوالي 5400 متطوع لا يحملون فيروس نقص المناعة البشرية في 14 منطقة في جنوب إفريقيا، وهم رجال ونساء ناشطون جنسيا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما..)) (المصدر: عدة وكالات للأنباء).

بكل بساطة، يعلنون عن فشل تجربة لقاح “الإيدز” على مواطنين في إفريقيا، وهو ما يعني أن مواطنين أبرياء أصيبوا بهذا المرض من خلال تجربة اللقاح، حيث ((درس الباحثون البيانات التي تحصلوا عليها من خلال مجموعتين خلال 18 شهرا، وهو الحد الأدنى للوقت اللازم لنظام اللقاح لتحفيز استجابة مناعية.. ووجدوا أن هناك 129 إصابة بفيروس نقص المناعة البشرية حدثت بين متلقي اللقاح و123 إصابة بالفيروس حدثت بين متلقي العلاج الوهمي، وبالتالي، أوقفت التجربة)) (نفس المصدر).

في القارة الإفريقية فقط، يمكن إعلان مثل هذا الكلام دون حصول ثورة شعبية(..)، ولكن هذا الكلام هو من نفس المحبرة التي نهل منها الطبيب الفرنسي الذي دعا إلى اعتبار إفريقيا حقلا لـ”تجارب الفئران”، وربما ينهل الطبيب المذكور الذي اعتذر هو ولم تعتذر القناة التي بثت تصريحاته، ولم تتابع قانونيا لتغريمها، حيث أن بعض الفرنسيين لهم باع طويل في النظرة العنصرية نحو إفريقيا، وهي النظرة التي تجد سندها في أيام الاستعمار، عندما سعى الجنرال شارل دغول منذ سنة 1944، الذي كان يترأس حكومة مؤقتة، إلى تدشين اتحاد فرنسي إفريقي وهو “اتحاد إفريقي من أجل فرنسا” يحفظ لها مكانتها كدولة مستعمرة، بالاعتماد على أصحاب شبكة المصالح الذين يهدفون إلى ((إبقاء دول غرب ووسط إفريقيا تحت سيطرة فرنسا)) في إطار ما يعرف تاريخيا بسياسة “فرانس أفريك”، وهي السياسة التي كانت تتدخل من خلالها الأجهزة الفرنسية لتنصيب ودعم الرؤساء المرضي عنهم أو تنظيم انقلابات ضد من لا يخضعون لشروطها، ولم لا استعمال أساليب الاغتيال، فـ((بفضل شبكة “فرانس أفريك”، تمكنت فرنسا من الاحتفاظ لنفسها بالسيطرة على الوحدة النقدية الأساسية في وسط وغرب إفريقيا والمعروفة باسم الفرنك الإفريقي، وهو نظام تخضع بموجبه 14 دولة إفريقية، من بينها 12 مستعمرة فرنسية سابقة، للنظام المصرفي الفرنسي، من خلال اعتماد عملة موحدة مرتبطة بالعملة الفرنسية.. وكان الفرنك الإفريقي حيلة فرنسية ناجعة لتأمين التدفق المستمر للعائدات النقدية والاقتصادية من المستعمرات الفرنسية السابقة لباريس، خاصة وأن الاتفاق كان يشترط على دول الفرنك توريد 100 % من ودائع النقد الأجنبي الخاصة بها للبنك المركزي الفرنسي، قبل أن يجري تخفيض هذه النسبة لـ 65 % في السبعينات، ولاحقا لـ 50 % عام 2005، تحت ذريعة توفير غطاء نقدي لإصدار الفرنك الفرنسي.. ولم تسلم إفريقيا حتى اليوم من عمل المجموعات المخابراتية الفرنسية، وكمثال على عمل هذه المجموعات، ما حدث تاريخيا في غينيا، إذ حينما أعلن الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري رفضه التوقيع على اتفاقية التبعية السياسية والاقتصادية لفرنسا بعد مؤتمر برزافيل سنة 1944، لم يمض إلا وقت قليل حتى أغرقت المخابرات الفرنسية غينيا بالعملات المزيفة فدمرت اقتصادها وسحبت جنودها من هناك، كما سحبت أسلحة الشرطة والدرك، وأوقفت إنشاء الطرقات والمدارس وتدريب الكوادر الإدارية للدولة الوليدة، ودمرت جميع ممتلكاتها في غينيا)) (المصدر: موقع نون بوست).

هكذا إذن، سقط القناع عن بشاعة فرنسا، من خلال تصريح صادم على قناة تلفزيونية، ولا تقف البشاعة عند التصريح فقط، بل إن جل وسائل الإعلام ورجال القانون في فرنسا سكتوا عن الواقعة، رغم الاحتجاجات الإفريقية، وهكذا ساهمت أزمة انتشار فيروس “كورونا” في ظهور الوجه البشع لبعض الدول الكبرى، التي لطالما تظاهرت بالصداقة مع دول إفريقيا، بل إن الوجه البشع لهذه الدول ظهر حتى فيما بينها، وها هي فرنسا التي تحتقر إفريقيا، تجد من يحتقرها ويتعلق الأمر بأمريكا، ((فقد اتهم مسؤولون من ألمانيا وفرنسا الولايات المتحدة هذا الأسبوع، بتحويل وجهة معدات طبية مخصصة في الأصل لبلديهما، وذلك بالمزايدة على المشترين الأصليين.. وبحسب المسؤولين الألمان، فإن الولايات المتحدة اعترضت شحنة في تايلاند من المعدات الطبية، التي صنعتها شركة أمريكية في الصين، وحولتها إلى الأراضي الأمريكية بحسب صحيفة “ديرتاغشبيغل” الألمانية، ووصف وزير الداخلية في برلين، عملية الاعتراض، بالقرصنة الحديثة.. وفي الوقت نفسه، اتهم مسؤولون فرنسيون الولايات المتحدة، بتحويل وجهة شحنة من الأقنعة الطبية المصنوعة في شانغهاي والمخصصة إلى منطقة فرنسية منكوبة، إلى الأراضي الأمريكية، بعد أن عرضت سعرا أعلى لفائدة الجهة المزودة، وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية)).

من كان يتصور أن يكشف العالم عن بشاعته بهذا الشكل الفج، وها هي وسائل الإعلام تكتب مقالات غير مسبوقة عما كان يسمى القوى العظمى، ((فقد فجرت أزمة كورونا حربا وتهافتا غير مسبوقين بين دول غربية على استيراد الكمامات، وأجهزة التنفس الصناعي، لمواجهة المرض، بل واتهمت دول دولا أخرى بالاستيلاء على شحنات معدات طبية كانت موجهة إليها.. والمفارقة، أن أطراف هذه الحرب الجديدة لطالما تغنوا بتقديم المساعدات الإنسانية للدول الفقيرة والمنكوبة في أوقات الأزمات، واليوم بدأت هذه الدول تكشف عن وجهها القبيح وتنزع قناعها لتظهر على حقيقتها)) (المصدر عدة وكالات).

وسائل الإعلام العالمية قالت إن الولايات المتحدة استولت على شحنة كمامات كانت موجهة إلى فرنسا من الصين بعد تغيير وجهة الطائرة من خلال عرض أموال أكثر كقيمة للشحنة، وألمانيا اتهمت الولايات المتحدة بالاستيلاء على شحنة كمامات كانت قادمة إليها، ودولة التشيك صادرت شحنة كمامات كانت متوجهة إلى إيطاليا، والأخيرة صادرت شحنة كمامات كانت متجهة إلى تونس.. وتركيا استولت على شحنة أجهزة تنفس كانت متجهة إلى إسبانيا.. فأين هي الإنسانية التي لطالما تغنت بها هذه الدول؟ أين الاتحاد الأوروبي، أين برامج الدعم الأمريكية؟ إن عنوان العالم اليوم هو العودة إلى الأصل، حيث لا مجال للتعاطف، والعبرة من كلام الرئيس الأمريكي الذي وصلت به الجرأة إلى حد تهديد منظمة الصحة العالمية، بقوله: ((إن الولايات المتحدة ستعلق دفع مساهمتها المالية إلى منظمة الصحة العالمية، دون تقديم مزيد من التفاصيل)).. وكان ترامب قد شن قبلها هجوما حادا على المنظمة، قائلا: ((إن منظمة الصحة العالمية أخفقت حقا(…)، الغريب أنها ممولة بشكل كبير من الولايات المتحدة، لكن تركيزها منصب على الصين)).

 

 

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى