تحليل إخباري | توقعات بتعديل حكومي موسع يبدأ بإعفاء العثماني من رئاسة الحكومة وينتهي بتشكيل أغلبية جديدة
5 أبريل، 2019
0 5 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
لا حديث في الأوساط السياسية يعلو على توقع إجراء تعديل حكومي بين الفينة والأخرى، سواء داخل أحزاب المعارضة أو أحزاب الأغلبية، بل إن السياسيين باتوا يتداولون لائحة المرشحين لمغادرة سفينة الحكومة، بداية من وزير الصحة أنس الدكالي، ممثل حزب التقدم والاشتراكية، ما يعني إمكانية خروج الحزب الشيوعي للمعارضة، ما لم يتم تعويضه بحقائب وزارية أخرى قد تؤول إحداها لوزير الاتصال السابق، خالد الناصري، ومرورا بحزب الاتحاد الدستوري المرشح للعودة إلى صفوف المعارضة، بعد التوقعات بإبعاد أمينه العام محمد ساجد من تشكيلة الحكومة، على خلفية فك الارتباط بين حزبه وبين حزب التجمع الوطني للأحرار.
ترشيح بعض الأسماء الوزارية للسقوط من الحكومة، بلغ أوجه هذا الأسبوع، من خلال توقعات بعض السياسيين القياديين في أحزاب الأغلبية والمعارضة، بإمكانية إجراء تعديل حكومي موسع يشمل أيضا “إعفاء” رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بعد فشله في قيادة الأغلبية، وفشل أغلبيته في تقديم الأجوبة المطلوبة، في ملفات حساسة، منها التعليم، والتكوين المهني، والفشل في صياغة النموذج التنموي المطلوب(..).
مصادر “الأسبوع” رغم تأكيدها على وجود ترتيبات لإجراء تعديل حكومي كبير قد يسقط الأغلبية الحالية، إلا أنها ترجح فرضية تعيين رئيس جديد للحكومة، من داخل حزب العدالة والتنمية، باعتباره الحزب الأول في الانتخابات، إعمالا لأحكام الدستور(..)، ليبقى مثيرا للانتباه، ظهور رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران بين “حلقات” جامع الفنا في مراكش، بالتزامن مع النقاش حول تعديل الحكومة، ليطرح السؤال ما إذا كان الأمر يتعلق بإشارة سياسية، طالما أن بن كيران لم تعد له أية إمكانية، للوصول إلى دوائر القرار، ولم تعد أمامه سوى مواقع التواصل الإجتماعي لإيصال رسائله.
ومن علامات انهيار الأغلبية التي يقودها العثماني، رغم وجود فرق كبير بين المنطق داخل الأغلبية والمنطق داخل الحكومة، هو ما صرح به مؤخرا أحد أعضائها نبيل بنعبد الله، هذا الأخير قال بشكل يبعث على التشاؤم: “إن المغرب يعيش حالة حيرة تشمل مختلف الأوساط، ليست الشعبية، والطبقة الوسطى، وأيضا أوساط رجال الأعمال، والأوساط الثقافية وغيرهم.. بل إن الجميع يتساءل إلى أين يسير المغرب؟”.
ويبقى سؤال إلى أين يسير المغرب، أكبر من سؤال تعديل الحكومة، لكن جلوس بنعبد الله إلى جانب نبيلة منيب رئيسة الحزب الاشتراكي الموحد، مؤخرا، وقوله بأن “التحولات الكبرى الإيجابية التي عاشها المغرب منذ بداية الألفية وبعدها منذ 2011، بدأت تؤول للتراجع، بسبب اختلال موازين القوى السياسية” يبقى مؤشرا على إمكانية إجراء تعديل حكومي لإعطاء نفس سياسي جديد، حيث يقول نفس المصدر، إن تحالف حزبه مع حزب العدالة والتنمية، سابقا، رغم الاختلاف الفكري بينهما، تم في ظل زعامة عبد الإله بن كيران، الذي كان يقاوم من الداخل من أجل الديمقراطية، لكن في ظل قيادة سعد الدين العثماني، تراجعت المقاومة، حسب قول نبيل بنعد الله (المصدر: موقع اليوم 24 / 23 مارس 2019).
نفس المصدر، قال بشكل يقيني، أنه “لم يعد يرى إمكانية إحداث تحول من داخل التركيبة الحكومية الحالية”، ومعلوم أن رؤساء الأحزاب في المغرب لا يتكلمون من الفراغ، حيث يفترض أن يحمل كلامهم تفاعلا مع ما حدث أو مع ما سيحدث(..)، لاسيما مع ظهور تصريحات من الأغلبية تكشف غياب التنسيق داخل الحكومة، حيث صرح مصدر من الأغلبية، أنه “ليس هناك أي تنسيق بين مكونات الأغلبية، وكل شيء معطل منذ مدة، نحن في مرحلة تدبير قطاعي فقط”، بل إن نفس المصدر، قال أن “رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، يتحاشى الحديث عما يقع بوضوح وصراحة، مقابل استمرار التوتر داخل الأغلبية”، مضيفا “لقد دخلنا مرحلة الانتظارية فقط” (المصدر: تيل كيل عربي / 25 فبراير 2019).
التصريح سالف الذكر، يعكس عمق الأزمة داخل الحكومة، ما يطرح سؤالا حول مدى قدرة سعد الدين العثماني على الاستمرار في قيادتها، لا سيما مع وجود ارتباك واضح في تقديم أجوبة واضحة للتوجيهات الملكية، فيما يتعلق بالنموذج التنموي الجديد، ومراجعة منظومة التكوين المهني، وهي ملفات حساسة لها علاقة مباشرة باستقرار الدولة، وهو ما يفسر الخروج الإعلامي لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، الشاهد على تعيين العثماني بدل بن كيران في القصر الملكي(..)، حيث قال هذا الأخير حول تأخر خروج رأي الحكومة في ما يتعلق بـ”النموذج التنموي الجديد” الذي طالب به الملك، وتأخر طرح إعادة النظر في منظومة التكوين المهني، ومدى تأثير الخلافات داخل الأغلبية الحكومية على الملفين، قال الرميد: “بالنسبة للنموذج التنموي، الملك طالب من الحكومة صياغة مشروع جديد لها، ولم يطلب ذلك من الأغلبية، وما راج حول رفض التصور الذي تقدم به رئيسها ورفض من طرف بعض أحزاب الأغلبية الحكومية، فهم بشكل خاطئ، فقد كان هناك اختلاف حول طريقة تدبير ونقاش هذا الملف، لكن تم تجاوزه، وهناك تقدم بخصوص هذا الجانب”، أما ما يتعلق بالتكوين المهني، فقد أوضح وزير الدولة أن “القطاعات الحكومية مستمرة في الاشتغال على هذا الورش” (نفس المصدر).
ويبقى التعليق السياسي لوزير الدولة الرميد، حول استمرار العمل الحكومي رغم الخلافات التي شبهها بالخلافات الحكومية بين شباط وبن كيران، غير ذي معنى، لاسيما أن الخلاف بين شباط وبن كيران، انتهى بخروج حزب الاستقلال من حكومة بن كيران، كما أن الحديث عن التكوين المهني، يبقى مرتبطا بمهلة ثلاثة أسابيع التي أمهلها الملك محمد السادس للحكومة انطلاقا من شهر أكتوبر خلال السنة الماضية، لبلورة عرض برنامج مشاريع سيتم تمويلها، بدعم من صندوق الحسن الثاني، وهي العروض التي كان من المفترض أن تكون جاهزة قبل نهاية السنة.
فشل الحكومة في ملف التكوين المهني، والاهتمام الملكي بهذا الملف، الذي يشرف عليه المستشارون الملكيون وفي مقدمتهم الهمة، يعكس إهمال ملفات حساسة، فالتكوين المهني، إلى جانب تدابير الخدمة العسكرية الأخيرة، كلها إجراءات تروم دعم الاستقرار المجتمعي، الذي بات هاجس كل الأنظمة في العالم، علما أن الحكومة التي يقودها سعد الدين العثماني، لم تقدم إلى حدود اليوم جوابا عن سؤال النموذج التنموي الجديد؟
ولا شك أن الحكومة الحالية تسير في وادي والتوجيهات الملكية في واد آخر، ذلك أن الفشل في احترام مدة 3 أشهر لتقديم مقترحات جريئة حول التكوين المهني، يوازيه فشل آخر بنفس المدة حول “إنجاز تصور حول النموذج التنموي الجديد”، حيث سبق للملك محمد السادس أن قال بأن “التوجيهات التي قدمها بخصوص قضايا التشغيل، والتعليم والتكوين المهني، والخدمة العسكرية، تهدف للنهوض بأوضاع المواطنين، وخاصة الشباب، وتمكينهم من المساهمة في خدمة وطنهم”.
فشل التعاطي مع توجيهات الملك، قد لا يفتح الباب أمام تعديلها فقط، بل إنه قد يفتح الباب لإسقاط رئيس الحكومة، وهو ما بات يتوقعه عدد كبير من قياديي الأحزاب السياسية، علما أن الرائج بقوة حتى الآن، هو الحديث عن إسقاط الوزيرة رقية الدرهم وامباركة بوعيدة، بالإضافة إلى وزير التشغيل محمد يتيم، بالإضافة إلى الوزيرين أنس الدكالي وساجد.
وتبقى أبرز عناوين فشل الحكومة الحالية، هو لجوء الملك محمد السادس إلى عقد جلسات عمل تجمع الحكومة مع المستشارين الملكيين، من أجل مناقشة ملفات بعينها، وهو الأمر الذي لا يعني أن الملك محمد السادس يأخذ زمام المبادرة بنفسه فقط، بل إنه مؤشر على تعويض الفريق الملكي للفريق الحكومي، فيما يتعلق بإنجاز المطلوب، وهو أمر لا يمكن اللجوء إليه إلا إذا كان هناك شبه يقين من عجز الحكومة، وإلا ما معنى أن يصدر بلاغ عن الديوان الملكي يقول عقب جلسة عمل، يؤكد حديث الملك عن وجود “اختلالات” يجب تجاوزها.
ورغم أن الرائج بقوة هو الحديث عن تعديل الحكومة، إلا أن الصراع السياسي منصب في اتجاه الصراع الانتخابي لسنة 2021، حيث يقول حزب الأحرار أنه سيحتل الرتبة الأولى في الانتخابات، سواء على لسان وزير العدل أوجار أو على لسان رئيسه عزيز أخنوش، علما أن حزب العدالة والتنمية بدوره متشبث باحتلال الرتبة الأولى في الانتخابات، حيث يقول وزير الدولة مصطفى الرميد إن “كل المعطيات، تؤكد أن العدالة والتنمية يعتبر الأول إذا احترمت الديمقراطية والتنافسية”.
يذكر أن نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وهو أحد المطلعين على حكومة سعد الدين العثماني من الداخل، باعتبارها عضوا سابقا فيها، توقع سقوط الحكومة قبل انتخابات 2021، دون الحاجة إلى ملتمس رقابة، ((واستند الرجل الأول في حزب “الكتاب” في توقعه بسقوط الحكومة، على ما ينخرها من مشاكل داخلية، إذ قال في برنامج إذاعي، إن “الحكومة منخورة من الداخل”، وبلغة السياسي المجرب والمطلع على أسرار وخبايا صناعة الحكومات، قال بنعبد الله إن كل شيء ممكن قبل انتخابات 2021، مبديا أسفه على ما أسماه انشغال الكثير من الأحزاب بكيفية إبعاد حزب العدالة والتنمية من قيادة الحكومة، بدل الانشغال بتقديم الإضافة وخدمة المصلحة العامة للمواطنين، وتوقع الأمين العام للتقدم والاشتراكية، الذي دعا إلى نفس ديمقراطي جديد، أن تحل كارثة في انتخابات 2021، بسبب ما يجري ويدور داخل الأغلبية الحكومية)) (المصدر: الصباح 12 فبراير 2019)، فهل تكون الكارثة التي بشر بها نبيل بنعبد الله، هي إعفاء رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وإعادة تشكيل الحكومة بوجوه جديدة بقيادة شخصية سياسية جديد؟