تحليلات أسبوعية

تحليل إخباري | صراعات “البام” تكشف أسرار تعرض مستشاري الملك لخدعة كبرى بدعوى “حركة لكل الديمقراطيين”

إعداد: سعيد الريحاني

لم يكن أحد يتوقع أن يتعرض أحمد اخشيشن، رئيس “حركة لكل الديمقراطيين”، لـ”بهدلة سياسية” حقيقية، في الاجتماع الأخير لقيادة حزب الأصالة والمعاصرة، وهو الذي كان يمني النفس بعودة قوية للساحة السياسية منذ تعيينه، دون حاجة لمؤتمر أو مجلس وطني، في منصب نائب الأمين العام للحزب من طرف بنشماس، وكان يعول عليه لتنسيق التعاقدات التي جرى التوافق بشأنها(..)، غير أنه وجد نفسه محاصرا بمجموعة من المنتقدين، الذين وصفوه بأنه عنوان لـ”أكبر صفقة سياسية خاسرة تعرضت لها الدولة المغربية”، وكلام آخر لن تنشره “الأسبوع”(..)، وقد بات جل الحاضرين، متيقنون بأن ما تم ترويجه، على مدى السنوات الأخيرة من قرب أحمد اخشيشن لمراكز القرار(..)، هو مجرد وهم، بتعبير مصدر “الأسبوع”(..).

كيف يمكن أن ينتهي المطاف برئيس “حركة لكل الديمقراطيين”، التي كانت تضم في صفوفها “ابن الدولة” فؤاد عالي الهمة؟ في هذا الوضع المحرج، ما الذي تغير بين سنة 2008، تاريخ الإعلان عن تأسيس الحركة، وبين سنة 2019؟

الواقع، أن أحمد اخشيشن، الذي استطاع أن يصبح رئيسا لجهة مراكش أسفي، عقب الانتخابات الجماعية والجهوية لسنة 2015، لم يكن مرغوبا في عودته إلى قيادة حزب الأصالة والمعاصرة، عقب صفقة لا يعلم خباياها إلا حكيم بنشماس والعمدة السابقة لمدينة مراكش، فاطمة الزهراء المنصوري، ومن يدور في هذا الفلك، خاصة وأن اخشيشن الذي عين نائبا للأمين العام، على هامش اجتماع مشترك بين المكتب السياسي والمكتب الفيدرالي يوم السبت 5 يناير 2019، كان يجر وراءه تقريرا أسود، أنجزه المجلس الأعلى للحسابات حول الفترة التي قضاها على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، وهي الفترة التي تميزت بإطلاق المشروع الفاشل للمخطط الاستعجالي للتعليم، الذي كلف ميزانية ضخمة، تقدر بـ 43 مليار درهم، لم يكن لها أي أثر على مستوى النتائج، باستثناء صرف أموال الصفقات التي واكبت هذا المخطط بشكل استعجالي، مما يرجح إمكانية محاكمة اخشيشن عن هذه المرحلة، في حالة إحالة الملف على القضاء(..)، وها نحن اليوم نعود لنقطة الصفر فيما يخص البرامج المخصصة للتدريس في المدرسة العمومية، دون أن نسمع ولو كلمة على لسان اخشيشن، وهو معني أكثر من غيره بالحديث في موضوع “إشكالية لغة التدريس”.

إلى حدود اليوم، مازال السؤال مطروحا: من أين جاء أحمد اخشيشن، الذي عرف برئاسته لـ”حركة لكل الديمقراطيين” عندما حصدت لائحة الكرامة التي قادها الهمة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، الأخضر واليابس في منطقة الرحامنة، باكتساحها للانتخابات بثلاثة مقاعد، في وقت كان فيه الهمة يردد بأن مشروعه هو “الدفاع عن مشروع الملك”، قبل يتم التغرير به في تشكيل حزب مكون من خليط خمسة أحزاب، هي الحزب الوطني الديمقراطي وحزب العهد وحزب البيئة والتنمية وحزب رابطة الحريات وحزب مبادرة المواطنة والتنمية، كلها أحزاب قررت الاندماج لتشكيل حزب “الأصالة والمعاصرة”، قبل أن “يسطو” بعض أعضاء “حركة لكل الديمقراطيين” على الحزب دون أن يكون لهم أي امتداد سياسي أو تجربة سياسية ميدانية، وأكثر من ذلك، فقد وجد الهمة نفسه محاصرا داخل مكتب سياسي، لا يقبل كل اقتراحاته، وتعقدت الأمور بشكل كبير مع ظهور عدة مشاكل، ولم يكن واجب التحفظ، ليترك للهمة فرصة للرد على خصومه، الذين كانوا يتسلقون المراتب في الحزب، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انحرافه عن المسار الذي رسم له(..).

يقول الهمة، الذي اضطر للاستقالة من الحزب الذي أشرف على تأسيسه، في استقالته التاريخية التي بعثها إلى الأمين العام السابق بيد الله: ((يؤسفني أن أحيطكم بقرار استقالتي، تأسيسا على ما استخلصته من متابعتي لما يجري داخل المكتب الوطني، من صراعات جانبية، وانقسامات غير مبررة، والرغبة في تعطيل عمل اللجان التي تم التوافق على تركيبتها وصلاحياتها ورئاستها، وكذا ما يتعلق بمهام الجيل الجديد من الأمناء الجهويين، وكلها تشكل مضامين التصور التنظيمي الذي حاز على موافقة المكتب الوطني، بمناسبة الدخول السياسي للسنة الحالية، إضافة إلى أن المشروع السياسي، الذي على أساسه تم بناء الحزب، تعرض لانحرافات كثيرة، لم تستطع خلاصة الخلوات المتكررة تجاوزه، إضافة إلى أن الجو السائد داخل المكتب الوطني، يجر تجربتنا إلى وضع المأزق، ما يشكل انهيارا للآمال المعلقة عليها في لحظة سياسية دقيقة تمر منها بلادنا..)) (المصدر: نص استقالة الهمة المرفوعة إلى الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، الشيخ بيد الله، بتاريخ 14 ماي 2011).

انحراف المشروع الذي ساهم في تأسيسه الهمة، والذي كان يقوم على منح “الثقة لجيل جديد”، ستظهر معالمه بشكل جلي، مع مرور الأيام، حيث سيتم التخلص من كل المقربين من الهمة، مقابل فسح المجال أمام تقدم بعض الوجوه من “حركة لكل الديمقراطيين”، وهي الوجوه التي كانت تدك في طريقها، معالم المشروع السياسي، حتى أن حزب الأصالة والمعاصرة، تحول من حزب يتبنى مشروع الملك، إلى حزب يحارب إمارة المؤمنين. (المصدر: الأسبوع كانت سباقة إلى التنبيه إلى هذا الانحراف، عدد 8 ماي 2014).

من سنة 2008 إلى حدود اليوم، كان الأكثر حظا في حزب الأصالة والمعاصرة، هو أحمد اخشيشن، الذي وظف رصيده، كأحد كتاب “تقرير الخمسينية”، ليصبح رئيسا لأكبر حركة سياسية في المغرب، وهي الحركة التي أعلن عن ميلادها تحت عنوان “حركة لكل الديمقراطيين”، ببلاغ صحفي وقعه كل من عزيز أخنوش، وأحمد اخشيشن، وحكيم بنشماس، ورشيد الطالبي العلمي، ومحمد الشيخ بيد الله، ومصطفى الباكوري، والشاعر صلاح الوديع، والحبيب بلكوش..

وربما نسي بنشماس وهو يحاول تغطية الأزمة التنظيمية الحالية بتعيين اخشيشن نائبا له، يوم 5 يناير 2019، على هامش اجتماع مشترك بين المكتب السياسي والمكتب الفيدرالي الغير قانوني والغير دستوري(..)، (نسي) أسماء رفقائه في “حركة لكل الديمقراطيين”، لذلك أعلن أنه بصدد التحضير لإحياء ذكرى تأسيس الحركة، قبل أن يتراجع بعد أن نبهت “الأسبوع” إلى محاولة المتاجرة في الحركة المذكورة من جديد، ومحاولة استغلال اسم الهمة من جديد (انظر الأسبوع عدد: 10 يناير 2019/ تحليل إخباري، بقلم سعيد الريحاني).

وكان اخشيشن قد حجز مكانه إلى جانب بنشماس ذلك اليوم، على نفس الطاولة التي جلست عليها ميلودة حازب والشيخ بيد الله، والعربي المحارشي، مرتديا جلبابه الموحي بالبساطة، غير أن “الباميين” يعرفون أكثر من غيرهم أسرار الصفقة التي فرضت عودته للواجهة(..)، بعدما ظل مختفيا عن الأنظار لسنوات، وكان قد ظهر أول مرة إلى جانب المستشار الملكي مزيان بلفقيه، وهو ما جعله يقطف دائما ثمارا سياسية، أقلها استمراره في منصب وزير التربية الوطنية والتعليم العالي، باسم حزب الأصالة والمعاصرة، بينما اختار الحزب المذكور التموقع في المعارضة فيما بعد، لكن ذلك لم يمنع اخشيشن من إطلاق مشروع المخطط الاستعجالي للتعليم، مستفيدا من حظوة غير مفهومة داخل الحزب وخارجه.

وقد بات اخشيشن اليوم، مطالبا ليس فقط بتوضيح الأمور إزاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وانتقاداته للمخطط الاستعجالي للتعليم، بل إن اخشيشن الذي زكى في البداية محاولة الاحتفاء بذكرى تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين” من أجل استغلال رأسمالها الرمزي، مطالب بالإدلاء بحسابات الحركة، ومصاريفها وتكلفتها، ومصير العضوية فيها.. هل تم حل الحركة؟ وهل كانت عبارة عن جمعية، أم أنها مجرد بلاغ صحفي؟ من أين كانت تجلب الحركة التمويل لتحركاتها؟ أين هو التقرير الأدبي عن الأنشطة، وأين هو التقرير المالي؟ كلها أسئلة قد تفيد في النقاش الحقيقي حول “حركة لكل الديمقراطيين”، وهو الذي تتم التغطية عليه بنقاش سياسي فضفاض، من قبيل الحديث عن التحكم ومواجهة الحزب الأغلبي.

يذكر أن “حركة لكل الديمقراطيين” تأسست في البداية، كجواب عن مطلب ملكي، بتحضير وصفة لمواجهة العزوف السياسي، لذلك كانت كل التصريحات الأولى لمؤسسها، الهمة، تتحدت عن ضرورة ((الاصطفاف وراء مشروع الملك في محاربة الفقر والأمية والجهل..))، غير أن المشروع الذي تم اختزاله في حزب الأصالة والمعاصرة، تحول فيما بعد إلى مشروع فاشل لـ”محاربة الإسلاميين”، بل إن إلياس العماري الذي ترك وراءه حزبا مفكك الأضلاع، صرح ذات يوم بأن حزبه لم يأت للدفاع عن مشروع الملك. (المصدر: تصريح إلياس العماري، جريدة المساء. عدد 17 فبراير 2012).

طبعا، هناك من لا يعرف اخشيشن إلى حدود اليوم، رغم أنه رئيس جهة مراكش الكبرى، والمعضلات الكبيرة تأتي دائما من وزارة التعليم، فإذا كنت من الذين لا يعرفون اخشيشن والسبب الذي جعله رمزا لـ”حركة لكل الديمقراطيين”، فأنت لن تعرف حتما رجلا اسمه رشيد بلمختار، الذي أصبح عضوا في الحكومة الثانية لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، بعد تجربة حكومية لم تترك أي أثر في عهد حكومة عبد اللطيف الفيلالي، لكن يكفي أن تعرف أن هذين الرجلين، كانا من كتاب تقرير الخمسينية، الذي أشرف على إنجازه مزيان بلفقيه، هذا التقرير الذي طاله النسيان، تحول في وقت من الأوقات، إلى “جواز سفر” مفتوح لكل من ساهم من إنجازه، من أجل تحمل مسؤوليات كبرى في الدولة، بحكم إنجازه داخل “مطبخ القرار”، فمن المستبعد جدا أن يكون بن كيران قد أشر على تعيين بلمختار عضوا في حكومته، وهو يعرف مسبقا أن الرجل الفرنكفوني يكن كل العداء للغة العربية، وهو معروف بامتناعه عن الحديث بها في مختلف المحافل.

وانظروا لهذه المفارقة، حيث يكمن الخلل الحكومي دائما في الوزارة المكلفة بالتعليم، وإلا ما معنى أن يوجد على رأس الوزارة التي تتخذ من اللغة العربية أساسا لاشتغالها، مسؤول فرنكفوني لا يعرف “الضاد”، إن الترجمة العملية لهذا التناقض، هي ما يحدث في الشارع، فقد كاد بلمختار أن يتسبب في ثورة شعبية بالمغرب، بسبب وقوفه وراء تنفيذ برنامج “مسار” الذي أشعل شمال المغرب وجنوبه في بداية سنة 2014، بينما اكتفى هو بالقول بأن الاحتجاجات غير مفهومة(..)، وبينما تتجه المعركة حول التعليم اليوم إلى الشارع، ها هو اخشيشن الذي صرف الملايير على التعليم يسكت عن الكلام المباح(..).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى