السؤال المطروح بعد القبض على مدراء مؤسسات عمومية
يأتي هذا المقال في إطار الملف الأسبوعي “الريحة عطات ولكن من سيحرك الملف” فقط على alousboue.com
——————————-
يمكن لتقارير المجلس الأعلى للحسابات أن تلعب دور “المغرق” في بعض الملفات، فبمقتضى محاضره تم سجن القيادي الاتحادي خالد اعليوة بدعوى أنه أساء تدبير مالية بنك “القرض العقاري والسياحي (تقرير 2009) ولم تكن هذه المأساة لتنتهي إلا بتدخل ملكي في شهر مارس من السنة الماضية بعد وفاة والدته، بالمقابل مازال عبد الحنين بنعلو، معتقلا بصفته مديرا سابقا للمكتب الوطني للمطارات، ارتكب عدة خروقات مالية، لم تتضح حقيقتها بعد(..)، ولم يفتح حتى الآن أي تحقيق بشأن التصريحات التي قال فيها بنعلو، إن مجموعة من الموظفين تعرضوا للضغط، حتى أن القضاة ضربوا موعدا مع الخازن في مقهى، وطلبوا منه التعاون معهم وأفصحوا له عن نيتهم في تغريق بنعلو، حسب ما أكده هذا الأخير أمام المحكمة، لكن رئيس الجلسة لم ير بدا من الاستماع إلى الموظف المعني بهذه الاتهامات (المصدر: الموقع الإلكتروني لجريدة الأسبوع الصحفي، الأربعاء 29 يناير 2014).
يبدو المجلس الأعلى للحسابات صارما مع بعض مدراء المؤسسات العمومية بدعوى أنهم يتصرفون في أموال عامة، لكنه لم يسبق أن وجه أي اتهام لأي رئيس أو أمين عام لحزب سياسي معين، كما أنه لم يجرؤ حتى الآن على فتح ملفات مالية النقابات (..)، هل هي الرغبة في الحفاظ على السلم الاجتماعي؟ أم هي حسابات سياسية؟ ألا يتصرف زعماء الأحزاب والنقابات في الملايير بدعوى تمثيل الشعب، لا أحد يعرف الجواب.
———————–
لكل حزب مغربي فتنته التي تقف وراء ضعفه، ففي الاتحاد الاشتراكي هناك انقسام بين البرلماني أحمد الزايدي والبرلمانية حسناء أبو زيد، ووسط كل هذه الفتنة هناك من يقتات من الصراع باسم الشرعية التاريخية تارة وباسم الشرعية الديمقراطية تارة أخرى، وفي حزب التجمع الوطني للأحرار هناك صراع بين أنصار وزير الخارجية مزوار، وبين من يطلعون لعودة الرئيس السابق للحزب مصطفى المنصوري، وفي حزب الحركة الشعبية، تلقى امحند العنصر الأمين العام صفعة قوية من لدن فريقه البرلماني، عندما فشل في الحصول على تفويض بتعيين الرئيس، مما يعني أن ضربة موجعة للمتحكمين في الحزب خلال السنوات الأخيرة(..)، ولا يمكن استثناء حزب الاستقلال مما يحصل فهو الآخر مازال مشتتا بين أنصار حميد شباط وأنصار “لا هوادة”، والأمر نفسه ينطبق على حزب العدالة والتنمية، فالفتنة النائمة تفترض وجود نزاع غير مسبوق حول الأمانة بين كل من عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني وعبد العزيز الرباح(..).
لكل حزب فتنته، ولكن الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه هو هذا التواطؤ على التعتيم عن الحسابات المالية، فحسب آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، فإن بعض الأحزاب لم تقم بإرجاع المبالغ المالية التي تصرفها في الانتخابات بمناسبة استحقاقات 25 نونبر 2011، ويقدر المبلغ الذي لم يتم إرجاعه بـ15.805.202,13 درهم، علما أن الدولة ساهمت في تمويل الحملات الانتخابية برسم اقتراع 25 نونبر 2011، بمبلغ 219,74 مليون درهم، وصلت إلى 29 حزبا سياسيا، منها 18 حزبا صرحت بمصاريف حملتها الانتخابية داخل الأجل المحدد قانونيا، بينما تخلف الباقون عن التصريح.
لم يشمل تقرير المجلس الأعلى للحسابات سوى ملفا ماليا واحدا من ملفات الأحزاب وهو المحطة الانتخابية لسنة 2011، ورصد اختلالات بالملايين، فماذا لو امتدت يد جطو لتحرك الملفات الراقدة منذ عشرات السنين؟ ماذا لو طبق القانون بأثر رجعي؟ ألن نشاهد بعض الزعماء في السجن بتهمة تبذير أموال عمومية؟
—————–
الغموض.. الاتحاد الدستوري نموذجا
على سبيل المثال لا الحصر، سبق للصحف أن نشرت خبرا يتعلق بتجميد عضوية الرجل الثاني في الاتحاد الدستوري، عبد الله الفردوس، وقيل وقتها إن مدير صحيفة رسالة الأمة، حول ممتلكات تابعة للحزب إلى اسمه الشخصي(..) ومرت الأيام وخرج الفردوس ليؤكد أن الأمين العام محمد الأبيض “قام بالسطو على مليار و300 مليون من الجريدة، التي لا علاقة لها بالحزب، (المساء، عدد: 23 مارس 2014).
تصريح من هذا النوع كان يتطلب تحرك النيابة العامة، ولكن أليس هذا سببا كافيا ليفتح المجلس الأعلى للحسابات، الملف المالي لحزب الاتحاد الدستوري(..).
من أين تجد الأحزاب السياسية المبالغ اللازمة لتمويل مسيراتها الحاشدة، ومن يمول انتقال مناضلين مفترضين بين عدة مدن ومن يضمن لهم الإقامة في الأوطيل كلها أسئلة مطروحة، لم يسبق أن خاض فيها المجلس الأعلى للحسابات، كما أنه لم يقدم أية توضيحات بخصوص الأحزاب التي لم تقدم حساباتها داخل الأجل القانوني، والتي أشار إليها في تقرير سنة 2013 بالاسم، ويتعلق الأمر بكل من : حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب الحرية والعدالة الاجتماعي، والحزب الاشتراكي، وحزب الشورى والاستقلال، وحزب القوات المواطنة، وحزب النهضة والفضية، وحزب العمل، وحزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، وحزب النهضة، وحزب المجتمع الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي، وحزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.
——————–
هدية بن كيران للأحزاب والنقابات
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع تحرك الحكومة لتطويق الفساد الذي خرجت رائحته من تحت معاطف الأحزاب السياسية، سارع بن كيران إلى التوقيع على مرسوم يسمح بمقتضاه بنقل ممتلكات، وعقارات، وأصول كانت مسجلة بأسماء بعض الزعماء والمناضلين، إلى ملكية الأحزاب مباشرة.
وقد سمح رئيس الحكومة بشكل استثنائي بخرق القانون ذلك أن عملية التفويت لن تأخذ بعين الاعتبار المقتضيات الواردة في مدونة الضرائب، وفضلا عن كونها عملية معفية من الضرائب فإنها معفاة أيضا من مصاريف التسجيل، وقد تواطأ جل النواب من أجل المصادقة على مرسوم بن كيران، رغم أن القانون يفرض أداء مصاريف التسجيل، مع ضريبة على “زائد القيمة”، حيث أن العقارات والأراضي التي تم اقتناؤها قديما بمبالغ زهيدة أصبح جلها يقدر ثمنه بالملايير، وعليه فإن واجبات التسجيل بمثابة ضريبة تضمن للدولة مدخولا من عملية التفويت، ولكن جل الأحزاب اتفقت على خرق القانون بواسطة القانون رغم أن المادة 187 من مدونة الضريبة تقول: “تطبق غرامة تساوي 100 في المئة من مبلغ الضريبة المتملص منها على كل شخص ثبت أنه ساهم في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة”.
إلى هنا، يطرح سؤال عن العقارات التي تملكها الأحزاب، وعما إذا كان المجلس الأعلى للحسابات على علم بما يجري ويدور على أرض الواقع؟ تجدر الإشارة، أولا، إلى أن الإعفاءات الضريبية أقرها بن كيران تمتد إلى غاية 16 ماي 2014، لذلك فإن جل الأحزاب منكبة على جرد ممتلكاتها، وحسب آخر تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فقد بلغ مجموع أصول الأحزاب السياسية التي قدمت للمجلس الأعلى للحسابات، ما قدره 259,81 مليون درهم، وتتشكل أساسا من الأصول الثابتة المادية بمبلغ قدره 125,82 مليون درهم، أي بنسبة 48% من مجموع الأصول المصرح بها؛ ومثلت الأراضي ما يفوق 39% من مجموع هذه الأصول الثابتة(..).
كل من حزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، والنقابات التاريخية يملكون عقارات بالملايير، وربما لم يرفع كثير منها تقارير عن ممتلكاته لإدريس جطو، الأمر الذي لا يقف عند حدود خرق القانون بل يمتد ليصل إلى التهرب الضريبي، لكن مجلس جطو مازال يتفرج على الأحزاب وهي تستهتر بالمال العام(..).