تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | من خطط لإحراق العلم المغربي في باريس بالتزامن مع تواجد الملك في فرنسا؟

إعداد: سعيد الريحاني

بالتزامن مع وجود الملك محمد السادس في فرنسا(..)، شهدت ساحة الجمهورية في باريس، أخطر حادث استفزاز للمغاربة، بعد أن عمدت سيدة غير معروفة، مشكوك في أصلها(..)، إلى إحراق العلم الوطني المغربي وسط مجموعة من المحتجين يوم الأحد الماضي، لتنطلق الدعاية الضخمة، لهذا التصرف الطائش، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما خلف ردود فعل كبيرة.

وكما جرت العادة، فإن بعض المحتجين باسم الريف، والذين يحملون العلم المصنوع للحركة الأمازيغية في السنوات الأخيرة، منذ سنة 1998، أصروا على إفراغ كل احتجاجات الريف من مضمونها عبر إظهار العداء للراية المغربية، والدعاية للمشروع الانفصالي، من سيقول اليوم أن احتجاجات الريف ذات طابع اجتماعي بينما يحمل المحتجون الذين قاموا بإحراق العلم المغرب، راية انفصال المناطق الشمالية في احتجاجهم(..).

هل كان هؤلاء المحتجون مغاربة؟ من أين جاؤوا؟ من وفر لهم الدعم، كلها أسئلة يتحتم على الدولة المغربية إيجاد أجوبة لها في إطار تطبيق القانون، لأن الأمر يتعلق بجريمة كاملة الأركان؟

بعض المقربين من المسيرة المذكورة، أكدوا لـ”الأسبوع”، بخلاف ما تمت الدعاية له، أن العلم الوطني أحرق على الأقل مرتين، وتم استعمال الأطفال في ذلك، ولكن الدعاية اقتصرت على إظهار امرأة واحدة فقط(..)، كما أكدت مصادر “الأسبوع” من عين المكان، أن بعض المتظاهرين كانوا يحملون العلم الانفصالي الكاتلاني، بينما كانت مجموعة أخرى حاضرة معروفة بدعمها لجبهة البوليساريو، وهو ما يعني أن الأمر كان يتعلق بنشاط انفصالي، علما أن المحتجين، رغم قلة عددهم، شوهدوا وهم يتخاصمون حول الأحقية في تنظيم هذا النشاط الاحتجاجي الذي يأتي تلبية لدعوة ناصر الزفزافي المعتقل على خلفية احتجاجات الريف.

مبررات المسيرة المعلنة، كما حددها والد ناصر الزفزافي، أحمد الزفزافي، تتحدث عن إحياء ذكرى مقتل بائع السمك محسن فكري، وعن معاناة أسر المعتقلين مع التنقل لزيارة أبنائهم، غير أن الذي حصل في باريس يخالف ذلك تماما، حيث أن المسيرة كانت تحاول ضرب الروح المعنوية للمغاربة في عمقها، بل إن مصادر “الأسبوع” تؤكد أن بعض المشاركين أكدوا أن هذه الوقفة ليست سوى واحدة من بين مجموعة وقفات أخرى إحداها ستنظم بهولندا حيث يقيم أصحاب الجمهورية المزعومة في الريف، إلى جانب المطلوب دوليا سعيد شعو، والأخرى ستنظم في أمريكا حيث يوجد بعض نشطاء “اليوتيوب”(..).

ولاشك أن مسيرة من هذا النوع، تساهم بشكل عملي في تعقيد وضعية المعتقلين على خلفية احتجاجات الريف وهم متهمين بـ”التآمر للمس بأمن الدولة”.. الأمر الذي تترجمه العقوبات القاسية التي تجاوزت 20 سنة بالنسبة للزفزافي ومن معه، خاصة وأنها تأتي بعد أن طالب معتقلو الريف بإسقاط الجنسية عنهم.

ولم يجرؤ أي مغربي منذ سنوات الرصاص، على التطاول على الراية المغربية، أو حرقها كما لم يجرؤ أي مغربي مهما كان صراعه مع الدولة على المطالبة بإسقاط جنسيته، لأن النضال ظل مرتبطا بالوطن، وإذا خرج عن ذلك، فإنه يعتبر خيانة(..).

التطاول على العلم الوطني، بغض النظر عن كونه جريمة، فإنه يجد سنده فيما يتم الترويج له، كأن يقال مثلا إن المقيم العام اليوطي هو من صنع للمغاربة رايتهم، كما يحدث في بعض المظاهرات باسم النشطاء الأمازيغ، لكن هذا الأمر غير صحيح من الناحية التاريخية، فضلا عن كون هذا العلم هو الذي وحد المغاربة في مواجهة المستعمر، ومن أجله أهدرت دماء الوطنيين، ومن أجل حارب الجيش المغربي الصحراء وغيرها.

وبغض النظر عن كون جزء من اللوبي الفرنسي هو الذي يقوم بترويج “راية تامزغا”، فإن قصة العلم المغربي: الراية الحمراء التي تتوسطها النجمة الخماسية، لا علاقة لها بالجنرال اليوطي، وربما لم يسعف كثيرا من الباحثين الحظ ليقرؤوا الكتاب الأخير للباحثة النشيطة، مديرة الوثائق الملكية بهيجة سيمو، حول العلاقات المغربية الفرنسية، وبما أن جزء كبيرا من النخبة المغربية لا يقرؤون، فإن كتابها لم يحظ بالنقاش المستحق (تعيد الأسبوع نشر مضامينه التي سبق نشرها ملخصة تعميما للفائدة) حيث تقول: ((نسب أحد الباحثين الراية المغربية إلى الجنرال اليوطي، مبررا ذلك بكون جميع القرارات تصدر عن الإقامة العامة، وأن مهمة السلطان تقف عند حد المصادقة عليها، غير أننا نستبعد هذا التأويل كل الاستبعاد، وذلك بناء على مجموعة من المعطيات، على رأسها أن الغاية من الراية، هي جمع الشمل وتوحيد الكلمة، باعتبارها الرمز الذي يلاذ إليه ويحتمى به، فهي من الوسائل الأساسية التي تؤكد أو تنفي شمول سيادة الدولة على كل الأقاليم التابعة لها، فإذا رفعت، ترفع الرؤوس وتستنهض الهمم، وإذا كانت ماديا مجرد قطعة قماش محددة المقياس واللون، فهي في الواقع ثقيلة الرمزية لها هيبة في القلوب وتأثير في العواطف)).

تبعا لذلك، تقول بهيجة سيمو، بأنه لا يمكن لمقيم عام أن يأتي بفكرة إحداث علم، إنما كان الأمر صادرا عن قناعة السلطان مولاي يوسف، الذي كان يومها يراهن على ترسيخ دواليب الحكم الشرعي والمحافظة على الدولة المغربية وعلى الوضعية الدينية وحرمة السلطان وشرفه ومكانته وتطبيق مبادئ الدين الإسلامي وصون المؤسسات الإسلامية، وفق ما جاء في الفصل الأول من معاهدة الحماية، هذا في وقت كانت فيه الإقامة العامة لازالت تحترم بنود هذه المعاهدة وهو الموقف الذي ميز اليوطي عن غيره من المقيمين العامين، حسب نفس المصدر.

من جانب آخر، جاء قرار السلطان مولاي يوسف، حسب نفس المصدر، بإحداث علم مغربي في زمن انخرط فيه المغرب إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الأولى، مما استوجب خلق فيالق عسكرية مغربية متميزة ببنود، فجاءت الظرفية مناسبة لإعادة النظر في العلم المغربي، وأصدر السلطان، بعد مشاورة أهل الحل والعقد، الظهير الشريف الذي يحدث راية جديدة ويحدد العناصر المكونة لها.

وقد جاء في الظهير الشريف (5 نوفمبر 1915) الذي أعادت الباحثة بهيجة سيمو نشره، وهي التي تقف وراء إنجاز عدة مؤلفات ضخمة، مرتبطة بتاريخ المغرب والبلدان التي كان يتعامل معها(..)، ما يلي: ((يعلم من كتابنا هذا، أسمى الله مقداره وجعل مركز اليمن والسعادة مداره، أنه نظرا لترقي شؤون مملكتنا الشريفة، وانتشار ألوية مجدها وفخارها ولما اقتضته الأحوال من تخصيصها براية تميزها عن غيرها من بقية المماليك، وحيث كانت راية أسلافنا المقدسين تشبه بعض الرايات، وخصوصا المستعملة في الإشارات البحرية، اقتضى نظرنا الشريف تمييز رايتنا السعيدة بجعل الخاتم السليماني المخمس في وسطها باللون الأخضر، راجين من الله سبحانه أن يبقيها خافقة برياح السعد والإقبال في الحال والمآل)).

((بصرف النظر عن الأسباب، الداعية إلى استصدار الظهير، فإن قراءة مضمونه تكشف عن بعض أسرار هذه الرمزية، فالبداية يقدمها مغزى المحافظة على أرضية الراية بإقرار اللون الأحمر السائد إلى ذلك الحين، حيث كان اللون الأحمر مرتبطا بأهداف المخزن المغربي قبل الحماية، الرامية إلى توحيد أقطار البلاد، وحماية التراب المغربي من الغزو الأجنبي.. ومما يثير الانتباه ضمن التغيير المحدث سنة 1915، هو الإبقاء على أرضية حمراء، استحضارا وتيمنا بالراية المتداولة على عهد السلطان مولاي الحسن، وإثبات رسم نجمة خماسية خضراء اللون، فإلى ذلك العهد، ظلت الراية المغربية حمراء خالية من أي لون آخر ومن أية إشارة رسمية، فكان التغيير البارز الذي أتى به هذا الظهير هو إدخال النجمة الخماسية التي اكتفى الظهير بالإشارة إليها برسم الخاتم السليماني بلونها الأخضر.

وإذا كان هذا اللون يرمز لشعار العلويين، كما بيناه سابقا، فإن النجمة كرمز تستوجب الوقوف عندها بشكل أكثر تعمقا، فقد ظلت النجمة الخماسية أكثر تداولا على المستوى الرسمي في المعالم العمرانية الدينية، إذ نجدها على رأس الجامور الذي يعلو صوامع المساجد، كما كان للنجمة حضور في الأختام المغربية والمسكوكات النقدية، وكان للنجمة حضور أيضا على المستوى الشعبي، إذ وظفت من أجل الحماية من الشرور وعلقت في أبواب البيوت، وعلى سروج الخيل وفي مرابطها)).

وبغض النظر عن التردد في تأويل شكل الخاتم السليماني، وبغض النظر عن التأويل الذي أعطي للنجمة، باعتبارها رمز أهل بيت النبوة أو أركان الإسلام الخمسة لدى بعض الباحثين، فإن طغيان اللون الأحمر على الراية، يفرض التساؤل عن مصدره، ليكون الجواب في كتاب “المغرب وفرنسا.. المسار نحو الاستقلال”، هو أن تاريخ الراية المغربية عرف عدة تطورات، منها ما هو مرتبط باحتلال فرنسا للجزائر سنة 1830، وتزايد التنافس الاستعماري حول المغرب، البلد الوحيد في العالم الذي تمكن من الإفلات من الاحتلال التركي، وقد أصبح لزاما عليه صد الغزو الأجنبي، وحماية الوحدة الترابية، فاختار السلطان مولاي الحسن الأول اللون الأحمر للراية، باعتباره رمزا للقوة، وهو السلطان الذي اشتهر بأن عرشه كان على صهوة جواده، لما عرف به من تحركات من أجل تفقد أحوال البلاد وصد أي محاولة للتدخل الأجنبي، حسب نفس المصدر.

((قصة الراية المغربية مرتبطة أيضا باللون الأخضر، وليس الأحمر وحده، واللون الأخضر شعار العلويين، وهو يحيل على الخصب والرخاء والنعيم والجنة، وسبق أن وظف اللون الأخضر كشعار لدولة الأمويين في الأندلس.. واتخاذ هذا اللون من قبل الدولة العلوية الحديثة النشأة آنذاك، فيه حفظ لشعار الشرفاء العلويين، ورمز للتمسك بالتراث الأندلسي، ومنافسة لدولة الأتراك العثمانيين في المشرق)).

وكانت الراية المغربية، قد نشأت مع قيام الدولة الإدريسية، وكان لونها أبيض، محاكاة لرايات الطالبيين المستقلين عن الخلافة العباسية التي اتخذت العلم الأسود شعارا لها، وتنقل بهيجة سيمو عن ابن خلدون قوله في هذا الصدد: ((ولما افترق أمر الهاشميين وخرج الطالبيون عن العباسيين في كل جهة ومصر، ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك، فاتخذوا الرايات بيضا، وسموا لذلك المبيضة))، وكانت راية الدولة المرابطية بيضاء.. أما الموحدون فاتخذوا سبع رايات تيمنا بالعدد، وكان اللون الرسمي أبيض كما تثبته المصادر، وكان شعار الدولة السعدية أو ما يعرف باللواء العظيم، أبيضا، حسب نفس المرجع.

إذن، يبقى التغيير الأساسي الذي مس جوهر الراية المغربية، في المغرب الحديث، مرتبطا مع حكم الشرفاء العلويين وتوحيد البلاد، منذ تسلم السلطان مولاي الرشيد الحكم في محرم عام 1075 (غشت 1664)، حيث تم استبدال أرضية الراية بإقرار اللون الأخضر بدل اللون الأبيض السائد إلى ذلك الحين (التفاصيل كاملة في الأسبوع عدد 25 يوليوز 2019).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى