الفيزازي في الواجهة الخارجية وحسن الخطاب في حوار مع نزلاء الحبس

يأتي هذا المقال في إطار الملف الأسبوعي ” مستشار ملكي يسحب ملف السلفيين من حزب العدالة والتنمية والعلمانيين” فقط على alousboue.com
————–
بلغة الأرقام، “10 دقائق و15 ثانية، هي المدة التي قضاها الملك محمد السادس في مسجد طارق بن زياد بطنجة لأداء صلاة الجمعة، يوم 28 مارس 2014، وهي مدة موزعة بين لغة الطلبة (9.13 دقائق) والصلاة (1.02 دقيقة)، هذه المدة كانت مشحونة جدا بالرسائل والدلالات، فمحمد السادس بوصفه أمير المؤمنين أدى منذ توليه الحكم عام 1999 بمختلف مساجد المملكة، وبمساجد الدول الإسلامية، التي زارها 672 صلاة جمعة.. وحدها صلاة الجمعة الأخيرة استأثرت باهتمام المراقبين داخليا وخارجيا”، (تعليق الصحفي عبد الرحيم أريري، الوطن، عدد: 3 أبريل 2014).
———–
الفيزازي نموذج للسلفيين المرحب بهم داخل المجتمع
دخل محمد الفيزازي إلى السجن بسبب أحداث 16 ماي 2003 الدامية وهو بلحية سوداء، وعندما خرج منه سنة 2011 بعفو ملكي، في عز الحراك الاجتماعي الذي كانت تقوده حركة 20 فبراير، المنتهية الصلاحية(..)، خرج بنفس اللحية، لكنها كانت قد أصبحت بيضاء، ورغم أنه لا علاقة للون اللحية بالمواقف، إلا أن أفكار الشيخ الفيزازي، قبل دخول السجن، ليست هي أفكاره بعد الخروج منه، بسبب ما قام به من مراجعات، فهو كان يريدها دولة إسلامية هنا والآن، لكنه تعلم كيف يكون لبقا في الدعوة إلى الإسلام، وسمحا في التغيير ولينا في المعاشرة والدعوة إلى الله عز وجل.
يختلف الفيزازي عن غيره من السلفيين في كونه أحد المسجونين الذين يستبعدون فكرة محاسبة الجلادين(..) وقد تم الاتفاق مع الخطاب داخل السجن حسب بعض المصادر على تجنب طرح هذا الموضوع لتفادي الدخول في متاهات، بل إن الفيزازي يقول: “لم أر بعيني أحدا يجلد.. لكني سمعت، وما سمعته يبقى خبرا قابلا للتصديق وقابلا للتكذيب، (هسبريس، عدد: 6 أبريل 2014).
الفيزازي يرد على منتقديه بشكل واضح عندما يقول بأن الملك لم يكن هو من سجنه، “نعم الملك هو من أطلق سراحي، وتريدني أن أكون لئيما أو سفيها أرد التحية الحسنة بأخرى سيئة ومخزية” (المصدر نفسه)، إلى هنا يطرح سؤال ماهي مواصفات المشروع الذي بات يحمله شخص مثل هذا الرجل.
الجواب في حوار سابق أجرته معه “الأسبوع”: “الحمد لله أن عقيدتي هي عقيدة السلف الصالح، وهي كانت ومازالت كذلك، وأرجو أن يتوفاني الله عز وجل عليها، فأنا مع عقيدة الإسلام، في التوحيد بكل معانيه، في توحيد الألوهية والربوبية، والأسماء والصفاة والأفعال، وأنا مع شريعة الله عز وجل جملة وتفصيلا.. في هذا لم أراجع شيئا، لكن عندما أراجع، فأنا أراجع بعض تصرفاتي في فهم الكتاب والسنة.. هناك مراجعات تخص الإجراءات وتخص الاجتهاد في الفهم والتنزيل..”، (الأسبوع، عدد: 9 فبراير 2012).
يرفض الفيزازي أن يطلق عليه اسم شيخ السلفية الجهادية: “من يسميني شيخا للسلفية الجهادية، أقول له البينة على من ادعى، ومنهاجنا قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين،..أنا أومن بالجهاد، وبالصلاة والصيام والزكاة والحج، فلماذا لا أسمى مثلا شيخ الصائمين، أو شيخ المصلين..”(..) هكذا يتحدث الفيزازي الذي يلعب كرة القدم ويشاهد مبارياتها، ويفكر بالزواج من امرأة رابعة شرط أن تكون أجمل من لطيفة أحرار الممثلة(..).
وقد كان واضحا في خطبته أمام الملك، عندما أكد أن أعظم نعم الله على عباده هي الأمن والأمان، “فلا أمن بلا أمان، ولا أمان من دون أمن، وبدونهما لا يقوى الإنسان على العبادة، إذ بالخوف والفتن لا يقو الإنسان على الثبات عقيدة ولا على ممارسة.. أمير المؤمنين، حامي حمى الملة والدين، لم يزل يتخذ المبادرة تلو الأخرى، ليمهد الأسباب لتوفر هاتين النعمتين العظيمتين..”.
————
التقرير الإسباني الذي أبعد الحدوشي
غادر الفيزازي السجن بتاريخ 14 أبريل 2011، لكن العفو عن السلفيين حصل في عدة محطات، وفي كل محطة كان الجميع يعتقد أنها بداية طي الصفحة، فقد تم في البداية العفو عن الشيخين الفيزازي وعبد الكريم الشاذلي سنة 2011، وشملت الدفعة الثانية من المفرج عنهم حسن الكتاني، وعبد الوهاب رفيقي، وعمر الحدوشي” في فبراير 2012(..).
ويقولون في المثل الدارج “سبق الميم ترتاح”، لكن حرف “الميم” في ملف السلفية الجهادية يعني الكثير، فأينما تشاء الظروف أن يدافع السلفيون ومنهم الفيزازي، عن “الحموشي” مدير المخابرات، تقتضي المرحلة حسب بعض المصادر إبعاد “الحدوشي” عمر الحدوشي عن ملف السلفية، لكن لماذا.
ليس هناك جواب محدد، لكن جل التخمينات تقول إن تحفظ بعض الأطراف على قيادة عمر الحدوشي للحوار الجديد مع السلفيين، يعزى بالأساس إلى شبهة ضلوعه في ملف المقاتلين في سوريا، “وكان تقرير صادر عن المخابرات الوطنية الإسبانية، قد وجه اتهاما مباشرا للشيخ عمر الحدوشي، وأحد شيوخ الفكر السلفي الجهادي، بتجنيد الشباب للقتال في سوريا، ضد نظام بشار الأسد، وجاء في هذا التقرير الاستخباراتي الذي أحيل على المحكمة الوطنية الإسبانية، أن الحدوشي، يعتبر عنصرا رئيسيا في مسلسل استقطاب الإسبان الثلاثة الذين توجهوا للقتال في سوريا، وهم رشيد وهابي ومحمد العياشي، ومحمد بن عبد السلام، (المساء، عدد: 24 أكتوبر 2012).
يمكن القول كذلك إن لسان الحدوشي من الأسباب التي جرت عليه نقمة الأطراف المتزعمة لمبادرة الحوار، فالرجل هو الذي قال بخلاف الفيزازي فور خروجه من السجن: “لم أطلب العفو، ولا عفا الله عني إن طلبته”.
تصريح من هذا النوع كاف ليحرك الريبة تجاه الحدوشي، المعروف بكونه أكثر راديكالية من الآخرين، رغم أنه يقول:”أنا لست من النوع الذي يكفر المجتمع، ولم أكن ألعن الشعوب، أنا آكل ذبائحه، وأصلي في مساجده، ولا أرى تكفير المجتمعات.. بل حتى أصحاب المعاصي والكبائر، ندعوا لهم بالهداية(..).
لكن بخلاف الفيزازي الذي عقد لقاءات مع الرجل الثالث في السفارة الأمريكية في بيته(..)، فإن الحدوشي يقول: “إن سبب المصائب في البلاد العربية هو السفارات الأمريكية”، ويختلف الحدوشي عن حسن الخطاب مثلا في كونه لم يدخل أبدا للمدرسة، “كما تعلمون، لم أدرس في المدرسة، ولو يوما واحدا، أنا دراستي في المساجد وفي دور العلم والمعرفة، في دار الحديث بمكة المكرمة، لذلك أنا لا أحب أن أكون مسؤولا، أحب أن أكون طالب علم وكفى..”، (الأسبوع، عدد: 14 يونيو 2012).
————–
ملف مقاتلي سوريا “سيبقى” في سوريا
كثيرة هي المقالات التي نبهت إلى خطورة المتطوعين المغاربة الذين ذهبوا للقتال في سوريا ضد بشار الأسد، وأسسوا دولة إسلامية بالشكل الذي يريدونه، لكن المقالات التي صدرت هذه الأيام أكدت أن جل الذين ذهبوا لسوريا ذهبوا نحو حتفهم، فمباشرة بعد مقتل إبراهيم بنشقرون، أمير حركة شام الإسلام، في معركة الأنفال بسوريا على أيدي قوات بشار الأسد حتى سقط بعده، الناطق الرسمي باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، ويتعلق الأمر بأنس الحلوي، الذي قتل في معركة الساحل، هكذا مات وبقي صدى رسالته يتردد في القصاصات الإخبارية التي نشرتها الصحف بعد التحاقه بسوريا: “حركتني الرغبة في ما عند الله فهو خير وأبقى، ولا نقول في دار الفناء حتى وإن تزينت وأقبلت علينا.. سيقول المتربصون حركته شهوة الدماء فأقول، لم تبدر مني بادرة عنف واحدة طوال مدة إقامتي في بلدي الذي أحبه، وسأحبه حتى آخر رمق في حياتي وقد وقع علي من الظلم ما تنوء بحمله الجبال الرواسي، زجوا بي في معتقلاتهم، ولست بحاجة لسرد ما تعرضت له من تعذيب، ومع ذلك ما تركت لحال سبيلي”.
بنشقرون والحلوي ومثلهم كثير.. ربما لن تكون هناك فرصة لطرح قضيتهم خلال الحوار المزمع الإعلان عنه في الأيام القليلة المقبلة، لأن شروط انطلاق الحوار فرضت تأجيل بعض الملفات تفاديا للخلط.
—————
عبد القادر بليرج حتى إشعار آخر
داخل نفس السجن الذي يوجد فيه حسن الخطاب، يوجد عبد القادر بليرج وكلاهما كانت له مبادرات مشتركة تروم تحريك ملف السلفيين، وسبق أن أكدا في بلاغ مشترك أن الملكية الدستورية هي النظام السياسي الكفيل بتأطير المجتمع المغربي وقيادته نحو دولة الحق والقانون”، (القدس العربي، عدد: 15/ 03/ 2013).
غير أنه وبخلاف الخطاب، يظل ملف “بليرج” مرتبطا بما أعلنه شكيب بنموسى وزير الداخلية السابق سنة 2008، حول مخطط كبير يروم المس بسلامة الدولة، وتم حجز أسلحة في الملف.. وهو الملف الذي اعتقل على خلفيته كل من مصطفى المعتصم (البديل الحضاري)، ومحمد المرواني (الحركة من أجل الأمة).. وهو ملف مرتبط بالأشخاص السالفي الذكر، والذين يتهمهما بليرج بالتنصل من مسؤوليتهما الأخلاقية والتاريخية، (الأسبوع، عدد: 17 يناير 2013).
وكانت مصادر “الأسبوع” قد أوضحت أنه من المحتمل عدم مناقشة قضية بليرج، باعتبارها ذات أبعاد خارجية (بلجيكا)، بخلاف ملف السلفيين المرتبط مباشرة بأحداث 16 ماي بالدار البيضاء، وما تلاها من ملفات طبق فيها قانون الإرهاب(..).
——————-
المقصيون من الحوار
سبق لخديجة الرويسي، والقيادية في حزب الأصالة والمعاصرة أن اتخذت مبادرة لفتح ملف السلفيين، وسبق أن دخل على الخط أيضا الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، محمد الخليدي، الذي نجح في استقطاب بعض شيوخ السلفية إلى حزبه وهم حسن الكتاني، وأبو حفص (عبد الوهاب رفيقي)، كما أن منتدى الكرامة الذي يترأسه عضو حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، لعب هو الآخر دورا في معركة التعريف بالقضية، غير أن أولى التسريبات الصادرة عن متابعين للمستجدات داخل السجن يؤكدون وجود اتفاق حول استبعاد الوجوه السياسية ورموز العلمانية من الخوض في الحوار بصيغته الجديدة، والذي ينتظر أن يترجم بشكل فعلي في لقاءات رسمية بإشراف الدولة، غير أن الموضوع إلى حدود كتابة هذه السطور مازال محاطا بسرية كبيرة(..).