تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | ألمانيا تتزعم مبادرة لإعادة الاستعمار إلى إفريقيا وتجمع خصوم القضية الوطنية في برلين

إعداد: سعيد الريحاني

كان شهر أبريل يستعد للانسحاب في هدوء بعد أن بلغ يومه التاسع والعشرين من سنة 1827، لكن تزامنه مع أول أيام عيد الفطر في الجزائر، جعله مناسبة لتبادل الزيارات بين الباشا العثماني، الداي حسين، الذي تولى حكم الجزائر في سنة 1818، وبين ممثلي السفارات الأجنبية في بلاده، وقد كانت الجزائر وقتها دولة قوية اقتصاديا مقارنة مع فرنسا التي كانت قد خرجت للتو من ثورتها التي دفعت أوروبا إلى عزلها عن العالم، فكانت الجزائر هي الدولة الوحيدة التي ساعدت فرنسا على تجاوز محنة الثورة، وكان طبيعيا أن يتخلف في عنق فرنسا مبلغ كبير من الديون.. وقد كانت الديون الجزائرية عند فرنسا جزء من الحوار الذي دار بين الداي حسين والقنصل الفرنسي بيار دوفال.. لكن هذا الأخير أجاب الباشا بطريقة غير محترمة، فما كان من حاكم الجزائر إلا أن لوح في وجهه بـ”المروحة”، ويقال إنه ضربه بها، وطرده من قصره(..).

ما سمي بحادثة “المروحة” في التاريخ، كان هو سبب استعمار الجزائر لمدة تزيد عن 130 عاما، من طرف فرنسا، التي هجمت على الجزائريين بدعوى استرجاع مكانة وشرف فرنسا.. وأي شرف هذا الذي تحدث عنه الفرنسيون وقتها وهم يردون على الجزائريين باستعمار بلادهم، بدل سداد الديون المستحقة(..).

وقد دار الزمان دورته، لتجتمع كل من تركيا العثمانية والجزائرية (التي كانت ملحقة عثمانية)، مع الدولة المستعمرة فرنسا، في برلين الألمانية، بشأن ما سمي محاولة إيجاد حل للأزمة الليبية، والواقع أن مشكلة ليبيا التي تحولت فيها الأوضاع من “الثورة” إلى “الأزمة”، قد انطلقت منذ ابتلاع طعم “الربيع العربي” بسبب تصلب مواقف رئيسها السابق معمر القذافي(..).

كل من ألمانيا البلد المستضيف للقمة، وطرفا النزاع في ليبيا، وهما رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج وخصمه المشير خليفة حفتر، إلى جانب 11 دولة أخرى، من بينها تركيا وروسيا والصين وإيطاليا والكونغو، ومصر التي حضرت نيابة عن السعودية(..)، والإمارات، وفي غياب قطر التي كلفت تركيا بالنيابة عنها(..)، قالوا إنهم يجتمعون لبحث السبل التي ستمكنهم من إخراج ليبيا من أزمتها.. ولكن مبررات عقد لقاء برلين ظلت واهية في ظل استبعاد دول معينة من المشاركة، مثل تونس التي تربطها مع ليبيا حدود ترابية، والمغرب الذي كان له دور كبير في استقبال وإغاثة الجرحى والمصابين من كلا الطرفين، اللذان كانا يتحاربان في ليبيا أيام القذافي قبل إسقاطه، سواء كانوا ثوارا أو كتائب(..)، حيث كان كلا الطرفين يستفيدان من برامج العلاج والمساعدات الإنسانية على حساب المغرب، كما أن المغرب هو أول بلد فتح أبوابه لليبيين من أجل مناقشة أزمتهم في مدينة الصخيرات بعيدا عن أجواء الحرب، لتتوج سلسلة اللقاءات بين الفرقاء بـ”اتفاق الصخيرات”، وهو الاتفاق الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة، ما يعني أنه يكتسب شرعية دولية، فبأي حق تأتي ألمانيا لتزيح المغرب من المقررات الدولية؟

ورغم أن مؤتمر برلين، المليء بالمتناقضات، جاء لحجب الرؤية عن “اتفاق الصخيرات”، فإن هذا “اتفاق الصخيرات” هو الاتفاق الأساس في الأزمة الليبية من الناحية العملية، فلولاه لما كانت هناك أطراف ليبية يمكن التحاور معها أصلا، بعد أن دخلت ليبيا في دوامة الحرب الأهلية، لكن المغرب كان سباقا إلى جمع الليبيين المتحاربين في الصخيرات يوم 17 دجنبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر، وقد بنيت على أساس “اتفاق الصخيرات” لبنة الدولة الجديدة في ليبيا، ففيه تمت المصادقة على البنود المؤسسة لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وتدابير الثقة، والترتيبات الدستورية والأمنية، غير أن المجتمعين في برلين بذلوا مجهودا خرافيا من خلال التلاعب في لائحة الحضور وجدول الأعمال، لمسح “اتفاق الصخيرات” من الوجود، وكأنها مؤامرة على المغرب(..).

وتكمن مخاطر اجتماع برلين، في كون أغلب المجتمعين لا علاقة لهم بالأزمة الليبية، ما يجعل الاجتماع مجرد تغطية على النقاش الحقيقي(..)، فضلا عن تطوير هذا الاجتماع ليشمل الاتحاد الإفريقي ممثلا في دولة الكونغو التي استدعيت في آخر لحظة، بدعوى أن الاتحاد الإفريقي كلف رئيسها دنيس ساسو نغيسو، قبل ثلاث سنوات، برئاسة لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية، وهو مبرر مضحك، لأن تأسيس هذه اللجنة لا يرقى إلى مستوى لقاء الصخيرات، كما أن اجتماع برلين تفوح منه رائحة التآمر على الوحدة الترابية المغربية، ذلك أن انفتاحه على إفريقيا، اقتصر على جمع أطراف تبدو محايدة وأطراف أخرى تميل لمساندة البوليساريو، ما يعني أن هذا التحالف الذي أعلن عن نفسه في شكل “اجتماع”، قد يكون مجرد مقدمة لتحالف كبير من أجل الاستمرار في التدخل في شؤون دول شمال إفريقيا، ومن بينها المغرب(..).

وليس عصيا على أي متتبع التأكد بأن بعض المواضيع التي نوقشت في برلين لا علاقة لها بالأزمة الليبية، ويكفي في هذا الصدد، الاستماع إلى ما قاله وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، يوم الإثنين الماضي، وهو يصرح بأن اجتماع برلين بشأن ليبيا مؤشر على عودة قوية للأوروبيين لأخذ زمام المبادرة على المستوى الدولي.. وقال مزهوا بأن المجتمعين بحثوا “تقوية المشاركة الأوروبية في التحالف ضد الإرهاب بالساحل الإفريقي”، و”قررنا أيضا تعزيز المراقبة الأوروبية البحرية في الخليج  لحماية أمن الخليج”، حسب قوله، الأمر الذي يؤكد أن مؤتمر برلين كانت له أهداف أخرى أكثر من حل أزمة ليبيا.

ورغم أن مؤتمر برلين يعد عنوانا للتدخل السافر في مسار قضية ليبيا، فقد أكد المجتمعون أنهم ضد التدخل الأجنبي في هذه الدولة، والواقع أن التدخل الأجنبي في ليبيا باستثناء المبادرات الإنسانية المغربية، بدأ منذ اليوم الذي صدق فيه الليبيون أكذوبة الربيع العربي(..)، وها هو مؤتمر برلين يتخذ من حيث الشكل عنوانا موحدا، لكنه تحول في الواقع إلى لقاءات ثنائية بين عدد من الرؤساء، خاصة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين…

يذكر أن البيان الختامي لبرلين جاء فيه: ((ندعو جميع الأطراف الليبية إلى إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات حرة وشاملة وعادلة))، مضيفا: ((ندعم تأسيس حكومة موحدة وشاملة وفعالة في ليبيا تحظى بمصادقة مجلس النواب))، وتابع: ((ندعم تأسيس منظومة أمن وطنية موحدة بليبيا تحت سيطرة السلطة المركزية والمدنية))، وفي الأخير، توجه المشاركون بنداء إلى الأمم المتحدة من أجل ((تأسيس لجان تقنية لضبط ومراقبة تطبيق وقف إطلاق النار في ليبيا)).. أليس “اتفاق الصخيرات” أهم من كل ما قيل حتى الآن؟

وقد كان من الطبيعي أن تعبر القنوات الدبلوماسية المغربية عن غضبها من إقصاء المغرب من فعاليات مؤتمر برلين، وقد أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريحات لقناة “فرانس 24″، ((استغراب بلاده (المغرب) من إقصائها من حضور مؤتمر برلين حول ليبيا المقرر انعقاده الأحد في العاصمة الألمانية))، وتساءل بوريطة عن ((أسباب هذا الإقصاء على الرغم من انخراط المملكة في الملف الليبي منذ بداية الأزمة))،  وأشار الوزير إلى ((احتمال وجود مؤامرة للتأثير على اتفاقات الصخيرات، التي تعتبر المرجع الوحيد لقرارات مجلس الأمن))، كما ((رفض استغلال بعض الأطراف للملف الليبي لتحقيق مصالحها السياسية، وشدد على أن الأزمة الليبية ليست حكرا على دولة معينة وسوف يتم تجاوزها بالجهود الدولية))، غير أن بوريطة، الذي اختار الخروج في وسيلة إعلام فرنسية، نسي الخط التحريري للقناة الفرنسية(..)، فنشروا تصريحه رفقة خريطة المغرب بعد أن بتروا منها أقاليمه الجنوبية، وهو ما يعطي صورة عما يحاك في الخفاء ضد القضية الوطنية، لأن وسائل الإعلام الفرنسية لا تنطق عن الهوى(..).

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى