تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | الفيروس الذي لا يميز بين المسلم والنصراني واليهودي

لأول مرة.. إغلاق المسجد والكنيسة والمعبد اليهودي

إعداد: سعيد الريحاني

    علق صالح المغامسي، وهو إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، على الإجراءات التي تقوم بها السلطات على إثر انتشار فيروس “كوفيد 19” قائلا: ((ابتلي الناس بفيروس كورونا، وأصبح وباء عالميا لا يستطيع أحد أن يصادمه فيما يبدو إلى الآن، وانتشر في أكثر من 84 دولة في العالم، فكان حقا على ولاة أمر هذه البلاد أن ينظروا إلى مصلحة البلاد والعباد، فجاء القرار بأن يخلى الصحن من الطائفين والمصلين، وأن يكون هناك تعقيم للبيت لأن البيت يلمسه عشرات الآلاف باليوم الواحد ويلمسون ما حوله، يلمسون الحجر ويلمسون ستار الكعبة ومقام إبراهيم والحجر.. يلمسون كل ما يتعلق بتلك الأماكن.. لو ترك هذا الباب (لمس الكعبة) مفتوحا على مصراعيه، لهلك كثير من الناس من حيث النظر إلى الأسباب التي شرعها الله تبارك وتعالى والتي لا ينكرها العقل، والنقل الصحيح لا يمكن أن يصادم العقل الصريح، على هذا جاء هذا المنظر..)).

كلام إمام مسجد قباء، هو تبرير للصور التي انتشرت على نطاق واسع، والتي يظهر فيها صحن الكعبة المشرفة خاليا من الحجاج والمعتمرين، وهو المشهد الذي لم يكن ليتحقق لولا أن البلدان المصابة بفيروس “كوفيد 19” أغلقت أبوابها في وجه حركة التنقل، نحو ومن الكعبة، وكذلك الشأن بالنسبة للسعودية نفسها.. ويا لها من مصادفة أن يتزامن التخفيف من قرار “مقاطعة” دولة قطر من طرف مجموعة من الدول الخليجية، مع قرار أعظم لم يكن يتصوره أحد، وهو قرار “مقاطعة الجميع للجميع” حتى إشعار آخر، فـ((هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها كل دولة محاصرة نفسها بنفسها في مواجهة وباء كوفيد 19 الذي أثبت قدرته الخارقة على تجاوز الحدود عبر المطارات والموانئ والطرؤق البرية)).

ولم يسبق أن أغلقت الكعبة من قبل إلا في محطات نادرة جدا في تاريخ المسلمين، حيث تم إغلاقها أول مرة بعد هجوم أبرهة الحبشي على مكة، خلال عام الفيل، وهو نفس العام الذي ولد فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكان جيش أبرهة الحبشي يحاول إرغام الناس على التوجه نحو “كنيسته”، ولكن الأقدار فاجأته وجيشه بـ”الطير الأبابيل” لتكون نهايته بمثابة بداية جديدة للحج(..)، غير أن أكثر الفصول دموية في تاريخ الكعبة، هي ما ذكره التاريخ عن ضربها ب،”المنجنيق” من طرف الحجاج بن يوسف الثقفي، وبإيعاز من الخليفة عبد الملك بن مروان.. ولكن ذلك لا يصل إلى الفصل الأكثر دموية والذي وقعه هجوم القرامطة على الحجاج، عندما قتلوا حوالي 2200 رجلا و500 امرأة، عندما عجزت الدولة العباسية عن حماية المسلمين، دون أن ننسى الهجوم الأخير على الكعبة في عام 1979م، عندما اقتحم نحو 200 رجل تحت قيادة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني المنتميين للجماعة السلفية المحتسبة، حرم مكة، وسيطروا عليه بقوة السلاح، وأعلن العتيبي أن صهره القحطاني هو “المهدي المنتظر”.

المهم، أن مشهد إغلاق الكعبة لا يتكرر إلا مع تطبيق مشاريع “الهيمنة” أو مع الكوارث، والكارثة هذه المرة هي فيروس “كوفيد 19″، لتكون المرة الأولى التي تلمح فيها السعودية، التي كانت تستقبل أزيد من 2.5 مليون حاج، إلى إمكانية إلغاء موسم الحج هذه السنة، حيث قال وزير الحج والعمرة، محمد صالح بن طاهر بنتن في تصريحات إعلامية، أن ((المملكة العربية السعودية على كامل استعدادها لخدمة الحجاج والمعتمرين في جميع الأحوال، لكن في الظروف الحالية، نحن نتحدث عن جائحة عالمية، جائحة نسأل الله السلامة منها))، وأضاف: ((المملكة في كامل استعداداتها لحفظ صحة المسلمين والمواطنين، لذلك نحن طلبنا من الإخوة المسلمين في جميع دول العالم، التريث في عمل أية عقود حتى تتضح الرؤية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يذهب هذا البلاء)).

هذا بالنسبة للمسلمين، أما عند النصارى، فقد أعلن الفاتيكان، أن كافة صلوات عيد الفصح هذه السنة ستجری في ساحة القديس بطرس بدون مشاركة المصلين، وقال المكتب البابوي في بيان له: ((على خلفية الوضع الصحي الدولي الطارئ حاليا، ستجرى كل الاحتفالات الليتورجية الخاصة بالأسبوع المقدس دون حضور المصلين شخصيا))، وأوضح الفاتيكان حسب ما هو متداول إعلاميا، أنه ((حتى 12 أبريل، كل اللقاءات العامة وصلوات التبشير التي يجريها الحبر الأعظم، ستكون متوفرة فقط عبر البث المباشر على موقع أخبار الفاتيكان الرسمي)).

