تحليل إخباري | كيف تورط حزب أخنوش وبنشماس ولشكر في جمع أحزاب “انقلابية” في طنجة؟
15 مارس، 2019
0 5 دقائق
إعداد: سعيد الريحاني
احتفت الجرائد والمواقع الحزبية الناطقة باسم حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي، مؤخرا، بما سمته “اللقاء التشاوري للأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا”، وهو نفسه اللقاء الذي خلص إلى تأسيس ما سمي بـ”شبكة الأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا”، ورغم أن الصور المروجة عن هذه اللقاءات لا تضم سوى بضعة أشخاص كانوا يجتمعون في قاعة صغيرة، إلا أن الصحافة كتبت أن الأمر يتعلق باجتماع أمناء عامين ورؤساء وممثلي 17 هيئة سياسية من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وموريتانيا.
المبادرة المذكورة، يقف وراءها حزب الأصالة والمعاصرة، وهو حزب في المعارضة، ولكنه استطاع أن يضمن مشاركة أحزاب مغربية منها التي توجد داخل الحكومة والتي توجد خارجها، هي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية، إضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، ومن خارج المغرب، استطاعت الجهة المنظمة للقاء(..)، ضمان مشاركة أربعة أحزاب من الجزائر، هي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب طلائع الحريات وحزب جبهة المستقبل الجزائرية وحزب جبهة القوى الاشتراكية، بالإضافة إلى حزب حركة مشروع تونس، وثلاثة أحزاب من ليبيا هي حزب ليبيا الأمة وحزب حركة المستقبل الليبية وحزب حركة الائتلاف الجمهوري، وحزبان من موريتانيا هما حزب التجمع من أجل موريتانيا وحزب اتحاد قوى التقدم، وحزب المؤتمر من مصر، بالإضافة إلى اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية في العالم العربي.
ما الذي يمكن أن يجمع كل هذه الأحزاب في هذا التوقيت بالذات، وفي مصلحة من يصب هذا التحالف؟ سؤال يطرح نفسه لكن المنظمين لا يقدمون جوابا عن مثل هذه الأسئلة، لأنها يمكن أن تشكل لبنة لانفجار هذا التحالف قبل ميلاده، لذلك فإن جل المشاركين فضلوا الحديث عن مخاطر “الإسلام السياسي”، وضرورة التحرك والتنسيق لمواجهته، وقمة التناقض، تبدو جلية في الجانب المغربي، الذي يشارك بأحزاب تنتمي للأغلبية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وإدريس لشكر على سبيل المثال يعتبر أحد الملتزمين بميثاق الأغلبية، شأنه شأن “الرفيق” خالد الناصري، الطامح في تعويض خسارته لمنصب سفير، بمنصب أمين عام لحزب التقدم والاشتراكية، وقد دشن أولى تحركاته في هذا الصدد بظهوره في هذا اللقاء، ثم إياكم أن تصدقوا الخصومة المعلنة بين حكيم بنشماس وإلياس العماري الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، فما فعله بنشماس الذي قدمته قصاصات الأخبار الأجنبية بصفته رئيسا للغرفة الثانية، رغم أنه لا دخل للغرفة الثانية بالموضوع، لم يقم في النهاية إلا بتطبيق ما وقع عليه سلفه إلياس العماري في مدينة المونستير التونسية، وهو اللقاء الذي انعقد السنة الماضية بدعوة من “حركة مشروع تونس”، فما علاقة مشروع تونس بمشروع المغرب؟ علما أن مشروع تونس كما تقدمه بعض التحليلات، ((ليس نتاجا لحاجة سياسية للشارع التونسي، أو نتاجا لتدافع فكري وصراع برامج بين تيارات مختلفة بقدر ما ارتبط بعاملين، أولهما الرغبة الملحة لدى أمينه العام في الوصول للسلطة وارتباطه بقوى إقليمية راهنت عليه في مواجهتها للتحول الديمقراطي بعد خيبة أملها في الحزب الأم الذي انشق عنه المشروع ونعني به نداء تونس الذي انخرط في تحالف حكومي مع حركة النهضة مباشرة بعد فوزه بانتخابات 2014)).
من تونس إلى المغرب.. يقول المجتمعون أنهم يستحضرون في لقائهم روح “مؤتمر طنجة”، ورغم أنهم لا يشرحون المقصود بذلك، إلا أن المتتبعين يدركون أن المقصود هو: “مؤتمر طنجة من 27 إلى 30 أبريل 1958″، وهو المؤتمر الذي شكل لبنة للتلاحم من أجل محاربة الاستعمار الذي كان يبسط سيطرته على شمال إفريقيا، فأين هو المستعمر الذي ستحاربه هذه الأحزاب، بعد استقلال بلدانها، اللهم إلا إذا كانت هذه الأحزاب تقصد شيئا آخر بالمستعمر(..)، لأنه يستعصي من الناحية المنطقية والعملية، تحويل مشروع لمحاربة الاستعمار إلى مشروع لمحاربة الإسلام السياسي أو “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين”، ذلك أن محاربة الاستعمار تجمع الجميع والسياسة تفرق الجميع(..).
على طاولة طنجة، كان الهاجس المعلن، هو محاربة الإسلام السياسي والتطرف والإرهاب والحسابات الجيوستراتيجية في منطقة الساحل، ولا شك أن المتتبع سيستغرب لمناقشة “تحديات الإرهاب”، و”الأمن في منطقة الساحل”، من طرف أحزاب يفترض فيها أنها تمارس السياسة، بينما مواضيع خطيرة كهذه تحتاج إلى خبراء أمنيين وتدخل ضمن الأمن القومي للبلدان المعنية، ولا سبيل لمناقشتها بشكل علني، إلا إذا كان الغرض هو الإنشاء، ثم لنعد إلى البيان الختامي الصادر عن هذا اللقاء بطنجة بتاريخ 23 فبراير 2019، لماذا لم يتضمن أي حرف إزاء قضية الصحراء المغربية، ما فائدة الإشارة إلى “مؤتمر طنجة” دون الحديث عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة(..).
قد يقول قائل إن الكلام عن محاربة “التنظيم العالمي للإخوان المسلمين” وامتداداته في بعض البلدان عقب الربيع العربي، يبدو مطلبا منطقيا من الناحية السياسية(..)، لكن التغيير مرتبط بصناعة نتائج ملموسة في صناديق الاقتراع داخل البلدان التي تنتمي إليها هذه الأحزاب، وليس عبر محاولة الانقضاض على السلطة بتكتيكات إعلامية(..)، والكل يعلم أن حزب الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال، يواجه اليوم شبح الانقراض، بسبب مشاكل الديمقراطية الداخلية، وإعلان أعضائه حربا مبكرة على إمارة المؤمنين، وهي نفس مشكلة حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي وقف وراء أخطر بلوكاج حكومي، بدعوى أنه لا يريد العمل مع بن كيران الذي كان من المفترض أن يقود الحكومة لولاية ثانية، لولا أنه ارتكب الأخطاء المعروفة، فلم يكن أمام القصر سوى إبعاده، والاكتفاء بحمايته أمنيا(..).
ورغم أن المنظمين تجنبوا التعريف بالمشاركين، إلا أن ذلك لا يمنع من الوقوف على النفس الانقلابي لبعض التنظيمات، علما أن تنسيقا من هذا النوع، تحده من الناحية العملية، ضوابط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة على حدة، فمهمة كل حزب سياسي هي تأطير المواطنين في الداخل والجاليات المحسوبة على البلاد، وليس التدخل في الشأن السيادي لباقي الدول بمحاولة تغيير نتائج الانتخابات(..)، وقد عشنا في المغرب محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات من خارج صناديق الاقتراع(..)، وهي المحاولة التي قادها الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، وهو ما عرف بـ”مؤامرة 8 أكتوبر 2016″ والتي كان من نتائجها العملية، حرمان حزب الاستقلال من المشاركة في الحكومة، عقابا له، وإبعاد شباط(..).
بالعودة إلى المشاركين في لقاء طنجة، سنجد بينهم أحزابا جزائرية، وهو الأمر الذي يمكن الترويج له بشكل سطحي كانتصار للدبلوماسية الحزبية، وهي دبلوماسية وهمية، ذلك أن الدبلوماسية هي الدبلوماسية الرسمية، ويختص بها في المغرب الملك محمد السادس، ولا أحد غيره، لذلك، لا توجد في المغرب وزارة للخارجية، بل وزارة لـ”الشؤون الخارجية والتعاون الدولي”، وهو ما يجعل عملها إداريا وليس ذا بعد سياسي(..)، وإذا رجعنا إلى قائمة الأحزاب الجزائرية المشاركة، سنجد من بينها حزب “التجمع من أجل الديمقراطية والثقافة”، ولا يعرف كثير من المغاربة أن هذا الحزب، من الأحزاب الراديكالية ذات الأبعاد الدولية، والدليل على ذلك، هو طريقة تفاعله مع الانتخابات الرئاسية في الجزائر، حيث أصدر مؤخرا بيانا دعا فيه إلى الانتفاضة الشعبية وتقرير المصير في الجزائر: ((من سيصدق أن الرجل الذي يُختزل كل رصيده السياسي في قائمة طويلة من الانقلابات والخيانات والدسائس التي دمرت الأمة، يمكن أن يتحول إلى النقيض لكي ينجز – الآن بعد أن خانته الصحة وأفرغت الخزينة- ما ظل يحاربه بكل تصميم ومنهجية طول عمره (المقصود بوتفليقة))).. هكذا يتحدث الحزب المذكور في بيانه قبل أن يضيف: ((إن الانتفاضة الشعبية التي تجري الآن أمام أعيننا، والتي أبهرت العالم، تعتبر من الظواهر التي تحدث مرة واحدة كل قرن في حياة الشعوب)) (المصدر: بيان الحزب).
هذا الحزب الجزائري، على سبيل المثال، يحلم بالثورة في الجزائر، لذلك لا غرابة أن تجد صور مؤسسه سعيد سعدي، رفقة عراب الثورات والحروب الداخلية، بيرنار هنري ليفي (انظر الصورة)، هذا الأخير قضى سنوات في المغرب في طنجة، وربما كان يحلم بإقامة ثورة هنا، لكنه وضع قصره للبيع ورحل، بعد أن انكشف أمره، بشكل فج(..).
إن مجرد بحث بسيط في لائحة المشاركين في لقاء طنجة، الخاص بشمال إفريقيا، والذي سيتبعه لقاء آخر بليبيا، تم تكليف حزب الأصالة والمنعاصرة المغربي بإعداد أوراقه، سيكشف أن من بين المشاركين، رئيس الكونغريس العالمي الأمازيغي، فتحي نخليفة، الناشط باسم “حركة الأمازيغي”، التي تسعى، بغض النظر عن صراع الشرعية داخلها، إلى إحياء “مشروع دولة تامزغا”، أو على الأقل دعم الحركات الانفصالية، التي تستغل الأمازيغية، لتفريق الشعوب بدل توحيدها، وربما لا يعلم كثير من المغاربة، أن فتحي نخليفة، هو رئيس حزب “ليبو” (ليبيا الأمة)، وهو الحزب الذي عقد جمعه العام تحت حماية الميليشيات في ليبيا، بعد إسقاط القذافي، وهو نفسه الحزب المتهم في تقارير الأمم المتحدة بأن لمؤسسيه علاقة بلوبي مهربي البترول الليبي(..)، وهو نفسه الحزب الذي يرفض مد الأمم المتحدة بلائحة أعضائه، فكيف وصل هذا الحزب إلى المغرب؟ ولأية غاية؟
هؤلاء الذين يتحركون اليوم كأصدقاء في السياسة، يوجد بينهم “أصدقاء الشعوب”، لذلك، فمجرد بحث بسيط، سيقود الباحث إلى معرفة أن فتحي نخليفة، على سبيل المثال، هو واحد من مؤسسي “منظمة اتحاد شعوب شمال إفريقيا” التي يرأسها الجزائري فرحات مهني، الذي يقود مبادرة انفصال “القبايل” في الجزائر، ولربما يبدو العجب أكثر في كون أمين مال هذه الجمعية، ليس سوى إلياس العماري، الذي يترأس “جمعية الصداقة بين الشعوب”، فمنذ متى كانت الصداقة بين الشعوب رديفا للمشاريع الانفصالية؟ من يدري.. ربما تكون مبادرة الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا، مجرد غطاء لمبادرة مستترة لـ”الضحك على شعوب شمال إفريقيا” بالتزامن مع الاستحقاقات الانتخابية في هذه البلدان(..).