تحليل إخباري | لماذا سكتت الحكومة والبرلمان على محاولة إسبانية جديدة لاستعمار جزيرة “ليلى” المغربية؟
8 يونيو، 2019
0 5 دقائق
هل هي مؤشرات التلاعب في السيادة المغربية على جزيرة “ليلى” بتواطئ مع أطراف إسبانية؟
إعداد: سعيد الريحاني
لم تتطرق الصحافة المغربية، بخلاف الصحافة الإسبانية، لواقعة خطيرة حدثت ليلة الجمعة ما قبل الماضية، بعدما حاصرت مياه المحيط سبعة مهاجرين أفارقة كانوا بصدد هجرة قانونية إلى إسبانيا، ولكن الرياح دفعتهم نحو “جزيرة ليلى”، المعروفة لدى الإسبان بـ”جزيرة البقدونس”، ليقضوا ما يناهز 15 ساعة فوق أرض الجزيرة التي يفترض أنها مغربية، لولا أن الصحافة التي غطت الموضوع، انطلاقا من قصاصات الصحافة الإسبانية، كتبت أن “إسبانيا والمغرب اتفقا على السيادة المشتركة على جزيرة ليلى”، بعد “15 ساعة من المفاوضات والاتصالات مع مدريد لإجلاء مهاجرين من جزيرة ليلى”.
من كان يفاوض من؟ ومن هي الجهة التي وضعت نفسها فوق الجميع لتقتص من السيادة المغربية على الجزيرة المذكورة؟ ولماذا سكتت الحكومة المغربية عن هذا الموضوع الخطير؟ ماذا حصل بين الأمس واليوم، حيث تحولت السيادة الكاملة على “جزيرة ليلى” إلى “نصف سيادة”؟ أين هي أجهزة الدولة؟ وأين هي أجهزة وزارة الداخلية؟ وأين هي مصالح مراقبة التراب الوطني؟ كلها أسئلة فرضت نفسها بقوة بعد هذا الحادث، الذي لا يعلم ما إذا كان عرضيا، أم مدبرا للاقتصاص من السيادة المغربية؟
كل قصاصات الأنباء، أكدت أن مهاجرين في عرض البحر، طلبوا المساعدة من طرف منظمات غير حكومية(..) قبل أن يستقر بهم المطاف فوق “جزيرة ليلى” حيث توفي واحد منهم، ليصبح عددهم 7 بدل ثمانية، ولكننا لم نسمع إلى حدود اليوم فتح أي تحقيق في الموضوع، باستثناء قصة المهاجرين التي غطتها جريدة واحدة، بناء على مصادر في منظمة “مشيا على الحدود”، وهي المنظمة التي كانت على اتصال بالمهاجرين السريين(..).
من حيث الشكل، تبدو القضية إنسانية، ولكن ما الحاجة إلى مفاوضات بين الرباط ومدريد لإنقاذ مهاجرين عالقين فوق التراب المغربي، أليس ذلك تفريطا في السيادة؟ ما معنى أن تكتب الصحف أن مندوبة الحكومة الإسبانية في سبتة المحتلة، أن إنقاذ المهاجرين كان نتيجة الاتفاق بين الرباط ومدريد، وفي إطار التعاون في مجال الهجرة.. ما معنى أن يتم الترويج من جديد لحديث رئيس الحكومة الإسبانية السابق، ماريانو راخوي، الذي كان يقول إن المغرب يمكنه أن يلج “جزيرة ليلى” مثله مثل إسبانيا، باعتبارها منطقة غير مأهولة ولا تتواجد بها أي قوة عسكرية، غير أنه يؤكد في نفس الوقت، أنها تابعة لإسبانيا.
الحادث كله إذن، صب في اتجاه تكريس “سيادة إسبانية مزعومة” على “جزيرة ليلى”، لكن وحتى لا “ننسى”، فـ”جزيرة ليلى” جزء من التراب الوطني المغربي، ولذلك كان بإمكانها أن تكون سببا في نشوب حرب بين المغرب وإسبانيا، سنة 2002، بعد إهانة أفراد من الجيش المغربي، تم إرسالهم إلى الجزيرة، وهي “الإهانة” التي روجت لها الصحافة الإسبانية المرتبطة بالأجهزة، عبر شريط فيديو يوثق طريقة اعتقال وتصفيد الجنود المغاربة، ما يعني أن إسبانيا، لم تتخل عن مشروعها التاريخي للسطو على “جزيرة ليلى” المغربية.
حتى لا ننسى، فـ”جزيرة ليلى” أو جزيرة “تورة” بمعنى “الصخرة”، كانت دائما مغربية، بل إن التاريخ يسجل أن السلطات الترابية في عهد الحسن الثاني لم تكن تتوانى في مسائل حدودية مثل هذه، حيث نقرأ في كتاب عامل من عمال الملك الراحل، واسمه محمد المعزوزي، قصة صراع قديم حول الجزيرة، حيث يظهر أن رجال الحسن الثاني لم يقبلوا أي مس بالسيادة المغربية على الجزيرة المذكورة.
يقول المعزوزي، وهو واحد من العمال الذين عملوا بصفتهم ممثلين لـ”جلالة الملك والحكومة” قبل أن يتغير النظام ويصبح العامل مجرد ممثل للحكومة، ولا يشترط في حصوله على هذا المنصب التدرج في أسلاك وزارة الداخلية(..): “إن جزيرة ليلى شكلت دائما مصدرا لأطماع إنجلترا وإسبانيا”، لكن المعزوزي يوثق بشكل غير مسبوق تحركات رجال الدولة أيام الحسن الثاني للمحاولة الإسبانية، التي سبقت أزمة “جزيرة ليلى”، حيث حاول الإسبان جعلها بالقانون جزءا من تراب سبتة المحتلة.
“بتاريخ 26 فبراير 1986، نشرت الجريدة الرسمية الإسبانية تحت عدد 1.191، مشروع قانون يضم جزيرة المعدنوس (ليلى) إلى دائرة تراب سبتة المحتلة، وبعد اطلاعي على هذا المشروع، حاولت الاتصال على عجل بالمسؤولين في وزارة الداخلية، وكنت آنذاك مستشارا بمقر الشؤون القروية، مطالبا بمقابلة السيد الوزير الذي لم أتمكن من الاتصال به..”، يحكي المعزوزي في كتابه الصادر تحت عنوان “مذكرات عامل إقليم”.
وقتها قال العامل (المقصود المعزوزي) لوزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية: “من المعلوم أن هذه الجزيرة لم يسبق لها أن احتلت من بين الجزر المستعمرة من طرف الإسبان، والتي هي موضوع نزاع بين المغرب وإسبانيا، ونجد هذه الجزيرة في الخرائط تحت إسم ليلى أما الإسبان فيسمونها جزيرة بيرخيل، بينما تعرف لدى سكان المنطقة باسم تورة.. وقد قامت السلطات الإسبانية مؤخرا بوضع مشروع قانون خاص بمدينة سبتة يعتبر جزيرة بيرخيل داخل تراب بلديتها.. ولاشك أن الإسبان استغلوا سكوتنا لجعلنا أمام الأمر الواقع، بإلحاق هذه الجزيرة بباقي الجيوب المحتلة، فكان من الواجب على السلطات المحلية أن تأخذ التدابير اللازمة منذ استقلال المغرب لتعمير هذه الجزيرة، ومنح إعانات مادية للمقيمين فيها.. وفي تصوري، فإن الإسبان مقبلون لا محالة على احتلال الجزيرة إذا لم نفعل شيئا”.
تصوروا عاملا من العمال يحذر من احتلال “جزيرة ليلى” سنة 1986، في وثائق رسمية، منها هذه الرسالة المؤرخة بـ 15 يوليوز 1986، ثم يأتي اليوم من يروج بشكل غامض في الصحافة، أن نصف السيادة في “جزيرة ليلى” ممنوح للإسبان، والغريب في الأمر أن يحدث ذلك دون تحرك لأي حزب سياسي أو للبرلمان برمته، وفي ظل سكوت الحكومة المنشغلة بصراعاتها الداخلية الفارغة(..)، بينما احتجاجات المسؤولين المغاربة مدونة في وثائق رسمية ضد التحرش الإسباني بالسيادة المغربية، ومنهم المعزوزي الذي كتب أيضا لأحمد رضى اكديرة، بصفته مستشارا للملك، رسالة يطالبه فيها بضرورة التواجد الميداني بـ”جزيرة ليلى” لمواجهة تداعيات القانون المذكور.
“كيف يمكن أن نواجه هذه المناورة الإسبانية ذات العواقب الوخيمة؟ وكيف يمكن إحباط هذا المشروع الاستعماري إلا بالوجود الفعلي في هذه الجزيرة، في الحين وبدون انتظار؟ أينبغي لنا أن نلزم السكوت أمام الحوادث المفاجئة والخطيرة، إلى أن يصادق الإسبان على نص التشريع المقترح، وهو ما يعني الشروع في بثر جزء من التراب الوطني، ولا شك أن إسبانيا عازمة على هذا الأمر في وقت قريب..” (المصدر: مقتطف من رسالة المعزوزي إلى الوزير مستشار الملك الحسن الثاني، اكديرة، بتاريخ 21 يوليوز 1986).
هذه الرسائل التي تدرج “الأسبوع” مقتطفات منها، تؤكد على الدور الذي يجب أن تلعبه السلطات المحلية في حماية التراب الوطني، بينما لم نسمع أي تحرك لحماية “جزيرة ليلى” رغم الترويج إعلاميا لأمور خطيرة، ولكم أن تتصوروا قيمة تحركات السلطات المحلية، عندما تعرفوا أن السلطات الإسبانية وجدت نفسها أمام مراسلة صارمة من وزارة الخارجية المغربية تقول لها: “.. لا يخفى على السلطات الإسبانية، أن جزيرة تورة لا توجد سوى على مسافة 250 مترا من اليابسة، وعلى حوالي 4 كيلومترات غرب جيب سبتة، وبالتالي، فهي تقع ليس فقط في نطاق المياه الإقليمية، بل وفي نطاق المياه الداخلية للمملكة المغربية، وذلك بموجب مقتضيات المرسوم رقم 2/75/311 الصادر بتاريخ 21 يوليوز 1975..” (من رسالة إلى سفيرة إسبانيا في الرباط. 5 يناير 1987 صادرة عن وزارة الخارجية).
هكذا إذن، كانت تواجه السلطات محاولات التلاعب في السيادة المغربية، ومع ما ينشر في الصحافة، رغم أن الأمر لا يخلو من مطبات (..)، فالمعزوزي، ورغم أنه كان مقربا من الملك الراحل الحسن الثاني، ومكلفا بملفات حساسة مثل ملف الصحراء الشرقية وملف الصحراء، وشؤون الحدود.. إلا أنه وجد نفسه مبعدا عن عمله كعامل لصاحب الجلالة، في ظرف أقل من شهر على احتجاجه على هذا التحرش بالسيادة المغربية من طرف إسبانيا، ليقول له أحد المسؤولين بوزارة الداخلية، أن الإبعاد له علاقة بالأجور وبضرورة تقليص الملحقين بالإدارة المركزية، وهو أمر لا يصدقه أحد(..).
ولا شك أن “جزيرة ليلى” موضوع جد شائك، ودائما يدفع المسؤولون ثمنه غاليا، ومحمد اليازغي وزير الدولة على سبيل المثال، وجد نفسه أمام تدخل ملكي صارم، ليكتب بعد سنوات: “إن الملك محمد السادس ترأس مجلسا وزاريا لمناقشة الأزمة مع الطرف الإسباني، حيث قرر أن يبعث فريقا صغيرا من القوات المساعدة والدرك الملكي لحراسة الجزيرة، دون إخبار الوزير الأول آنذاك عبد الرحمن اليوسفي”.. وقتها رأى اليازغي أن شعبية رئيس الوزراء خوسي ماريا أزنار، كانت في الحضيض، مبينا أن الوقت غير مناسب لكي يعطي المغرب الفرصة له ليظهر كشخصية قوية تواجه المغرب.. لكن الملك محمد السادس “نهر” اليازغي، وتدخل بعنف لإيقافه(..)، وكانت هذه الواقعة بداية لمسلسل انهيار أحد أشرس زعماء الاتحاد الاشتراكي.