وكانت وسائل الإعلام قد كتبت بشكل غير مسبوق، عن السابقة التاريخية، حيث ((ظهر البابا وحيدا في صلاة عالمية لمواجهة كورونا))، وتناقلت وكالات الأنباء تعليقا عن ظهور بابا الفاتيكان وحيدا كما يلي: ((للمرة الأولى في التاريخ، ترأس البابا فرنسيس اليوم الجمعة (الأسبوع الماضي) وحيدا، صلاة في مواجهة عاصفة وباء كورونا المستجد، وذلك في ساحة كاتدرائية القديس بطرس الخالية في الفاتيكان، داعيا العالم “الخائف والضائع”، إلى إعادة النظر في أولوياته))، وقال البابا: ((ظلمة كثيفة قد غطت ساحاتنا ودروبنا ومدننا، واستولت على حياتنا، وملأت كل شيء بصمت رهيب وفراغ كئيب يشل كل شيء لدى عبوره)).

وقال رئيس الكنيسة الكاثوليكية التي تقود 1.3 مليار شخص عبر العالم، في صلاة عبر الأنترنيت: ((في عالمنا هذا، سرنا قدما بسرعة عالية معتبرين أنفسنا أقوياء وقادرين على كل شيء.. فامتلكنا الجشع إلى الربح، وأغرقتنا الأشياء وأبهرنا التسرع))، مضيفا: ((لم نستيقظ إزاء الحروب والظلم الذي ملأ الأرض، ولم نستمع إلى صرخة الفقراء وصرخة كوكبنا المريض))، وتابع الحبر الأعظم: ((استمرينا دون رادع، معتقدين أننا سنحافظ دوما على صحة جيدة في عالمٍ مريض))، وخلص إلى القول: ((إنه وقت الاختيار بين ما هو مهم وما هو عابر، وقت الفصل بين ما هو ضروري وما ليس ضروريا.. إنه زمن إعادة تصويب دربنا))، كما ورد على موقع الفاتيكان (المصدر: عدة وكالات).

كلام البابا لا خلاف حوله بين الأديان، وربما هي المرة الأولى التي تجمع فيها مختلف الهيئات الدينية على كلمة واحدة، بل حتى الصلاة في زمن “كورونا” أصبحت واحدة، ولكم أن تتصوروا دهشة العالم الافتراضي والعالم الواقعي، بعد انتشار صورة التقطت في إسرائيل ويظهر فيها موظفون في سلك الإسعاف في مدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل: الأول مسلم، والثاني يهودي وهما يصليان جنبا إلى جنب، كل حسب اعتقاده (انظر الصورة رفقته).

كما فعل المسلمون، فعل النصارى، وعلى منوالهم سار اليهود، بل إن الحاخامية العليا في إسرائيل، دعت يهود العالم إلى تخصيص يوم للصوم والصلاة، بسبب فيروس “كورونا”، وقالت: ((على كل حاخامات المدن والأحياء في إسرائيل، والعالم، إقامة الصلاة في المعابد والأماكن المخصصة للعبادة))، وطالبت اليهود بالصلاة في مجموعات من عشرة أشخاص (الحد الأدنى المسموح به للصلاة) مع الحفاظ على مسافة مترين بين كل شخص وآخر، لمنع تفشي فيروس”كورونا”.

انظروا كيف تفشت الاحتياطات المرتبطة بوباء “كورونا” في الصلاة، وطبعا امتد ذلك إلى اليهود في المغرب، حيث أصدرت الطائفة اليهودية في المملكة تعليمات لأتباعها بإلغاء جميع الأنشطة التي يشارك فيها قادمون من الخارج، ويحضرها أكثر من ألف شخص في أماكن مغلقة، كما أعلن مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب عن تأجيل الموسم الديني السنوي “الهيلولة”، الذي كان من المتوقع إقامته بمدينة مكناس في شهر ماي المقبل، وقال أمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب، سيرج بيرديغو، أنه ((لم يتم اتخاذ أي قرار بوقف الأنشطة الدينية حتى الساعة))، مضيفا أن ((موسم الهيلولة تم تأجيله إلى وقت لاحق حتى يتبين الوضع العالمي))، وتدخل “الهيلولة” ضمن المواسم الدينية التي أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية قرارا بتوقيفها حاليا ضمن الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس “كورونا” (المصدر: هسبريس).

هكذا إذن، وحدت الإجراءات الاحترازية في مواجهة فيروس “كورونا” كل الأديان، ليصبح الدين واحدا(..) والله واحد(..) والإنسانية واحدة(..)، ليبقى هذا التزامن التاريخي بين إغلاق المسجد والكنيسة والمعبد اليهودي، درسا في معنى “التواجد الكوني”، ورسالة لمن يهمه الأمر حتى إشعار آخر، وحتى تظهر حقيقة فيروس “كورونا” الذي لازال مستمرا في حصد الضحايا دون الكشف عن هويته الحقيقية، ولصالح من يعمل(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى