تحليل إخباري | الدبلوماسيون المغاربة يتمردون على بوريطة ويتهمونه بتقديم “هدية” لمؤتمر البوليساريو
14 ديسمبر، 2019
0 5 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
دون حاجة لأي اختراق من أي جهاز(..)، تحدى بعض الدبلوماسيين المغاربة وزيرهم في الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، بتسريبهم لمذكرته الوزارية المؤرخة بتاريخ 29 نونبر 2019، التي تدعوهم إلى “الانضباط الإداري”، تحت عنوان “واجبات ومسؤوليات موظفي وأعوان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة القاطنين بالخارج بخصوص الدعوات الموجهة إليهم من طرف البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية”.
وقد كان أول المحتفلين بتسريب وثائق وزارة الخارجية المغربية، وانتفاضة الدبلوماسيين المغاربة ضد وزيرهم، هم أنصار البوليساريو، الذين اعتبروا ذلك عنوانا لارتباك الدولة المغربية في الوقت الذي يستعدون فيه لعقد مؤتمرهم في منطقة تيفارتي، تحت حماية معداتهم العسكرية، ما يعني محاولة استفزاز المغرب وجره إلى الحرب(..) كي تظهر الجبهة بمظهر الضحية أمام قوة الجيش المغربي، الذي يتجنب توجيه الضربات العسكرية لميليشيات البوليساريو، في إطار تطبيق الالتزامات المغربية الدولية، ولتفادي تطورات عكسية للموضوع، لأن هناك أطرافا أمريكية تسعى إلى توريط المغرب في ضربة عسكرية، لمحاولة إظهاره كقوة غازية، على غرار هجوم العراق على الكويت، رغم أن الفرق شاسع بين النزاعين(..).
بالعودة إلى مذكرة بوريطة، نجد أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها الواجبات والمسؤوليات، وثانيها هو “واجب التحفظ”، ثم واجب الانضباط الإداري، والتي تضمنت معطيات أغضبت الدبلوماسيين العاملين في مختلف السفارات المغربية في الخارج، حيث يقول الوزير بوريطة في مذكرته: ((يحرص أعوان وموظفو الوزارة خلال مشاركتهم في التظاهرات المنظمة من قبل التمثيليات الأجنبية والمنظمات الدولية والهيئات الأجنبية والوطنية غير الحكومية، على توخي الوقار واحترام واجب التحفظ، وذلك عملا بمقتضيات المادة 56 (الفقرة 4) من النظام الأساسي الخاص بموظفي وأعوان الوزارة، التي تنص على تجنب كل ما من شأنه أن يمس هيبة وحرمة المملكة المغربية، والإساءة إلى كرامة وشرف وظيفتهم، سواء في إطار مزاولة مهامهم أو ممارسة شؤون حياتهم الخاصة)).
وإذا كان مضمون هذه الفقرة لا يطرح أي إشكال رغم غموض النص(..)، إلا أن الفقرة التي بعدها هي سبب غضب الدبلوماسيين حيث يقول الوزير: ((يتوجب على أعوان وموظفي الوزارة إبلاغ رئيس الإدارة كتابيا، عبر السلم الإداري، بالدعوة إلى الملتقيات وما استقر عليه التقدير تجاهها، وذلك قبل الاستجابة للدعوة أو الامتناع عنها فعليا ما لم تكن لدى الإدارة تعليمات مخالفة، وذلك قياسا على مقتضيات المادة 56 (الفقرة الثالثة) من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، الذي يستوجب الحصول على الإذن المسبق قبل الإدلاء بأي تصريح للعموم عن مواضيع السياسة الداخلية أو الخارجية للمملكة المغربية أو لبلد الاعتماد(..))).
أخطر ما في مذكرة بوريطة على الدبلوماسيين، هو اعتبارها عدم تبليغ الإدارة خطئا مهنيا(..)، من تم، فإن التساؤل الذي يطرحه الدبلوماسيون هو: كيف ستدبر الوزارات مئات الطلبات التي تتلقاها البعثات الدبلوماسية المغربية في مختلف البلدان؟ فبعض المصادر قالت كيف يمكن للدبلوماسي المغربي أن يتحرك للدفاع عن القضية الوطنية وهو لا يملك هذا الحق؟ ثم إن المساطر الدبلوماسية المعقدة من شأنها أن تلغي أي تواصل بين الدبلوماسيين وجمعيات المجتمع المدني للجالية، ألم يكن الأجدر والبوليساريو تستعد لعقد مؤتمرها، أن يتم تحفيز الدبلوماسيين المغاربة على القيام بدور أكبر لتكذيب الدعاية الكبرى لدولة وهمية؟
وقد ذهب بعض الدبلوماسيين المغاربة الذين سألتهم “الأسبوع” إلى أبعد من ذلك، حينما اعتبروا مذكرة الخارجية إفراغا للتوجيهات الملكية فيما يتعلق بالقضية الوطنية من محتواها، فـ((أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك)).. فـ((بدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها، يتعين إجبارهم على الدفاع عنها، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور، واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها، ذلك أن قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع: مؤسسات الدولة، والبرلمان، والمجالس المنتخبة، وكافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وجميع المواطنين)).. هكذا تحدث الملك محمد السادس في خطاب افتتاح السنة التشريعية للبرلمان، لكن السؤال الذي يغدو مطروحا: كيف السبيل إلى تنفيذ ذلك طالما أن الفاعل الأول، وهو الدبلوماسي الذي يفترض أنه حاصل على ميزة “الثقة الكبرى”، غير مخول بالتحرك إلا بعد الحصول على الإذن(..)؟
ويبقى أبعد تفسير للمذكرة الوزارية الصادرة عن بوريطة، والتي تعتبر الدبلوماسيين بمثابة أميين لا تكوين لهم، هو الذي ورد في صحيفة “القدس العربي”، حيث قالت أن هذه ((المذكرة مثيرة للغاية، سواء من حيث المضمون، أو تعمد تسريبها إلى الصحافة المغربية)).. ويؤكد مصدر ديبلوماسي سابق عمل في وزارة الخارجية المغربية أن ((كل موظف في وزارة الخارجية يتلقى تكوينا في البروتوكول وكيفية تمثيل البلاد، علاوة على المحافظة على أساليب وتقنيات السر المهني ومواجهة التجنيد والاستقطاب من طرف دول ثالثة، ويحدث بين الحين والآخر تذكير الدبلوماسيين عبر دورية داخلية أو خلال اجتماع الموظفين مع رؤسائهم بهذه المقتضيات))، ويضيف: ((تسريب خبر المذكرة هو عمل متعمد يحمل رسالة موجهة إلى بعض الموظفين الدبلوماسيين بعدما قد تكون تفاقمت تصرفات لا تشرف المغرب في بعض الأحيان، لكن يبقى المقلق، هو الإشارة إلى السر المهني. عملية التسريب العلني هو تشكيك نسبي في عمل الدبلوماسيين، وكان الأجدر الاقتصار على العمل الداخلي وهو تولي رؤساء الأقسام للعاملين تحت إمرتهم)).
هكذا إذن، شكك كبير الدبلوماسيين في نزاهة بعض دبلوماسييه رغم أن المذكرة عامة، وهو ما دفع “القدس العربي” إلى القول: ((الدبلوماسيون المغاربة، مثل غيرهم، يتعرضون لعمليات استقطاب من طرف استخبارات ودبلوماسية الدول التي يهمها الشأن المغربي كثيرا، مثل الجزائر وإسبانيا وفرنسا وبعض دول الخليج العربي وعلى رأسها العربية السعودية، ولا يمكن استبعاد توجيه هذه المذكرة بطلب من الاستخبارات المغربية سواء المدنية أو العسكرية التي قد تكون رصدت ارتفاع محاولة استقطاب دبلوماسيين مغاربة في الحفلات، وكان المغرب في الماضي قد حاكم عددا من موظفي وزارة الخارجية بتهمة العمالة لقوى أجنبية، لكن خلال السنوات الأخيرة، لم تحدث محاكمات من هذا النوع، وبالتالي، قد تكون الدولة المغربية قد لجأت إلى تهميش المشكوك فيهم أو عملية التسريح المباشرة)) (المصدر: القدس العربي/ عدد: 4 دجنبر 2019).
وبغض النظر عن كون هذه المرة ليست الأولى التي يتحرك فيها الوزير بوريطة لردع أي “متحرك” في القضية الوطنية، فقد سبق لوزارة الخارجية منذ أسابيع أن هاجمت الرئيس السابق للباطرونا، صلاح الدين مزوار، معتبرة أنه “رعواني”، فقط لأنه انتقد حكم العسكر في الجزائر الداعم للبوليساريو، فـ((تعود فشل الردود المغربية على الحيطان القصيرة، وأصبح شبه صيغة أخرى للدبلوماسية المغربية، وقد أدرك منتهاه عندما انصبت الهجمات المغربية الأخيرة المنسقة مع وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، وفتحت المدافع الإعلامية في اتجاه قطب الدبلوماسية المغربية، الزغبي مزوار، رئيس فيدرالية رجال الأعمال، الذي اكتشف مثل جميع المغاربة، عجز الردود المغربية على ما يجب الرد عليه، ليصدر وزير الخارجية بلاغا ملتهبا ضد مزوار، اضطر هذا الزغبي الغير محظوظ، إلى تقديم استقالته)) (المصدر: الأسبوع/ عدد: 24 أكتوبر 2019).
هكذا إذن، سـ”يخاف” كل وطني من التعبير عن وطنيته إزاء الصحراء(..)، أليست هذه أكبر هدية لجبهة البوليساريو التي تستعد لعقد مؤتمرها في منطقة تيفاريتي، ((ففي خطوة استفزازية تتحدى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أعلنت جبهة البوليساريو الانفصالية عقد مؤتمرها الـ 15 نهاية الشهر المقبل في منطقة تفاريتي المشمولة بوقف إطلاق النار.. وأكدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الجبهة، أن اللجنة الفرعية التقنية تعمل على كل التحضيرات اللوجستية، من إقامة وتوفير القاعات، بمنطقة تفاريتي من أجل إنجاح هذا الاستحقاق الوطني المهم في تاريخ الشعب الصحراوي، وفق تعبيرها))، (المصدر: هسبريس/ 26 نونبر 2019).
يذكر أن معاقبة وزارة الخارجية المغربية لكل تعبير “وطني” في قضية الصحراء، قد انطلقت منذ سنة 2016، مع تقليم أظافر زعيم حزب الاستقلال حميد شباط، الذي قال من منظور تاريخي “إن موريتانيا كانت أرضا مغربية”، فوصفه وزير الخارجية بـ”الجاهل”، رغم أن هذا الأخير يعد الزعيم السياسي الوحيد وقتها الذي استطاع الجلوس مع الرئيس الموريتاني، وأخذ منه وعدا لتطوير العلاقات بين البلدين، لولا أن مبعوث الرئيس الموريتاني ظل في فندق “هيلتون” دون أن يستقبله أي ممثل عن القصر الملكي(..).
وقد ترك حزب الاستقلال توبيخا تاريخيا للوزير بوريطة، قال فيه ((إن مهام وزارة الخارجية لا تشمل تقييم المواقف السياسية للأحزاب))، علما أن الجنوح الأخير لوزارة الخارجية نحو ردع كل المتدخلين في القضية الوطنية، يطرح أكثر من سؤال حول الغاية من ذلك، في وقت يشجع فيه ملك البلاد جميع المتدخلين على التعبير عن “وطنيتهم” بالدفاع عن قضية المغاربة الأولى(..).